الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
92 - باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء
ثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: ثنا أبو أحمد الزبيري: ثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجْدان، عن أبي ذر: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصعيد الطيّب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فَليمسّهُ بشرته؛ فإن ذلك خير".
وقال محمود في حديثه: "إن الصعيد الطيب وضوء المسلم".
قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين.
قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجدان، عن أبي ذر.
وروى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أبي ذرّ، ولم يُسَمِّه.
وهذا حديث حسن (1)، وهو قول عامة الفقهاء: أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء تيمّما وصلّيا.
ويروى عن ابن مسعود أنّه كان لا يرى التيمم للجنب، وإن كان لم يجد الماء، وروي عنه أنّه رجع عن قوله فقال: يتيمم إذا لم يجد الماء. وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق (2).
(1) وفي نسخة أحمد شاكر زيادة صحيح أي حسن صحيح وله في ذلك بحث فانظره غير مأمور (1/ 213 - 216).
(2)
الجامع (211 - 217).
* الكلام عليه:
أخرجه أبو (1) داود والنسائي (2) وابن (3) حبان في "صحيحه" من طريق عمرو بن بجدان، من رواية خالد الحذاء ثم أتبعها (4) بطريق أخرى من جهة سفيان الثوري، عن أيوب وخالد، عن أبي قلابة، عن عمرو، عن أبي ذر رادًّا على من زعم أن خالدًا تفرد به.
والحاكم (5) في المستدرك، وقال: صحيح ولم يخرجاه، إذا لم نجد لعمرو راويًا غير أبي قلابة الجرمي (6).
ولا يخلو هذا التبويب من مؤاخذة، فإن الذي ذكره من متن هذا الحديث ليس له تعلق بتيمم الجنب، وهو وإن كان في بعض ألفاظه وأمره بالتيمم عند الجنابة، فيلزمه ذكر هذه القطعة من الحديث لتضمن التبويب إياها، ولا يكفي في ذلك الحوالة على ما هو معلوم من تمام المتن في موضع آخر لاحتمال أن تكون تلك الزيادة بغير هذا الإسناد فلا يلزم الاحتجاج بها.
وقد أتبع الترمذي هذا الحديث التصحيح في بعض النسخ والتحسين في بعضها (7). فأما أبو الحسن (8) بن القطان فيضعفه وليس عنده من قبيل الصحيح ولا الحسن، وفيما قاله من ذلك نظر.
(1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 235) برقم 332 باب الجنب يتيمم.
(2)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 187) برقم 321 باب الصلوات يتيمم واحد.
(3)
صحيح ابن حبان (4/ 135 - 136 الإحسان) برقم 1311.
(4)
أي ابن حبان في صحيحه (4/ 140) برقم 1313 وبوب له بقوله ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به خالد الحذّاء.
(5)
المستدرك (1/ 176 - 177).
(6)
وتمام كلامه: "وهذا مما شرطت فيه وثبت أنهما قد خرجا مثل هذا في مواضع من الكتابين".
(7)
انظر تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على سنن الترمذي (1/ 213 - 216).
(8)
انظر بيان الوهم والإيهام (3/ 327) برقم 1073.
ومأخذه أن عمرو (1) بن بُجدان راويه عن أبي ذر لا يعرف له حال، وإنما روى عنه أبو قلابة، واختلف عنه، فيقول عنه خالد الحذاء، عن عمرو بن بجدان، ولا يختلف في ذلك على خالد.
وأما أيوب فإنه رواه، عن أبي قلابة، واختلف عليه، فمنهم من يقول: عنه عن أبي قلابة، عن رجل فقط، ومنهم من يقول عن عمرو بن بجدان كقول خالد (2).
ومنهم من يقول عن أبي المهلب، ومنهم من لا يجعل بينهما أحدًا فيجعله عن أبي قلابة، عن أبي ذر.
ومنهم من يقول عن أبي قلابة أن رجلًا من بني قشير قال: يا نبيّ الله.
هذا كله اختلاف على أيوب (3)، وذلك ما ذكره الترمذي (4) عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أبي ذر، وذكرها الدارقطني وقال: ومن أصحاب أيوب من يرويه عنه أبي قلابة، عن رجاء بن عامر، قال: وأحسبه تصحيفًا، وإنما يريد عن رجل من بني عامر.
قال الشيخ أبو الحسنن الدارقطني: وقد رواه مخلد بن يزيد، عن سفيان، عن
(1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 222) برقم 1230 وتهذيب الكمال (21/ 549) برقم 4330 وتهذيب التهذيب (3/ 258).
