المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌19 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر وقد قيل إنها الظهر - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٣

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌84 - باب ما جاء في المذي يصيب الثوب

- ‌85 - باب ما جاء في المني يصيب الثوب

- ‌86 - باب غسل المني من الثوب

- ‌87 - باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

- ‌88 - باب ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام

- ‌89 - باب ما جاء في مصافحة الجنب

- ‌90 - باب ما جاء في المرأة ترى مثل ما يرى الرجل في المنام

- ‌91 - باب ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل

- ‌92 - باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

- ‌93 - باب في المستحاضة

- ‌94 - باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكلّ صلاة

- ‌95 - باب ما جاء في المستحاضة أنّها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

- ‌96 - باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

- ‌97 - باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصَّلاة

- ‌98 - باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن

- ‌99 - باب ما جاء في مباشرة الحائض

- ‌100 - باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها

- ‌101 - باب ما جاء في الحائض تناول الشيء من المسجد

- ‌102 - باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض

- ‌103 - باب ما جاء في الكفارة في ذلك

- ‌104 - باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

- ‌105 - باب ما جاء في كم تمكث النفساء

- ‌106 - باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد

- ‌107 - باب ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ

- ‌108 - باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء

- ‌109 - باب ما جاء في الوضوء من الموطئ

- ‌110 - باب ما جاء في التيمم

- ‌111 - باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا

- ‌112 - باب ما جاء في البول يصيب الأرض

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب ما جاء في مواقيت الصلاة

- ‌4 - باب ما جاء في التعجيل بالظهر

- ‌5 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

- ‌6 - باب ما جاء في تعجيل العصر

- ‌7 - باب ما جاء في تأخير صلاة العصر

- ‌8 - باب ما جاء في وقت المغرب

- ‌9 - باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة

- ‌10 - باب ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة

- ‌11 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها

- ‌12 - باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء

- ‌13 - باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل

- ‌17 - باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة

- ‌18 - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ

- ‌19 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر وقد قيل إنها الظهر

- ‌20 - باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

- ‌21 - باب ما جاء في الصلاة بعد العصر

- ‌22 - باب ما جاء في الصلاة قبل الغرب

- ‌23 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

الفصل: ‌19 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر وقد قيل إنها الظهر

‌19 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر وقد قيل إنها الظهر

حدثنا محمد بن بشار نا معاذ بن هشام ثنا أبي عن يحيى بن أبي كثير نا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قال يوم الخندق: وجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس، فقال رسول الله:"والله إن صليتها". قال: فنزلنا بطحان فتوضأ رسول الله وتوضأنا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (1).

حدثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر عن محمد بن طلحة بن مصرف عن زبيد عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الوسطى صلاة العصر"(2).

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.

حدثنا هنّاد نا عبدة عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الوسطى صلاة العصر"(3).

قال: وفي الباب عن علي وعائشة وحفصة وأبي هريرة وأبي هاشم بن عتبة.

(1) هذا الحديث جاء في المطبوع برقم (180) في الباب الذي قبله، وسيذكر ذلك المصنف، وقد سبق تخريجه، وأنه متفق عليه، رواه البخاري (596) ومسلم (631).

(2)

رواه مسلم (628) كتاب المساجد (5) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (36).

(3)

الهداية (605)، صحيح لشواهده.

ص: 453

حدثنا أبو عيسى: قال محمد: قال علي بن عبد الله: حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح وقد سمع منه.

وقال أبو عيسى: حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن.

وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

وقال زيد بن ثابت وعائشة: صلاة الوسطى صلاة الظهر.

وقال ابن عباس وابن عمر: صلاة الوسطى صلاة الصبح.

حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى نا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته فقال: سمعته من سمرة بن جندب.

قال أبو عيسى: وأخبرني محمد بن إسماعيل نا علي بن عبد الله بن المديني عن قريش بن أنس بهذا الحديث.

قال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح. واحتج بهذا الحديث (1).

* الكلام عليه:

أما حديث عمر فقد سبق الكلام عليه في الباب قبل هذا، وكذلك هو في بعض نسخ الترمذي داخل في الباب المذكور.

وأما حديث ابن مسعود فصحيح أيضًا، رواه مسلم وغيره.

