الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
86 - باب غسل المني من الثوب
(1)
حدثنا أحمد بن منيع: ثنا أبو معاوية: عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن سليمان بن يسار، عن عائشة:"أنها غسلت منيًّا من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
وفي الباب عن ابن عباس.
وحديث عائشة أنها غسلت منيًّا من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمخالف لحديث الفرك؛ لأنه إذا كان الفرك يجزئ، فقد يستحب للرجل أن لا يرى ثوبه أثره.
قال ابن عباس: المني بمنزلة المخاط؛ فأمطه عنك ولو بإذخرة (2).
* الكلام عليه:
صحح الترمذي حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن عائشة، وقواه بالمتابعة عن منصور، عن إبراهيم، ورجحه على حديث أبي معشر، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، وكلاهما صحيح أخرجه مسلم (3) وغيره.
والحديث عند إبراهيم عنهما، وكان يحدث تارة عن همام، وتارة عن الأسود، وتارة عنهما عن عائشة، وكلها في الصحيح -أعني أصل الحديث-.
(1) لم يأت في النسخ الثلاث تبويب.
(2)
الجامع (1/ 198 - 202) برقم 116 - 117.
(3)
في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 238) برقم 288 باب حكم المني، وأبو داود في سننه كتاب الطهارة برقم 371 باب المني يصيب الثوب وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 179) برقم 538 باب في فرك المني من الثوب والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 172) برقم 297 باب فرك المني من الثوب وفي الكبرى برقم 282.
فأما رواية أبي معشر التي أشار إليها فقد ذكرها مسلم (1) وتابعه عليها من طريق الأسود منصور والمغيرة بن مقسم وواصل الأحدب، وكلها عند مسلم، وحماد بن أبي سليمان، عند أبي داود، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عنه.
وأما حديث الأعمش، فقال الدارقطني: قال أبو عوانة، وعبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، وقد جمع بينهما حفص بن غياث، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود وهمام، كلاهما عن عائشة. رواه مسلم عن عمر بن حفص، عن أبيه.
وأما حديث منصور فقد ذكرنا أن مسلمًا رواه من طريقه عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشه بخلاف ما ذكره الترمذي فإنه ذكره عن منصور، عن إبراهيم، عن همام، عن عائشة.
وقد ذكر الشيخ أبو الحسنن الدارقطني أن الأشجعي رواه عن الثوري، عن منصور عن إبراهيم، عن همام، وعن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.
قال الدارقطني: وهو صحيح من حديث إبراهيم عن الأسود، وهمام عن عائشة؛ لأن حفص بن غياث جمع بينهما عن الأعمش، ولأن الأشجعي، عن الثوري جمع بينهما، عن منصور. انتهى.
فتحصّل من هذا أن حديث الأعمش ومنصور سواء في رتبة واحدة من الصحة، وأن حديث أبي معشر أيضًا يساويهما؛ لصحه الحديث عن همام والأسود عن عائشة، والأشجعي عبيد الله بن عبد الرحمن، أبو عبد الرحمن كوفي ثقة صاحب سفيان مخرّج له في الصحيحين.
وأما حديث عمرو بن ميمون، عن سليمان بن يسار، عن عائشة، فقد سكت
(1) صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 238) برقم 288 باب حكم المني.
الترمذي عنه (1)، ولم يحكم عليه بشيء.
قال البزار (2): وإنما يروى الغسل عن عائشة رضي الله عنها من وجه واحد: رواه عمرو بن ميمون، عن سليمان بن يسار، عن عائشة رضي الله عنها. ولم يسمع سليمان بن يسار من عائشة، ولا يكون معارضًا لهذه الأسانيد حديث عمرو، عن سليمان، عن عائشة.
وهذا توهين من البزار للحديث، وليس كما ذكر فإن الحديث صحيح مخرج في الكتب الستة (3)، وسماع سليمان بن يسار من عائشة؛ صحيح ثابت في الصحيحين (4):
أما البخاري: فرواه من حديث عبد الواحد، عن عمرو بن ميمون، عن سليمان بن يسار، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن المني يصيب الثوب؟ فقالت: "كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في
(1) هنا يقابلها في نسخة ابن العجمي حاشية قرأها الأخوة: قلت: بلى وهو صحيح.
ثم بعد عدة أسطر: بل قال الترمذي: حديث حسن صحيح. فينظر!
