المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٣

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌84 - باب ما جاء في المذي يصيب الثوب

- ‌85 - باب ما جاء في المني يصيب الثوب

- ‌86 - باب غسل المني من الثوب

- ‌87 - باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

- ‌88 - باب ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام

- ‌89 - باب ما جاء في مصافحة الجنب

- ‌90 - باب ما جاء في المرأة ترى مثل ما يرى الرجل في المنام

- ‌91 - باب ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل

- ‌92 - باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

- ‌93 - باب في المستحاضة

- ‌94 - باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكلّ صلاة

- ‌95 - باب ما جاء في المستحاضة أنّها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

- ‌96 - باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

- ‌97 - باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصَّلاة

- ‌98 - باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن

- ‌99 - باب ما جاء في مباشرة الحائض

- ‌100 - باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها

- ‌101 - باب ما جاء في الحائض تناول الشيء من المسجد

- ‌102 - باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض

- ‌103 - باب ما جاء في الكفارة في ذلك

- ‌104 - باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

- ‌105 - باب ما جاء في كم تمكث النفساء

- ‌106 - باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد

- ‌107 - باب ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ

- ‌108 - باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء

- ‌109 - باب ما جاء في الوضوء من الموطئ

- ‌110 - باب ما جاء في التيمم

- ‌111 - باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا

- ‌112 - باب ما جاء في البول يصيب الأرض

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب ما جاء في مواقيت الصلاة

- ‌4 - باب ما جاء في التعجيل بالظهر

- ‌5 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

- ‌6 - باب ما جاء في تعجيل العصر

- ‌7 - باب ما جاء في تأخير صلاة العصر

- ‌8 - باب ما جاء في وقت المغرب

- ‌9 - باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة

- ‌10 - باب ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة

- ‌11 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها

- ‌12 - باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء

- ‌13 - باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل

- ‌17 - باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة

- ‌18 - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ

- ‌19 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر وقد قيل إنها الظهر

- ‌20 - باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

- ‌21 - باب ما جاء في الصلاة بعد العصر

- ‌22 - باب ما جاء في الصلاة قبل الغرب

- ‌23 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

الفصل: ‌5 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

‌5 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

ثنا قتيبة، نا الليث عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".

قال: وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر وابن عمر والمغيرة والقاسم بن صفوان عن أبيه، وأبي موسى وابن عباس وأنس، وروي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ولا يصح.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.

وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير الظهر في شدة الحر، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق. قال الشافعي: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجدًا ينتاب أهله من البعد، فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر.

قال أبو عيسى: ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع.

وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي.

قال أبو ذر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأذن بلال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا بلال أبرد ثم أبرد"، فإن كان على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك وقت معنى لاجتماعهم في السفر، فكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد.

حدثنا محمود بن غيلان، نا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة، عن مهاجر أبي الحسن، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه بلال

ص: 371

فأراد أن يقيم فقال: "أبرد"، ثم أراد أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبرد في الظهر". قال: حتى رأينا فيء التلول، ثم أقام فصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن شدة الحر من فيح جهنم، فأبردوا عن الصلاة".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

* الكلام عليه:

حديث أبي ذر أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود.

وحديث أبي هريرة، أخرجوه أجمعون.

وأما حديث أبي سعيد فعند البخاري من حديث حفص، وعند ابن ماجه من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة (1)؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم".

وأما حديث ابن عمر فرواه البخاري من حديث سليمان بن بلال قال صالح بن كيسان: ثنا الأعرج عبد الرحمن وغيره، عن أبي هريرة، ونافع مولى عبد الله عن ابن عمر أنهما حدثاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".

وقد أفرد بن ماجه حديث ابن عمر فرواه عن عبد الرحمن بن عمر، عن عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر".

وأما حديث المغيرة بن شعبة: فروى شريك عن بيان، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة؛ قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا:"أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".

(1) كذا وصوابه: أبي سعيد.

انظر البخاري (538) وابن ماجه (679)!!