(2)
في نسخة السندي هامش: ولا يختلف في ذلك على خالد
…
فإنه رواه عن أبي قلابة (واختلف عليه)؛ فمنهم من يقول عنه عن أبي (قلابة) فقط.
ومنهم من يقول عن
…
هذا ما ظهر لي لأن التصوير (أكل) بعض الكلمات، وما بين القوسين هو ما ترجح لي.
(3)
انظر بيان الوهم والإيهام (3/ 327 - 328) وسنن الدارقطني (1/ 186 - 187) وكذا علله (6/ 252 - 255).
(4)
انظر الجامع (1/ 212).
أيوب وخالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر (1)، وأحسبه حمل حديث أيوب على حديث خالد (2)، فقال فيه: عن عمرو بن بجدان، لأن أيوب يرويه عن أبي قلابة، عن رجل لم يسمه، عن أبي ذر، ورواه عبد (3) الرزاق، عن الثوري، عنهما، فضبطه وبين قول كل واحد منهما من صاحبه، وأتى بالصواب، وتابعه على ذلك إبراهيم بن خالد، عن الثوري، عن أيوب، وخالد (4) عن أبي قلابة، وبين كذلك.
وطريق الترمذي من جهة خالد الحذاء راجحة على طريق النسائي من حديث أيوب لسلامتها من هذه العلل، وإن كان الاعتلال بعمرو بن بجدان مشتركًا بينهما، فإن الاعتلال بعمرو قد يجاب عنه بما يقتضي الترجيح الذي أشرنا إليه، والاعتراض على أبي الحسن القطان، فيما زعم من تضعيفه حديث أبي ذر وانحطاطه عن درجة الحسن، وذلك أن عمرًا لم ينقل فيه طعنًا من أحد، وإنما رماه بالجهالة، وأنه لم يرو عنه غير أبي قلابة وتصحيح الترمذي حديثه توثيق له؛ إذ من المعلوم أنه لا فرق بين أن يقول فيه ثقة أو عن حديث العمدة عليه فيه أنه صحيح، فكلاهما توثيق.
وقد فعل ذلك كما فعله الترمذي وابن حبان (5)، والحاكم (6) مع قوله عن الشيخين: ولم يخرجاه، إذ لم يجدا لعمرو راويًا غير أبي قلابة، فهذا أيضًا من الحاكم -مع اعتذاره عن الشيخين بتفرد أبي قلابة بالرواية عنه- توثيق له، ولولا قيام المقتضى عنده لتصحيح حديثه من التوثيق لما أقدم على تصحيح حديثه مع اعترافه بما
(1) أخرجه النسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 187) برقم 321 باب الصلوات بتيمم واحد.
(2)
وعند الدارقطني في العلل (6/ 253) بعد قوله خالد لأن أيوب يرويه عن أبي قلابة عن رجل لم يسمه عن أبي ذر وليس عنده فقال فيه عن عمرو بن بجدان.
(3)
المصنف (1/ 238) برقم 913.
(4)
في العلل (6/ 253) عن أيوب وخالد بين قول كل واحد على الصواب وليس عنده عن أبي قلابة.
(5)
الصحيح لابن حبان (4/ 135 - 136 الإحسان) برقم 1311.
(6)
المستدرك (1/ 176 - 177).
يشبه الجهالة من التفرد المذكور، ولو كان الخلاف على أيوب مترددًا عند بعض أصحابه عن رجل أو عمرو بن بجدان عند آخر منهم لأمكن حمل رواية من رواه عن رجل على أنه عمرو بن بجدان، ولقبل التفسير به كما قاله الحافظ المنذري رحمه الله، قال: الرجل من بني عامر هو عامر بن بجدان، سماه خالد الحذاء عن أبي قلابة، وسماه الثوري عن أيوب. انتهى.
وقد ذكرنا تعليل الدارقطني رواية سفيان عن أيوب وأنه ليس كذلك، ولو لم يكن من الخلف إلا ذلك لكان يسيرًا، ولكنهم اختلفوا اختلافًا كثيرًا كما بيّناه، وهذا اضطراب في طريق أيوب سلمت منه طريق خالد الحذاء، وطريق خالد صحيحة بتصحيح الترمذي وابن حبان إياها، وتوثيق العجلي وابن حبان عمرو بن بجدان. وطريق أيوب لا يقدح فيها ولا يعللها. والله أعلم.
وأما حديث أبي هريرة فقال البزار (1):
نا مقدم بن محمد المقدمي قال: نا عمي القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم قال: نا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصعيد وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسّه بشرته، فإن ذلك خير".
وثّق البزار مقدّمًا شيخه (2)، وعمه (3) أخرج له البخاري محتجًا به.
