الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
103 - باب ما جاء في الكفارة في ذلك
ثنا علي بن حجر: أنا شريك، عن خُصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يقع على امرأته وهي حائض، قال:"يتصدّق بدينار أو بنصف دينار"(1).
حدثنا الحسين بن حريث: أنا الفضل بن موسى، عن أبي حمزة السكري، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان دمًا أحمر فدينار، وإذا كان دمًا أصفر فنصف دينار".
قال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض روي عن ابن عباس، رفعه بعضهم وبعضهم موقوف (2).
وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال ابن المبارك: يستغفر ربه ولا كفارة عليه.
وقد روي نحو قول ابن المبارك عن بعض التابعين منهم سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي (3)(4).
(1) الذي في السنن بنصف دينار.
(2)
في السنن قد روي عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا.
(3)
وفي نسخة الشيخ أحمد شاكر زيادة وهو قول عامة علماء الأمصار بعد قوله وإبراهيم النّخعي.
(4)
السنن (1/ 244 - 254) برقم 136.
* الكلام عليه:
ورواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والنسائي (3) وابن (4) ماجه فيه خصيف وهو ابن عبد الرحمن الجزري (5).
قال عبد (6) الله بن أحمد عن أبيه: ليس هو بقوي في الحديث.
وقال يحيى (7) بن سعيد: كنا تلك الأيام نجتنب حديث خصيف، وما كتبت عن خصيف بالكوفة شيئًا، وإنما كتبت عنه بأخرة، وكان يحيى يضعف خصيفًا، وعن أحمد ضعيف الحديث (8).
وقال النسائي (9): ليس بالقوي.
(1) المسند (1/ 230) و (1/ 237) و (1/ 286).
(2)
السنن (1/ 132) برقم 264.
(3)
السنن (1/ 205 - 206) برقم 368 و (1/ 168) برقم 288 وفي الكبرى (1/ 127) برقم 282.
(4)
السنن (1/ 210) برقم 640.
(5)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 257 - 261) برقم 1693 وتهذيب التهذيب (1/ 544 - 543).
(6)
العلل ومعرفة الرجال (2/ 484) برقم 3187.
وقال في موضع آخر (3/ 118) برقم 4499: "ليس بذاك". وقال في (3/ 214) برقم 4926: "وخصيف شديد الاضطراب في المسند".
ونقل أبو طالب عن الإمام أنه ضعيف الحديث كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 403) برقم 1848.
ونقل حنبل عنه قوله: ليس بحجة ولا قوي في الحديث، كما في تهذيب الكمال (8/ 258).
(7)
الجرح والتعديل (3/ 403) برقم 1848.
(8)
المصدر السابق.
(9)
الضعفاء والمتروكون (173) برقم 177.
وذكر إسحاق (1) بن منصور، عن يحيى بن معين أنه قال: خصيف صالح.
وقال أبو حاتم (2): صالح يخلط وتكلم في سوء حفظه.
وفيل أبو زرعة (3): ثقة.
وقال عثمان (4) بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: فعبد الكريم أحبُّ إليك أم خصيف؛ قال: عبد الكريم أحبّ إليّ، وخصيف ليس به بأس.
وعن ابن (5) معين أنه قال فيه: ثقة.
وقال النسائي (6): صالح.
وقال ابن (7) سعد: كان ثقة.
وقال ابن (8) عدي: إذا أخذت عنه ثقة، فلا بأس بحديثه.
والطريق الثانية من رواية عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس.
ورواه أبو داود (9) أيضًا إلا أنه من رواية أبي داود موقوف من قول ابن عباس، وقد نبه الترمذي (10) على الاختلاف في رفعه ووقفه، وعبد الكريم راويه عن مقسم،
(1) الجرح والتعديل (3/ 403) برقم 1848.
(2)
الجرح والنعديل (3/ 404).
(3)
المرجع السابق.
(4)
تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي (106) برقم 310 و (145) برقم 492 وكذا رواية الدقاق (83) برقم 251.
(5)
سير أعلام النبلاء (6/ 145) وتهذيب الكمال (8/ 259) وميزان الاعتدال (1/ 654).