وأما حديث الحسن عن سمرة، فقد أخرجه الترمذي وحسنه وفي رواية عنه

(1) هذا السؤال والجواب موجود عند البخاري بالإسناد عقب حديث (5472).

وسماع الحسن حديث العقيقة من سمرة لا يعني سماعه غيره من الأحاديث منه، لأنه مدلس.

ص: 454

عن البخاري قال: قال علي بن المديني: حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح وقد سمع منه. ورواه الإمام أحمد (1) وفي رواية له: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الوسطى فقال: "هي العصر".

وفي لفظ له أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" وسمَّاها لنا أنها (2) هي العصر.

وقد أخرج الترمذي هذا الحديث أيضًا في التفسير (3) من كتابه عن حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع العيشي عن سعيد بن أبي عروبة به. وقال: حسن صحيح. وقد تقدم الكلام في تصحيح سماع الحسن من سمرة وهي ترجمة احتج بها البخاري في حديث العقيقة وغيره (4)، وإن كان شعبة لم يثبت سماعه منه فمن أثبت مقدم على من نفى.

وأما حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق: "شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غربت الشمس ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارًا" فصحيح، أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما في غير موضع (5).

وأما حديث عائشة فهو من (6) طريق أبي يونس مولى عائشة أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} قال: فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ: {حَافِظُوا عَلَى

(1) انظر "المسند"(5/ 7، 8).

(2)

في "المسند": إنما.

(3)

حديث رقم (2983) في تفسير سورة البقرة.

(4)

انظر ما سبق.

(5)

رواه البخاري (2931) ومسلم (627).

(6)

في النسخة: فمن بدل: فهو من.

ص: 455

الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم (1).

وعن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، فقال رجل -كان جالسًا عند شقيق- له: هي إذن صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله، والله أعلم. رواه مسلم (2) وليس لمسلم عن شقيق في "صحيحه" إلا هذا الحديث فقط.

وأما حديث حفصة فروى مالك (3) عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع قال: كنت أكتب مصحفًا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، قال: فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} هكذا رويناه من طريق القعنبي عن مالك.

وأما حديث أبي هريرة فذكره الحافظ أبو محمد الدمياطي رحمه الله في كتابه في الصلاة الوسطى من طريق ابن أبي داود ثنا أحمد بن جناب ثنا عيسى بن يونس عن محمد بن أبي حميد عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الوسطى صلاة العصر" وهو حديث أبي هاشم بن عتبة فقد ذكرهما الطحاوي (4) من طريق أبي داود أيضًا عنه ثنا أبو مسهر ثنا صدقة بن خالد حدثني

(1) رواه مسلم (629).

(2)

مسلم (630).

(3)

في "الموطأ"(1139)، ورواه ابن حبان (6289)، وصححه الشيخ الألباني في "التعليقات الحسان" و"صحيح السنن"(438).

(4)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 174) وقال بعد أن ذكر مجموعة من الأحاديث: فهذه آثار قد تواترت وجاءت مجيئًا صحيحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة الوسطى هي العصر. =

ص: 456

خالد بن دهقان قال: أخبرني خالد سبلان عن كهيل بن حرملة النمري عن أبي هريرة أنه أقبل حتى نزل دمشق على آل أبي كلثم الدوسي فأتى المسجد فنزل في غربيه فتذاكروا الصلاة الوسطى فاختلفوا فيها فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فقال: أنا أعلم لكم ذلك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جريئًا عليه فاستأذن فدخل ثم خرج إلينا فأخبرنا أنها صلاة العصر.

خالد بن عبد الله بن الفرج مولى بني عنس -بالنون- شامي يعرف بسبلان لطول كان في لحيته (1)، وأبو كلثم الدوسي يقال فيه أبو كلثوم أيضًا.

وفي أحاديث الباب مسائل:

الأولى: قد اختلف السلف في الصلاة الوسطى ما هي بعد اتفاقهم على أن الصلاة الوسطى أكد الخمس.

فقال الشافعي: هي الصبح نص عليه في "الأم" وغيره، وهو مذهب مالك ونقل عن عمر ومعاذ وابن عباس وابن عمر وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس.

