الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
90 - باب ما جاء في المرأة ترى مثل ما يرى الرجل في المنام
ثنا ابن أبي عمر: نا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة قالت:"جاءت أم سليم بنت ملحان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة غسل إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل؟ قال: "نعم، إذا هي رأت الماء فلتغتسل"، قالت أم سلمة: قلت لها: فضحت النساء يا أم سليم".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وهو قول عامة الفقهاء أن المرأة إذا رأت في المنام (1) ما يرى الرجل وأنزلت أن عليها الغسل. وبه يقول سفيان الثوري والشافعي.
قال: وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس (2).
* الكلام عليه:
أخرجه البخاري (3) ومسلم (4) والنسائي (5) وابن (6) ماجه.
وأما حديث أم سليم فروى مالك (7) في الموطأ عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن أمَّ سُلَيْم قالت: يا رسول الله، المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل،
(1) بزيادة مثل كما في نسخة أحمد شاكر رحمه الله.
(2)
الجامع (1/ 209 - 210).
(3)
في صحيحه كتاب الغسل (1/ 109) برقم 282 باب إذا احتلمت المرأة.
(4)
في صحيحه كتاب الحيض (1/ 250) برقم 313 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.
(5)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 123) برقم 197 باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.
(6)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 197) برقم 600 باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.
(7)
الموطأ (1/ 51) برقم 84.
أتغتسل؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، فلتغتسل"، فقالت لها عائشة: أفٍّ لك، وهل ترى ذلك المرأة! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تربت بمينك، ومن أين يكون الشبه؟ ".
ذكر أبو (1) عمر أنه يُختلف على مالك في وصله، وكذلك عن ابن شهاب.
قال: ومن وصله عن ابن شهاب من أصحابه فإنما رواه عنه، عن عروة، عن عائشة.
كذلك رواه مسافع الجهني، عن عروة، عن عائشة (2).
وعندي أنه موصول من الطريقين وسواء قال فيه من رواه من أصحاب مالك عنه، أو من أصحاب ابن شهاب عنه، لأن قول عروة عن عائشة في أثناء الحديث: فقالت عائشة: أُفٍّ لك، وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة عن إنكارها ذلك كله من رواية عروة عن عائشة. فالخبر كله عند عروة، عن عائشة لا سيما، ونصه عن عروة أن أم سليم بهذه الصيغة، ثم أتبع ذلك بتمامه المصرح بروايته عن عائشة.
فسياق الخبر يقتضي أن عروة روى القصة عن عائشة، وهي التي ذكرت له ما كان من سؤال أم سليم، ومن جواب النبيّ صلى الله عليه وسلم إيّاها، وهذا ظاهر.
وقد رواه مالك (3) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب. نحوًا من رواية الترمذي، وكذلك سائر من رواه عن هشام بن عروة؛ فإنما رواه عنه، عن أبيه، عن زينب. كما ذكرناه. لا عن عروة، عن عائشة، وهو الصحيح عندهم، أنّه لعروة عن زينب، عن أمّها، لا عن عائشة. قاله أبو عمر (4).
ولست أدري ما المانع من أن يكون في ذلك حديثان: أحدهما: عن عروة عن
(1) انظر التمهيد (8/ 333 فما بعدها) والاستذكار (3/ 120 - 122).
(2)
عند أبي داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 165) باب في المرأة ترى ما يرى الرجل.
(3)
الموطأ (1/ 51) برقم 85.
(4)
الاستذكار (3/ 122).
عائشة، والآخر: عن عروة، عن زينب.
وروى مسلم (1) عن أنس بن مالك، أنّ أم سليم حدّثت: أنّها سألت نبيّ الله، عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل". قالت أم سلمة: فاستحييت من ذلك، وهل يكون هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نعم، فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه".
وفيه من حديث مسلم (2) من طريق عائشة: "إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه الولد أعمامه".