(6)
سير أعلام النبلاء (6/ 145) وتهذيب الكمال (8/ 259) وتهذيب التهذيب (1/ 543).
(7)
الطبقات الكبرى (7/ 482).
(8)
الكامل (3/ 942) وزاد بعد حديثه وبرواياته.
(9)
السنن (1/ 133) برقم 265.
(10)
الجامع (1/ 245).
قد اختلف فيه (1)، فعن الوقشي (2): هو ابن مالك أبو سعيد الجزري، ولو ثبت ذلك لتوجه تصحيحه لثقة عبد الكريم الجزري، لكن في طبقته عبد الكريم بن أبي المخارق (3)، أبو أمية متكلّم فيه (4)، وقد سبق ذكرهما في هذا الكتاب بما يغني عن الإعادة ها هنا، وكلاهما يروي عن مقسم (5)، وقد رواه روح بن عبادة، عن ابن أبي عروبة، فقال: عن عبد الكريم أبي أمية (6).
وكذا رواه ابن (7) جريج عن عبد الكريم أبي أمية العبدي، فهذه علته.
وأيضًا فقد رواه هشام الدستوائي عن عبد الكريم فوقفه، أخرجه البيهقي (8)،
(1) وجزم العلّامة أحمد محمد شاكر بأنه عبد الكريم بن مالك الجزري. انظر الجامع الكبير (1/ 247).
(2)
قال ابن دقيق العيد كما في الإمام: (3/ 252): "فبلغني عن الوقشي أنه قال: "عبد الكريم هذا هو ابن مالك أبو سعيد الجزري".
والوقَّشي هو على ما يظهر أبو الوليد هام بن أحمد بن خالد الأندلسي الطليطلي.
ووقّش: قرية على بريد من طليطلة.
مولده سنة ثمان وأربع مئة.
له تنبيهات وردود على كتاب أبي نصر الكلاباذي وعلى مؤتلف الدارقطني وعلى الكنى لمسلم.
توفي سنة تسع وثمانين وأربع مئة في جمادى الآخرة.
انظر: السير (19/ 134 - 136) برقم 71.
(3)
وقع التصريح بذلك عند البيهقي في السنن الكبرى (1/ 316) والبغوي في شرح السنة (2/ 127).
(4)
قال ابن عدي: "والضعف بين على كل ما يرويه".
انظر: الكامل (5/ 1978).
(5)
انظر تهذيب الكمال (18/ 254) برقم 3504.
قلت: ولم يذكر أهل التراجم ابن أبي المخارق فيمن يروي عن مقسم.
(6)
عند البيهقي في السنن الكبرى (1/ 316).
(7)
السنن الكبرى للبيهقي (1/ 316).
(8)
السنن الكبرى (1/ 317).
وقال عقيبه: وهذا أشبه بالصواب، وعبد الكريم أبو أميّة غير محتج به (1).
وروى سعيد بن أبي عروبة هذا الحديث عن عبد الكريم، واختلف عليه فيه فقيل عنه عن عبد الكريم عن عكرمة، عن ابن عباس (2).
ورواه البيهقي (3) من طريق يعقوب بن عطاء، عن مقسم، عن ابن عباس، وقال: يعقوب (4) بن عطاء لا يحتج به.
وقد ذكر ابن (5) عدي يعقوب فقال: له أحاديث صالحة، وهو ممن يكتب حديثه.
وقد ضعف هذا الحديث قوم منهم الإمام الشافعي رحمه الله فإنه قال في "أحكام (6) القرآن": في من أتى امرأة حائضًا أو بعد تولية الدم ولم تغتسل ليستغفر الله تعالى ولا يعود حتى تطهر، وتحلّ لها الصلاة، وقد روي فيه شيء لو كان ثابتًا أخذنا به، لكنه لا يثبت مثله.
وقال البيهقي (7): أنا أبو عبد الله الحافظ قال: قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه: جملة هذه الأخبار مرفوعها وموقوفها يرجع إلى عطاء العطار، وعبد الحميد وعبد الكريم أبي أمية، وفيهم نظر.
(1) المرجع السابق.
(2)
هذا مستفاد من كلامه ابن دقيق العيد كما في الإمام (3/ 253).
وانظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 317).
(3)
السنن الكبرى (1/ 318).