وقالت طائفة: هي العصر وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وداود وابن المنذر وروي عن علي وابن مسعود وأبي هريرة وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب وسمرة بن جندب وأبي سعيد الخدري وابن عمر وابن عباس وعائشة وحفصة وأم

= نقله وارتضاه الشيخ الألباني في "صحيح السنن"(2/ 276).

قال الهيثمي (1/ 309): رجاله موثقون.

قال ابن كثير (1/ 293): غريب من هذا الوجه جدًّا.

وقال البزار (391 - الكشف): لا نعلم روى أبو هاشم إلا هذا وآخر.

(1)

انظر "تاريخ دمشق"(50/ 269).

ص: 457

سلمة وعبيدة السلماني والنخعي والحسن وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل ونقله الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم.

وقالت طائفة: هي الظهر وهو رواية عن أبي حنيفة ونقله الواحدي عن زيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وأسامة بن زيد وعائشة. ونقله ابن المنذر عن عبد الله بن شداد.

وقال قبيصة بن ذؤيب: هي المغرب قاله الواحدي.

وقال بعضهم: هي العشاء الآخرة. وقال بعضهم: هي إحدى الخمس مبهمة، ذكر عن زيد بن ثابت والربيع بن خثيم وسعيد بن المسيب وشريح.

ونقل القاضي عياض عن بعضهم أنها الجمعة وقيل: إنها الجمعة في يوم الجمعة وفي سائر الأيام الظهر، حكاه ابن مقسم في "تفسيره"، وعن بعضهم أن الصلاة الوسطى جميع الصلوات الخمس وقيل: الصلاة الوسطى صلاتان العشاء والصبح ذكره ابن مقسم في "تفسيره" ونسبه إلى أبي الدرداء رضي الله عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا". وقوله: "من صلى العشاء في جماعة كان له كقيام نصف ليلة، ومن صلاها مع الصبح في جماعة كان له كقيام ليلة".

وذهب أبو بكر الأبهري إلى أنها صلاتان: الصبح والعصر.

وقيل: إنها الجماعة في جميع الصلوات، حكى عن الإمام أبي الحسن الماوردي في "النكت" ويقال: إنها صلاة الخوف ذكره شيخنا الحافظ الدمياطي رحمه الله وقال حكاه لنا من يوثق به من أهل العلم لقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} واستدل على ذلك بأوجه ثلاثة من هذه الآية. قال: واختار الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السخاوي

ص: 458

المقرئ أنها الوتر متمسكًا بأن المعطوف غير المعطوف عليه في قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وذكر الأحاديث في فضل الوتر.

وقيل إنها صلاة الضحى وذهب آخرون إلى أنها صلاة عيد الفطر حكاهما الدمياطي وقال: وذاكرت فيهما أحد شيوخي الفضلاء فقال: أظنني وقفت على قول من ذهب إلى أنها صلاة الضحى تم تردد فيه، وشواهده من السنة ما ورد في فضل صلاة الضحى مع ما تقدم من أن العطف يقتضي المغايرة فإن صح هذا القول فهو تمام سبعة عشر قولًا.

الثانية: هذه الإضافة: صلاة الوسطى، قد اختلف الرواة فيها، فبعضهم يقول: عن الصلاة الوسطى وبعضهم يقول: عن صلاة الوسطى، فأما الرواية الأولى فظاهرة، وأما الثانية فمن باب قوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} ، فهو عند الكوفيين من باب إضافة الوصوف إلى صفته وأجازوه، ومنعه البصريون وقدَّروا في الكلام محذوفًا تقديره عن صلاة الصلاة الوسطى أي: عن فعلها.

الثالثة: الوسطى يحتمل أن يراد به الفضلى ونحوه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي خيارًا، والوسط العدل، ومنه قول العرجي:

كأني لم أكن فيهم وسيطا

ولم تكن نسبتي في آل عمرو

ويحتمل أن يراد به المسافة في البعد لكل واحد من الطرفين فيكون المراد التوسط في العدد أو في الزمان، وعلى ذلك انبنى الخلاف.

