الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
84 - باب ما جاء في المذي يصيب الثوب
ثنا هناد: نا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن عبيد -هو ابن السباق-، عن أبيه، عن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدّةً وعناءً، فكنت أكثر من الغسل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألته عنه فقال:"إنّما يجزيك من ذلك الوضوء"(1). قلت: يا رسول الله! كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: "يكفيك أن تأخذ كفًّا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه"(2).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي.
وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب، فقال بعضهم: "لا يجزئ إلا بالغسل، وهو قول الشافعي وإسحاق. وقال بعضهم: يجزئه النضح. وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح بالماء (3).
* الكلام عليه:
أخرجه أبو داود وابن ماجه.
فأبو داود: عن مسدد، عن ابن علية.
وابن ماجه: عن أبي كريب، عن ابن المبارك وعبدة بن سليمان، كلهم عن ابن إسحاق.
(1) الجامع كتاب المناقب (5/ 557) برقم 3634.
(2)
الجامع كتاب تفسير القرآن (5/ 234) برقم 3045.
(3)
الجامع كتاب تفسير القرآن العظيم (5/ 300 - 301) برقم 3166 باب ومن سورة الأنبياء عليهم السلام.
ومدار هذا الحديث على ابن إسحاق، وقد تقدم التعريف بحاله، وإن من الأئمة من يصحح حديثه، ومنهم من وقف عن الاحتجاج به في الأحكام (1).
وأما الترمذي فيصحح حديثه تارة ويحسنه تارة.
فمما صحح من حديثه:
حديث: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة الرؤيا الصادقة". رواه عن إسحاق بن موسى، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وحديث: "يمين الله ملأى سحاء". رواه في التفسير عن ابن منيع، عن يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق، عن أبي الرثد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وحديث: "لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث
…
". رواه عن سعيد بن يحيى الأموي، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وحديث: لما توفي عبد الله بن أُبَيّ دُعِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه
…
". رواه في التفسير، عن عبد بن حميد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس.
وحديث: "لا يحتكر إلا خاطئ". رواه عن إسحاق بن منصور، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن ابن المسيّب، عن معمر بن عبد الله بن نضلة (2).
(1) الجامع كتاب تفسير القرآن العظيم (5/ 260 - 261) برقم 3097.
(2)
الجامع كتاب البيوع (3/ 567) برقم 1267 ووقع في المطبوع من السنن فضلة بدل نضلة وهو خطأ.
وحسّن من أخباره:
حديث النهي عن نتف الشيب (1)؛ وقد كان يمكن أن يقال: هذا الحديث من رواية ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فلعل الذي قصر به عن التصحيح ذلك، لما في قبول هذه النسخة من الخلاف بين السلف.
لكن منع من ذلك أنه صحح حديث: "لا يحل سلف وبيع"(2). من رواية أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
وصحح حديث: "من لم يرحم صغيرنا
…
" (3). وهو من رواية ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب كذلك.
ومما حسن أيضًا من حديث ابن إسحاق:
"قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فقرع الباب
…
" أخرجه في الاستئذان عن محمد بن إسماعيل، عن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد، حدثني أبي يحيى عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة (4).
وحديث: "ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين
…
" (5). رواه عن أبي كريب، عن ابن المبارك، ويونس بن بكير، عن ابن
(1) الجامع كتاب الأدب (5/ 115) برقم 2821.
(2)
الجامع كتاب البيوع (3/ 535) برقم 234 باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.
(3)
الجامع كتاب البر والصلة (4/ 284) برقم 1920 باب ما جاء في رحمة الصبيان وقال حسن صحيح.
(4)
الجامع كتاب الاستئذان (5/ 72) برقم 2732 باب ما جاء في المعانقة والقبلة وقال حسن غريب.
(5)
الجامع كتاب الجنائز (3/ 347) برقم 1028 باب ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت وقال حسن.
إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد اليَزَني، عن مالك بن هبيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وربما ذكر من حديثه ما سكت عنه، ولم يعرض له بتصحيح ولا تحسين، وترك باب النظر فيه مفتوحًا لمن أراده كحديث: "سأل عثمانُ قباثَ بن أشيم: أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
…
" (1). رواه في المناقب، عن ابن بشار، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، عن جده: الحديث
…
قال أبو الحسن بن القطان (2): وفي إسناده أيضًا سعيد بن عبيد بن السباق، وهو ممن لا يعرف له حال، ولا يوقف فيه على جرح ولا تعديل، فينبغي أن يكون الحديث بسببه حسنًا (3).
هذا معنى كلامه، وقوله في ابن السبّاق: لم يوقف فيه على جرح صحيح، وأما قوله: ولا تعديل؛ فقد وثقه النسائي، وأبوه أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما، فاندفعت شبهة ابن القطان، ولم يبق الحمل إلا على ابن إسحاق.
وأما المذي وقد تقدم في الباب قبله ذكر اللغات فيه، ووصفه، وشيء من أحكامه.
وروى العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم -بالحاء والراء المهملتين-، عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عمّا يوجب الغسل،
(1) الجامع كتاب المناقب (5/ 550) برقم 3619 باب ما جاء في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وقال حديث حسن غريب.