ولفظ هذا الحديث وحديث أبي ذر واحد وهو راجح عليه لسلامته مما علل به حديث أبي ذر.
وعند أحمد (4) في "المسند" من طريق أبي هريرة أيضًا عن عبد الرزاق، ثنا
(1) المسند (1/ 157 كشف) برقم 310.
(2)
حيث قال عنه ومقدّم ثقة معروف النسب.
(3)
انظر رجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 618) برقم 982.
(4)
المسند (2/ 278 و 352) من طريق عبد الله بن الوليد عن سفيان عن المثنى بن الصباح به.
المثنى بن الصباح، أخبرني عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أكون في الرمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر فيكون فينا النفساء والحائض والجنب، فما ترى؟ قال:"عليك بالتراب".
قال أحمد (1) والرازي (2): المثنى بن الصباح لا يساوي شيئًا.
وقال النسائي (3): متروك.
وأما حديث عبد الله بن عمرو:
فروى الإمام أحمد (4) من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يغيب لا يقدر على الماء أيجامع أهله؟ قال:"نعم".
رواه الإمام أحمد من طريق حجاج بن أرطاة.
وأما حديث عمران بن الحصين:
فروى البخاري (5) من حديث عن أبي رجاء قال: نا عمران بن الحصين الخزاعي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا معتزلًا لي يصلّ في القوم، فقال:"يا فلان، ما منعك أن تصلي في القوم؟ "، فقال: يا رسول الله، أصابتني جنابة ولا ماء، فقال:"عليك بالصعيد فإنه يكفيك".
رواه عن عبدان عن عبد الله عن عوف.
(1) العلل رواية عبد الله (2/ 298) برقم 2324 وعبارته: مثنى بن الصباح لا يسوى حديثه شيئًا مضطرب الحديث.
(2)
الجرح والتعديل (8/ 324) برقم 1494 وفيه: لين الحديث يروي عن عطاء ما لم يرو عنه أحد وهو ضعيف.
(3)
الضعفاء والمتروكون (239) برقم 576.
(4)
المسند (2/ 225).
(5)
في صحيحه كتاب التيمم (1/ 131) برقم 348.
وفي الباب مما لم يذكره حديث عمار بن ياسر وهو عنده مذكور في صفة التيمم مختصرًا، لم يذكر منه موضع تيمم الجنب (1).
روى شعبة عن الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه: أنّ رجلًا أتى عمر، فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء، فقال: لا تصل، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءً، فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك"، فقال عمر: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به.
قال الحكم: وحدثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، مثل حديث ذرٍّ قال: حدثني سلمة، عن ذر في هذا الإسناد الذي ذكر الحكم قال: فقال عمر: نوليك ما توليت.
أخرجوه كلهم مطوّلًا ومختصرًا (2)، وهذا لفظ مسلم (3)، وسيأتي عند الترمذي (4) في بابه مختصرًا.
(1) الجامع (1/ 268 - 269).
(2)
رواه البخاري في صحيحه كتاب التيمم (1/ 127) برقم 338 باب المتيمم هل ينفخ فيهما مطولًا وبرقم 339 باب التيمم للوجه والكفين مختصرًا وانظره برقم (340، 341، 342، 343، 345، 346، 347).
ومسلم في صحيحه كتاب الحيض باب التيمم (1/ 280) برقم 112 مطولًا وبرقم 113 مختصرًا.
وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 228 - 229) برقم 322 مطولًا باب التيمم وبرقم 323 مختصرًا وكذا 324 و 326 و 327 و 328،
والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 181 - 182) برقم 311 باب التيمم في الحضر مطولًا وبرقم 315 كذلك مطولًا وكذا برقم 317 وبرقم 316 مختصرًا وبرقم 318 مطولًا.
وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 118) برقم 569 مطولًا.
(3)
في صحيحه كتاب الحيض (1/ 280) برقم 112 باب التيمم.
(4)
الجامع (1/ 268 - 269) برقم 144.
وفيه حديث عمرو بن العاص: روى أبو (1) داود من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلة باردة، في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت وصليت بأصحابي (2)، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ "، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا} ، فضحك نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا.
ورواه أيضًا (3) عن محمد بن سلمة، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص: أن عمرو بن العاص كان على سرية
…
فذكر الحديث نحوه (4).
قال: فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم، فذكر نحوه، ولم يذكر التيمم.
قال أبو داود: هذه القصة عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال فيه: فتيمم (5).
وأخرج الحاكم (6) رواية يزيد هذه بهذا الإسناد، وقال: على شرطهما. قال:
(1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 238) برقم 3348.
(2)
زاد أبو داود الصبح.