(2)
وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 334) قول البزار هذا في أن سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة وقال: "
…
على أن البزار مسبوق بهذه الدعوى، فقد حكاه الشافعي في الأم عن غيره" وانظر الإمام لابن دقيق العيد (3/ 416).
(3)
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 93) برقم 229 و 230 باب غسل المني وفركه ومسلم في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 239) برقم 289 باب حكم المني وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 260) برقم 373 وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 178) برقم 536 باب المني يصيب الثوب.
والنساني في سننه كتاب الطهارة (1/ 171) باب غسل المني من الثوب وفي الكبرى (1/ 128) برقم 288 باب غسل المني من الثوب.
(4)
انظر صحيح البخاري كتاب الوضوء (1/ 93) برقم 230 و 231 وكذا صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 239) برقم 289 باب حكم المني.
ثوبه بقع الماء".
وفي رواية محمد بن بشر عند مسلم؛ عن عمرو بن ميمون قال: سألت سليمان بن يسار عن المني يصيب الرجل، أيغسله أم يغسل الثوب؟ فقال: حدثتني عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه".
فلفظ البخاري عن سليمان: سألت عائشة، ولفظ مسلم عنه: حدثتني عائشة؛ وهذا صريح في السماع.
فهذا الحديث المسكوت عنه عند الترمذي صحيح أيضًا، وقد قيل: إن الفرك كان في ثياب ينام فيها، لا في ثياب يصلي فيها، واستدل عليه بحديث عمرو بن ميمون الماضي، وأن الغسل كان في ثوب الصلاة (1).
وبحديث يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن حُدَيْج (2)، عن معاوية بن أبي سفيان: أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؛ قالت: "نعم، إذا لم يَرَ فيه أذىً". أخرجه أبو داود (3).
وروى خالد بن الحارث، عن أشعث، عن محمد بن (4) عبد الله بن شقيق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لحف
(1) انظر الإمام (3/ 417).
(2)
في هامش نسخة السندي: بمهملة مضمومة ودال مهملة مفتوحة.
(3)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 257) برقم 366 باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه.
(4)
كذا في هذا الموضع ابن والصواب عن والتصويب من مصادر التخريج.
نسائه" (1). رواه شعبة (2) عن أشعث، وفيه: "لحفنا"، ويرد هذا التأويل حديث أبي معشر الصحيح (3)، من طريق عائشة الذي قدمناه، ولفظه: "أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه".
وأمّا من فرّق بين رطبه ويابسه: فروى الدراقطني (4) من حديث بشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت:"كنت أفرك المنيّ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسًا، وأغسله إذا كان رطبًا". أخرجه من حديث أبي إسماعيل الترمذي عن الحميدي.
ورواه الطحاوي (5) عن أحمد بن البرقي، عن الحميدي؛ إلا أنه قال فيه:"وأغسله أو أمسحه إذا كان رطبًا". شكّ (6) الحميدي، وكذلك رواه أبو (7) عوانة في "صحيحه".
وأما حكّ رطبه بالإذخر دون الغسل، فقد روى الدارقطني (8) من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق، نا شريك، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب،
(1) أخرجه الترمذي في سننه (2/ 496) برقم 600 أبواب الصلاة باب في كراهية الصلاة في لحف النساء وابن الجارود في المنتقى (1/ 136) برقم 134 والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 50) برقم 282.
(2)
وروايته عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 50) برقم 283.
(3)
وروايته هذه في صحيح مسلم كتاب الطهارة (1/ 238) برقم 288 باب حكم المني.
(4)
في سننه (1/ 125) برقم 3.
(5)
شرح معاني الآثار (1/ 49) برقم 275.
(6)
القائل شك الحميدي هو الطحاوي.
(7)
(1/ 204).
(8)
في سننه (1/ 124) برقم 1.
فقال: "إنما هو بمنزلة المخاط (1)، وإنما يكفيك مسحه بخرقة أو بإذخرة".
قال: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك، ثم أخرجه من حديث وكيع عن ابن عباس موقوفًا به (2).