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فأخرجه مسلم (3) وأبو (4) داود والنسائي (5)، ولفظه من طريق أبي داود (6) عن عائشة: أنّ أم سليم الأنصاريّة وهو أم أنس بن مالك قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل، أتغتسل أم لا؟ قالت عائشة: فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "فلتغتسل إذا وجدت الماء"، قالت عائشة: فأقبلت عليها، فقلت: أُفٍّ لك، وهل ترى ذلك المرأة؟ فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"تربت يمينك يا عائشة، ومن أين يكون الشبه؟ ".
(1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 250) برقم 311 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.
(2)
في صحيحه كتاب الحيض (1/ 251) برقم 314 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.
(3)
في صحيحه كتاب الحيض (1/ 251) برقم 314 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 162 - 163) برقم 237 باب في المرأة ترى ما يرى الرجل.
(5)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 121 - 122) برقم 196 باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.
(6)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 162 - 163) برقم 237 باب في المرأة ترى ما يرى الرجل.
رواه النسائي (1) من حديث الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وأما حديث خولة فروينا عن الدارمي (2) بالسند المتقدّم قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي: أنا شعبة، عن عطاء الخراساني قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول: سألت خالتي خولة بنت حكيم السلمية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم فأمرها أن تغتسل.
ورواه النسائي (3) وابن (4) ماجه، وعطاء الخراساني أخرج له مسلم في صحيحه (5)، ووثّقه يحيى (6) بن معين، وأبو (7) حاتم الرازي، وتكلّم فيه غيرهما (8).
(1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 121 - 122) برقم 196 باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.
(2)
في سننه (1/ 214) برقم 762 باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.
(3)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 124) برقم 198 باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 197) برقم 602 باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.
(5)
رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 102) برقم 1256.
(6)
التاريخ برواية الدوري (2/ 405) برقم 791 وتاريخ الدارمي (146) برقم 499.
(7)
الجرح والتعديل (6/ 335) برقم 1850.
(8)
قلت: ذكره البخاري في الضعفاء الصغير (93) برقم 278.
وقال ابن حبان في المجروحين (2/ 131): "رديء الحفظ كثير الوهم يخطئ ولا يعلم فحمل عنه، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به".
وعلق الإمام الذهبي في ميزانه (3/ 471) على كلام ابن حبان قائلًا: "فهذا القول من ابن حبان فيه نظر".
وذكره كذلك العقيلي في الضعفاء (3/ 405 فما بعدها) وكذا ابن الجوزي في الضعفاء (2/ 178) برقم 2312.
وأما حديث أنس فروى مسلم (1) من حديث عكرمة بن عمار قال: قال إسحاق بن أبي طلحة: حدثني أنس بن مالك قال: جاءت أم سليم -وهي جدة إسحاق- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له -وعائشة عنده-: يا رسول الله، المرأة ترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه، فقالت عائشة: فضحت النساء، تربت يمينك. فقال لعائشة:"بل أنت، فتربت يمينك، نعم، فلتغتسل يا أمّ سليم إذا رأت ذلك".
وروى مسلم (2) أيضًا من حديث أبي مالك الأشجعي، عن أنس بن مالك قال: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل في منامه، فقال:"إذا كان منها ما يكون من الرجل، فلتغتسل".
وفي الباب مما لم يذكره الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وفيه أن السائلة بُسْرة.
قال أبو (3) بكر بن أبي شيبة: ثنا محمد بن بشر العبدي قال: نا عبد الله بن عامر، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاءت امرأة يقال لها بسرة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إحدانا ترى أنّه (4) يجامعها زوجها في المنام، فقال:"إذا وَجَدْتِ بللًا فاغتسلي يا بُسرة".
وقد رويناه من طريق الطبراني (5)، وفيه أنّ السائلة أم سلمة: أخبرنا أبو عبد
(1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 250) برقم 310 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.
(2)
في صحيحه كتاب الحيض (1/ 250) برقم 312 باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.
(3)
المصنف (1/ 81).
(4)
في المصنف ترى أنها مع زوجها في المنام.
(5)
المعجم الكبير (23/ 257) برقم 532.
