الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَقُول ابْنُ تَيْمِيَّةَ: " فَالْمَقْصُودُ الْوَاجِبُ بِالْوِلَايَاتِ إِصْلَاحُ دِينِ الْخَلْقِ الَّذِي مَتَى فَاتَهُمْ خَسِرُوا خُسْرَانًا مُبِينًا، وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ مَا نَعِمُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِصْلَاحُ مَا لَا يَقُومُ الدِّينُ إِلَاّ بِهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُمْ (1) ".
وَيَقُول ابْنُ الأَْزْرَقِ: " إِنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ - يَعْنِي وُجُوبَ نَصْبِ الإِْمَامِ - رَاجِعَةٌ إِلَى النِّيَابَةِ عَنِ الشَّارِعِ فِي حِفْظِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا بِهِ، وَسُمِّيَ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ النِّيَابَةِ خِلَافَةً وَإِمَامَةً، وَذَلِكَ لأَِنَّ الدِّينَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي إِيجَادِ الْخَلْقِ لَا الدُّنْيَا فَقَطْ (2) ".
وَبَعْدَ هَذَا نَعْرِضُ إِلَى مَجْمُوعِ الْوِلَايَاتِ فِي الدَّوْلَةِ وَمَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْهَا مِنْ وَظَائِفَ:
أَوَّلاً: الْحَاكِمُ أَوِ الإِْمَامُ الأَْعْظَمُ:
4 -
الإِْمَامُ وَكِيلٌ عَنِ الأُْمَّةِ فِي خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَيَتَوَلَّى مَنْصِبَهُ بِمُوجِبِ عَقْدِ الإِْمَامَةِ (3) .
وَالأَْصْل فِي الإِْمَامِ أَنْ يُبَاشِرَ إِدَارَةَ الدَّوْلَةِ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا مُتَعَذِّرًا مَعَ اتِّسَاعِ الدَّوْلَةِ وَكَثْرَةِ وَظَائِفِهَا، وَتَعَدُّدِ السَّلِطَاتِ فِيهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُنِيبَ عَنْهُ مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ السُّلُطَاتِ مِنْ وُلَاةٍ، وَأُمَرَاءَ، وَوُزَرَاءَ، وَقُضَاةٍ، وَغَيْرِهِمْ،
(1) السياسة الشرعية ص 22.
(2)
بدائع السلك 1 / 93.
(3)
الموسوعة 6 / 215
وَيَكُونُونَ الْوُكَلَاءَ عَنْهُ فِي إِدَارَةِ مَا وُكِّل إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْمَالٍ. فَإِدَارَةُ الإِْمَامِ لِلدَّوْلَةِ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلاً عَنِ النَّاسِ وَنَائِبًا عَنْهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يُنِيبَ هُوَ وَيُوَكِّل مَنْ يَقُومُ بِأَعْبَاءِ الْحُكْمِ شَرِيطَةَ أَلَاّ يَنْصَرِفَ عَنِ النَّظَرِ الْعَامِّ فِي شُئُونِ الدَّوْلَةِ، وَمُطَالَعَةِ كُلِّيَّاتِ الأُْمُورِ مَعَ الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَال مَنْ يُوَلِّيهِمْ؛ لِيَتَحَقَّقَ مِنْ كِفَايَتِهِمْ لِمَنَاصِبِهِمْ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِمَامَةٌ كُبْرَى) .
ثَانِيًا: وَلِيُّ الْعَهْدِ:
5 -
وَهُوَ مَنْ يُوَلِّيهِ الإِْمَامُ عَهْدَ الإِْمَامَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْعَهْدِ تَصَرُّفٌ فِي شُئُونِ الدَّوْلَةِ مَا دَامَ الإِْمَامُ حَيًّا، وَلَا يَلِي شَيْئًا فِي حَيَاةِ الإِْمَامِ، وَإِنَّمَا تَبْدَأُ إِمَامَتُهُ وَسُلْطَتُهُ بِمَوْتِ الإِْمَامِ، فَتَصَرُّفُهُ كَالْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ لِلإِْمَامِ عَزْل وَلِيِّ الْعَهْدِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ؛ لأَِنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ، قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ خَلْعِ أَهْل الْحَل وَالْعَقْدِ لِمَنْ بَايَعُوهُ إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ (2) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِمَامَةٌ كُبْرَى) .
ثَالِثًا: أَهْل الْحَل وَالْعَقْدِ
6 -
وَوَجْهُ اعْتِبَارِهِمْ سُلْطَةً مُسْتَقِلَّةً أَنَّ لَهُمْ قُدْرَةَ
(1) الغياثي للجويني ص 291 - 292.
(2)
نهاية المحتاج 7 / 391، أسنى المطالب 4 / 110، الأحكام السلطانية للماوردي ص11.