ص: 372

أخرجه ابن ماجه في سننه (1) عن تميم بن المنتصر الواسطي عن إسحاق بن يوسف عن شريك.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه إسحاق الأزرق، عن شريك فذكره، فقال: رواه أبو عوانة عن طارق، عن قيس؛ قال: سمعت عمر بن الخطاب قوله: أبردوا بالصلاة.

قال أبي: أخاف أن يكون هذا الحديث يدفع ذاك الحديث، قلت: فأيهما أثبت؟ قال: كأنه هذا، يعني حديث عمر.

قال في موضع آخر: لو كان عند قيس، عن المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج أو [لم](2) يفتقر إلى أن يحدث عن عمر الموقوف. انتهى.

قلت: هذه قرينة ضعيفة في الرد إذ من الجائز أن يكون عند قيس في ذلك المرفوع والموقوف معًا، أو تذكر المرفوع بعد رواية الموقوف فحدث به كما كان حدث بالموقوف من قبل.

وقد ذكر الخلال عن الميموني أنهم ذاكروا أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل حديث المغيرة بن شعبة فقال: أسانيد جياد، ثم قال: خباب يقول: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يشكنا، والمغيرة كما ترى روى القضيتين جميعًا. قال: وفي غير رواية الميموني: "وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإبراد".

(1) رقم (680)، كتاب الصلاة، باب (4) الإبراد بالظهر في شدة الحر. وصححه الألباني هناك، وأحال على "الروض"(1049).

لكنه في "الضعيفة"(949) رجح أنه بهذا السياق ضعيف، ولعل صوابه أن الفعلي حديث، والقولي حديث آخر غير مترابطتين.

(2)

كذا في نسخة السندي، وهي غير واضحة، أو ضرب عليها.

وفي "العلل"(376): يحتج أن يفتقر.

وانظر "العلل"(378).

ص: 373

وأما حديث القاسم بن صفوان عن أبيه، فروى مروان بن معاوية عن بشير بن سلمان، عن القاسم بن صفوان الزهري عن أبيه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة -يعني صلاة الظهر- فإن الحر من فيح جهنم"، أخرجه البغوي في معجمه، وقال: صفوان بن مخرمة أخو المسور بن مخرمة الزهري، روى عن أبيه، ولأبيه صحبة، روى عنه الشعبي.

وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: لا يعرف القاسم بن صفوان إلا من حديث رواه بشير بن سلمان عنه، فهذا يقتضي تفرد بشير بالرواية عنه، وما قاله البغوي يقتضي أن الشعبي أيضًا روى عنه.

وقال العجلي: بشير بن إسماعيل هو والد الحكم، روى عن جماعة، روى عنه جماعة. قال عبد الغني: كذا قال ابن إسماعيل والمعروف ابن سلمان، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقد روى ابن أبي شيبة هذا الحديث في مسنده عن محمد بن عبد الله الأسدي عن بشير غير منسوب.

وأما حديث أبي موسى: فروى حفص بن غياث، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى يرفعه؛ قال:"أبردوا بالظهر، فإن الذي تجدون من فيح جهنم".

وأخرجه السراج في مسنده من جهة حفص، وقال: وعن أبي زرعة عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمتن سواء.

وأما حديث ابن عباس ........... (1).

وأما حديث أنس: فروى البخاري من حديث أبي خالد، وهو خالد بن دينار؛ قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد

(1) ترك له المصنف بياضًا حوالي ثلاثة أسطر.

ص: 374

الحر أبرد بالصلاة، وإذا اشتد البرد بكّر بالصلاة -يعني الجمعة-.

رواه من حديث حرمي بن عمارة، عن أبي خلدة، وقال: قال أبي بكر: أنا أبو خلدة، وقال بالصلاة، ولم يذكر الجمعة.

وقال بشير بن ثابت، ثنا أبو خلدة، قال: صلى بنا أمير الجمعة ثم قال لأنس: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر؟

وأما الرواية عن عمر قوله فجاءت من طريق يحيى القطان عن الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير بن مطعم أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن صلِّ الظهر إذا زالت الشمس وأبرد.