الله ابن سلمان الحلبي بقراءتي عليه: أنا ابن خليل: أنا ابن أبي زيد: أنا أبو منصور الصيرفي: أنا أبو الحسين بن ملك فاذشاه: أنا الطبراني: أنا الحسين بن إسحاق قال: نا رزق الله بن موسى: نا شبابة: نا شعبة، عن عبد العزيز بن رفيع قال: سمعت أبا سلمة: أنّ أم سلمة سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم؟ فقال: "تجد شهوة؟ " قالت: نعم، قال:"فلتغتسل".
وبه إلى الطبراني (1): نا الحسن بن سهل المجوز البصري: نا أبو عاصم: نا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الله بن طرفة، عن أم سلمة قالت: قالت أم سليم: يا رسول الله، المرأة تحتلم؟ قال:"إذا رأت الماء الأصفر فلتغتسل".
في حديث عائشة قولها: أفٍّ لك. أفّ تجرّ وترفع وتنصب بتنوين وبغير تنوين. وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء، وأُفْ بضم الهمزة وإسكان الفاء، وأُفِّى بضم الهمزة، وبالياء، وأُفَّه بالهاء.
وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار (2).
قالوا: والأَفّ وسخ الأذن، والتّف وسخ الأظفار (3)، وقوله عليه السلام:"تربت يداك"، و"تربت يمينك"، فيه قولان (4):
• أحدهما أن يكون أراد استغنت يداك أو يمينك، كأنه يعرض لها بالجهل
(1) المعجم الكبير (23/ 297) برقم 659.
(2)
انظر شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 224 - 225).
(3)
انظر شرح صحيح مسلم (3/ 225) وهو بالحرف الواحد في التمهيد (8/ 339) والاستذكار (3/ 127).
(4)
وقريب منه ما في المنتقى للباجي (1/ 105)، وانظر شرح صحيح مسلم (3/ 225) وكذا في التمهيد (8/ 340).
كما أنكرت ما لا ينبغي أن تنكره، فخاطبها بضد المعنى تأنيبًا (1) كما قيل في قوله عز وجل:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} ، وكما تقول فيمن كفّ عن السؤال فيما جهله: أمَّا أنت فاستغنيت أن تسأل عن مثل هذا، أي لو أنصفت نفسك ونصحت لها لسألت.
وقال غيره: هو كما يقال للشاعر إذا أجاد: قاتله الله ما أشعره، وأخزاه الله لقد أجاد، ومنه الحديث:"ويل أمه مسعِّر حرب"(2).
قال أبو (3) عمر: وهذا كله عندي فرار من الدعاء على عائشة صريحًا (4)، فإن ذلك غير ممكن من النبيّ صلى الله عليه وسلم عندهم.
وأنكر أكثر أهل العلم باللغة والمعاني أن تكون هذه اللفظة بمعنى الاستغناء، وقالوا: لو كانت (5) بمعنى الاستغناء لقال (6): أتربت يمينك، أي: افتقرت من العلم. انتهى.
وعلى تقدير هذا القول الأخير: أي افتقرت من العلم، فيكون المراد الخبر لا الدعاء، ويكون معنى افتقرت: أي افتقرت من معرفة هذه المسألة الخاصة. والله أعلم.
وقول أم سليم (7): إن الله لا يستحيي من الحق؛ ممهد لبسط عذرها، فيما تريد
(1) في التمهيد وفي الاستذكار تنبيهًا وتأنيبًا.
(2)
في الاستذكار (3/ 127): وقال غيره هو كما يقال للشاعر إذا أجاد: قاتله الله، وأخزاه، لقد أجاد ويله مسعر حرب وقال: ويل أمه وهو يريد مدحه.
(3)
التمهيد (8/ 340).
(4)
قوله صريحًا ليس في التمهيد وهو في الاستذكار (3/ 127) تصريحًا.
(5)
في التمهيد لو كان بدل لو كانت وفي الاستذكار لو كانت كما نقل المصنف.
(6)
في التمهيد لكانت وفي الاستذكار (3/ 128) لقال.
