الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
106 - باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد
ثنا بندار محمد بن بشار، نا أبو أحمد، نا سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد.
قال: وفي الباب عن أبي رافع.
قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري: أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ.
وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبي عروة، عن أبي الخطاب، عن أنس. وأبو عروة هو معمر بن راشد، وأبو الخطاب: قتادة بن دعامة (1).
* الكلام عليه:
أخرجه النسائي (2) وابن (3) ماجة من حديث قتادة عن أنس، وأخرج مسلم (4) من حديث هشام بن زيد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد.
وأخرج البخاري (5) من حديث قتادة عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على
(1) الجامع (1/ 259 - 260) برقم 140.
(2)
السنن كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 264 باب إتيان النساء قبل إحداث الغسل، وفي الكبرى (1/ 173) برقم 256 باب إتيان النساء قبل إحداث الغسل.
(3)
السنن كتاب الطهارة وسننها (1/ 194) برقم 588 باب ما جاء فيمن يغتسل من جميع نسائه غسلًا واحدًا.
(4)
الصحيح كتاب الحيض (1/ 249) برقم 309 باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع.
(5)
الجامع الصحيح كتاب الغسل (1/ 105) برقم 268 باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد.
نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؛ قال: كنا نتحدث أنَّه أعطي قوة ثلاثين.
هشام الدستوائي يقول: عن قتادة: إحدى عشرة. وسعيد بن أبي عروبة يقول عنه تسع نسوة (1).
وحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلًا واحدًا؛ قال:"هذا أزكى وأطيب وأطهر". رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجة (4) والنسائي (5).
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي: لفظ أبي داود.
قلت: والله أعلم ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف بل كان يفعل هذا مرة
(1) ورواية سعيد عند البخاري في كتاب الغسل (1/ 109 - 111) برقم 284.
وقال ابن خزيمة: تفرد بذلك (أي بذكر إحدى عشرة) معاذ بن هشام عن أبيه.
وجمع ابن حبان في صحيحه بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين.
انظر: صحيح ابن حبان (4/ 10 - 11) برقم 1209.
قلت: وحديث أنس له عنه طرق، ذكر منها المصنف طريق قتادة وطريق هشام بن زيد، وفيه عن حميد الطويل وكذا الزهري وثابت.
انظرها في تعليق بشار على جامع الترمذي (1/ 182 - 184).
(2)
المسند (39/ 288) برقم 23862 و (45/ 166) برقم 27187.
انظر فتح الباري لابن رجب (1/ 299 - 302) فهو مهم.
(3)
السنن كتاب الطهارة (1/ 111) برقم 219 باب الوضوء لمن أراد أن يعود، ولفظه هو الَّذي ساقه المصنف.
وقال أبو داود: وحديث أنس أصح من هذا.
(4)
السنن كتاب الطهارة (1/ 194) برقم 590 باب فيمن يغتسل عند كل واحدة غسلًا.
(5)
السنن الكبرى (8/ 207 - 208) برقم 8986 باب طواف الرجل على نسائه والاغتسال عند كل واحدة.
وذاك أخرى، انتهى (1).
قال أبو (2) داود: حديث أنس أصح من هذا يريد الحديث الَّذي تقدم في الباب قبله.
قال بعض (3) أهل العلم: وأما طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد، فيحتمل أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بينهما، أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء.
وقد اختلف العلماء في وطء النبي صلى الله عليه وسلم النسوة التسع أو الإحدى عشر كما جاء في وقت واحد كيف كان؟
وسئل مالك (4) عن رجل له نسوة جوار (5): أله أن يطأهن جميعًا قبل أن يغتسل؟ قال: لا بأس أن يصيب الرجل جاريته (6) قبل أن يغتسل، فأما النساء الحرائر فإنا نكره أن يصيب الرجل المرأة الحرة في يوم الأخرى قبل أن يغتسل، فأما أن يصيب الرجل الجارية ثم يصيب الأخرى وهو جنب فلا بأس بذلك.
(1) وقال النووي: هو محمول على أنَّه فعل الأمرين في وقتين مختلفين، نقله الحافظ في التلخيص (1/ 217) وهو في شرحه على صحيح مسلم (3/ 218) حيث قال:"وعلى تقدير صحته يكون هذا في وقت وذاك في وقت والله أعلم".
هذا على فرض ثبوت الحديث أعني حديث أبي رافع، وفيه ضعف، عبد الرحمن بن أبي رافع مقبول كما في التقريب (577) برقم 3882 وعمته سلمى كذلك فهما قد تفردا بهذا الحديث ولا متابع لها، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله هذا الحديث كما في صحيح أبي داود (1/ 43) وآداب الزفاف (107 - 108) والحديث ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 126 - 127) برقم 1570.