(4)
انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (9/ 211) برقم 882، ميزان الاعتدال (4/ 453) برقم 9821.
(5)
الكامل (7/ 2602).
(6)
الأم (5/ 172) والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 319) وكذا الصغرى (1/ 124).
(7)
السنن الكبرى (1/ 318).
وقال أبو محمد (1) الظاهري: أما حديث مقسم، فمقسم ليس بالقوي فسقط الاحتجاج به.
وقد رواه شعبة عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الرجل يأتي امرأته وهي حائض، قال:"يتصدّق بدينار أو نصف دينار".
أخرجه أبو داود (2) وأخرجه النسائي (3) وابن (4) ماجه، وصححه الحاكم (5) وأخرجه في مستدركه.
وعبد الحميد (6) هذا هو ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب كان عاملًا لعمر بن عبد العزيز على الكوفة، وقد أخرج له الشيخان (7) في مواضع.
وذكر الخلّال عن الميموني (8) أنه قال: قيل لأبي عبد الله: عبد الحميد بن
(1) المحلى (2/ 189).
(2)
السنن (7/ 132) برقم 264 وقال عقبه: هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار، وربما لم يرفعه شعبة.
(3)
الكبرى (1/ 127) برقم 282 وكذا المجتبى (1/ 168) برقم 288) وكذا الإغراب (155) برقم 86.
(4)
السنن (1/ 210) برقم 640.
(5)
المستدرك (1/ 171 - 172) ووافقه الذهبي.
قلت: وصحح الحديث ابن دقيق العيد وابن التركماني وابن القطان وابن حجر وأحمد محمد شاكر والعلامة الألباني رحمهم الله.
انظر: الإلمام (1/ 115) برقم 153 والإمام (3/ 249 - 264) والجوهر النقي (1/ 314) وبيان الوهم والإيهام (5/ 271 - 280) برقم 2468 والتلخيص الحبير (1/ 293) برقم 228 وإرواء الغليل (217 - 218) برقم 197.
(6)
انظر تهذيب الكمال (16/ 449 - 452) برقم 3724 وتهذيب التهذيب (2/ 478).
(7)
الجمع بين رجال الصحيحين (1/ 318) برقم 1207 ورجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 482) برقم 735.
(8)
انظر الإمام (3/ 257).
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب؟ قال: ولي الكوفة لعمر بن عبد العزيز، والناس قدمًا قد حملوا عنه، وليس به بأس وكل من في الإسناد قبله من رجال الصحيحين، ومقسم (1) هو ابن بجرة -بفتح الباء ثاني الحروف، والجيم والراء المهملة- أخرج له البخاري (2)، ومن هذا الوجه صحح الحديث من صححه.
وذكر الخلّال عن أبي داود أن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد فيه، قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم، إنما هو كفارة (3).
وممن ذكر صحة هذا الحديث أيضًا أبو (4) الحسن بن القطان.
وأما الاختلاف في رفعه ووقفه فإن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي، رفعوه عن شعبة (5)، وكذلك وهب بن جرير وسعيد بن عامر (6) والنضر بن شميل (7) وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف (8)، ولم يرفعه عنه عبد الرحمن ولا بهز (9).
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 461 - 463) برقم 6166 وتهذيب التهذيب (4/ 147 - 148).
(2)
رجال صحيح البخاري (2/ 733) برقم 1221.
(3)
نقل هذا النص برمته عن شيخه ابن دقيق العيد (3/ 257 - 258). وانظر التلخيص الحبير (1/ 293).
(4)
بيان الوهم والإيهام (5/ 271 - 280).
(5)
قلت: ومن جهة المذكورين: أخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الطهارة وسننها (1/ 210) برقم 640.
(6)
ومن جهتهما أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 114 - 116) برقم 108 و 109.
(7)
ومن جهته أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 314).
(8)
ومن جهته أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 315).
(9)
نص على ذلك الإمام أحمد في مسنده (1/ 230) حيث قال رحمه الله: "ولم يرفعه عبد الرحمن ولا بهز".