وأما رواية عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة وابن مسعود وعمرو بن عبسة رضي الله عنهم.

أما حديث عائشة: فروى ابن خزيمة في صحيحه من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أبردوا بالظهر في الحر".

رواه عن القاسم بن محمد، عن عباد بن عباد المهلبي، عن عبد الله يعني ابن داود عنه.

وأما حديث ابن مسعود: فروى عبيدة بن حميد، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن كثير بن مدرك، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود؛ قال: كانت قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام. رواه أبو داود والنسائي، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وأما حديث عمرو بن عبسة فعند الطبراني من حديث محمد بن شعيب بن

ص: 375

شابور، نا يزيد بن أبي مريم، عن الوليد بن هشام المعيطي، عن عبادة بن أبي أوفى النميري، عن عمرو بن عبسة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". رواه من حديث سليمان بن سلمة الخبايري عنه.

قوله: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة"؛ أبردوا: أي أخروها عن ذلك الوقت وادخلوا بها في وقت البرد، وهو الزمان الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر، وتوجد فيه برودة ما. يقال: أبرد الرجل: أي صار في برد النهار.

و"عن" في قوله: "عن الصلاة"؛ بمعنى الباء، كما قد روي في بعض طرقه: أبردوا بالصلاة، و"عن" تأتي بمعنى الباء، كما يقال: رميت عن القوس؛ أي: به، وكذلك تأتي الباء بمعنى (عن) كما قال الشاعر:

فإن تسألوني بالنساء فإنني

بصير بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله

فليس له من ودّهنّ نصيب

أي: عن النساء، وكما قيل في قوله تعالى:{فاسأل به خبيرًا} أي: عنه وقيل: بأن (عن) هنا زائدة؛ أي: أبردوا بالصلاة، يقال: أبرد الرجل كذا إذا فعله في برد النهار.

و"فيح جهنم": شدة حرها وشدة غليانها، يقال: فاحت القدر تفيح؛ أي: هاجت وغلت.

وفي حديث أبي سعيد من طريق الأعمش: "من فوح جهنم" بالواو. قال أحمد: لا أعلم أحدًا رواه بالواو إلا الأعمش.

والنفس: التنفيس، قإذا تنفست في الصيف قوي لهبها حر الشمس فزادها وتضاعف، وإذا تنفست في البرد دفع حرها شدة البرد إلى الأرض وهو الزمهرير الذي ذكر.

ص: 376

واختلف في معنى هذا الحديث؛ فمن العلماء من حمله على ظاهره، وقال هو لسان مقال محقق، وشكوى محققة، وتنفس محقق، إذ هو إخبار من الصادق بأمر جائز فلا يحتاج إلى تأويله، ومنهم من قال: بل خرج هذا مخرج التشبيه والتقريب، أي كأنه نار جهنم في الحر وتكون هذه الشكوى وهذه المقالة لسان حال كما قال:

شكا إلي جملي طول السرى

صبرًا جميل فكلانا مبتلى

والأول أولى لأنه حمل اللفظ على حقيقته ولا إحالة في شيء في ذلك.

وقوله: "حتى رأينا فيء التلول"، قد تقدم تفسير الفيء، والتلول: جمع تل، وهي الروابي في ظلها لا يظهر إلا بعد تمكن الفيء واستطالته جدًّا يملآن الأشياء التي يظهر ظلها سريعًا في أسفلها لاعتدال أعلاها وأسفلها.

وفي الحديث دليل على أن النار قد خلقت وأنها موجودة لما قالته المعتزلة وبعض أهل البدع أنها تخلق في القيامة.

وقد تقدم في الباب قبل هذا أول وقت الظهر، والكلام على آخر وقت الظهر سيأتي في هذا الباب الذي نحن فيه.

وأما آخر وقت الظهر فهو إذا صار ظل الشيء مثله غير الظل الذي يكون له عند الزوال.

وإذا خرج هذا دخل وقت العصر متصلًا به، ولا اشتراك بينهما، هذا مذهبنا، وبه قال الأوزاعي والثوري والليث وأبو يوسف ومحمد وأحمد.