(7)
هذا ابتداء كلام ابن دقيق العيد كما في شرح عمدة الأحكام (1/ 392).
أن تسأل عنه لا فيه من ذكر ما يستحيي النساء من ذكره، وهوأصل فيما يستعمله الكتاب والأدباء في ابتداء مكاتباتهم من التمهيد (1)، لا يأتون به بعد ذلك، والذي يحسّنه في مثل هذا أن الذي يعتذر به إن جاء (2) متقدّمًا على المعتذر عنه (3) أدركته النفس سالمًا (4) من العيب، وإن جاء متأخرًا أثار النفس بقبيح ما يأتي به، ثم يأتي العذر بعد ذلك فيكون رافعًا لما وقع، وعلى الأول يكون دافعًا عن الوقوع، وبينهما فرق كبير (5).
ومعنى: لا يستحيي من الحق: أي لا يأمر بالحياء فيه (6)، أو لا يمنع (7) من ذكره، أو لا يبيح البقاء على الجهل به، وأصل الحياء الامتناع أو ما يقاربه من معنى الانقباض، فكأن المستحيي يمتنع من فعل أو ذكر ما يستحيي منه، فصار الامتناع من لوازم الحياء، فيطلق الحياء على الامتناع إطلاق اسم الملزوم على اللازم (8).
وفي الحديث دليل على وجوب الغسل على المرأة بإنزالها الماء، ويكون الدليل على وجوبه على الرجل بقوله:"إنما الماء من الماء"، ويحتمل أن تكون أم سليم لم تسمع قوله عليه السلام:"إنما الماء من الماء"، وسألت عن حال المرأة لمسيس حاجتها إلى ذلك، ويحتمل أن تكون سمعته ولكنها سألت عن حال المرأة لقيام مانع فيها
(1) عند ابن دقيق العيد من التمهيدات.
(2)
عند ابن دقيق العيد إذا كان متقدمًا.
(3)
عند ابن دقيق العيد منه بدل عنه.
(4)
عند ابن دقيق العيد صافية بدل سالما.
(5)
شرح عمدة الأحكام (1/ 392 - 393) بتصرف يسير.
(6)
زاد ابن دقيق ولا يبيحه.
(7)
عند ابن دقيق العيد أو لا يمتنع.
(8)
قال الصنعاني في حاشيته على شرح عمدة الأحكام (1/ 395): قوله: "إطلاقًا لاسم الملزوم على اللازم" فهو مجاز مرسل قرينته عقلية.
يوهم خروجه (1) عن ذلك العموم وهو (2) ندرة بروز (3) الماء منها.
وفيه أنّ إنزال الماء في حالة النوم موجب للغسل كإنزاله في حالة اليقظة، وفي قوله عليه السلام:"إذا رأت الماء"، ما يردّ على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها، ويمكن من يقول: إن ماء المرأة لا يبرز، أن يحمل الرؤية هنا على العلم؛ أي إذا علمت نزول الماء وعرفته بالشهوة التي تجدها، وجب عليها الغسل، ولا يوقف الحكم حينئذ على البروز الممتنع عند كثير من الناس (4).
وقد أجمع (5) العلماء (6) على وجوب الغسل على (7) المرأة بخروج المنيّ (8) وإيلاج الحشفة في الفرج (9)، وكذلك الحيضة والنفاس (10).
واختلفوا في وجوبه على من ولدت ولم تر دمًا أصلًا، والأصح عند أصحابنا وجوب الغسل، ومن لا يوجب الغسل يوجب الوضوء.
والمراد عندهم بخروج المني أن يخرج إلى الظاهر، أمّا ما لم يخرج فلا يجب الغسل، وذلك بأن يرى النائم بأنه يجامع وأنّه قد أنزل، ثم يستيقظ فلا يرى شيئًا فلا غسل عليه (11).
(1) عند ابن دقيق العيد خروجها وهو المناسب للسياق.
(2)
عند ابن دقيق العيد وهي.
(3)
عند ابن دقيق العيد نزول بدل بروز.