وذكر ابن (1) أبي حاتم أنه سأل أباه عن الحديث فقال: اختلفت الرواة فيه، فمنهم من يرويه عن مقسم عن ابن عباس موقوفًا، ومنهم من يروي عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
واما حديث (2) شعبة فإن يحيى بن سعيد أسنده، وحكي أن شعبة قال: أسنده الحكم لي مرة ووقفه مرة، وقال أبي: لم يسمع الحكم من مقسم هذا الحديث.
وذكر البيهقي (3) أن شعبة رجع عن رفعه من رواية ابن مهدي عنه أنه رواه موقوفًا، فقيل له: إنك كنت ترفعه، فقال: إني كنت مجنونًا فصححت. انتهى.
وأما الاختلاف على شعبة في رفعه ووقفه (4): فإن من رفعه أجلّ وأكثر وأحفظ ممّن وقفه؛ فيحيى بن سعيد أحفظ أهل عصره، ومحمد بن جعفر أوثق الناس في شعبة (5).
وأما قول شعبة: أسنده لي الحكم مرة ووقفه مرة، فقد أخبرنا عن المرفوع والموقوف أن كلًّا عنده.
وأما قول أبي حاتم: لم يسمع الحكم من مقسم فكذا هو عند شعبة عن
(1) علل الحديث (1/ 50 - 51) برقم 121.
(2)
في العلل من حديث.
(3)
السنن الكبرى (1/ 315).
(4)
قلت: رفعه يحيى بن سعيد القطان ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي ووهب بن جرير وسعيد بن عامر والنضر بن شميل. ولم يرفعه عبد الرحمن بن مهدي وكذا بهز.
(5)
قلت: جالسه نحوًا من عشرين سنة.
وقال عبد الله بن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم.
بل ذكر عبد الرحمن بن مهدي أن محمد بن جعفر أثبت منه في شعبة.
انظر: تهذيب الكمال (25/ 8).
الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم. ثم لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه.
قال أبو بكر (1) بن الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفًا لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث مرة، ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى ولا يرفعه، فيحفظ الحديث عنه من (2) الوجهين جميعًا، فقد كان سفيان بن عيينة (3) فعل هذا كثيرًا في حديثه فيرويه تارة مسندًا مرفوعًا ويقفه مرة أخرى قصدًا واعتمادًا، وإنما لم يكن هذا مؤثرًا في الحديث ضعفًا مع ما بينّاه لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى، والأخذ بالمرفوع أولى لأنه أزيد كما ذكرنا في الحديث الذي يروى موصولًا ومقطوعًا، وكما قلنا (4) في الحديث الذي ينفرد راويه بزيادة لفظ توجب حكمًا لا يذكره غيره أن ذلك مقبول والعمل به لازم، والله أعلم. انتهى.
فمن الجائز أن يكون ابن عباس رواه ورأه فحمله وأفتى به وكلاهما عند شعبة فحدث به على الوجهين، ويعضد هذا أنه قال عن الحكم رواه لي مرة مسندًا ومرة موقوفًا، وحَمْلُ هذا على أن يكون روى ذلك كله عن علم وثبت أولى من حمله على أن يكون وهم في أحدهما.
وقد رواه سعيد بن عامر عن شعبة فقال فيه: عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس قوله، ثم قال شعبة: أما حفظي فمرفوع وقال فلان وفلان: إنه كان لا يرفعه، فقال له بعض القوم: يا أبا بسطام، حدِّثْنا بحفظك،
(1) الكفاية (417).
(2)
في الكفاية على بدل من.
(3)
في الكفاية يفعل.
(4)
انظر الكفاية (424 - 425).
ودعنا من فلان وفلان، فقال: والله ما أحب أني حدثت به أو سئلت أو أني عمرت في الدنيا عمر نوح في قومه. رويناه من طريق الدارمي (1)، عن سعيد.
فهذا غاية التثبت، وهبك أن أوثق أهل الأرض خالفه فيه فوقفه على ابن عباس فكان ماذا؟
وإذا جاز أن يكون الخبران المرفوع والموقوف عند شعبة فحين أكثر عليه في المرفوع اكتفى بالتحديث بالموقوف فليس في ذلك ما يقدح في المرفوع.
وأبعد من هذا الاحتمال أن يكون شكَّ في رفعه في ثاني حال فوقفه.
