المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌23 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٣

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌84 - باب ما جاء في المذي يصيب الثوب

- ‌85 - باب ما جاء في المني يصيب الثوب

- ‌86 - باب غسل المني من الثوب

- ‌87 - باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

- ‌88 - باب ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام

- ‌89 - باب ما جاء في مصافحة الجنب

- ‌90 - باب ما جاء في المرأة ترى مثل ما يرى الرجل في المنام

- ‌91 - باب ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل

- ‌92 - باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

- ‌93 - باب في المستحاضة

- ‌94 - باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكلّ صلاة

- ‌95 - باب ما جاء في المستحاضة أنّها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

- ‌96 - باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

- ‌97 - باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصَّلاة

- ‌98 - باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن

- ‌99 - باب ما جاء في مباشرة الحائض

- ‌100 - باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها

- ‌101 - باب ما جاء في الحائض تناول الشيء من المسجد

- ‌102 - باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض

- ‌103 - باب ما جاء في الكفارة في ذلك

- ‌104 - باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

- ‌105 - باب ما جاء في كم تمكث النفساء

- ‌106 - باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد

- ‌107 - باب ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ

- ‌108 - باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء

- ‌109 - باب ما جاء في الوضوء من الموطئ

- ‌110 - باب ما جاء في التيمم

- ‌111 - باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا

- ‌112 - باب ما جاء في البول يصيب الأرض

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب ما جاء في مواقيت الصلاة

- ‌4 - باب ما جاء في التعجيل بالظهر

- ‌5 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

- ‌6 - باب ما جاء في تعجيل العصر

- ‌7 - باب ما جاء في تأخير صلاة العصر

- ‌8 - باب ما جاء في وقت المغرب

- ‌9 - باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة

- ‌10 - باب ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة

- ‌11 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها

- ‌12 - باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء

- ‌13 - باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل

- ‌17 - باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة

- ‌18 - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ

- ‌19 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر وقد قيل إنها الظهر

- ‌20 - باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

- ‌21 - باب ما جاء في الصلاة بعد العصر

- ‌22 - باب ما جاء في الصلاة قبل الغرب

- ‌23 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

الفصل: ‌23 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

‌23 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري نا معن نا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".

وفي الباب عن عائشة.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وبه يقول أصحابنا والشافعي وأحمد وإسحاق.

ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها.

* الكلام عليه:

أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث مالك.

وحديث عائشة رواه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها" والسجدة إنما هي الركعة.

فيه مسائل:

الأولى: ظاهر هذا الحديث: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"،

ص: 507

أن مدرك الركعة مدرك للصلاة فلا يصح بدليل قوله عليه السلام: "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وبفعل (1) النبي صلى الله عليه وسلم حيث فاتته ركعة من صلاته خلف عبد الرحمن بن عوف، فلما سلم عبد الرحمن قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعة التي سبقه بها. وقد روى أبو بكر البزار حديث:"من أدرك ركعة من الصلاة"، فقال فيه:"فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنَّه يقضي ما فاته"، فلا خلاف في ذلك فتعين تأويل شيئين كما يأتي.

الثانية: قيل: معناه فقد أدرك الوقت أي إن أتم ما بقي عليه بعد طلوع الشمس أو غروبها فقد أدرك من وقتها ما قام له مقام من أدركها كلها في الوقت وقد روى الحديث محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب الشمس ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر"، وقال مثله في الصبح، ورواه إسماعيل بن عياش عن زيد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس وصلى الأخرى بعد طلوع الشمس فقد أدرك" وقال مثله في العصر.

الثالثة: اختلف السلف في القدر الزائد على ما سبق في المواقيت من امتداد وقت هاتين الصلاتين إلى الطلوع والغروب، فقال قوم منهم أبو حنيفة: هو زيادة بيان على البيان السابق في حديث المواقيت والوقت يمتد مطلقًا لسائر الناس على ما في هذا الحديث.

وفرق الأكثرون بين وقت أرباب الرفاهية ووقت أرباب الأعذار فحملوا ما تقدم على الوقت في حق أرباب الرفاهية مختارة وجائزة وحملوا ما في هذه الأحاديث على الوقت لأرباب الأعذار الذين يأتي ذكرهم.

(1) في نسخة السندي: ولفعل.

ص: 508

الرابعة: وقيل معناه فقد أدرك فضل الجماعة وقد روى أبو علي الحنفي عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الفرض (1) " ورواه أبو أحمد بن عدي وقال: "فقد أدرك فضل الجماعة".