وقال عطاء وطاوس: إذا صار ظل الشيء مثله دخل وقت العصر وما بعده وقت للظهر والعصر على الاشتراك حتى تغرب الشمس.

وقال إسحاق بن راهويه وأبو ثور والمزني وابن جرير: إذا صار ظله مثله فقدر أربع ركعات بعده وقت للظهر والعصر، ثم يتمحص الوقت للعصر.

ص: 377

وقال مالك: إذا صار ظله مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر بالاشتراك، وبه قال ابن المبارك، ويستحب مالك لمساجد الجماعات أن يؤخروا العصر بعد هذا قليلًا، فإذا زاد على الليل زيادة بينة خرج وقت الظهر، وعن مالك رواية أن وقت الظهر يمتد إلى غروب الشمس.

وقال أشهب: بل الاشتراك في القامة الأولى فيكون ما قبلها بقدر ما يوقع فيه أحد الصلاتين مشتركًا بينهما، واختار هذا القول أبو إسحاق التونسي وحكاه القاضي أبو بكر رواية عن مالك.

وقال ابن حبيب بالتعاقب ونفى الاشتراك، ورأى أن آخر وقت الظهر إذا كان الظل بعد الفراغ منها تمام القامة؛ يعني: المثل، وأول وقت العصر تمام القامة.

قال الشيخ أبو محمد: هذا خلاف قول مالك رحمه الله.

وقال أبو حنيفة: آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثليه.

قال أبو عمر: فخالف الآثار والناس بقوله بالمثلين في آخر وقت الظهر، وخالفه أصحابه في ذلك.

قال: وذكر الطحاوي رواية أخرى عن أبي حنيفة أنه قال: آخر وقت الظهر حين يصير ظل كل شيء مثله، وأول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه، فترك بين الظهر والعصر وقتًا منفردًا لا يصلح لأحدهما، وهذا لم يتابع عليه أيضًا.

واحتج لمن قال بالاشتراك بحديث ابن عباس المذكور قالوا: فصلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في الأول.

وبحديث ابن عباس: "جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولا سفر". رواه البخاري ومسلم: "من غير خوف ولا مطر"، فدل على اشتراكهما.

ص: 378

واحتج من لم ير الاشتراك بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي تقدم، وفيه:"ثم صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر"، رواه مسلم من طرق، وفي بعضها:"ووقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر".

وبحديث أبي موسى الذي تقدم ذكره من طريق مسلم أيضًا وفيه في صلاة الظهر في اليوم الثاني ثم أخر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس وفي آخره: "الوقت ما بين هذين"، وهذا نص في أن آخر وقت الظهر لا يزيد على ذلك فاقتضى نفي الاشتراك.

وبحديث أبي قتادة أنه عليه السلام قال: "ألا أنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى".

وأجابوا عن احتجاج القائلين بالاشتراك بقوله: "فصلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في الأول بأن المراد بدأ بالعصر في اليوم الأول حين صار الظل مثله، وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين صار الظل مثله فلم يحصل اشتراك، ولو حمل على الاشتراك لم يحصل تحديد آخر وقت الظهر ولفات بيانه وقد قال في آخر الحديث: الوقت بين هذين.

قال الشيخ أبو حامد: ولأن حقيقة الكلام أن يكون فرغ من الصلاتين حين صار ظل الشيء مثله، فمنعنا الإجماع من إرادة ذلك في العصر فتأولناه على أنه ابتدأ حين العصر وبقي وقت الظهر على حقيقته، ونظير هذا التأويل قوله تعالى:{فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن} ، وقال تعالى:{فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن} ، المراد بالبلوغ الأول مقاربته وبالتالي حقيقة انقضاء الأجل، ويقال: بلغ المسافر البلد إذا انتهى إليه وإن لم يدخله، وبلغه إذا دخله.

وأجابوا عن الجمع بالمدينة بأنه محمول على أنه صلى الظهر في آخر وقتها،

ص: 379

والعصر في أول وقتها، فصار صورته صورة جمع وليست بجمع.

