الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - باب ما جاء في تأخير صلاة العصر
ثنا علي بن حجر، أنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة؛ أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلًا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلًا للعصر منه.
قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة نحوه.
* الكلام عليه:
انفرد أبو عيسى بإخراجه، وقد رواه ابن جريج عن ابن أبي مليكة كرواية أيوب، ورجاله رجال الصحيح.
ورواه الإمام أحمد في مسنده.
ورويناه من طريق الطبراني في المعجم الكبير عن عبيد بن غنام، نا أبو بكر بن أبي شيبة، ح. قال: ونا الحسين بن إسحاق التستري، نا عثمان بن أبي شيبة؛ قالا: نا إسماعيل بن علية، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة فذكره.
وقد سكت الترمذي عنه فلم يحكم عليه بتصحيح ولا تحسين، وهو كما ترى رجاله رجال الصحيح، والاختلاف على ابن علية برواية ابن حجر له عنه غير أيوب، ورواية ابني أبي شيبة إياه عن ابن جريج ليس بضار، إذ الكل ثقات، ولا يمتنع أن يكون ابن علية رواه عنهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا.
وفي الباب مما لم يذكره عن رافع بن خديج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم بتأخير العصر. رواه الدارقطني، وقال: لا يصح عن رافع ولا عن غيره من الصحابة،
والصحيح عن رافع وعن غير واحد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم التعجيل بصلاة العصر.
قال الأثرم بعد الإشارة إلى أحاديث التعجيل والتأخير: فهذه الأحاديث إنما وجهها إن كانت محفوظة أن يكون ذلك على غير تعمد، ولكن للعذر والأمر يكون.
وأما آخر وقت العصر فهو غروب الشمس، هذا هو الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به جمهور الأصحاب.
وقال أبو سعيد الإصطخري: آخره إذا صار ظل الشيء مثليه؛ فإن أخّر عن ذلك أثم، وكانت قضاءً.
قال الشيخ أبو حامد: هذا الذي قاله الإصطخري لم يخرجه على قواعد الشافعي لأن الشافعي في القديم والجديد أن وقتها يمتد حتى تغرب الشمس، وإنما هو اختيار لنفسه، وهو خلاف نص الشافعي والأصحاب واستدل بحديث إمامة جبريل.
ودليل الجمهور حديث أبي قتادة السابق وحديث أبي هريرة: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
وحديث أبي موسى: أنه عليه السلام أخَر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمرّت الشمس. وكلها صحيحة ومتأخرة، فالأخذ بها أولى، وأيضًا فليس حديث إمامة جبريل في الثبوت والصحة كهذه عندهم، وإن شملها اسم الصحيح على رأي، على أنه إن حملنا أحاديث إمامة جبريل في الوقتين على أنه كله وقت للاختيار، وهذه الأحاديث على بيان وقت الجواز لم يقع تعارض.
وألزم إمام الحرمين وغيره الإصطخري أن الحائض وغيرها من أهل الأعذار إذا
زال عذرهم قبل غروب الشمس بركعة لزمهم العصر بلا خلاف، فإن كان الوقت قد خرج لم تلزمهم، هذا معنى ما ذكروه.
قال إمام الحرمين: وهذا إلزام حسن. وقد ذكر عن الغزالي أنه قال في درسه: إن الإصطخري يحمل حديث من أدرك ركعة من العصر على أصحاب الأعذار.
فرع: قال القاضي حسين وغيره: للعصر خمسة أوقات: وقت فضيلة، ووقت اختيار، ووقت جواز بلا كراهة، ووقت جواز مع الكراهة، ووقت عذر.
فالفضيلة؛ من أول الوقت إلى مصير ظل الشخص مثله ونصف مثله، ووقت الاختيار إلى أن يصير مثليه، ووقت الجواز بلا كراهة إلى اصفرار الشمس، ووقت الجواز مع الكراهة حال الاصفرار حتى تغرب، والعذر وقت الظهر لمن جمع بسفر أو مطر.
فرع: وقد ذكرنا أن مذهبنا أن وقت الاختيار للعصر يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، وبه قال جمهور العلماء، وقال أبو حنيفة: يمتد إلى اصفرار الشمس، وقال ابن القاسم عن مالك آخر وقت العصر اصفرار الشمس، وقال ابن وهب، عن مالك: الظهر والعصر آخر وقتهما غروب الشمس. وهذا كله لأهل الضرورات كالحائض والمغمى عليه ومن يلزمه في الوقت خاصة كالصبي يحتلم والكافر يسلم، فهؤلاء لا تلزمهم صلاة خرج وقتها، وهذا على مذهبه في القول باشتراك وقت الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وسيأتي الكلام عليه في باب من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك إن شاء الله تعالى.
وقال أبو يوسف ومحمد: وقت العصر إذا كان ظل كل شيء قامته فيزيد على القامة إلى أن تتغير الشمس.
وقال أبو ثور: أول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله بعد الزوال، وزاد على الظل زيادة تتبين إلى أن تصفر الشمس، وهو قول أحمد بن حنبل: آخر وقت العصر ما لم تصفر الشمس، وحجة من قال هذا القول حديث عبد الله بن عمرو عن النبي عليه السلام قال: وقت العصر ما لم تصفر الشمس.
وقال إسحاق بن راهويه: آخر وقت العصر أن يدرك المصلي منها ركعة قبل الغروب. وهو قول داود لكل الناس معذور وغير معذور، صاحب ضرورة وصاحب رفاهية، إلا أن الأفضل عنده وعند إسحاق أول الوقت.
وقال الأوزاعي: إن ركع ركعةً قبل غروبها وركعة بعده فقد أدرك صلاة العصر في وقتها، وحجته حديث أبي هريرة:"من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك".
* * *