وخرج الحاكم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا"، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.

الخامسة: إذا قلنا إنه أدرك فضل الجماعة، فهل يكون ذلك الفضل مضاعفًا كما يكون لمن حضرها من أولها أو يكون غير مضاعف؟ اختلف فيه على قولين وإلى التضعيف ذهب أبو هريرة وغيره من السلف، وإلى عدم التضعيف ذهبت طائفة أخرى حكاه القرطبي في "المفهم" قال: وإلى هذا يشير قول أبي هريرة: ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير.

السادسة: وقيل معناه أدرك حكم الصلاة أي يلزمه من أحكام الصلاة ما يلزم الإمام من الفساد والسهو وغير ذلك.

السابعة: اختلف العلماء فيمن أدرك أقل من ركعة، وفيه مسائل أولاها، وهي:

الثامنة: إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة ركعة من وقتها لزمته تلك الصلاة وذلك في الصبي يبلغ والمجنون والمغمى عليه يفيقان والحائض والنفساء تطهران والكافر يسلم، فمن أدرك من هؤلاء ركعة قبل خروج وقت الصلاة لزمته تلك الصلاة

(1) في الأصل: الفضل.

ص: 509

هذا مذهب الشافعي وإن أدرك دون ركعة كتكبيرة ففيه قولان للشافعي: أحدهما لا تلزمه ويُروى (1) عن مالك عملا بمفهوم هذا الحديث وأصحهما عند الأصحاب تلزمه وبه قال أبو حنيفة لأنه إدراك جزءٍ من الوقت فاستوى قليله وكثيرة ولأنه لا يشترط قدر الصلاة بكمالها بالاتفاق فينبغي أن لا يفرق بين تكبيرة وركعة وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقييد بركعة خرج على الغالب، فإن غالب ما يمكن معرفة إدراكه ركعة ونحوها، وأما التكبيرة فلا يكاد يحس بها.

التاسعة: وهل يشترط مع التكبيرة أو الركعة إمكان الطهارة فيه وجهان لأصحابنا أصحهما لا يشترط.

العاشرة: إذا دخل في الصلاة في آخر وقتها فصلى ركعة ثم خرج الوقت كان مدركًا لأدائها وتكون كلها أداء هذا هو الصحيح. وقال بعض الأصحاب: تكون كلها قضاء وقال بعضهم: ما وقع في الوقت أداء وما وقع بعده قضاء وكلاهما مخالف لظاهر الحديث إن حمل على الوقت.

الحادية عشرة: وينبني على هذا الخلاف المسافر إذا نوى القصر وصلى ركعة في الوقت وباقيها بعده، فإن قلنا الجميع أداء فله قصرها وإن قلنا كلها قضاء أو بعضها قضاء وبعضها أداء وجب إتمامها أربعًا إن قلنا أن فائتة السفر إذا قضاها في السفر (2) يجب إتمامها.

الثانية عشرة: فإن كان ما أدركه في الوقت دون ركعة فقال بعض الأصحاب: هو كالركعة وقال الجمهور تكون كلها قضاء وهو مقتضى الحديث مع اتفاقهم على أنَّه لا تجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت وإن قلنا بالأداء.

(1) في نسخة السندي: وروي.

(2)

في هامش نسخة السندي: الظاهر الإقامة. والله أعلم.

ص: 510

الثالثة عشرة: إذا أدرك المسبوق مع الإمام ركعة كان مدركًا لفضيلة الجماعة بلا خلاف وإن لم يدرك ركعة بل أدركه قبل السلام ففيه وجهان لأصحابنا:

أحدهما: لا يكون مدركًا للجماعة لمفهوم قوله عليه السلام: "من أدرك ركعة".

والثاني: وهو الصحيح وبه قال جمهور الأصحاب يكون مدركًا لفضيلة الجماعة ويجاب عن مفهوم الحديث بما سبق من أن الركعة تقييد بالغالب، قال أبو عمر: ظاهر الحديث أن مدرك ركعة من صلاة الإمام مدرك للفضل، والوقت في الحكم كله إن شاء الله وإن من لم يدرك الركعة بتمامها فلم يدرك حكم الصلاة، وأما الفضل فإن الله يتفضل على من يشاء بما شاء وإذا كان الَّذي ينام عن صلاته [بالليل] يكتب له أجر صلاته والذي ينوي الجهاد ويحبسه العذر يكتب له أجر المجاهد والمريض يكتب له أجر ما كان يعمله صحيحًا ومنتظر الصلاة في صلاة فأي مدخل للنظر هاهنا وقد وردت آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أن الله يعطيه مثل أجر من صلاها وحضرها.