لم يذكر الترمذي حديث ابن عباس هذا، وكذلك لم يذكر حديث أم سلمة. قرأت على محمد بن ساعد، أخبرك يوسف بن خليل، أنا البراني (3) زيد، أنا محمود الصيرفي، أنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنا الطبراني (4)، نا أحمد بن سهل الأهوازي، نا (5) سليمان بن داود المنقري ثنا سلم بن قتيبة عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة قالت:"كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقد اختلف العلماء (6) في طهارة المني أو نجاسته:
فروي عن عمر (7) بن الخطاب وابن مسعود وجابر (8) بن سمرة رضي الله عنهم أنهم غسلوه من ثيابهم، وأمروا بغسله، ومثله عن ابن (8) عمر وعائشة (8) على اختلاف عنهما.
وعن جُبَيْر بن نُفَير: أنّه أرسل إلى عائشة يسألها عن المني في الثوب، فقالت: إن شئت فاغسله وإن شئت فاحككه.
وروي عن سعيد بن المسيب أنه أمر بغسله.
(1) زاد في السنن والبزاق.
(2)
السنن (1/ 125) برقم 2.
(3)
في نسخة السندي: ابن أبي زيد، فانظر ما سيأتي ص (34).
(4)
المعجم الكبير (23/ 366 - 367) برقم 867.
(5)
أحمد بن سهل الأهوازي ثنا سليمان بن داود المقري ثنا سلم بن قتيبة عن أبي بكر الهذلي.
(6)
شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 187) وعارضة الأحوذي (1/ 147).
(7)
الأوسط (2/ 157).
(8)
الأوسط (2/ 157).
وروى عنه أنه قال: إذا صلى فيه لم يعد.
وقال مالك: غسل الاحتلام من الثوب أمر مجمع عليه عندنا، وعن الأوزاعي نحوه.
ولا يجوز عند مالك وأصحابه في سائر النجاسات إلا الغسل بالماء، ولا يجزئ عنده الفرك وأنكره ولم يعرفه.
وأما أبو حنيفة وأصحابه فالمني عندهم نجس، ويجزئ فيه الفرك على أصلهم في النجاسات (1)، أنه يطهرها كل ما أزال عينها من الماء وغير الماء.
وقال الثوري: يفركه فإن لم يفركه أجزأته صلاته.
وقال الحسن بن حيّ: لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كثُر، وتعاد من المني في الجسد، وإن قل، وكان يفتي مع ذلك بفركه من الثوب إذا كان يابسًا، ويغسله إذا كان رطبًا.
وقال الليث بن سعد: هو نجس، ويعيد منه في الوقت، ولا يعيد بعده، ويفركه من الثوب بالتراب قبل أن يصلي.
وقال الشافعي: المني طاهر، ويفركه من ثوبه إذا كان يابسًا، وإن لم يفركه فلا بأس به، وأما النجاسات فلا يطهرها عنده إلا الغسل بالماء كقول مالك سواءً.
والمني عند أبي ثور وأحمد وإسحاق وداود وطاهر كقول الشافعي، ويستحبون غسله رطبًا، وفركه يابسًا، وهو قول سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس، كان سعد يفرك المني من ثوبه، وقال ابن عباس: هو نجس أمطه عنك بإذخرة أو امسحه بخرقة.
وروى معمر عن الزهري، عن طلحة بن عبيد الله، عن أبي هريرة: أنه كان
(1) هنا حاشية في نسخة ابن العجمي لم أستطع قراءتها.
يقول في الجنابة تصيب الثوب: إن رأيت أثره فاغسله، وإن شككت فلم تدر أصاب الثوب أم لا فانضحه.
وروي نحو ذلك عن ابن عمر وسعيد بن المسيب، وعن أنس بن مالك والشعبي وابن سيرين وجماعة من التابعين.
هذا حكم المني، ولنا قول شاذ: أن منيّ المرأة نجس دون مني الرجل، وقول أشذّ منه: أنّ مني الرجل ومنىّ المرأة نجس، والصواب أنهما طاهران.
وهل يحل أكل المني الطاهر؟
فيه وجهان لأصحابنا، أظهرهما أنّه لا يحل أكله لأنه مستقذر؛ فهو داخل في جملة الخبائث المحرمة علينا.
وأما منيّ باقي الحيوانات غير الآدمي، فمنها الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما، فمنيّها نجس بلا خلاف، وما عداها من الحيوانات في منيّه ثلاثة أوجه:
* الأصح: أنها كلها طاهرة من مأكول اللحم وغيره.
* والثاني: أنها نجسة.
* والثالث: التفرقة بين مأكول اللحم، فهو طاهر، وغيره فهو نجس.