(2)
السنن (1/ 111).
(3)
قاله النووي في شرح صحيح مسلم (3/ 218).
(4)
الموطأ (1/ 98) برقم 132.
(5)
في الموطأ نسوة وجواري.
(6)
في الموطأ جاريتيه.
قال ابن عبد البر: وجه ذلك أن الجواري لا قسمة لهن عليه، فله أن يطأ جميعهن إن قدر في اليوم والليلة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه طاف على نسائه في غسل واحد وهذا معناه في حين قدومه من سفر ونحوه، في وقت ليس لواحدة منهن يوم معين معلوم، فجمعهن يومئذ، ثم دار بالقسم عليهن بعد، والله أعلم؛ لأنهن كن حرائر وسنته صلى الله عليه وسلم فيهن العدل في القسم بينهن، وألا يمس الواحدة في يوم الأخرى، وهذا قول جماعة الفقهاء، وهو مروي عن ابن عباس وعطاء، وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ وضوءه للصلاة، وسيأتي في الباب بعد هذا.
وقال القاضي أبو (1) بكر بن العربي -رحمه الله تعالى-: كان الله سبحانه قد خص نبيه صلى الله عليه وسلم في النِّكاح بأشياء لم يعطها غيره، منها تسع زوجات في ملك، ثم أعطاه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حق تكون مقتطعة له من زمانه يدخل فيها على جميع أزواجه فيطؤهن أو بعضهن، ثم يدخل عند التي يكون الدور لها، ففي كتاب مسلم عن ابن عباس أن تلك الساعة كانت بعد العصر، فلو اشتغل عنها لكانت بعد المغرب أو غيره، فلذلك قال في الحديث (2): في الساعة الواحدة من ليل أو نهار، وقد روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجامع ثم يعود ولا يتوضأ؛ ذكره الطحاوي (3): ثنا إبراهيم بن مرزوق، نا معاذ بن فضالة، نا يحيى بن أيوب، عن أبي حنيفة، وموسى بن عقبة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود بن يزيد عن عائشة فذكره.
(1) عارضة الأحوذي (1/ 188) بتصرف يسير.
(2)
عند البخاري في صحيحه كتاب الغسل (1/ 105) برقم 268 وقد سبق.
(3)
شرح معاني الآثار (1/ 127).
ولا يطأ الرجل زوجته الواحدة في نوبة أخرى إلا إن أذنت له فيجوز حينئذٍ الجمع.
وفيه ما أعطيه عليه السلام من القوة على كثرة الجماع (1) وذلك محمود عند العرب؛ إذ هو دليل الكمال وصحة الذكورية، ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة، والتمادح به سيرة ماضية (2)، وإنما في الشرع سنة مأثورة؛ وقد قال ابن (3) عباس: أفضل هذه الأمة أكثرها نساء، مشيرُا إليه صلى الله عليه وسلم؛ وقد قال عليه السلام:"تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم"(4)، ونهى عن التبتل (5) مع ما فيه من قمع الشهوة وغض البصر اللذين نبه عليهما صلى الله عليه وسلم بقوله:"من كان ذا طولٍ فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"(6)، حتَّى لم يره العلماء مما يقدح في
(1) نقله عنه المناوي كما في فيض القدير (5/ 54).
(2)
وهذا النقل عن القاضي عياض كما في كتابه الشفا (1/ 87).
(3)
رواه البخاري في صحيحه (3/ 355) برقم 569 باب كثرة النساء.
(4)
رواه أبو داود في سننه كتاب النِّكَاح (2/ 374) برقم 2050 والنسائي في سننه كتاب النكاح (6/ 374) برقم 3227 وفي الكبرى (5/ 160 - 161) برقم 5323 بلفظ: "تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم".
وانظر: "التلخيص الحبير"(3/ 1117 - 1118) برقم 1434.
(5)
وفيه حديث سعد بن أبي وقاص: "ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا" وكذا حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب.
والحديثان عند البخاري في كتاب النِّكَاح (3/ 356 - 357) باب ما يكره من التبتل والخصاء برقم 5073 و 5075.
(6)
رواه النسائي في سننه كتاب الصيام (4/ 481) برقم 2242 وفي كتاب النكاح (5/ 364 - 365) برقم 3206 باب الحث على النِّكَاح وفي الكبرى (3/ 140) برقم 2563 وأحمد في المسند (1/ 470 - 471) برقم 411 من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، والصواب أنَّه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهم في ذلك أبو معشر زياد بن كليب التميمي. =
الزهد (1)، وقال سهل بن عبد الله التستري: قد حببن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف نزهد فيهن!
