الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء
ثنا أحمد بن منيع، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما. وقد روي هذا الحديث الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن علقمة، عن رجل من جعفى يقال له: قيس أو ابن قيس، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
هذا الحديث في قصة طويلة.
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة.
قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن، وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء، ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا سمر إلا لمصل أو مسافر".
* الكلام عليه:
رواه الإمام أحمد والنسائي وحسنه الترمذي ورجاله رجال الصحيح، وإنما قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي نبه عليه بين علقمة وعمر بدخول الجعفي من الوجه الذي أشار إليه، فهو لأن يوصف بالانقطاع أقرب منه لأن يوصف بالحسن إلا أن يكون الجعفي الذي بين علقمة وعمر فيه من شرط الحسن عنده.
وأما حديث عبد الله بن عمرو كذا هو في الأصل، وفي صحيحي البخاري
ومسلم من حديث عبد الله بن عمر، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قال: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى من هو على الأرض أحد"، فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مئة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد"؛ يريد بذلك أنها تحرم ذلك القرن. رواه البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن سالم وأبي بكر بن أبي خيثمة، عن عبد الله بن عمر، ورواه مسلم عن الدارمي عن أبي اليمان.
وأما حديث أوس بن حذيفة؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا بعد العشاء يحدثنا، وكان أكثر حديثه تشكيه من قريش. ذكر ابن قانع معناه.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث أبي برزة وعبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن السمر والحديث بعد العشاء، وحديث أوس بن حذيفة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا ....... فقال: حديث أبي برزة أصح من حديث أوس بن حذيفة.
وفيه عن ابن عباس وهو مما لم يذكره الترمذي:
روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال: رقدت في بيت ميمونة، ولفظ البخاري: بت فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد .... الحديث.
دلت أحاديث الباب قبل هذا على كراهة الحديث بعد العشاء، ولكن ليست الألف واللام فيها للعموم والاستغراق بدليل أحاديث هذا الباب فلا بد من التنبيه على ما يكره من الحديث على مقتضى الباب الأول وما لا يستثنى منه مما لا يكره على مقتضى الباب الثاني فنقول:
المراد بالحديث الذي يكره بعدها ما كان مباحًا في غير ذلك الوقت وأما المكروه في غيره فهو هنا أشد كراهة، فينبغي تقسيم الحديث بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
مكروه، ومباح، ومندوب إليه.
فالمباح هنا هو القسم الثالث الذي هو المندوب إليه، وإذا كان ذلك فالحرام منه كالغيبة وما أشبه ذلك من باب أولى بالمنع.
وكراهة الحديث بعدها لمعنيين:
الأول: ما قد يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة والإتيان بها في وقت الأفضلية والاختيار، أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك.
الثاني: وإن أمن من ذلك فالحديث والسهر بالليل يوجب الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات ومصالح الدين والدنيا، وقد جعل الله الليل سكنًا كما قال تعالى: {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا
…
}، وكما قال تعالى: {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهارلتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضل
…
}؛ لتسكنوا فيه: يعني الليل، ولتبتغوا من فضله: يعني النهار. فأعاد الأول للأول، والثاني للثاني، ويأتي في الكلام هذا وعكسه كقوله تعالى:{يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم} ، ثم قال بعد الفراغ من هذا القسم:{وأما الذي ابيضت وجوههم} .
فالكلام إن دعت إليه ضرورة أو اقتضته مصلحة فهو مشروع كما دلت عليه الأحاديث السابقة من المصالح العامة كسهره عليه السلام مع أبي بكر وحديثه معه في الأمر من أمر المسلمين، وكما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء الآخرة إلى شطر الليل ثم خرج فصلى ثم قال:"أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة لا يبقى على ظهر ممن هو اليوم على ظهرها أحد".
وفي الحديث الصحيح أن أبا بكر صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم تعشى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف بعدما مضى من الليل ما شاء الله، فقالت له امرأته: ما
حبسك عن أضيافك؟ فجرى بينه وبين أهله من المراجعة ما جاء في الحديث، رواه البخاري في كتاب الصلاة والاستدلال بهذا الحديث والحديث الذي قبله على هذا المراد أولى من الاستدلال بحديث عمر لأن هذا الحديث والذي قبله اقتضى أن ذلك كان بعد صلاة العشاء محققًا، وأما حديث عمر فليس فيه أكثر من أنه كان يسمر مع أبي بكر، وكذلك حديث أوس بعد العشاء الحوالة فيه على محذوف مقدر، فإما أن يكون بعد صلاة العشاء فيتم له المراد، وإما أن يكون بعد وقت العشاء، ولكن في هذا كله بعد، والحمل فيه على المعتاد أظهر.
وقوله: وروي عن النبي في أنه قال: "لا سمر إلا لمصلٍّ أو مسافر"، تقدم تخريجه في الباب قبل هذا من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فكراهة النوم قبل العشاء من باب المحافظة على صلاة العشاء كما سبق، وكراهة الحديث بعدها من باب المحافظة على صلاة الصبح والخشية من نقص يرد على مؤديها من تأخير أو ما أشبه ذلك، والذي صير المباح في هذا الباب مكروهًا المخاطرة وركوب الغرر لغير معنى ولا أجر يرتجي، وذلك أن السهر في قراءة القرآن أو سماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو السلف الصالحين أو مع الضيف المشروع إكرامه بمحادثته
…
: إن الحديث جانب من القرى أو ما أشبه ذلك سهر، وحديث يترتب عليه أجر فارتكاب الغرر لأجله قريب، والسهر في غير ذلك من المباح وقوع في مخاطرة لا يترتب عليها شيء فناسب أن يكون مكروهًا ليس المغرِّر محمودًا وإن سلما.
[وأحسن من هذا كله قول من قال في كراهة الحديث بعد العشاء، والصلوات كفارات لما بينهن من الصغائر فاستحسن لمن ختم عمله بما كفر خطايا يومه أن لا ينشئ بعد ذلك حديثًا يمكن أن يوقعه في محذور، ومكفرات يومه من الصلوات قد انقضت ولتكون الصلاة خاتمة لعمل يومه](1).
(1) من نسخة السندي.