الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ
ثنا هناد، نا هشيم عن أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله قال: قال عبد الله: إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء (1).
قال: وفي الباب عن أبي سعيد وجابر.
قال أبو عيسى: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها وإذا لم يقم أجزأه وهو قول الشافعي.
* الكلام عليه:
رواه النسائي، وحديث أبي سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله عز وجل: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًّا عزيزا} ، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأقام صلاة الظهر فصلاها وأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أمره فأقام العصر فصلاها وأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك، قال: وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف {فرجالًا أو ركبانًا} [البقرة:239]. رواه الإمام أحمد وهذا لفظه
(1) قال الشيخ في الإرواء (1/ 257): حسن وإن عنون له بالضعف، إلا أنه حسنه عند الترمذي (179)، وصححه لغيره عند النسائي (662)، وكذا فعل في "الثمر"(1/ 109، 143).
وبهذا اللفظ والنسائي (1).
وحديث جابر بن عبد الله: أن عمر جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"والله ما صليتها"، قال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب. رواه البخاري ومسلم (2).
بُطحان: بضم أوله وإسكان ثانيه بالمدينة، وذكر أبو عبيد البكري وغيره أنه بفتح أوله وكسر ثانيه وأنشد:
عفا بَطِحان [من قريش فيثرب
…
فملقى الرحال] (3) من منى فالمحصب
وقوله: بهُوي من الليل، قال ابن سيده: ومعنى هَوي من الليل وهُوي يعني بفتح الهاء وضمها وكسر الواو وتشديد الياء وتهواء (4) بكسر التاء أي: ساعة.
اختلفت الروايات في الصلاة المنسية يوم الخندق، ففي صحيحي البخاري ومسلم من حديث جابر وغيره أنها العصر، وعند غيرهما الصلوات الأربع كما تقدم،
(1) أحمد: "المسند"(3/ 49، 67) وانظر (3/ 25)، والنسائي (661) والحديث ابن خزيمة (974، 996) وتابعه الشيخ الألباني، في الإرواء (1/ 257)، و"الثمر"(1/ 109).
(2)
البخاري (596) كتاب مواقيت الصلاة (9)، باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت (36)، ومسلم (631) كتاب المساجد (5)، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى: هي صلاة العصر.
(3)
زيادة من "معجم ما استعجم"(258)، وفي "معجم البلدان":(1/ 447، 3/ 412): من سليمي فيثرب.
وعزياه إلى ابن مقبل.
(4)
في "القاموس": التهواء: بالكسر، الطائفة من الليل. (ت هـ ا) و: ساعة (هـ وو).
وقول ابن سيده عند ابن منظور في "لسان العرب".
والذي عند مالك رحمه الله في "موطئه"(1) أنها الظهر والعصر، فمن الناس من اعتمد على ما في الصحيح، قال القاضي أبو بكر بن العربي: والصحيح -إن شاء الله- أن الصلاة التي شغل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة وهي العصر.
ومنهم من جمع بين الأحاديث في ذلك بأن الخندق كانت وقعته أيامًا، فكان ذلك كله في أوقات مختلفة في تلك الأيام وهذا أولى من الأول؛ لأن حديث أبي سعيد رواه الطحاوي عن المزني عن الشافعي (2): ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، وهذا إسناد صحيح جليل (3).
الثانية: فيه إطلاق لفظ العشاءين على المغرب والعشاء، قال النووي (4): وقد أنكره بعضهم، لأن المغرب لا تسمى عشاء وهذا غلط، لأن التثنية هاهنا للتغليب كالأبوين والعمرين والقمرين ونظائرهما، انتهى.
وما رأى هذا من باب التغليب، فإن أبا بكر لم يطلق عليه عمر ولا الشمس أطلق عليها القمر إلا في ذلك الموضع وكذلك ما أشبههما، وأما المغرب فقد يطلق عليها العشاء بدليل تقييدهم العتمة بالعشاء الآخرة، ففي حديث جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة العشاء الآخرة (5)، وفي حديث ابن عمر: مكثنا ننتظر رسول
(1)"الموطأ" كتاب صلاة الخوف، عن سعيد بن المسيب، مرسلًا.