(2)
انظر تهذيب الكمال (10/ 547) وتهذيب التهذيب (2/ 33).
(3)
انظر تهذيب الكمال (19/ 207) برقم 3717.
وعن الماء يكون بعد الماء فقال: "ذلك المذي وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة"(1).
في هذا الحديث زيادة غسل الأنثيين، وهو صحيح الإسناد (2)؛ فإنه عند أبي داود من حديث ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن العلاء. ومعاوية بن صالح أخرج له مسلم (3).
ولما ذكر عبد الحق هذا الحديث قال: لا يصح غسل الأنثيين، ولا يحتج بهذا الإسناد (4).
قال ابن القطان (5): كذا قال: وهو كذلك، ولكن بقي عليه أن يبين منه موضع العلة (6)، وهي الجهل بحال حرام بن حكيم الدمشقي (7)، ثم حكى أبو الحسن عن عبد الحق أنه قال -في باب ما يحل للرجل من امرأته-:
…
وذكر حديثًا من طريق حرام هذا، ثم قال بعده (8): حرام بن حكيم ضعيف (9).
(1) السنن كتاب الطهارة برقم 211 باب في المذي.
(2)
انظر رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 229) برقم 1564 وتقريب التهذيب (955) برقم 6810.
(3)
الأحكام الوسطى (1/ 138).
(4)
زاد في الأحكام الوسطى: في ذلك.
(5)
بيان الوهم والإيهام (3/ 310) برقم 1060.
(6)
بيان الوهم (3/ 312).
(7)
الأحكام الوسطى (1/ 279).
(8)
أي ابن القطان.
(9)
وتبع عبد الحق ابن حزم قال في المحلى (2/ 180 - 181): "حرام بن حكيم ضعيف".
وحرام وثقه العجلي كما في معرفة الثقات (1/ 290) ونسبه مصريًّا ورد عليه ابن عساكر وقال إنه دمشقي برقم 279 وابن حبان في ثقاته (4/ 185) والدارقطني ودحيم كما في تهذيب التهذيب (1/ 368) ومال إليه الحافظ ابن حجر.
هذا وإن كان العجلي وابن حبان من المتساهلين في التوثيق، فإن توثيقهما مع توثيق الدارقطني يصير معتبرًا على الأقل في نفي جهالة الحال.
قال: ولا أدري من أين جاءه تضعيفه، إنما هو مجهول الحال. انتهى.
وليس ذلك من عملهما بمستقيم في الحديثين معًا (1)؛ فقد خفي عليهما من توثيق حرام ما ذكره العجلي؛ قال أحمد بن عبد الله العجلي (2): مصري ثقة، كذا قال مصري، وإنما هو دمشقي، قاله الحافظ عبد الغني في ترجمته (3).
وقد أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (4).
وحرام بن حكيم هذا:
قال ابن أبي حاتم (5): حرام بن معاوية روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر كلامه، روى معمر عن زيد بن رفيع، عنه فقال (6): عن حرام بن حكيم: سمعت أبي يقول ذلك، ثم ذكر ترجمة حرام بن حكيم الدمشقي -فجعلهما ترجمتين، وإنما ذلك كله ترجمة واحدة- روى عن عمه عبد الله بن سعد، وأبي هريرة روى عنه العلاء بن الحارث، وزيد بن واقد، وعبد الله بن العلاء بن زيد .. سمعت أبي يقول ذلك.
فقال أبو بكر الخطيب -ومن خطه نقلت (7) -: حرام بن حكيم هو حرام بن معاوية، وليس بغيره، يختلف على معاوية بن صالح في اسم أبيه، وكان معاوية بن صالح يروي حديثه عن العلاء بن الحارث عنه، عن عمه عبد الله بن سعد، وقيل: إنه يرسل الرواية عن أبي ذر الغفاري وأبي هريرة، وابن أبي حاتم تبع البخاري في
(1) معرفة الثقات (1/ 290).
(2)
وكذا ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 307).
(3)
انظر تهذيب الكمال (5/ 520).
(4)
الجرح والتعديل (3/ 282) برقم 1259.
(5)
زاد في الجرح والتعديل مرسل.
(6)
قبل قوله فقال، قال في الجرح وروى عبد الله بن عمرو عن زيد بن رفغ فقال حرام بن حكيم بن حرام سمعت أبي يقول ذلك.
(7)
الجرح والتعديل (3/ 282) برقم 1260.
التفريق في الترجمة، وكذلك فعل أبو الحسنن الدارقطني ولعله تبع البخاري (1).
وروى بكر بن سهل، عن عبد الله بن صالح بن معاوية، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن معاوية، عن عبد الله بن سعد، وروى محمد بن إسماعيل بن عليّة وخالد بن محمد البصري، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن معاوية، عن عمه عبد الله بن سعد (2).
ويعضد هذا الحديث الذي رده عبد الحق في غسل الأنثيين ما روى أبو عوانة في "صحيحه"(3) من حديث سليمان بن حيان، عن ابن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني (4)، عن علي قال: كنت رجلًا مذّاءً فاستحييت أن أسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك (5)، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"يغسل أنثييه وذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة".