فإن كان هذا وهو بعيد فلا تباله أيضًا، بل لو نسي الحديث بعد أن حدث به وحفظه عنه ثقة لم يضره (2)، فإن أبيت إلا أن يكون شعبة رجع عن رفعه فقد كان عمرو بن قيس الملاني يرفعه عن الحكم وهو ثقة (3) روينا حديثه بذلك عن طريق النسائي (4) عن الحسن الزعفراني عن محمد بن الصباح عن إسماعيل بن زكريا عنه.
ورفعه أيضًا عن عبد الحميد قتادة روينا حديثه من طريق النسائي (5) عن
(1) السنن (1/ 270) مع اختلاف يسير ونحوه عند ابن الجارود في المنتقى (1/ 116) برقم 109.
(2)
قال ابن الصلاح: ومن روى حديثًا ثم نسيه لم يمن ذلك مسقطًا للحديث وجاز العمل به عند جمهور أهل الحديث وجمهور الفقهاء والمتكلمين.
ثم قال: والصحيح ما عليه الجمهور؛ لأن المروي عند بصدد السهو والنسيان، والراوي عنه ثقة جازم فلا يرد بالاحتمال روايته.
علوم الحديث (105 - 106)، الكفاية (221)، التقييد والإيضاح (130 - 132).
(3)
وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان والنسائي وغيرهم.
انظر: تهذيب الكمال (22/ 201 - 202) برقم 4436.
(4)
في السنن الكبرى (5/ 346 - 347) برقم 9100.
(5)
السنن الكبرى (5/ 347) برقم 9104.
خشيش بن أصرم، عن روح وعبد الله بن بكر، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة (1).
وأما الزادون لهذا الحديث باضطراب متنه في الجملة لا بالنسبة إلى راوٍ معين فقد قال أبو الحسن (2) بن القطان: هذا عندي خطأ من الاعتلال. والصواب أن ينظر (3) إلى رواية كل راوٍ بحسبه، ويعلم ما خرج عنه فيها، فإن صح من طريق قبل ولا يضره أن يروى من طرق أخر ضعيفة فيما إذا ذكر الراوي فيه بدينار وروي: بنصف دينار، وروي باعتبار صفات الدم، وروي دون اعتبارها، وروي باعتبار أول الحيض وآخره، وروي دون ذلك، وروي بخمسي دينار، وروي بعتق نسمة؛ قامت من هنا (4) في الذهن صورة سواء وهو عند التبين والتحقيق لا يضره، ثم أخذ في تصحيح حديث عبد الحميد، عن مقسم فقال: كما تقدم وهو صحيح من حيث الإسناد كما بيناه.
وأما المتن فقد قال أبو داود (5): هكذا الرواية الصحيحة قال: دينار أو نصف دينار، ويحتمل في لفظة (أو) أن تكون شكًّا من الراوي، وأحسن منه أن تكون للتنويع، فيكون في معنى حديث عبد الكريم، عن مقسم في مبدأ الدم كما جاء أو في حمرته بدينار، وبعد ذلك في ثاني حاله بنصف دينار، ويتفق بذلك كثير من ألفاظ هذا الحديث.
وأما ما روي فيه من (خمسي دينار) أو من (عتق نسمة) فما منها شيء يعتمد عليه ولا يطعن به على حديث مقسم قاله ابن القطان (6).
(1) انظر الإمام (3/ 265 - 266) وبيان الوهم والإيهام (5/ 278 - 280).
(2)
بيان الوهم والإيهام (5/ 276) مع اختلاف يسير.
(3)
عند ابن القطان تنظر بدل ينظر.
(4)
عند ابن القطان من هذا بدل من هنا.
(5)
السنن (1/ 133) برقم 264.
(6)
بيان الوهم والإيهام (5/ 279 - 280).
وقد اختلف العلماء في الذي يأتي امرأته وهي حائض: فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة، يستغفر الله ولا شيء عليه ولا يعود، وبه قال داود، وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد (1)، ورويناه أيضًا عن عامر الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير وإبراهيم والقاسم بن محمد وابن أبي مليكة وابن سيرين (2).