(2)
"السنن المأثورة"(111 / ح 1) و"أحكام القرآن"(1/ 34) و"المسند"(ص 32)، "الأم"(1/ 86).
(3)
نقله عن ابن سيد الناس: الشوكاني في "النيل" وأخذه عنه الألباني في "الثمر المستطاب"(1/ 109).
وكذلك نقله السيوطي في "شرح النسائي"(2/ 19).
(4)
"شرح صحيح مسلم"(5/ 130).
(5)
"صحيح مسلم"(643) كتاب المساجد (5)، باب وقت العشاء وتأخيرها (39).
الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة لصلاة العشاء الآخرة (1)، كلاهما عند مسلم، والثاني عند البخاري، وجابر هو ابن سمرة.
وكذلك في حديث علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل". أخرجه البزار (2).
وعند البخاري (3) من حديث عبد الله المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، فإن الأعراب تقول هي العشاء".
فلفظة العشاء على هذا مسموعة فيها.
والجواب عن حديث المزني على هذا كالجواب عن قوله عليه السلام (4): "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل"، مع قوله:"ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا"(5) فقالوا: التسمية بالعتمة هنا متقدم على النهي، أو لبيان الجواز وليدل على أن ذلك النهي ليس للتحريم، أو
(1) صحيح مسلم (639) في الكتاب والباب السابقين، ونحوه عند البخاري (570) كتاب مواقيت الصلاة (9)، باب النوم قبل العشاء لمن غلب (24).
(2)
في "البحر الزخار"(477، 478)، أو (491)"كثف الأستار" كتاب الصلاة، باب السواك، قال الهيثمي (2/ 97): عبد الرحمن بن يسار وثقه ابن معين، وفي (10/ 154) قال: رجال أحمد وأبي يعلى ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع.
وحسنه الشيخ في "الإرواء"(1/ 110)، "صحيح الترغيب"(206)، وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن حبان (1529)، وقلد بن خالد عند أحمد (4/ 114)، وصححهما الشيخ الألباني، انظر "الإرواء"(70) و"صحيح السنن"(37).
(3)
"الصحيح"(563) كتاب مواقيت الصلاة (9) باب من كره أن يقال للمغرب؛ عشاء (19).
(4)
"صحيح مسلم"(644) في الكتاب والباب السابقين، من حديث ابن عمر.
(5)
رواه البخاري (615) كتاب الأذان (10)، باب الاستهام في الأذان (9)، ومسلم (437) كتاب الصلاة (4) باب تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف.
خاطبهم بما علموه وما هو مشهور عندهم.
الثالثة: اشتغال النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ذلك اليوم، قالوا: يحتمل أن يكون نسيانًا لشغله بالعدو، ويحتمل أن يكونوا لم يمكنوه منها ولم يفرغوه لها، ويحتمل أن يكون أخّرها قصدًا لاشتغاله بالعدو.
والأول عندي بعيد، لأن أبا سعيد الخدري يقول: حتى كفينا وذلك قول الله عز وجل: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (1)[الأحزاب: 25].
الرابعة: فيؤخذ منه على هذا جواز التأخير في مثل هذه الحالة من الخوف، وقد اختلف الناس في ذلك، هل هو منسوخ بصلاة الخوف أم لا؟
فالجمهور على النسخ، وذهب مكحول وغيره من الشاميين إلى جواز تأخير صلاة الخوف إذا لم يُتمكن من أدائها في الوقت إلى وقت الأمر، والصحيح الأول لأن أبا سعيد يقول في حديثه: وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239].