وعن أبي هريرة وهو راوي الحديث: إذا انتهى إلى القوم وهم قعود فقد دخل في التضعيف وإذا انتهى إلى القوم وقد سلم الإمام ولم يتفرقوا فقد دخل في التضعيف.

وقال عطاء بن أبي رباح: كان يقال: إذا خرج من بيته وهو ينويهم فقد دخل في التضعيف وعن أبي وائل وشريك: من أدرك في التشهد فقد [أدرك] فضلها، وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: من خرج من بيته قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك.

الرابعة عشرة: الركعة المقيد (1) بها في هذه المسائل تختلف فأما الركعة التي

(1) في الأصل: المقدر.

ص: 511

يدركون بها الوقت فهي بقدر ما يكبر فيه للإحرام ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة ويركع ويرفع ويسجد سجدتين يجلس بينهما ويطمئن في كل ذلك على قول من أوجب الطمأنينة وعلى مذهب من لا يوجب قراءة أم القرآن في كل ركعة يكفيه قدر تكبيرة الإحرام والوقوف لها، قال الرافعي: والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه أحد وأما الركعة التي يدرك بها فضيلة الجماعة وحكمها فأن يكبر لإحرامه قائمًا ثم يركع ويمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه هذا مذهب الجمهور وروي عن أبي هريرة أنَّه لا يعتد بالركعة ما لم يدرك الإمام قائمًا قبل أن يركعها معه وروي معناه عن أشهب وروي عن جماعة من السلف أنَّه متى أحرم والإمام راكع أجزأه وإن لم يدرك الركوع وركع بعد الإمام كالناعس اعتد بالركعة وقيل تجزيه وإن رفع الإمام ما لم يرفع الناس وقيل تجزئه وإن أحرم قبل سجود الإمام حكى هذه الأقوال القاضي عياض رحمه الله.

الخامسة عشرة: قوله من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ظاهره أن الصبح وقت ضرورة كالعصر وهو أحد القولين عند مالك وقيل ليس للصبح وقت ضرورة بخلاف العصر وقد تقدم ذلك في أوقات الصلوات.

السادسة عشرة: الحديث يقتضي التسوية بين حكم الصبح والعصر في إدراك الوقت بإدراك ركعة في كل من الصلاتين فيه وإتمام كل منهما بعد الطلوع والغروب وهو مذهب الجمهور.

وخالف أبو حنيفة فجعل المدرك يتم في العصر ولا يتم في الصبح لأنه دخل عليه وقت تمنع فيه الصلاة فتفسد عليه عنده الصبح ولأن النبي صلى الله عليه وسلم: تحول من الوادي الَّذي حصل فيه النوم عن الصبح ورأى أن ذلك ليقظتهم عند طلوع الشمس والصحيح في حديث الوادي أن التحول إنما كان لأن فيه شيطانًا بذلك علله النبي

ص: 512

- صلى الله عليه وسلم حيث قال: "تحولوا عن هذا الوادي فإن به شيطانًا" وأيضًا فقد ركع وركع المسلمون فيه الفجر وما كان لتجوز فيه النافلة ولا تجوز فيه الفريضة، وأقوى (1) من هذا في الدلالة قول راوي الخبر: فما أيقظهم إلا حر الشمس ومعلوم أن الشمس لا يكون لها حر إلا بعد ارتفاعها.

وأما قولهم: إن صلاة الصبح تفسد عليه بذلك، ويستقبلها بعد طلوع الشمس وارتفاعها بدعوى من ادعى منهم النسخ لهذه الأحاديث بحديث النهي عن الصلوات في الأوقات المكروهة فليست هذه الدعوى بالأولى من عكسها، إذ لا دليل على شيء من .... (2) إقرار بالخصوص في أحاديث النهي، وإنما يصار إلى النسخ إذا تعذر الجمع.

وإذا حملنا أحاديث النهي على ما لا سبب له كما سبق أمكن الجمع بينهما بتخصيص بعضها بعضًا، والتخصيص أولى من النسخ، ولو طردوا ما زعموا من النسخ لما فرقوا بين الصبح والعصر، والحديث سوّى بينهما، وقد وجدنا في الصبح بخصوصها نصًّا صريحًا، وهو ما رويناه من طريق ..... روح بن عبادة نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وطلعت الشمس فليصل إليها أخرى"، ويحتاج من رد هذا النص أن يأتي بمثله.