(3)
السنن كتاب الطهارة (1/ 239) برقم 335.
(4)
السنن كتاب الطهارة (1/ 239) برقم 335 باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم؟
(5)
المصدر السابق.
(6)
المستدرك (1/ 177 - 178).
والذي عندي أنهما عللاه بحديث جرير بن حازم، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد لم يذكر أبا قيس (1). وقال: حديث جرير لا يعلل حديث عمرو -يعني ابن الحارث- الذي وصله بذكر أبي قيس؛ فإن أهل مصر أعرف بحديثهم من أهل البصرة.
وفيه أيضًا عن ابن عباس:
روى أبو داود (2) من جهة الأوزاعي: أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح: أنه سمع عبد الله بن عباس قال: أصاب رجلًا جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم احتلم فأمر بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"قتلوه، قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال".
وهذا منقطع فيما بين الأوزاعي وعطاء (3).
ذكر ابن (4) أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة، عن حديث عقيل (5) والوليد بن مسلم وغيرهما، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا أصابته جراحة فأجنب فأمر بالاغتسال فاغتسل، فكزّ، فمات ....
ثم قال (6) بعد كلام: وروى هذا الحديث ابن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس: وأفسد الحديث (7). انتهى.
(1) كذا نقل المصنف عن الحاكم وليس عند الحاكم ذكر "لم يذكر أبا قيس" فالظاهر أنه تعبير من المصنف عما ساقه الحاكم أو فهم منه وكذا فعل شيخه ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 117) ولعله ينقل عنه، والله أعلم.
(2)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 240) برقم 337 باب في المجروح يتيمم.
(3)
انظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 37) برقم 77 وكذا الإمام لابن دقيق العيد (3/ 117).
(4)
العلل (1/ 37).
(5)
في العلل عن حديث رواه هقل.
(6)
بل قال هو وأبو زرعة.
(7)
العلل (1/ 37) برقم 77.
وقول ابن أبي حاتم: أفسد الحديث، يعني بدخول إسماعيل بن مسلم فيه، بين الأوزاعي وعطاء، لأن هذه الزيادة، وهي تعود بنقص، مبينة نقص الطريق الأول بسقوط إسماعيل منها (1)، وإسماعيل (2) بن مسلم هذا هو المكي المخزومي أبو ربيعة يروي عن الحسن وعمرو بن دينار وابن سيرين والزهري.
ضعفه ابن المبارك (3)، وقال سفيان (4): كان يخطئ في الحديث، وقال أحمد (5): منكر الحديث، وقال يحيى (6): لم يزل مختلطًا، وليس بشيء، وقال علي (7): ضعيف الحديث، لا يكتب حديثه، أجمع أصحابنا على ترك حديثه، وقال النسائي (8) وعلي (9) ابن الجنيد: متروك الحديث.
ذكره ابن (10) الجوزي وقال: إسماعيل بن مسلم خمسة؛ هذا أحدهم،
(1) وانظر الإمام (3/ 649).
(2)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل برقم 669 وتهذيب الكمال (3/ 198 - 204) برقم 483 وتهذيب التهذيب (1/ 167 - 168).
(3)
التاريخ الكبير (1/ 372) برقم 1178 وعبارته فيه تركه ابن المبارك وربما روى عنه وانظر التاريخ الصغير (2/ 78).
(4)
انظر الكامل لابن عدي (1/ 282) وتمام عبارته في الكامل: "جعل يحدث فيخطئ، أسأله عن الحديث من حديث عمرو بن دينار فلا يدري إن كان علمه أيضًا لمّا سمع منه الحديث كما رأيت فما كان يدري شيئًا".
(5)
الجرح والتعديل (2/ 198).
(6)
المصدر السابق ويحيى هو ابن سعيد القطان وليس فيه ليس بشيء وقوله ليس بشيء إنما هي من قول يحيى بن معين كما في التاريخ برواية عباس الدوري (2/ 37).
(7)
ميزان الاعتدال (1/ 249) والضعفاء لابن الجوزي (1/ 121) والشجرة للسعدي (255) برقم 266.
(8)
الضعفاء والمتروكون (151) برقم 36.
(9)
انظر الضعفاء لابن الجوزي (1/ 121).
(10)
الضعفاء والمتروكون (1/ 121).
والثاني: إسماعيل بن مسلم أبو محمد العبدي البصري، سمع أبا المتوكل والحسن، والثالث: مولى بني مخزوم، يروي عن سعيد بن جبير. الرابع: ابن أبي الفُديك، واسم أبي الفُديك دينار مولى بني الدُئل. والخامس: إسماعيل بن مسلم بن يسار مولى رفاعة الزرقي، روى عن محمد بن كعب. لم نعلم في أحد منهم طعنًا إلا في الأول. انتهى.