وروينا عن الدارمي (3)، ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة: أن رجلًا أتى أبا بكر فقال: رأيت في المنام كأني أبول دمًا. قال: تأتي امرأتك وهي حائض؟ قال: نعم. قال: اتق الله، ولا تعد.
وروي عن محمد (4) بن الحسن: أنه قال: يتصدق بنصف دينار، وروينا عن عطاء نحوه (5).
وقال أحمد (6) بن حنبل: يتصدق بدينار أو بنصف دينار، وقال: ما أحسن حديث عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"يتصدق بدينار أو بنصف دينار". وقد تقدم.
وقال قتادة (7): إن كان واجدًا فدينار، وإن لم يجد فنصف دينار.
وقال الطبري (8): استحب له أن يتصدق بدينار أو نصف دينار، فإن لم يفعل
(1) هذه عبارة ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 186 - 187) والتمهيد (3/ 175).
(2)
انظر مصنف عبد الرزاق (1/ 329 - 330) وسنن الدارمي (1/ 269).
(3)
السنن (1/ 269) برقم 1102.
(4)
(3/ 187) برقم 3334.
(5)
سنن الدارمي (1/ 272) برقم 1114 و 1117.
(6)
الاستذكار (3/ 187) والتمهيد (3/ 175 - 176).
(7)
السنن الكبرى للبيهقي (1/ 315) وكذا المحلى لابن حزم (2/ 187) و (10/ 79).
(8)
التمهيد (3/ 176) وكذا الاستذكار (3/ 187) وزاد فيه بعد قوله وهو قول الشافعي ببغداد: رجع عنه بمصر.
فلا شيء عليه، وهو قول الشافعي ببغداد.
وقال الأوزاعي (1): يتصدق بدينار.
وقال الحسن (2) البصري: يعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
وروينا عن الدارمي (3): أنا مسلم بن إبراهيم، ثنا يزيد بن إبراهيم، قال: سمعت الحسن يقول في الذي يفطر يومًا من رمضان قال: عليه عتق رقبة أو بدنة أو عشرون صاعًا لأربعين مسكينًا، وفي الذي يغشى امرأته وهي حائض مثل ذلك.
قال أبو عمر (4): وقالت فرقة من أهل الحديث: إن وطئ في الدم فعليه دينار، وإن وطئ في انقطاع الدم فنصف دينار.
وحكى أبوعمر (5) عن الأوزاعي: يتصدق بخمسي دينار، ورواه عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمره أن يتصدق بخمسي دينار كذا عند أبي عمر.
وقد روينا من طريق الدارمي (6)، أنا محمد بن يوسف، عن الأوزاعي، عن
(1) لم أقف عليه.
(2)
انظر مصنف عبد الرزاق (1/ 328) برقم 1267.
(3)
السنن (1/ 270) برقم 1104.
(4)
التمهيد (3/ 176) والاستذكار (3/ 188).
(5)
التمهيد (3/ 177) والاستذكار (3/ 188) وهو في سنن أبي داود (1/ 134) وقال عنه إنه معضل.
وقال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 316): هو منقطع بين عبد الحميد وعمر.
انظر الإمام لابن دقيق العيد (3/ 263).
ووقع في الاستذكار (3/ 188) عن عبد الحميد عن عبد الرحمن وهو خطأ.
(6)
السنن (1/ 271) برقم 1110.
يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب؛ قال: كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة تكره الجماع، فكان إذا أراد أن يأتيها اعتلت عليه بالحيض، فوقع عليها فإذا هي صادقة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتصدق بخمس دينار.
وهذا منقطع بين عبد الحميد وعمر.
وعن ابن عباس (1): إذا أصابها في الدم فدينار، وإن أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار.
وأما مذهب الشافعي؛ فقال الرافعي (2) رحمهما الله: ومهما جامع في الحيض (3) وهو عالم بالتحريم ففيه قولان: الجديد أنه لا غرم عليه لكنه يستغفر ويتوب مما فعل (4)، لكنا نستحب له أن يتصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم، وبنصف دينار إن جامع في إدباره لورود الخبر بذلك (5)، والقديم: أنه يلزمه غرامة كفارة لما فعل ثم فيها قولان: أحدهما يلزمه تحرير رقبة بكل حال لمذهب عمر رضي الله عنه وأشهرهما أنه إن وطئ في إقبال الدم فعليه أن يتصدق بدينار، وإن كان في إدباره فعليه أن يتصدق بنصف دينار (6)، ثم الدينار الواجب أو المستحب مثقال الإسلام من الذهب الخالص يصرف إلى الفقراء والمساكين، ويجوز أن يصرف إلى واحد، وعلى قول الوجوب إنما يجب ذلك على الزوج دون الزوجة.