الرابعة: فإذا قلنا المراد بالوسطى هنا الفضلى، فيكون العطف فيه من باب عطف الخاص على العام كقوله تعالى:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} إلى آخره، لأن الملائكة اسم جنس عرف بالإضافة، وكذلك من النبيين معرف بالألف واللام

ص: 459

فاقتضى العموم، ومثله قوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاء يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف؟ قلت: الدعاء إلى الخير عام في التكاليف من الأفعال والتروك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص فجيء بالعام ثم عطف عليه الخاص إيذانًا بفضله كقوله:{الصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فيؤخذ منه ترجيح قول من قال إنها العصر لما في ذلك من النصوص: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" وقوله عليه السلام أيضًا: "من ترك صلاة العصر حبط عمله" وقوله عليه السلام أيضًا حين صلاها بالمخمص: "إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلنا فضيعوها وتركوها فمن حافظ عليها منكم أوتي أجرها مرتين"، والباب في هذا واسع.

الخامسة: وإن قلنا التوسط يرجع إلى العدد فإما أن نريد عدد ركعات الصلوات أو أعداد الصلوات نفسها، فإذا أردنا الأول اقتضى أنها المغرب، لأن أعداد ركعات الصلوات أكثره أربع وأقله ركعتان. فالمتوسط ثلاث وهو المغرب، وإن أردنا الثاني صلح لكل واحد من الخمس لما اقتضاه العدد الفرد وذلك لأنه ما من صلاة إلا وهي بين شفعين.

السادسة: وإن أريد بالتوسط التوسط في الزمان، قال بعض المالكية: كان الأبين أنها الصبح، لأنها بين صلاتي نهار محقق وهما الظهر والعصر وبين صلاتي ليل محقق وهما المغرب والعشاء، فأما وقت الصبح فوقت متردد بين الليل والنهار. انتهى.

وإنما يتم هذا على القول بأن ما بين الفجر إلى طلوع الشمس ليس من الليل ولا من النهار، بل هو وقت مستقل وهو ضعيف ولو اعتمد في نصرة مذهبه على دعوى أن وقتها أشق الأوقات فكانت أفضل بذلك لكان أقرب، على أنه لا يسلم من

ص: 460

المنازعة بوقت العصر لما فيه من الاشتغال بالبيع والشراء والأسباب وتوفر الدواعي على ذلك، فالمشقة في تركه ظاهرة، نعم إن قيل: بأن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من وقت النهار ظهر أنها العصر؛ لأن الصبح والظهر متقدمتان وهما صلاتا نهار، والمغرب والعشاء متأخرتان وهما صلاتا ليل.

السابعة: وعلى القول بمراعاة الوسط في عدد الصلوات لا في عدد الركعات، يتوجه القول بصلاحيتها لكل واحدة من الخمس كما تقدم، لكنه بعيد جدًّا من وجوه أخر:

أولها: أن فيه ذكر الشيء مجملًا بعد ذكره مفصلًا مبينًا وهو عكس ما عليه العادة ولم يقع لك في فصيح من الكلام ولا في غيره، فالصلوات مبين والصلاة الوسطى مجمل.

وثانيها: أنه ليس في الكلام أيضًا أن يطلق لفظ الجمع ويعطف عليه أحد مفرداته ويكون المراد بذلك المفرد ذلك الجمع لما في ذلك من العي والإلباس.

وثالثها: أنه لو أراد بالصلاة الوسطى الصلوات كما زعم هذا القائل لكان كأنه قال: حافظوا على الصلوات والصلوات، مريدًا بالثاني ما أراد بالأول وهو كلام خال من المعنى ولا يمكن حمله على التأكيد لمجيئه بصيغة العطف إلا إن بعض من قال ذلك، قال: المراد بالصلوات فرضها ونفلها، ثم خص الفرض بالذكر في قوله {الصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فيسلم من هذه الاعتراضات، لكنه يحتاج إلى توقيف في الأمر بالمحافظة على الصلوات النوافل.

الثامنة: اختلف علماء الأصول في القراءة الشاذة، هل يثبت لها حكم السنن الثابتة من أخبار الآحاد أو لا؟ على قولين، وبالأول قال أبو حنيفة وجماعة وإلى الثاني صار الشافعي في آخرين متمسكين بأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن

ص: 461

والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر.