وأما من قال: لعله جمع لعذر إما مطر أو مرض فضعيف؛ لأن السفر ممتنع، إذ الجمع بالمدينة والمطر والخوف كذلك منصوص على بقية الحديث، وأما المرض فقوة الكلام تنفيه لما يفهم من نفي المطر والخوف والسفر أن ما هو في معناها من المرض عند من يقول به منتفٍ أيضًا لأن مراد الراوي أن الجمع كان لغير عذر، وما ذكره من الأعذار فعلى سبيل المثال نفيه يدل على نفيها، وكما تأولناه من تأخير الظهر وتقديم العصر تأوله أبو الشعثاء وعمرو بن دينار صاحبا ابن عباس راويه، وهما أسعد بفهمه عن ابن عباس ممن بعدهم.

وأما الإبراد بالصلاة ففيه مسائل.

الأولى: قال القاضي عياض رحمه الله: ذهب قوم من أهل العلم إلى أن حديث الإبراد ناسخ لما جاء بخلافه من صلاة الظهر بالهاجرة وما في معناه، وقال بعضهم: ليس بناسخ وإنما هو رخصة لمن لم يرد الأخذ بالأفضل.

الثانية: شروطه: قال القاضي أبو بكر بن العربي: وهي ثلاثة: الأول: أن يصلي في مسجد جماعة، الثاني: أن يكون في شدة الحر، الثالث: أن يكون المسجد منتابًا من موضع بعيد.

وطردوه في جماعة هم في موضع لا يأتيهم إليه أحد، وفيمن يمكنه المشي إلى المسجد في ظل، وفيمن صلى في بيته منفردًا.

والأصح المنصوص أنهم كلهم لا يبردون بل يشترط الشروط الأربعة.

وقال الأثرم: قلت لأحمد: أي الأوقات أحب إليك في الصلوات كلها؟

قال: أولها، إلا في صلاتين، في العشاء الآخرة، والظهر في شدة الحر.

ص: 380

قال: وأما في الشتاء فيعجل بها.

فهذا (1) لم يشترط إلا شدة الحر كما حكاه الترمذي.

وعن ابن المبارك وإسحاق (وذكره)، واستدل عليه بحديث أبي ذر، وإذا لم يثبت نص بهذه الشروط فأكثر ما فيها أنها تخصيص للنص بالمعنى.

وقد ذكر أبو عمر عن الشافعي أنه روى عنه: أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبراد كان بالمدينة لشدة حر الحجاز، ولأنهم لم يكن بالمدينة مسجد غير مسجده يومئذ، وكان ينتاب من بعد فيتأذون لشدة الحر؛ فأمرهم بالإبراد لما في الوقت من السعة، فهذا نظر إلى المعنى الذي نبه عليه في الشروط التي اشترطها، ولم يقف عند عموم قوله عليه السلام:"إذا اشتد الحر فأبردوا"، ولو سلم له هذا المعنى لكان حسنًا، لكن لقائل أن يقول: لعل المعنى المقتضي للإبراد هو ما يجدونه من حر الرمضاء في جباههم حين السجود، فكان مقتضى الإبراد ذلك، أو يكون كل منهما جزء علة، فلا يستقل الأول بالتعليل، لا سيما وقد وجدنا في الحديث الذي اتفقا على إخراجه (2) من حديث بكر المزني عن أنس قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر جلسنا على ثيابنا اتقاء الحر.

ورواه أبو عوانة، فقال: فسجدنا، بدل: فجلسنا.

وفي حديث جابر: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرده، ثم أحوله في كفي الأخرى، فإذا سجدت وضعته لجبهتي.

أخرجه أبو العباس السراج في "مسنده".

وكذلك قول أنس في الحديث الصحيح عنه أيضًا: فإذا لم يستطع أحدنا أن

(1) كذا، ولعلها: فهنا.

(2)

البخاري (542) ومسلم (620) وعندهما: ذكر السجود.

ص: 381

يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.