وفي تعريف ابن الجوزي الأول بالمخزومي نظر، وكأنه ليس كذلك، وقد ذكر في الأربعة بعده إسماعيل بن مسلم مولى بني مخزوم، وقد فرّق بينهما غيره، وكنّاه أبا ربيعة (1)، وكنيته عند البخاري ومسلم أبو إسحاق، وعدّهم خمسة غير مطعون عليهم إلا الأول.
وذكر الدارقطني (2) إسماعيل بن مسلم السكوني شامي متروك يضع الحديث، فهذا سادس.
وقد ذكر سابع: وإسماعيل بن مسلم المكي، ذكره ابن (3) عدي، وقال: هو بصري، كان أبوه يتجر ويتكرر إلى مكة فنسب إليها، حكاه عن البخاري (3)، وقال: تركه ابن المبارك، وربما روى عنه، وتركه يحيى وابن مهدي، وقال السعدي (4): هو واه جدًّا، وقال عمرو (5) بن عليّ: كان ضعيفًا في الحديث؛ يهم فيه، وكان صدوقًا يكثر الغلط، يحدث عنه من لا ينظر في الرجال (6)، وقال (7): أحاديثه غير محفوظة إلا أنه
(1) قلت ممن كناه أبا ربيعة الخطيب في المتفق والمفترق (1/ 378) برقم 160 وابن حبان في المجروحين (1/ 120).
(2)
الضعفاء والمتروكون (739) برقم 85.
(3)
الكامل (1/ 283).
(4)
الشجرة في أحوال الرجال (255) برقم 266.
(5)
الكامل لابن عدي (1/ 283).
(6)
الكامل لابن عدي (1/ 283).
(7)
أي ابن عدي وانظر الكامل (1/ 285).
ممن يكتب حديثه، وقد روى له الترمذي وابن ماجه (1).
وروى ابن (2) الجارود وغيره (3) من حديث جرير عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه في قوله عز وجل [وإنْ كُنْتُم مَرْضى أوْ على سَفَر
…
}، قال: إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أو الجدري فيجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت فليتيمم.
عطاء (4) بن السائب من المختلطين بآخرة، وجرير (5) عندهم ممن روى عنه بعد الاختلاط، وغيره من أصحاب عطاء يروونه عن موقوفًا (6)، وهو الصواب عند الرازيين (7) فيما حكاه عنهما عبد الرحمن بن أبي حاتم.
وقد روي من وجه آخر موقوفًا عن ابن عباس: رواه أبو (8) بكر بن أبي شيبة في "مصنّفه" قال: نا وكيع، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي مجلز، عن ابن
(1) انظر تهذيب الكمال (3/ 198) برقم 483.
(2)
المنتقى (1/ 133) برقم 129.
(3)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 138) برقم 272 وقال: هذا خبر لم يرفعه غير عطاء بن السائب.
والدارقطني في سننه (1/ 177) برقم 9 من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه وعطاء كان اختلط وجرير ممن روى عنه بعد الاختلاط ولم يتفرد به جرير بل تابعه علي بن عاصم عن عطاء ذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 25) وصوب أبوه الموقوف.
(4)
انظر الاعتباط (241) برقم 71.
(5)
انظر الكامل (5/ 362).
(6)
قال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 224): "ورواه إبراهيم بن طهمان وغيره أيضًا عن عطاء موقوفًا".
قلت: وممن رواه كذلك موقوفًا علي بن عاصم كما سبق وصوب أبو حاتم الموقوف.
(7)
انظر العلل (1/ 25) برقم 40.
(8)
المصنف (1/ 157).
عباس: {ولا جُنُبًا إلّا عابِري سبيلٍ
…
}؛ قال: هو المسافر.
وذكر ابن أبي شيبة في هذا الباب (1) عن حذيفة، قال: نا ابن فضيل، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء" يعني: الأرض.
وعن عليّ: {ولا جُنُبًا إلا عابِري سبيلٍ
…
} قال: المار الذي لا يجد الماء يتيمم ويصلي، رواه عن علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عباد بن عبد الله وزر (2)، عن عليّ.
وعن وكيع، عن مسعر، عن بكير بن الأخنس، عن الحسن بن مسلم: {ولا جُنُبًا إلّا عابِري سبيلٍ
…
}؛ إلا أن تكونوا مسافرين فتيمموا (3).
وأما الرواية عن ابن مسعود بخلاف ذلك مما أشار إليها صاحب الكتاب (4)، وأشار إلى رجوعه عنها.