التاسعة: فيما تقدم عن حفصة وعائشة رضي الله عنهما فيما أملته كل منهما على كاتب مصحفها: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر} ، فعلى الأول يكون لنا حكم أخبار الآحاد فيقع التعارض بينها وبين من روى أنها العصر وعلى الثاني لا يكون لنا حكمه فلا يقع تعارض.

العاشرة: على القول بالتعارض يحتاج إلى الجواب من قال إنها العصر إذ الأصل في باب العطف المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه وأجيب بأن الرواية عن حفصة على تقدير ثبوتها وهو بعيد قد ثبت في مصحفها ما يخالف ذلك فيما رويناه من طريق يزيد بن هارون أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عمرو بن رافع قال: كان مكتوبًا في مصحف حفصة عن عمر: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} .

وأما الجواب عن حديث عائشة فمن وجهين:

أحدهما: أن تكون الواو زائدة في ذلك على حد زيادتها في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} وفي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} وفي قوله: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وفي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ} ، حكي عن الخليل: يصدون والواو مقحمة زائدة، ومثله في القرآن كثير، ومنه قول امرؤ القيس:

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى

بنا بطن خبت ذي حقاف وعقنقل

وقول الآخر:

فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن

إلا كلمة حالم بخيال

ص: 462

الثاني: أن لا تكون زائدة، ويكون من باب عطف إحدى الصفتين على الأخرى وهما لشيء واحد نحو قوله:

إلى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم

وقريب منه قول الآخر:

أكر عليهم دعلجًا ولبانة

إذا ما اشتكى وقع الرماح تحمحما

فعطف لبانه وهو صدره على دعلج وهو اسم فرسه، ومعلوم أن الفرس لا يكر إلا ومعه صدره، لما كان الصدر يلتقي به وتقع به المصادمة. وقال مكي بن أبي طالب في "تفسيره": وليست هذه الزيادة توجب أن تكون الوسطى غير العصر، لأن سيبويه حكى: مررت بأخيك وصاحبك والصاحب هو الأخ، فكذلك الوسطى هي العصر وإن عطفت بالواو. انتهى.

وتغاير اللفظ قائم مقام تغاير المعنى في جواز العطف ومنه قول أبي داود الإيادي:

تسلط الموت والمنون عليهم

فلهم في صد المقابر هام

وقول عدي بن زيد العبادي:

وقدمت الأديم لراهشيه

فألفى قولها كذبًا ومَينا

والرهشان عرقان في باطن الذراع. وقول عنترة:

حييتَ من طلل تقادم عهده

أقوى وأقفر بعد أم الهيثم

وقول الآخر:

ألا حبذا هند وأرض بها هند

وهند أتى من دونها النأي والبعد

ص: 463

والمنون والموت واحد، وكذلك الكذب والمين، وكذلك قوله: أقوى وأقفر، وكذلك النأي والبعد، ومثله كثير.

وقد روينا من طريق المحاملي ثنا عبد الله بن شبيب نا ابن أبي أويس حدثني إسماعيل بن داود عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سمعت السائب بن يزيد تلا هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر} .

الحادية عشرة؛ اختلفوا فيما إذا روى الراوي حديثًا وخالفه عمله وفتواه؛ فالذي ذهب إليه الجمهور أن الحجة فيما روى لا فيما رأى، وخالف في ذلك الكوفيون واعتدوا ذلك علة في الخبر الذي رواه وعللوه بأنه لم يعدل عن العمل بما روى إلا لاحتمال أن يكون عثر على ناسخ أو مخصص أو غير ذلك مما صرفه عن العمل به.

الثانية عشرة: قد صح عن علي بن أبي طالب من طريق مسلم والبخاري وغيرهما: أن الصلاة الوسطى هي العصر. وقد روي عن مالك أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس كانا يقولان: الصلاة الوسطى صلاة الصبح، قال مالك: وذلك رأيي فيحتاج من ذهب مذهب الكوفيين في ذلك إلى الجواب عن ما نقل مالك عن علي وقد أجيب عنه من وجهين:

الأول: أن المنقول عن علي في ذلك من روايته صحيح متصل، والمنقول عنه من رأيه بلاغ عند مالك وهو في معنى المرسل فلا يعارضه ولا تقوم به حجة.

