الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة
ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشير، عن بشير بن ثابت، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير؛ قال: أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة.
قال أبو عيسى: روى هذا الحديث هشيم عن أبي بشر، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، ولم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، وحديث أبي عوانة أصح عندنا لأن يزيد بن هارون روى عن شعبة، عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة.
حدثنا أبو بكر محمد بن أبان، ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة بهذا الإسناد نحوه.
* الكلام عليه:
رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وهو عند أحمد من طريق يزيد بن هارون التي أشار إليها الترمذي.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: وحديث النعمان بن بشير صحيح وإن لم يخرجه الإمامان، فإن أبا داود أخرجه عن مسدد، ونقل عن أبي حاتم الرازي توثيق حبيب بن سالم، وعن يحيى بن معين توثيق بشير بن ثابت. قال: ولا كلام فيمن دونهما. وإن كان هشيم قد أسقط منه بشير بن ثابت فقد أثبته أبو عوانة وغيره، وخطأ من أخطأ في الحديث لا يخرجه عن الصحة.
والعِشاء بكسر العين: أول ظلام الليل وذلك إلى العتمة.
والعَشاء بفتح العين: طعام ذلك الوقت.
والعشاءان: المغرب والعشاء.
وأول وقت العشاء مغيب الشفق عندهم، ولكنهم اختلفوا في تفسيره، فذهب الأكثرون إلى أنه الشفق الأحمر، وذهب آخرون إلى أنه البياض.
وقال أحمد بن حنبل: أما في الحضر فأحب إلي أن لا يصلي حتى يذهب البياض، وأما في السفر فيجزئ أن يصلي إذا ذهبت الحمرة.
وإذ قد اختلفوا في تفسير الشفق فلنقدم بين يدي مسائل هذا الباب الكلام في الشفق المراد هنا ما هو؟
قال أبو محمد اليزيدي: والشفق شفقان، فأحدهما البياض والآخر الحمرة، فوقت المغرب عند ابن أبي ليلى وسفيان الثوري ومالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وداود وغيرهم يخرج ويدخل وقت العشاء الآخرة بمغيب الحمرة وهو المروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس ومكحول أن الشفق هو الحمرة، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، إلا أن أحمد يستحب التفرقة بين الحضر والسفر كما ذكرنا ليكون المقيم على يقين من وقت الحمرة، فقد تواريها الجدران يعني وليس كذلك المسافر.
وقال أبو حنيفة وعبد الله بن المبارك والمزني وأبو ثور: لا يخرج وقت المغرب ولا يدخل وقت العتمة إلا بمغيب البياض.
قال أبو محمد: قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ خروج وقت المغرب ودخول وقت العشاء بمغيب الشفق الأحمر، والشفق يقع في اللغة على الحمرة وعلى البياض، فوجب أنه إذا غاب ما يسمى شفقًا فقد خرج وقت المغرب ودخل وقت العتمة، ولم يقل كل ما يسمى شفقًا، وأيضًا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدّ وقت
العتمة بأن أوله إذا غاب الشفق وآخره ثلث الليل الأول، وروي أيضًا نصف الليل، وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب ودوران الشمس أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول، وهو الذي
…
(1) عليه السلام خروج أكثر الوقت به فصح يقينًا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض فتبين بذلك يقينًا أن الوقت إنما دخل بالشفق الذي هو الحمرة للفرق بين أول الوقت وآخره، وفي حديث عبد الله بن عمر: وقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق، ونور الشفق ثورانه وقوته وهذه صفة الأحمر لا الأبيض. وقد رواه ابن خزيمة (2) فقال إلى أن تذهب حمرة الشفق رواه من حديث محمد بن يزيد، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو إلا أنه قال: لو صحت هذه اللفظة (لكان في هذا الخبر) بيان أن الشفق الحمرة لكن تفرد بها محمد بن يزيد.
واحتج من قلد أبا حنيفة بأن قال: إذا صلينا عند غروب البياض فنحن على يقين بإجماع أننا قد صلينا عند الوقت، وإن صلينا قبل ذلك فلم نصل بيقين إجماع في الوقت، وهذا ينتقض بما لا يحصى من المسائل في الصلاة وغيرها كالبينة في الوضوء وقراءة القرآن والطمأنينة، وكل ما اختلف فيه مما يبطل الصوم والحج وغير ذلك. وذكروا حديث النعمان بن بشير حديث الباب هذا أنه عليه السلام كان يصلي العتمة لسقوط القمر ليلة ثالثة، وهذا أعظم حجة لنا لأن الشفق الأبيض يبقى بعد هذا مدة طويلة كما سنذكره.
وروى هارون بن سفيان المستملي حدثني عتيق بن يعقوب، حدثني مالك،
(1) كلمة غير واضحة.
(2)
"الصحيح"(354).
وأصل الحديث عند مسلم (612) وابن حبان (1471)، وابن خزيمة (326، 355) وانظر "صحيح السنن"(425).
عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة" ذكره الدارقطني في الغرائب فقال: قرأت في أصل أبي بكر أحمد بن عمرو بن جابر بخط يده ثنا علي بن عبد الصمد الطيالسي، نا هارون بن سفيان المستملي ثم قال: هذا حديث غريب وكل رواته ثقات، وأما حديث الباب فلا يصلح للاحتجاج به على شيء من هذين القولين ذلك أن القمر يغيب في الثالثة في كل زمان ومكان بعد ذهاب ساعتين ونصف ساعة ونصف سبع ساعة من ساعات تلك الليلة المجزأة على ثنتي عشرة ساعة، والشفق الذي هو الحمرة يغيب قبل سقوط القمر في الليلة الثالثة قل ذلك بحين كبير، والشفق الذي هو البياض يغيب بعد سقوط القمر ليلة ثالثة فساعة .... تلك الليلة.
وأما صلاته عليه السلام في ذلك الوقت فواقعة في الوقت المختار بعد تمكنه لما فيه من استحباب تأخير العشاء عن أول الوقت ومراعاة مصلحة المصلين عمومًا في عدم التأخير إلى ثلث الليل،
…
فكل صلاة في أول الوقت دائمًا ولا في آخره دائمًا، وقد علم أول الوقت وآخره من غير هذا الحديث.
والمختار في (كان) إذا اتصلت بالمضارع اقتضاؤها الدوام والاستمرار.
وأما الصفرة التي بعد الحمرة وقبل البياض فاختلف كلام الأصحاب فيها؛ فقال الغزالي في البسيط: الشفق الحمرة دون الصفرة والبياض. وقال إمام الحرمين والغزالي في البسيط: يدخل وقت العشاء بزوال الحمرة والصفرة، وقد استدل لهما بما نقله صاحب جمع الجوامع عن نص الشافعي فهذا لفظه وهو محتمل لما قاله إمام الحرمين، لأن الحمرة برق يستحيل لونًا آخر بحيث تعد بقية اللون الحمرة وفي حكم جزء منها، ولكن نص الشافعي في مختصر المزني: الشفق الحمرة، وهذا ظاهر في أنه يدخل الوقت بمغيب الحمرة وإن بقيت الصفرة، وهو المذهب.