الخامسة: لفظة كاد وهي من أفعال المقاربة، فإذا قلنا: كاد زيد يقوم، فالمفهوم منها أنه قارب القيام ولم يقم، حتى قال فيها المعري ملغزًا:
أنحوي هذا العصر أية كلمة
…
جرت بلساني جرهم وثمود
إذا نُفِيَت والله أعلم أثبتت
…
وإن أثبتت قامت مقام جحود
وقد تدل على النفي إذا وردت بصيغته وهو قليل كقول ذي الرمة:
إذا غير النأي المحبين لم يكد
…
رسيس الهوى من حب مية يبرح
معناه لم يبرح ولم يكد يبرح، فنفى الفعل ومقاربته، ولذي الرمة في هذا
(1) سبق أول هذا الباب، وأن ابن خزيمة صححه.
البيت خبر مذكور في كتب الأدب (1). وقد تقترن بها لفظة (أن) وهو قليل، قال:
قد كان من طول البلى أن يمصحا (2)
وهي في ذلك مخالفة للفظة عسى، فالأصح في عسى اقتران أن بها، قال الله تعالى:{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة: 52]، وقد تخلوا عنها وهو قليل، قال (3):
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
…
يكون وراءه فرج قريب
السادسة: إذا ثبت في لفظة كاد أنها تستعمل كذلك فقد روي عن عمر في الصحيح في لفظة كاد اقترانها (بأن) عند مسلم ورويت فيه غير مقترنة بها كما أوردته في أول الباب: "ما كدت أصلي حتى كادت الشمس تغرب". ومعلوم أن الواقعة واحدة، فهو من باب الرواية بالمعنى، وإذا كان كذلك فهل تسع الرواية بالمعنى مثل هذا أو لا؟ والأولى هنا أن تسع، لأن المقصود الإخبار عن صلاة العصر كيف وقعت، لا الإخبار عن عمر كيف تكلم باللغة الراجحة المشهورة أو اللغة المرجوحة القليلة في الاستعمال.
السابعة: وإذا ثبت من معنى كاد ما ذكرناه من المقاربة فقول عمر: ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب. معناه أنه صلى العصر وما غربت الشمس، لأن نفي الصلاة يقتضي إثباتها وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب.
(1) انظر "الأغاني"(18/ 39) و"دلائل الإعجاز"(1/ 213).
(2)
مصح الكتاب درس أو قارب، انظر "لسان العرب"(م ص ح).
والبيت لرؤبة، كما في " تاج العروس" و"لسان العرب"(3/ 382)(ك ود).
(3)
عزاه ابن جني في "اللمع"(144) لهدبة بن خشرم.
وإن كان اجتماعهم واشتغالهم كلهم بالعدو فيما يغلب على الظن، يبعد ذلك فيقربه ما سنذكره.
الثامنة: قوله: "والله ما صلينا" ذكر فيه معنيان:
أحدهما: أن ذلك لفرط أسفه عليها وتذكرها حينئذ.
الثاني: أن ذلك كان تطييبًا لقلب عمر رضي الله عنه، فإنه شق عليه تأخير العصر إلى قريب الغروب، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصلها بعد ليكون لعمر به أُسوة، وأكد ذلك الخبر باليمين.
التاسعة: فيه دليل على جواز اليمين من غير استحلاف، بل هي مستحبة إذا اقتضت مصلحة من زيادة طمأنينة أو نفي توهم، وذلك كثيرة في الحديث، وكذلك القسم من الله كقوله:{وَالذَّارِيَاتِ} ، {وَالطُّورِ} ، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، وما أشبه ذلك. وكل هذا لتفخيم المقسم وتوكيده.
العاشرة: وإذا كان هذا هو المقتضي لليمين، ففيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم من كرم الأخلاق وحسن التأني مع أصحابه وتألفهم وما ينبغي من الاقتداء به في ذلك، {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} .
الحادية عشرة: فيه استحباب قضاء الفوائت في الجماعة، وخالف فيه الليث بن سعد وهذا الحديث والحديث في الباب قبل هذا يقتضيانه وقد تقدم.