السابعة عشرة: في حديث عائشة: (من أدرك من العصر سجدة) ووقع

(1) قال محمد عابد: وأقوى من هذا في الدلالة

هذا لا تتم إلا بتقرير أن الواقعة واحدة، والأمر ليس كذلك، وأما الشارح فقد قرر فيما سبق اتحاد القصة، وقد تتبعت الأحاديث فوجدت فيها أقوالًا متغايرة لا يتأتى فيها الجمع الَّذي أشار إليه الشارح فيما سبق، فتنبه.

(2)

بياض في نسخة السندي أخذها من الأصل، حيث لم يستطع قراءته مقداره سطر أو نحوه.

وكذلك نحن لم نقدر.

ص: 513

تفسيره في الأصل والسجدة إنما هي الركعة فبين أنَّه قد يعبر بكل منهما عن الآخر فاحتج به الحنفي والشافعي في أحد قوليه في أن مدرك تكبيرة الإحرام مدركًا كما سبق وأن تعبيره مرة بالسجدة ومرة بالركعة عبارة عن بعض الصلاة وإدراك شيء منها وأنه لم يرد بالسجدة الركعة على ظاهره ولا أراد بالركعة الحدّ أنَّه لا تجزيء ما هو أقل منها لذكره السجدة.

الثامنة عشرة: اختلف العلماء فيما لزم أصحاب الأعذار من أدرك منهم ركعة قبل الغروب أو قبل الطلوع فقال الشافعي في أصح قوليه: إذا طهرت الحائض قبل مغيب الشمس بركعة أعادت الظهر والعصر وكذلك إن طهرت قبل الفجر بركعة أعادت المغرب والعشاء.

والثاني: كقول مالك إن كان بقي عليها من النهار مقدار ما تصلي فيه خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن لم يكن بقي عليها من النهار قدر ما تصلي فيه خمس ركعات صلت العصر وإذا طهرت قبل الفجر فكان ما بقي عليها من الليل قدر ما تصلي أربع ركعات ثلاثًا للمغرب وركعة من العشاء صلت المغرب والعشاء. ذكره ابن القاسم وابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك وما ذكرته عن الشافعي حكاه عنه أبو عمر، [وحكى عنه قولًا ثالثًا، قاله في المغمى عليه إذا أفاق، وقد بقي عليه من النهار مقدار تكبيرة الإحرام أعاد الظهر والعصر،](1) وحجتهم في ذلك حديث الباب وجمعه عليه السلام بين الصلاتين في أسفاره وبعرفة والمزدلفة في وقت إحداهما صلاتي الليل وصلاتي النهار جعل الوقت لهما مما وقتًا واحدًا.

روى البغوي عن سريج بن يونس عن عبد العزيز الدراوردي عن محمد بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن جده عبد الرحمن عن مولى لعبد

(1) زيادة من نسخة السندي.

ص: 514

الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف قال: "إذا طهرت الحائض قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر جميعًا وإذا طهرت قبل القجر صلت المغرب والعشاء جميعًا" أخرجه البيهقي من هذا الوجه، ورواه الخلال عن عبد الله بن أحمد عن شريح، قال أحمد بن حنبل: محمد بن عثمان هذا ثقة. وفي إسناده مولى لعبد الرحمن بن عوف لعله يعني أنَّه مجهول قال وكان ابن عيينة يهم فيه فيقول سعيد بن عبد الرحمن وإنما هو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، قيل لأحمد: رواه حاتم والدراوردي فأيهما أحب إليك؟ قال: حاتم وحمل على الدراوردي وقال: كان يحدث أحاديث مناكير.