(4)
انتهى كلام ابن دقيق العيد بشيء من التصرف (1/ 397).
(5)
هذا ابتداء كلام النووي في شرح صحيح مسلم (3/ 220).
(6)
عند النووي المسلمون بدل العلماء.
(7)
عند النووي على الرجل والمرأة.
(8)
عند النووي أو بدل الواو.
(9)
وعند النووي أو إيلاج الذكر في الفرج.
(10)
عند النووي وأجمعوا على وجوبه عليها بالحيض والنفاس.
(11)
زاد النووي بإجماع المسلمين.
وكذلك (1) لو اضطرب بدنه كمبادئ (2) خروج المني ولم يخرج، وكذا لو نزل إلى أصل الذكر، ثم لم يخرج فلا غسل، وكذا لو صار المني في وسط الذكر، وهو في صلاة فأمسك بيده على ذكره فوق حائل، فلم يخرج المني حتى سلم من صلاته صحّت صلاته، فإنّه ما زال متطهّرًا حتى خرج.
والمرأة كالرجل في كل ذلك، إلا أنها إذا كانت ثيّبًا فنزل المني إلى فرجها، ووصل الموضع الذي يجب عليها غسله في الجنابة والاستنجاء، وهو الذي يظهر حال قعودها لقضاء الحاجة، وجب عليها الغسل بوصول المنيّ إلى ذلك الموضع لأنه في حكم الظاهر، وإن كانت بكرًا لم يلزمها ما لم يخرج من فرجها، لأن داخل فرجها كداخل إحليل الرجل. والله أعلم (3).
وقوله عليه السلام: "فمن أين يكون الشبه؟ "، فيه لغتان: كسر الشين، وسكون الباء، وفتحهما معًا (4).
وقد اختلفت العبارات عن هذا المعنى في حديث أم سلمة وحديث عائشة وحديث ثوبان، وما وقع في الأحاديث من وصف الماءين ماء الرجل بالغلظ والبياض، وماء المرأة بالرقة والصفرة، هو الغالب مع سلامة المزاج وصحة القوى، وقد يتخلف هذا العرض أو في نادر من الصور كما سبق.
وقوله: "فمن أيّهما علا أو سبق يكون منه الشبه" أي: فمن أجل علو وسبق أحدهما يكون الشبه، ويحتمل أن يقال: إن من زائدة على مذهب من يزيدها في الواجب من الكوفيين، ومنه قوله تعالى:{يغفر لكم من ذنوبكم} ؛ فتقديره:
(1) عند النووي وكذا.
(2)
عند النووي لمبادى.
(3)
شرح صحيح مسلم (3/ 220).
(4)
انظر إكمال المعلم (2/ 150)، وشرح النووي (3/ 222).
أيهما سبق، ويحتمل أن تكون (أو) في قوله سبق أو علا للشك من أحد الرواة، ويحتمل أن تكون للتنويع؛ أي: أي نوع كان منهما كان منه الشبه.
ونحو قول الشاعر:
فقالوا لنا ثنتان لا بد منهما
…
صدر ورماح أشرعت أو سلاسل
يريد أن أحد النوعين لا بد منه.
وسبق؛ أي بادر بالخروج، وقد جاء في رواية: سبق إلى الرحم، ويحتمل أن يكون بمعنى (غلبته) من قولهم: سابقني فلان فسبقته؛ أي غلبته، ومنه قوله تعالى:{وما نحن بمسبوقين} أي بمغلوبين، ويكون معناه يكبر (1).
وقوله في الرواية الأخرى: "إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماؤها أشبه الرجل أعمامه"؛ يقتضي هذا أن العلو يقتضي الشبه. وقد جعل العلو في الحديث الآخر من رواية ثوبان تقتضي الذكورة (2)، وهو من المرأة الأنوثة، فعلى مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه بالأعمام بالذكورة بعلو ماء الرجل، وكذلك يلزم إذا علا ماء المرأة اقترن الشبه للأخوال بالأنوثة، وليس الأمر كذلك في الخارج مطردًا، بل قد يكون شبه الخؤولة مع الإذكار، وشبه العمومة مع الإيناث.