(1) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 265 باب في إتيان الحائض.
(2)
فتح العزيز (2/ 422 - 424) بتصرف يسير.
(3)
عند الرافعي بعد الحيض عمدًا.
(4)
عند الرافعي بعد قوله مما فعل لأنه وطء محرم لا لحرمة عبادة فلا يجب به كفارة كوطء
الجارلة المجوسية وكالإتيان في موضع المكروه لكنا نستحب إلخ.
(5)
ثم قال بعده وهذا القول هو المذكور في الكتاب.
(6)
وعنده لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى امرأة حائضًا فليتصدق بدينار ومن أتاها وقد أدبر الدم فليتصدق بنصف دينار".
وما المراد بإقبال الدم وإدباره؟ فيه وجهان:
أحدهما: وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني أنه ما لم ينقطع الدم فهو مدبر (1)، وإدباره أن ينقطع ولم تغتسل بعد (2)، وأشهرهما أن إقباله أوله وشدته، وإدباره ضعفه وقربه من الانقطاع (3).
وقد اختلف (4) العلماء أيضًا في وطء الحائض بعد الطهر وقبل الغسل وقد تقدم في باب ما جاء في مباشرة الحائض شيء منه.
قال مالك (4) وأكثر أهل المدينة: إذا انقطع عنها الدم لم يجز وطؤها حتى تغتسل، وبه قال الشافعي الطبري محمد بن مسلمة (5)، ورويناه عن مجاهد وعطاء وميمون بن مهران وإبراهيم والحسن (6).
وروينا (7) عن عقبة بن عامر: والله إني لا أجامع امرأتي في اليوم التي تطهر فيه حتى يمر يوم.
وروينا (8) عن محمد بن يوسف: سئل سفيان الثوري: أيجامع الرجل امرأته إذا انقطع عنها الدم قبل أن تغتسل، فقال: لا. فقيل: أرأيت إن تركت الغسل يومين أو أيامًا؟ قال: تستتاب.
(1) عند الرافعي مقبل بدل مدبر.
(2)
وعنده بدل عليه ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطئها في إقبال الدم فدينار وإن وطئها في إدبار الدم بعد انقطاعه وقبل الغسل فعليه نصف دينار".
(3)
انتهى كلام الرافعي.
(4)
وهذه عبارة ابن عبد البر كما في الاستذكار (3/ 188) والتمهيد (3/ 178).
(5)
انتهى ما عند ابن عبد البر.
(6)
انظرها عند الدارمي في السنن (1/ 266 - 267) برقم 1077 و 1083 و 1084.
(7)
السنن للدارمي (1/ 267) برقم 1086.
(8)
السنن للدارمي (1/ 266) برقم 1079.
وقال (1) أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز لها أن يطأها قبل الغسل، وإن كان قبل ذلك لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة.
وحكى ابن (2) شاس عن أبي (3) بكر قال: لا يحرم الوطء بعد انقطاع الدم، ولكن يكره للخلاف فيه.
وفي جواز وطئها عندهم إذا تيممت قولان حكاهما الشيخ أبو الطاهر ثم بناهما على الخلاف في كون التيمم يرفع الحدث أم لا.
وأما أصحابنا فقال الرافعي (4): ولو لم تجد ماءًا ولا ترابًا لم يجز وطؤها على أصح الوجهين بخلاف الصلاة فإنها تأتي بها.
(1) رجع إلى كلام ابن عبد البر كما في التمهيد (3/ 178) وكذا الاستذكار (3/ 188) والمنقول هنا عن التمهيد مع اختلاف يسير.
(2)
عقد الجواهر الثمينة (1/ 93).
(3)
عند ابن شاس ابن بكير بدل أبي بكر.
(4)
فتح العزيز (2/ 422).