الثانية عشرة: الإقامة للصلاة الفائتة وقد تقدم اختلاف الناس في الإقامة والأذان لذلك في الباب قبل هذا، وحكى أبو عمر عن بعض من يقول يؤذن لها ويقام أنه أجاب عن ما في حديث ابن مسعود وأبي سعيد من الإقامة للصلوات الأربع الفائتة أن من جملتها صلاة العشاء قال: وهي مفعولة في وقتها ليست بفائتة ولابد لها من الأذان، فدل ذلك على أن قوله ثم أقام فصلى العشاء أنه إنما أراد إقامتها
بما تقام به على سنتها من الأذان والإقامة، قال: فكذلك ساير ما ذكر معها من الصلوات ورد على قائل هذا القول بأنه يحتمل أن تكون العشاء صليت في تلك الليلة بعد نصف الليل لقوله في الحديث: بعد هوي من الليل، وذلك بعد خروج وقتها المختار، فكان حكمها في ذلك حكم صلاة المغرب بعد مغيب الشفق على ما في الأحاديث من ذلك، وإذا احتمل ذلك فهي فائتة حكمها حكم غيرها مما ذكر من الصلوات معها.
الثالثة عشرة: قد تمسك به من لا يرى قضاء الفوائت من السنن الرواتب مع الفرائض وقد تقدم في الباب قبل هذا.
الرابعة عشرة: فيه الترتيب في قضاء الفوائت وأن من فاتته صلوات قضاها مرتبة كما فاتته إذا ذكرها في وقت واحد وفي معناه أيضًا حديث أبي جمعة حبيب بن سباع وله صحبة قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب يوم الأحزاب فلما سلم، قال:"هل علم أحد منكم أني صليت العصر"، قالوا: لا يا رسول الله، فصلى العصر ثم صلى المغرب. أخرجه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في "مسنده"(1).
وقد اختلف العلماء في ذلك، قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: فقال مالك وأبو حنيفة وهو معنى قول أحمد وإسحاق: إن الترتيب واجب مع الذكر ساقط مع النسيان ما لم يتكرر ويكثر، وقال الشافعي وأبو ثور: لا ترتيب فيها، ويُروى عن الحسن البصري وطاوس وشريح.
قال أصحابنا: وإذا قضى صلوات استحب قضاؤهن مرتبًا، فإن خالف ذلك صحت صلاته عند الشافعي ومن وافقه سواء كانت الصلوات قليلة أو كثيرة.
(1)"المسند"(4/ 106)، وضعفه الهيثمي في "المجمع"(1/ 324) والألباني في "الإرواء"(261).
الخامسة عشرة: اختلفوا إذا ذكر صلاة فائتة في وقت حاضرة ضيق (1)، هل يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة، أو يبدأ بالحاضرة أو يتخير فيقدم أيتهما شاء على ثلاثة أقوال، وبالأول قال مالك والليث والزهري، وبالثاني قال الحسن وابن المسيب وجماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي والشافعي وابن وهب.
وبالثالث قال أشهب.
هذا ما لم تكثر الصلوات فإذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة على ما حكاه القاضي عياض.
السادسة عشرة: الذين أوجبوا الترتيب هنا مع القليل وأسقطوه مع الكثير، اختلفوا في حده، فعن مالك أن الخمس فدونها من اليسير، وقيل الأربع وحديث الباب فيه الترتيب حتى (2) أربع صلوات، ولم يختلفوا أن الست كثير.
السابعة عشرة: إذا ذكر الفائتة وهو في صلاة حاضرة، قال بعض المالكية: إما أن يكون وحده أو وراء إمام، فإن كان وحده بطلت وصلى الفائتة وأعاد التي كان فيها، وإن كان وراء إمام أتم معه، ثم صلى التي نسي ثم أعاد التي صلى مع الإمام هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحق، وقال الشافعي: يكمل التي هو فيها ثم يعيد التي نسي خاصة وتمسك بما روى الدارقطني (3) من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ منها صلى التي نسي".
(1) الأصل: ضيق وقت حاضرة، انظر "فتح الباري "(1/ 410)، و"تحفة الأحوذي"(1/ 452).