فلا بد من التأويل، والذي يمكن أن يقال في تأويله: أن المراد بالعلو السبق؛ أي: سبق الماء إلى الرحم، ووجهه أن العلو لما كان معناه الغلبة والسبق، قد يستعمل في الجلبة، كما قال تعالى:{وما نحن بمسبوقين} أي: بمغلوبين، كان أحدهما مستعملًا في موضع الآخر، والسابق غالب [في ابتدائه بـ](3) الخروج، قيل فيه
(1) في نسخة السندي: ويكون معنى بكر، ثم ذكر هامشه: ويكون بمعنى يكبر.
(2)
عند السندي: بالذكورة، ومن المرأة.
(3)
زيادة من نسخة السندي.
(علا)، ويؤيد هذا التأويل رواية من رواه:"إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أنّثا"(1).
وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على اختلاف هذه الألفاظ في هذا الحديث تقسيمًا ذكره، فقال: "إن الماء بين أربعة أحوال:
الأول: أن يخرج ماء الرجل أولًا.
الثاني: أن يخرج ماء المرأة أولًا.
الثالث: أن يخرج ماء الرجل أولًا ويكون أكثر.
الرابع: أن يخرج ماء المرأة أولًا فيكون أكثر.
ويتم التقسيم بأن يخرج ماء الرجل أولًا، ثم يخرج ماء المرأة بعده فيكون أكثر وبالعكس.
فإذا خرج ماء الرجل أولًا وكان أكثر جاء الولد ذكرًا بحكم السبق، وأشبه الولد أعمامه بحكم الكثرة.
وإن خرج ماء المرأة أولًا وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق، وأشبه الولد أخواله بحكم الكثرة.
وإن خرج ماء الرجل أولًا، ولكن لا خرج ماء المرأة بعده كان أكثر، كان الولد ذكرًا بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة.
وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل وكان أعلى من ماء المرأة كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة، وأشبه أعمامه بحكم غلبة ماء الرجل.
قال: وبانتظام هذه الأقسام يستتب الكلام ويرتفع التعارض عن الأحاديث.
(1) ضرب عليه في نسخة السندي وكتب: أنث.
وهذه الأحاديث كلها تدل على أن الغسل في الاحتلام إنما هو من رؤية الماء لا من رؤية الفعل.
وعلى أن الولد يكون من مجموع ماء الرجل والمرأة معًا، خلافًا لمن ذهب إلى أن الولد إنما هو من ماء المرأة، وأن ماء الرجل له عاقد، كالأنفحة للبن.
وقول أم سلمة: (فضحت النساء)؛ أي: قلت ما يستحيى من مثله، وما يستحيين من وصفهن به ويكتمنه، وذلك أن مثل ذلك منهن يدل على شدة شهوتهن للرجال.
وأم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، اختلف في اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، يقال لها: الغميصاء والرميصاء، وقد قيل في اسمها غير ما ذكرنا.
كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك، ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري، خطبها مشركًا فلما علم أنه لا سبيل له إليها إلا بالإسلام أسلم وتزوجها، وحسن إسلامه، فولد له منها غلام كان قد أعجب به، فمات صغيرًا، فأسف عليه، ويقال إنه أبو عمير صاحب النغير، ثم ولد له منها عبد الله بن أبي طلحة فبورك فيه، وهو والد إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الفقيه، وأخوته كانوا عشرة كلهم حمل عنهم العلم.
وروت أم سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وكانت من عقلاء النساء.
روى عنها ابنها أنس بن مالك وعبد الله بن عباس.
روي لها عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة عشر حديثًا اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث واحد منها، وانفرد (1) البخاري بحديث، وانفرد مسلم بحديثين.
روى سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: أتيت أبا طلحة وهو يضرب أمي، فقلت: تضرب هذه العجوز
…
في حديث ذكره.
وروي عن أم سليم أنها قالت: لقد دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ما أريد زيادة.
* * *
(1) زاد في نسخة السندي: به!