فهذا وما أشبهه هو المنقول عنهم، فناسب أن يكون هو العلة، ولم نجد عنهم أنهم شكوا مشقة المسافة، ولا بعد الطريق فيقال به.

وإذا لم يصلح ذلك للتعليل كان ما رواه البويطي أولى.

ولو علل بفتح جهنم في ذلك الوقت كما جاء منصوصًا عليه في الخبر، منسوقًا بفاء التعليل:"فأبردوا؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم"، ومثله حديث عمرو بن عبسة في الساعات المنهي عن الصلاة فيها، وفيه: "فإذا اعتدل النهار قصر

(1) عن الصلاة فإنها ساعة تسجر فيها جهنم" لكان أولى من كل ما سبق إذ هي العلة المنصوص عليها من صاحب الشرع.

فإن قيل: كان يلزم التأخير في شدة البرد أيضًا، إذ هو من تنفس جهنم؟

فالجواب: إن شدة البرد في زمن الشتاء ليست وقت الظهر بل وقتها أقل الأوقات بردًا، وإنما مظنة البرد السحر، ثم هو يقوى مع الإسفار حتى ترتفع الشمس، ويخرج الوقت ولا ينتهي الأمر بالإبراد إلى هذا الحد.

وأما أصحاب مالك فاشترطوا الجماعة، واختلفوا في المنفرد؛ هل يبرد أو لا؟ وهذا أيضًا تخصيص بالمعنى، عند من لا يرى للمنفرد أن يبرد، إذ من المعلوم أن العادة حينئذ عندهم

صلاتهم

إقامتها في الجماعة، إلا لضرورة

، والائتمام بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا لمن تعذر عليه ذلك.

الثالثة: هل يختص الإبراد بالظهر أو لا؟

قال القاضي عياض: ولم يقل أحد بالإبراد في غير صلاة الظهر إلا أشهب،

(1) كلمة غير واضحة.

ص: 382

فقال به في العصر، وقال: تؤخر ربع القامة، وأحمد بن حنبل رأى تأخير العشاء الآخرة في الصيف بالليل كما تؤخر الظهر، وعكس ابن حبيب رأى تأخيرها في الشتاء لطول الليل وتعجيلها في الصيف لقصره.

الرابعة: صلاة الجمعة هل لها مدخل في الإبراد أم لا؟

وفيها وجهان للشافعية؛ قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله في "المهذب":

أحدهما: أنها كالظهر لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتد البرد بكر بها، وإذا اشتد الحر أبرد بها.

والثاني: تقديمها أفضل بكل حال، لأن الناس لا يتأخرون عنها لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها فلم يكن للتأخير وجه. انتهى.

والقول بالإبراد في الجمعة يقبل التعليل بالنص والمعنى بخلاف العصر، أما النص فحديث أنس المذكور وهو عند البخاري ولم يأت نص في الإبراد بالعصر.

وأما المعنى فلوجهين:

الأول: أن الجمعة نابت عن الظهر وقامت مقامها فناسب أن تعطى حكمها.

الثاني: أن العلة الموجبة للإبراد في الظهر وهي شدة الحر موجودة في وقتها لا في وقت العصر لا سيما عند من لا يرى التبكير إلى الجمعة من المندوب إليه.

الخامسة: في الوقت الذي ينتهي إليه الإبراد وحقيقته عندهم أن تؤخر الصلاة عن أول الوقت بقدر ما يحصل للحيطان فيء يمشي فيه طالب الجماعة بحيث لا يؤخر عن النصف الأول من الوقت، هكذا قال بعض أصحابنا.

ص: 383

وقال القاضي عياض: وقد تقدم قول جمهور العلماء بالإبراد في الظهر وهو زائد على ربع القامة إلى وسط الوقت، وهذا نحو من الأول.

وقال أشهب: لا ينتهي بالإبراد إلى آخر الوقت.

وقال ابن عبد الحكم: ينتهي بالإبراد إليه، والأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخره إلى أن كان للتلول والجدران فيء يستظل به وذلك في وسط الوقت.

* * *

ص: 384