…
ونحوه لابن عيينة.
وقد كان زهاد الصحابة كثيري الزوجات والسراري كثيري النِّكَاح، وحكي في ذلك عن علي وابن عمر وغيرهم غير شيء (2).
قال القاضي (3) عياض رحمه الله: فإن قلت (4): كيف يكون النِّكَاح وكثرته من الفضائل وهذا يحيى بن زكريا قد أثنى الله عليه أنَّه كان في حصر (5)، فكيف يثني الله عليه بالعجز عما تعده فضيلة؛ وهذا عيسى تبتل من النساء، ولو كان كما قررته لنكح! فاعلم أن ثناء الله على يحيى بأنه حصور ليس كما قال بعضهم إنه كان هيوبًا (6) أو لا ذكر له، بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا: هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء وإنما معناه أنَّه معصوم من الذنوب أي لا يأتيها، كأنه حصر عنها، وقيل: مانعًا نفسه من الشهوات، وقيل: ليست له شهوة في النساء، فقد بأن لك من هذا أن عدم القدرة على النِّكَاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها؛ إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام، أو بكفاية من الله كيحيى عليه السلام، فضيلة زائدة لكونها شاغلة (7) في كثير من الأوقات حاضةً إلى
= وعلى الصواب رواه أحمد في المسند (6/ 71 - 72) برقم 3592 والبزار في مسنده (4/ 299) برقم 1476 و (4/ 308) برقم 1489 و (4/ 319) برقم 1504.
وصوب حديثَ عبدِ الله بن مسعود ابنُ أبي حاتم في العلل (1/ 421 - 422) برقم 1269 والدارقطني في العلل (3/ 46 - 47) برقم 278 وله في ذلك كلام نفيس كعادته و (5/ 132 - 133) برقم 770.
(1)
وانظر في ذلك ما قاله العلامة ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (2/ 554 - 555).
(2)
الشفا للقاضي عياض (1/ 87 - 88).
(3)
الشفا (1/ 88 - 91).
(4)
عند القاضي عياض فإن قيل.
(5)
عند القاضي عياض كان حصورًا.
(6)
عند السندي: هيونًا.
(7)
عند القاضي مشغله بدل شاغلة.
الدنيا، ثم هي في حق من أقدر عليها وملكّها وقام بالواجب فيها، ولم تشغله عن ربه درجة عليا وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الَّذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن، بل صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره؛ فقال: "حبب إلي من دنياكم
…
" (1) فدل أن حبه لما ذكر من النساء والطيب اللَّذَيْن هما من أمر دنيا غيره واستعماله لذلك ليس لدنياه بل لأخرته، للفوائد التي ذكرناها في التزويج وللقاء الملائكة في طيب، ولأنه مما يحض على الجماع ويعين عليه ويحرك أسبابه، وكان حبه لهاتين الخصلتين لأجل غيره وقمع شهوته، وكان حبه الحقيقي المختص بذاته في مشاهدة جبروت مولاه ومناجاته، ولذلك ميز بين الحبين وفصل بين الحالين، فقال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، فقد ساوى يحيى وعيسى في كفاية فتنتهن وزاد فضيلة بالقيام بهن.
وكان صلى الله عليه وسلم ممن أقدر على القوة في هذا وأعطي الكثير منه ولهذا أبيح له من عدد الحرائر ما لم يبح لغيره، وقد روينا عن أنس: أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة (2).
قال أنس: "وكنا نتحدث أنَّه أعطي قوة ثلاثين رجل". خرجه النسائي (3) وروي نحوه عن أبي رافع (4).
(1) أخرجه النسائي في سننه كتاب عشرة النساء (7/ 72) برقم 3949 و 3950 باب حب النساء وفي الكبرى كتاب عشرة النساء (8/ 149) برقم 8836 و 8837 باب حب النساء وأحمد في المسند (3/ 285)، وقال الحافظ في التلخيص (3/ 1118) وإسناده حسن.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
خرجه النسائي في السنن الكبرى (8/ 207) برقم 8984.
(4)
وقد سبق.
وعن طاوس أعطي عليه السلام قوة أربعين في الجماع، ومثله عن صفوان بن سليم.
وقد قال سليمان عليه السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين، وإنه فعل ذلك.
وقال ابن عباس: كان في ظهر سليمان ماء مئة رجل، وكانت له ثلاث مئة امرأة وثلاث مئة سرية.
وحكى النقاش (1): سبع مئة وثلاث مئة سرية.
وقد كان لداود على زهده وأكله من عمل يده تسعة وتسعون امرأة، وتمت بزوج أوريا مئة.
* * *
(1) زاد القاضي وغيره.