أما القول بنجاسة المنيّ عند القائلين فله وجوه (1):
* الأول: حديث الغسل منه، وهو صحيح كما تقدّم.
* الثاني: أن الفضلات المستحيلة إلى الاستقذار في مقر تجتمع فيه نجسة، والمني منها فليكن نجسًا.
* الثالث: أن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة، والمني منها، أي من الأحداث الموجبة للطهارة.
(1) قال الشيخ السندي في نسخته: ها هنا سقط، والله أعلم.
* الرابع: أنه يجري على مجرى البول فينجس.
وأما في كيفية إزالته فلأن النجاسة لا تزال إلا بالماء؛ إلا ما عُفِيَ عنه من آثار بعضها، والفرع ملحق بالأعم الأغلب.
وأما أبو حنيفة رحمه الله فإنّه اتبع الحديث في فرك اليابس، والقياس في غسل الرطب، ولم يَرَ الاكتفاء بالقول دليلًا على الطهارة، وشبّهه بعض أصحابه بما جاء في الحديث من دلك النعل من الأذى، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:"إذا وطئ أحدكم الأذى بخفه أو بنعله فطهورها التراب".
رواه الطحاوي من حديث أبي هريرة، فإن الاكتفاء بالدلك فيه لا يدل على طهارة الأذى.
وأما الشافعي رحمه الله فاتّبع الحديث في فرك اليابس ورآه دليلًا على الطهارة؛ فإنه لو كان نجسًا لما اكتفى فيه إلا بالغسل قياسًا على سائر النجاسات، فلو اكتفى بالفرك مع كونه نجسًا لزم خلاف القياس، والأصل عدم ذلك.
وهذا الحديث يخالف ظاهره ما ذهب إليه مالك، وقد اعتذر عنه بأن الفرك فيه محمول على الفرك بالماء، وفيه بعد؛ لأنه ثبت في بعض الروايات في هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"لقد رأيتني وإنّي لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري".
فهذا تصريح بيبسه.
وأيضًا ففي رواية يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت:"كنت أفرك المنيّ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان يابسًا، وأغسله أو أمسحه إذا كان رطبًا"، شك الراوي.
وهذا التقابل بين الغسل والفرك يقتضي اختلافهما، والذي قرب التأويل المذكور عند من قال به: إما في بعض الروايات عن عائشة أنها قالت لضيفها الذي غسل الثوب: "إنما كان يجزئك أن رأيته أن تغسل مكانه، وإن لم تره نضحت حوله، لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فحصرت الإجزاء في الغسل لما رآه، وحكمت بالنضح لما لم يره، وهذا حكم النجاسات، فإن كان هذا الفرك المذكور من غير ماء، ناقض آخر الحديث أوله؛ الذي يقتضي حصر الإجزاء في قولها لأحكه يابسًا بظفري، أصرح وأنص على عدم الماء مما ذكر من القرائن في كونه مفروكًا بالماء، والحديث الواحد اختلفت طرقه ونعني بالقرائن النضح لما لم يُرَ، وقولها:"إنما كان يجزئك".
ومن الناس من سلك طريقة أخرى في الأحاديث التي اقتصر فيها على ذكر الفرك، فقال: هذا لا يدل إلا على الفرك من الثوب، وليس فيه دلالة على أنه الثوب الذي يصلى فيه فيحمل على قرب النوم، ويحمل الحديث الآخر الذي فيه الغسل على ثوب الصلاة، بدليل قولها:"فيخرج إلى الصلاة، وإن بقع الماء في ثوبه". ولا يقال إذا حملتم الثوب على ثوب غير الصلاة، فأي فائدة في ذكر ذلك؟ لأنا نقول: فائدته جواز لباس الثوب النجس في غير حالة الصلاة، وهذه الطريقة: قد تمشي لو لم يأت روايات صحيحة بقولها: "أفركه ثم يصلي فيه"، وفي بعضها:"فيصلي فيه". فأخذ بعضهم من كون الفاء للتعقيب، أنه يعقب الصلاة بالفرك، ويقتضي ذلك عدم الغسل قبل الدخول في الصلاة، واحتمال غسله بعد الفرك واقع يقتضيه القياس، ولكن الأصل عدمه، فيتعارض النظر بين اتباع الأصل ومخالفة هذا القياس، أو بين اتباع القياس ومخالفة الأصل، فما ترجح منهما عمل به.
* * *