رواه عن موسى بن سهل، عن محمد بن عبد العزيز، عن يزيد بن خالد بن مرسل (6). يزيد بن خالد من أهل يافا.
(1) موضع أوهام الجمع (1/ 108) الوهم التاسع والعشرون.
(2)
التاريخ الكبير (3/ 101) برقم 351.
(3)
المؤتلف والمختلف (2/ 572).
قلت: وتبع البخاري ابنُ ماكولا كذلك كما في الإكمال (2/ 411) وكذا أبو أحمد العسكري ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في التهذيب (1/ 368).
وقد ناقش العلامة المعلمي الخطيب البغدادي فيما وهم فيه البخاري، فانظره في حاشية موضع أوهام الجمع (1/ 91) فإنه نفيس للغاية.
(4)
مسند أبي عوانة (1/ 229) برقم 765.
(5)
فأرسلت المقداد فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال الحديث، كذا في مسند أبي عوانة.
(6)
مُرَشَّل بفتح الراء تليها شين معجمة مفتوحة مشددة أبو مسلمة يزيد بن خالد بن مُرَشَّل الرملي، كذا قال ابن ناصر الدين الدمشقي في توضيح المشتبه (8/ 123 - 124) و (9/ 205) وفيه ذكر أنه من أهل يافا وانظر الأنساب (3/ 91) ترجمة الرملي.
ذكر أبو حاتم، عن محمود بن سُمَيْع قال: يزيد ثقة عاقل (1).
وكذلك عند أبي داود من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن علي.
ورواه يوسف بن يعقوب القاضي عن محمد بن أبي بكر، عن حماد بن زيد، عن هشام، عن عروة، أنّ عليًّا
…
فذكره (2).
ورجاله ثقات، إلا أن ابن أبي حاتم قال في المراسيل (3): عروة بن الزبير، عن أبي بكر مرسل، وعن علي مرسل.
قال القاضي أبو بكر بن العربي (4): أجمع العلماء على أن المذي نجس، واختلفوا في غسله أو نضحه (5).
فقال مالك والشافعي وإسحاق: لا يجزئه إلا الغسل.
وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح.
ودليلنا أنها نجاسة فوجب غسلها، أصلها سائر النجاسات، وهذا الحديث حجة لنا؛ لأنه قال:"يكفيك أن تأخذ كفًّا من ماء فتنضح به ثوبك"، والنجاسات على قسمين: نجاسة كلون الماء وهو البول والودي ونحوهما
…
ونجاسة تخالف لون الماء لزِم صبّ الماء حتى يذهب عنها، فإذا وافقت لون الماء فالواجب أن تكاثر بالماء خاصة، إذ ليس لها عين تزال، وكفّ من ماء على ما ورد في الحديث أكبر من نقطة من مذي (6). انتهى.
(1) الجرح والتعديل (9/ 259) برقم 1093.
(2)
السنن كتاب الطهارة برقم 209 باب في المذي.
(3)
المراسيل (149) برقم 541.
(4)
عارضة الأحوذي (1/ 145).
(5)
في العارضة وبدل أو.
(6)
في العارضة فإذا خالفت لون الماء وجب صب الماء.
وقد سبق في حديث المقداد نضح الفرج منه، وحملهم النضح على الغسل، فكذلك تأويله في الثوب، وقد قالوا في قوله عليه السلام:"إني لأعرف مدينة ينضح البحر جانبها بجانبها"(1) أن المراد الغسل.
قال الماوردي: ولو شكّ فيما أنزله هل هو مني أو مذي فلا غسل عليه للشك فيه، ويتوضأ ولا يلزمه غسله لجواز أن يكون منيًّا طاهرًا، وإن احتاط في الأمرين فغسله واغتسل كان أولى وأفضل.
وأما الودي؛ فهو كدر يخرج بعد البول قطرة أو قطرتين، وهو يوجب الوضوء دون الغسل كالمذي.
فصارت المائعات الخارجة من الذكر غير البول المعتاد ثلاثة: المني وهو طاهر يوجب الغسل، والمذي والودي وهما نجسان يجب منهما الوضوء، وغسل المحل أو نضحه على الخلاف الذي حكيناه.
* * *
(1) كذا الأصل، ولعل الصواب بجانبها، وفي رواية: بناصيتها.
والحديث رواه أحمد (2/ 30) وضعفه الألباني في "الضعيفة"(213).
أو حتى إن شئت قلت: ساحله، كما في "النهاية" (ن ض خ) وفي هامش نسخة السندي:
…
بين النضخ والنضح أيهما أكثر، والأكثر أنه بالمعجمة أقل من المهملة.
وقيل هو بالمعجمة الأثر يبقى في الثوب والحسد. وبالمهملة الفعل نفسه.
وقيل: هو بالمعجمة ما فعل تعمدًا.
وبالمهملة من غير تعمد. نهاية. اهـ.
قلت: واستفدنا من المطبوع بعض الكلمات التي جاءت على طرف التصوير؛ فلم تظهر.