فروى ابن (5) أبي شيبة: ثنا محمد بن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: إذا كنت في سفر فأجنبت فلا تصلِّ حتى تحد الماء، وإذا أحدثت فتيمم ثم صلِّ.
وأما رجوعه عنها فقال: نا سفيان بن عيينة، عن أبي سنان، عن الضحاك
(1) المصدر السابق.
(2)
المصنف (1/ 157).
(3)
المصدر السابق.
(4)
انظر الجامع (1/ 216).
(5)
المصنف (1/ 157).
قال: رجع عبد الله عن قوله في التيمم (1).
وقد روي عن عمر في ذلك أيضًا:
حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر قال: لا يتيمم الجنب وإن لم يجد الماء شهرًا (2).
وعن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن زبيد قال: أجنبت فلم أجد الماء؛ فسألت أبا عطية فقال: لا تصلّ. وسألت سعيد بن جبير فقال: تيمم وصلِّ (3).
وعن أبي معاوية عن الأعمش، عن شقيق قال: كنت جالسًا مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلًا أجنب فلم يجد الماء شهرًا كيف يصنع بالصلاة؟ قال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرًا، فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: {فإن لم تجِدوا ماءً فتيمَّموا صعيدًا طَيِّبًا
…
}؛ فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا الأمر لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمّموا بالصعيد (4).
وروى مالك (5)، عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي: أنّ رجلًا سأل سعيد بن المسيب، عن الرجل يتيمم، ثم يدرك الماء، فقال سعيد: إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل.
قال أبو (6) عمر: أجمع علماء الأمصار بالمشرق والمغرب فيما علمت أن التيمم
(1) المصدر السابق.
(2)
المصدر السابق.
(3)
المصدر السابق.
(4)
المصنف (1/ 157 - 158).
(5)
الموطأ (1/ 56) برقم 92.
(6)
الاستذكار (3/ 146 - 150).
بالصعيد عند عدم الماء وطهور كل مسلم مريض أو مسافر (1) سواءً كان جنبًا أو على غير وضوء لا يختلفون في ذلك، وقد كان عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود يقولان: إن الجنب لا يطهر إلا بالماء (2)، وأنّه لا يستبيح بالتيمم صلاة أبدًا لقول (3) الله تعالى: {وإنْ كُنْتُم جُنُبًا فاطَّهَّروا
…
}، وقوله عز وجل: {ولا جُنُبًا إلّا عابِري سبيلٍ حتى تغتسلوا
…
}، وخفيت عليهما السنة في ذلك، ولم يصل إليهما من ذلك إلا قول عمار، وكان عمر حاضرًا معه فأنسي قصة عمار، وارتاب في ذلك لحضوره (4) معه ونسيانه لذلك، فلم يقنع بقوله، فذهب هو وابن مسعود إلى أن الجنب لم يدخل في المعنى المراد بقوله عز وجل: {وإنْ كُنْتُم مَرْضى أو على سَفَرٍ أو جاءَ أحدٌ مِنْكُم مِنَ الغائطِ أو لامَسْتُم النِّساءَ فلمْ تجِدوا ماءً فتيَمَّموا صعيدًا طيِّبًا
…
}. وكانا يذهبان إلى أنّ الملامسة ما دون الجماع. ولم يتعلق أحد من فقهاء الأمصار، من قال: إن الملامسة الجماع، ومن قال: إنها ما دون الجماع من دواعي الجماع (5) بقول عمر وابن مسعود في ذلك.
وقد غلط بعض الناس في هذا (6) على ابن مسعود فزعم أنّه كان يرى أن الجنب إذا تيمم ثم وجد الماء لم يغتسل ولا وضوء عليه (7)، وهذا لا يقوله أحد من علماء المسلمين، ولا روي عن أحد من السلف، ولا الخلف فيما علمت إلا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ولا يصح عنه (8). والمحفوظ عن ابن مسعود ما وصفنا عنه.
(1) بزيادة الواو أي وسواء كما في الاستذكار.
(2)
في الاستذكار لا يطهره إلا الماء.
(3)
في الاستذكار بقوله تعالى.
(4)
في الاستذكار بحضوره.
(5)
ليست في الاستذكار ولا معنى لها في السياق.
(6)
زاد في الاستذكار المعنى عن بدل على.
(7)
زاد في الاستذكار حتى يحدث.
(8)
زاد في الاستذكار ولا يعرف وأشار محققه إلى أن لا يصح وردت في نسخة.
وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر وغيره: "التراب كافيك ما لم تجد الماء، ولو أقمت عشر سنين (1)، فإذا وجدته فاغتسل". وفي بعض الروايات: "فأمسّه بشرتك". دليل واضح على أن الجنب إذا وجد الماء يلزمه (2) استعماله، وأن تيممه ليس بطهارة كاملة، وإنما هو استباحة للصلاة، ثم هو على حاله جنبًا (3) عند وجود الماء (4).
وأما قول أبي عمر إنه لم يخالف في تيمم الجنب إلا عمر وابن مسعود، فقد روي ذلك أيضًا عن بعض التابعين كما ذكرنا.
وقال الحكم: سألت إبراهيم النخعي: إذا لم تجد الماء وأنت جنب؟ قال: لا أصلي (5).
قال شعبة: وقلت: لأبي إسحاق: أقال ابن مسعود: إن لم أجد الماء شهرًا لم أصلّ -يعني الجنب-، فقال أبو إسحاق: نعم. وللأسود.
واحتج من ذهب إلى قول ابن مسعود بقوله تعالى: {وإنْ كُنْتُم جُنُبًا فاطَّهَّروا
…
}، قالوا: فلم يجعل للجنب إلا الغسل.
ولما روى محمد بن عبد السلام الخشني: ثنا محمد بن بشار: نا محمد بن أبي عدي نا شعبة، عن المخارق بن عبد الله، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أجنبت فلم أصلّ؟ قال:"أحسنت"،
(1) زاد في الاستذكار لا تجده.
(2)
في الاستذكار لزمه.
(3)
في الاستذكار جنب وورد في نسختين للاستذكار جنبًا وأشار محققه إلى أنه تحريف.
(4)
الاستذكار (3/ 146 - 150).
(5)
أشار إلى ذلك النووي في شرح صحيح مسلم (4/ 57).
وجاءه آخر فقال: إنّي أجنبت فتيمصت فصليت، قال:"أحسنت".
المخارق (1) بن عبد الله تابعي ثقة، وطارق (2) بن شهاب معروف الصحبة.
ولا حجة في شيء من ذلك؛ أما الآية فإن الطهور هو ما يتطهر به، وهو ينطلق على الماء والتراب، خلق الله الماء طهورًا، وجعلت لنا الأرض مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا، فلا خصوصية للماء بذلك.
وأما الحديث ففيه تحسين النبي صلى الله عليه وسلم فعل المتيمم من الجنابة، وذلك كافٍ، ولعل تحسينه عليه السلام فعل الآخر لتوقفه عما لم يعلم من ذلك.
واختلف الناس في التيمم هل هو مبيح للصلاة أو رافع للحدث، ولهم في ذلك اعتلالات كثيرة وأقيسة شبهية وغيرهما، وممن قال أنه مبيح للصلاة مالك والشافعي، وذهب أبو حنيفة إلى أنه رافع للحدث، وسيأتي في باب التيمم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وإذا كان (3) على بعض أعضاء المحدث نجاسة فأراد التيمم بدلًا عنها، فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه لا يجوز.
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: يجوز أن يتيمم إذا كانت النجاسة على بدنه ولم يجز إذا كانت على ثوبه، واختلف أصحابه في وجوب إعادة هذه الصلاة.
وقال ابن المنذر: كان الثوري والأوزاعي وأبو ثور يقولون بمسح موضع النجاسة
(1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (8/ 352) برقم 1624 وتهذيب الكمال (27/ 314 - 315) برقم 5823 وتهذيب التهذيب (4/ 37 - 38).
(2)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 485) برقم 2128 وتهذيب الكمال (13/ 341 - 343) وتهذيب التهذيب (2/ 232 - 233).
(3)
هذا ابتداء كلام النووي في شرح صحيح مسلم (4/ 57).
بتراب ويصلي.
وأما إعادة الصلاة التي يفعلها بالتيمم فمذهبنا أنه لا يعيد إذا تيمم للمرض أو الجراحة ونحوهما، وأما إذا تيمم للعجز عن الماء فإن كان في موضع يعدم فيه الماء غالبًا كالسفر لم تجب الإعادة، وإن كان في موضع لا يعدم فيه الماء إلا نادرًا وجبت الإعادة على المذهب الصحيح (1)، وإذا (2) وجد الجنب من الماء ما لا يكفي لغسله، أو المحدث ما لا يكفيه لوضوئه، ففيه من الآراء:
* أحدهما: وبه قال أبو حنيفة ومالك، واختاره المزني: لا يجب استعماله، بل يتيمم، كما لو وجد بعض الرقبة لا يجب إعتاقه عن الكفارة بل يعدل إلى الصوم.