وروى زائدة ثنا يزيد بن أبي زياد عن طاوس عن ابن عباس قال: إذا طهرت المرأة في وقت صلاة العصر فلتبدأ بالظهر فلتصلها ثم لتصل العصر وإذا طهرت في وقت العشاء الآخرة فلتبدأ ولتصل المغرب والعشاء، أخرجه البيهقي في سننه عن الحاكم عن أبي بكر ابن إسحاق الفقيه عن محمد بن أحمد بن النضر عن معاوية بن عمرو عن زائدة. ورواه الحاكم من حديث ليث بن أبي سليم عن طاووس وعطاء عن ابن عباس، وقال عن ليث عن طاوس وعطاء من قولهما أيضًا. قال البيهقي: ورويناه عن جماعة سواهما وعن الفقهاء السبعة من أهل المدينة ولذلك شرط في مذهبنا وهو أن تمتد السلامة عن الموانع قدر إمكان فعل الطهارة وتلك الصلاة أما لو عاد مانع قبل ذلك فلا، مثاله إذا بلغ الصبي في آخر وقت العصر ثم جن أو أفاق المجنون ثم عاد جنونه أو طهرت حائض ثم جنت أو أفاقت مجنونة ثم حاضت وقال أبو حنيفة وأصحابه وحماد بن أبي سليمان وهو قول ابن علية: من طهر من الحيّض أو بلغ من الصبيان أو أسلم من الكفار لم يكن عليه أن يصلي شيئًا مما فات وقته وإنما يقضي ما أدرك وقته بمقدار ركعة فما زاد إلا أنهم لا يقولون باشتراك الأوقات لا في صلاتي النهار ولا في صلاتي النهار. وقال زفر: لا يجب على واحد منهم قضاء صلاة إلا بأن

ص: 515

يدركوا من وقتها مقدار الصلاة بكمالها كما لا يجب عليهم من الصيام إلا ما أدركوا وقته بكماله وقول أبي ثور في هذا الباب كقول مالك وقال أحمد في الحائض: تطهر والكافر يسلم والغلام يحتلم مثل ذلك أيضًا.

التاسعة عشرة: تلخيص مذهب الشافعي في ذلك؛ قال الرافعي: وإذا جمعت بين الأقوال التي حكيناها حصل عندك في القدر التي تلزم به كل صلاة من إدراك آخر وقتها أربعة أقوال أصحها قدر تكبيرة، وثانيها: هذا مع زمان طهارة، وثالثها: قدر ركعة، ورابعها: هذا مع زمان طهارة.

وفيما يلزم الظهر مع العصر ثمانية أقوال هذه الأربعة وخامسها: قدر أربع ركعات وتكبيرة، وسادسها: هذا مع زمان طهارة، وسابعها: قدر خمسة ركعات، وثامنها: هذا مع زيادة طهارة.

وفيما تلزم به العشاء مع المغرب مع هذه الثمانية أربعة أخرى إحداها: ثلاث ركعات وتكبيرة، والثاني: هذا مع زمان الطهارة، والثالث: أربع ركعات، والرابع: هذا مع زمان الطهارة.

الموفية عشرين: فإذا صلى الصبي وظيفة الوقت ثم بلغ وقد بقي شيء من الوقت إما بالسن أو بالاحتلام فيستحب له أن يعيد بخلاف من ذكرناه من أصحاب الأعذار، فإن الصلاة تصح منه، ولا تصح منهم. وخزج ابن سريج أنَّه تجب الإعادة لأن ما أداه في حال الصغر واقع في حال النقصان فلا تجزئ عن الفرض بعد حصول الكمال في الوقت والمفعول مع النقصان كغير المفعول وهذا مذهب أبي حنيفة والمزني ورواه القاضي الروياني عن مالك قال وعن أحمد روايتان ولا فرق عند ابن سريج بين أن يكون الباقي من الوقت حين بلغ قليلًا أو كثيرًا، وعن الإصطخري أنَّه إن بلغ والباقي من الوقت ما يسع تلك الصلاة لزمت الإعادة والإ فلا وإن بلغ في أثناء

ص: 516

الصلاة وإنما يكون ذلك بالسن فقد قال الشافعي: أحببت أن يتم ويعيد ولا يتبين لي أن عليه الإعادة ومعناه عند الجمهور من أصحابه أن الإتمام واجب والإعادة مستحبة وقال ابن سريج الإتمام مستحب والإعادة واجبة، والإصطخري جرى على التفصيل الَّذي سبق.