(2)
كلمتان أو ثلاثة لا تظهر في التصوير.
وهذا ما ظهر لي، والله أعلم بالصواب.
(3)
"السنن"(1/ 421) وقال: عمر بن أبي عمر مجهول.
وضعفه الشيخ الألباني في "الضعيفة"(2715).
وتمسك أحمد وإسحق بما روى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام". أخرجه أبو يعلى الموصلي (1) عن إسماعيل بن إبراهيم الترجماني قال: نا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر.
أخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن الصوري فيما قرأت عليه بمرج دمشق عن أبي مسلم المؤيد بن الأخوة وعائشة بنت معمر بن الفاخر إجازة قالا أنا سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي أنا إبراهيم بن محمد بن علي الكسائي أنا أبو بكر بن المقري أنا أبو يعلى.
قيل: تفرد به سعيد بن عبد الرحمن، وسعيد أخرج له مسلم ووثقه ابن معين وكلام ابن حبان فيه بعد ذلك ليس بكبير أمر (2).
ورواه البيهقي (3) وقال: تفرد أبو براهيم الترجماني برواية هذا الحديث مرفوعًا والصحيح موقوف، أنه من قول ابن عمر موقوفًا، كذا رواه غير أبي إبراهيم عن سعيد ثم ذكره من طريق مالك وعبيد الله موقوفًا. انتهى.
وقال ابن أبي حاتم: في "العلل"(4) الصحيح موقوف وقال ابن معين: فعل الله
(1) في "مسنده" كما في "المطالب العالية"(445 - العاصمة) والدارقطني، وقال: قال موسى بن هارون الحمال: وهم في رفعه، فإن كان رجع عن رفعه، فقد وفق للصواب.
والموقوف كذلك رواه مالك (406) عن نافع عن ابن عمر قوله.
والحديث ضعفه الشيخ في "الثمر"(1/ 11).
(2)
وكذلك رده ابن حجر في " التهذيب"، والذهبي في "الميزان".
(3)
"السنن الكبير"(2/ 221).
(4)
"العلل"(293) عن أبي زرعة، وقول ابن معين عنده، من طريق أبي زرعة: أخبرت أن يحيى
…
وانظر "تاريخ بغداد"(9/ 67).
بي إن كتبته وحديث ابن عباس الذي تقدم ذكره رواه البيهقي من طريق بقية عن عمر بن أبي عمر عن مكحول عن ابن عباس.
بقية مشهور الحال وعمر بن أبي عمر قال ابن عدي: لا أعلم يروي عنه غير بقية فهو مجهول (1).
الثامنة عشرة: فيه المبادرة إلى القضاء، قال أصحابنا: ومن فاتته فريضة وجب قضاؤها، فإن فاتته بعد ذا استحب قضاؤها على الفور ويجوز التأخير على الصحيح، وحكى البغوي عن غيره وجهًا أنه لا يجوز.
وإن فاتته بغير عذر وجب قضاؤها على الفور على الأصح، وقيل: لا يجب على الفور بل له التأخير وظاهر الأحاديث يقتضي الفورية في حق أصحاب الأعذار أيضًا.
التاسعة عشرة: إذا قلنا بتقديم الحاضرة على الفائتة كما ذهبت إليه الشافعي، فقد يؤخذ من حديث جابر أن وقت المغرب يتسع إلى غروب الشفق، لأنه قدم العصر عليه، ولو كان ضيقًا لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها أيضًا.
وقد يجاب عنه بأن هذا كان بعد خروج وقت المغرب أيضًا بزمن عند من يرى تضييق وقت المغرب، لا سيما على رواية أبي سعيد التي يقول فيها: حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل.
* * *
(1)"الكامل"(5/ 22)، كلامه: .. غير بقية، كما يروي عن سائر المجهولين.
وافتتح ترجمته بقوله: ليس بالمعروف، حدث عنه بقية، منكر الحديث عن الثقات.