* وأصحهما: أنه يجب استعماله ويتيمم للباقي لأنه قدر على غسل بعض أعضائه (3) صحيحًا والبعض جريحًا يجب غسل الصحيح، وقيل: الثاني قوله الجديد، والأول قوله القديم.
وذكر الشيخ أبو علي والمسعودي أن له في الجديد قولين: أحدهما: مثل القديم، ورواية المزني في "المختصر" تدل على ما قالاه (4).
وإذا أوصى (5) بمائه لأولى الناس به أو وكل رجلًا بصرف مائه إلى أولى الناس
(1) شرح صحيح مسلم للنووي (4/ 57).
(2)
هذا كلام الرافعي في فتح العزيز (1/ 223 - 224).
(3)
وعبارة الرافعي لأنه قدر على غسل بعض أعضائه فلا يسقط بالعجز عن الباقي فصار كما إذا كان بعض أعضائه جريحًا والبعض صحيحًا.
(4)
فتح العزيز (1/ 223 - 224).
(5)
فتح العزيز (1/ 245 - 251).
به، فحضر محتاجون إلى ذلك الماء كالجنب والحائض والميت ومن على بدنه نجاسة، فمن يقدم منهم فالميت ومن على بدنه نجاسة أولى من غيرهما؛ أما الميت فلمعنيين:
قال الشافعي: إن أمره يفوت، فليختم بأكمل الطهارتين، والأحياء يقدرون عليه في ثاني الحال.
والثاني: قال بعض الأصحاب: القصد من غسل الميت تنظيفه وتكميل حاله، والتراب لا يفيد ذلك، وغرض الحي استباحة الصلاة وإسقاط الفرض، وهذا الغرض يحصل بالتيمم حصوله بالغسل.
وأما من على بدنه نجاسة فلأن إزالة النجاسة لا بدل لها، وللطهارة بدل وهو التيمم، ولو اجتمعا فمن المقدم منهما؟ فيه وجهان: أصحهما أن الميت أولى.
قال المحاملي والصيدلاني: الوجهان مبنيان على المعنيين في الميت إن قلنا بالتعليل الأول، فالميت أولى.
وإن قلنا بالتعليل الثاني فالنجس أولى؛ لأن فرضه لا يسقط بالتيمم بخلاف غسل الميت.
ولا خلاف أنه إذا كان على بدن الميت نجاسة فهو أولى، ولا يشترط في استحقاق الميت أن يكون له ثَمَّ وارث يقبل عنه، كما لو تطوع إنسان بتكفين ميّت لا حاجة إلى قابل، وفي المسألة وجه ضعيف.
وإن اجتمع ميّتان والماء لا يكفي إلا لأحدهما، فإن كان الماء موجودًا قبل موتهما (1) فالأول أولى، وإن كانا ماتا معًا أو وجد الماء بعد موتهما فأفضلهما أولى، فإن استويا أُقرع بينهما.
(1) زاد في فتح العزيز وماتا على الترتيب.
هذا كله في الميت ومن عليه نجاسة.
أما غيرهما ففي الحائض مع الجنب ثلاثة أوجه:
* أصحها: الحائض أولى، لأن حدثها أغلظ؛ ألا ترى أن الحيض يحرم الوطء، ويسقط إيجاب الصلاة.
* والثاني: الجنب أولى، لأنه أحق بالاغتسال؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في تيمم الجنب، ولم يختلفوا في تيمم الحائض.
* والثالث: هما سواء لتعارض المعنيين.
وإذا حضر جنب ومحدث نظر إن كان ذلك الماء كافيًا للوضوء دون الغسل، فالمحدث أولى، وإن لم نوجب استعمال الماء الناقص، وإن أوجبناه فثلاثة أوجه:
* أصحها: أن المحدث أولى أيضًا لأنه يرتفع حدثه بكماله.
* والثاني: الجنب أولى لغلظ حدثه.
* والثالث: يتساويان.
وإذا لم يكن الماء كافيًا لواحد منهما، فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله لغلظ حدثه، وإلا فهو كالمعدوم.
وإن كان كافيًا لكل واحد منهما، فينظر إن فضل شيء من الوضوء ولم يفضل من الغسل، فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص، لأنه لو استعمله الحدث لضاع الباقي.
وإن أوجبنا استعمال الناقص فثلاثة أوجه:
* أصحها: أن الجنب أولى لغلظ حدثه.
* والثاني: المحدث أولى بقدر الوضوء، والباقي للجنب مراعاة للجانبين.
* والثالث: أيهما سبق أولى (1).
وفروع هذا الباب كثيرة، وأما جنس ما يقع التيمم به فيأتي في باب التيمم إن شاء الله تعالى.
* * *
(1) فتح العزيز (1/ 245 - 251).