الحادية والعشرون: وهذا فيما إذا وجد العذر أول الوقت وخلا عنه آخره أما إذا خلا عنه أول الوقت وطرأ بعد ذلك ما يمكن أن يطرأ منه كالحيض وغيره فإنه ينظر في الماضي من الوقت إن كان قدر ما يسع لتلك الصلاة لزمها القضاء وعن مالك لا يلزمها تلك الصلاة ما لم تدرك آخر الوقت وإليه ذهب ابن علية وبه قال أبو حنيفة وخرج ابن سريج مثل ذلك على أصل الشافعي في المسافر أثناء الوقت يجوز له القصر وإن مضى من الوقت ما يسع للصلاة الثانية وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، ووجه الأول أن الصلاة تجب بأول الوقت وليست السعة في الوقت تسقط ما وجب بأوله ولم يجعلوا أول الوقت هنا كآخره فيلزمها بإدراك ركعة منه الصلاة كلها أو الصلاتان لأن البناء في آخر الوقت يتهيأ على الركعة ولا يتهيأ البناء في أول الوقت لأن تقديم شيء من الصلاة قبل دخول الوقت لا تجوز ثم المعتبر على ظاهر المذهب أخف ما يمكن من الصلاة.

الثانية والعشرون: ولو كان مسافرًا فطرأ عليه إغماء بعدما ما مضى من وقت الصلاة المقصورة ما يسع ركعتين لزمه القضاء لأنه لو قصر لأمكنه أداؤها ولا يعتبر هنا إمكان الطهارة من الوقت لأنه يمكنه تقديم الطهارة على الوقت إلا طهارة لا يجوز تقديمها كالتيمم والمستحاضة.

الثالثة والعشرون: [قال الحسن بن حي والليث والشافعي: إذا خرج المسافر بعد دخول الوقت بمقدار ما كان يصلي تلك الصلاة أثم لأن الصلاة تجب عندهم بأول

ص: 517

الوقت وجوبًا موسعًا وليست السعة بمسقطة ما وجب، قالوا: وان قدم المسافر قبل خروج الوقت أتم، وأصل الشافعي في القصر أنَّه رخصة فمن شاء قصر ومن شاء أتم، وقال أبو حنيفة والأوزاعي و ........ (1): إذا خرج من مصره قبل خروج الوقت صلى ركعتين وإن قدم كذلك أتم، وعن مالك مثله إلا أنَّه زاد: إذا بقي عليه من النهار مقدار ركعة صلى العصر أو ثلاث صلى الظهر والعصر مقصورتين].

الرابعة والعشرون: قال أصحابنا: والإغماء كالجنون يستوي قليله وكثيره في إسقاط القضاء إذا استغرق وقت العذر والضرورة وهو قول ابن شهاب والحسن وابن سيرين وربيعة ومالك والشافعي وأبي ثور وهو مذهب عبد الله بن عمر فقد أغمي عليه فلم يقض شيئًا فات وقته، وقال أبو حنيفة وأصحابه فيمن أغمي عليه خمس صلوات فأقل ثم أفاق أنَّه يقضيها، ومن أغمي عليه أكثر من ذلك ثم أفاق: لا يقضي شيئًا، وهو مذهب الثوري، إلا أنَّه قال: أحب إلي أن يقضي.

وقال الحسن بن حي: إذا أغمي عليه خمس صلوات فما دون، قضى ذلك إذا أفاق، فإذا أغمي عليه أيامًا قضى خمس صلوات فقط، ينظر حين يفيق فيقضي ما عليه، وقول زفر في المغمى عليه كقوله في الحائض لا يجب القضاء إلا بأن يدرك من وقت الصلاة مقدار الصلاة كلها وقد تقدم.

وقال أحمد بن حنبل: في المغمى عليه يقضي الصلوات كلها التي كانت في إغمائه وهو قول عبيد الله بن الحسن لا فرق عندهم بين النائم والمغمى عليه وهو قول عطاء بن أبي رباح وروي ذلك عن عمار بن ياسر وعمران بن الحصين وروى ابن رستم عن محمد بن الحسن أن النائم إذا نام أكثر من يوم وليلة فلا قضاء عليه والمشهور عن محمد في كتبه غير ذلك.

(1) بياض.

ص: 518

الخامسة والعشرون: ولا يلحق بالجنون والإغماء زوال العقل بسبب محرم كشرب مسكر أو دواء مزيل للعقل بل يجب عليه القضاء لأنه غير معذورو هذا في حالة العمد من غير حاجة أما إذا لم يعلم أن الدواء مزيل للعقل وأن المشروب مسكر فلا قضاء عليه كما في الإغماء ولو عرف أن ...... (1) مسكر لكن ظن أن ذلك القدر لقلته لا يسكر فليس ذلك بعذر ولو وثب من موضع لحاجة فزال عقله فلا قضاء عليه وإن فعله عبثًا قضى.

* * *

(1) كلمة غير واضحة في النسختين، لكن لعلها -على بُعْد-: جرمه. وأوضح منه معنى: كثيره.

ص: 519