الثاني: أنه قد روي عن علي أنه كان يرى ذلك ثم رجع عنه.

ذكر ابن مهدي نا سفيان عن عاصم عن زر قال: قلت لعبيدة: سل عليًّا عن الصلاة الوسطى، فسأله فقال: كنا نُراها الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: "شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم أو

ص: 464

بيوتهم نارًا" كذلك روي عنه من غير وجه.

الثالثة عثرة: ما ذكره مالك عن علي وابن عباس بلاغًا ورُدّ بالإرسال، قد روي عن ابن عباس مسندًا متصلًا عند النسائي من طريق جابر بن زيد عن ابن عباس قال: أدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرس، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس فصلى وهي صلاة الوسطى.

وذلك ظاهر في صلاة الصبح، ويمكن أن يجاب عنه من وجهين:

الأول: أن ما روي من قوله في هذا الخبر وهي صلاة الوسطى يحتمل أن يكون من المدرج وليس من قول ابن عباس. ويحتمل أن يكون من قوله، وقد روى أبو نعيم الفضل ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن رزين بن عبيد العبدي قال: سمعت ابن عباس يقول: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وهذا صريح لا يتطرق إليه من الاحتمال ما يتطرق للأول فلا يعارضه.

رزين، ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه.

الثاني: يرجع إلى القاعدة المتقدمة أن الاعتبار عند مخالفة الراوي روايته بما روى لا بما رأى فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: قاتل النبي صلى الله عليه وسلم عدوًا فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها، فلما رأى ذلك قال:"اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى املأ بيوتهم نارًا أو قبورهم نارًا" أو نحو ذلك. وذكر أبو محمد بن الفرس في كتابه في "أحكام القرآن"(1) أن ابن عباس قرأ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صلاة العصر} على البدل.

الرابعة عشرة: تقدم حديث البراء بن عازب قال: نزلت: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ

وصلاة العصر) فقرأناها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ثم نسخها الله فأنزل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} الحديث يتجاذب الاستدلال

(1) انظر "أحكامه"(1/ 368).

ص: 465

به فريقان، أحدهما: القائلون بأنها العصر، والثاني: القائلون بأنها أبهمت في الصلوات الخمس بناء على أن النسخ هنا هل توجه للفظ دون المعنى أو لهما معًا، والأول أولى لأن الأصل عدم النسخ، ونسخ اللفظ دون المعنى أقرب إلى الأصل، وليس هذا من باب نسخ الكتاب بالسنة التي هي أخبار آحاد، لأن قوله:(وصلاة العصر) في هذه الآية لم يصل إلينا قرآنًا وإنما وصل إلينا في هذا الخبر وما جرى مجراه، فهو وناسخه في رتبة واحدة.

الخامسة عشرة: الحكمة في إبهامها عند من قال به (1) ما روي أن رجلًا سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى فقال: حافظ على الصلوات تصبها، فهي مخبوءة في جميع الصلوات خبء ساعة الإجابة في ساعات يوم الجمعة وليلة القدر في ليالي شهر رمضان والاسم الأعظم في جميع الأسماء، والكبائر في جملة الذنوب، لأنه أبعث على المحافظة على جميعها، إذ في إبهامها وترك تعيينها حث على الإتيان بجميعها فكان أولى من التعيين المفضي إلى إهمال ما سواها.

وقال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي: بعد ذكره خلاف الناس فيها: وكل هذا الاختلاف يشعر بأنها مما استأثر الله تعالى بعلمه عن خلقه ليحافظ على جميع الصلوات كما استأثر بالعلم بليلة القدر ليحافظ على قيام الشهر أو العشر الأواخر منه، وليس في هذه المذاهب أقوى من مذهب من ذهب إلى أنها العصر أو الصبح، فإن تردد النظر بينهما فما دلت عليه الآثار فيهما أظهر مما سواه.

السادسة عشرة: ما قاله أبو الحسن ابن المقدسي من ترجيح مذهب من ذهب إلى أنها الصبح أو العصر شهد له ما روى مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي

(1) قاله الربيع بن خيثم ومن ذكرنا معه، وفيها علامة إضراب فلا أدري هل هي من الشارح نفسه أو من غيره!!

ص: 466

هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر والعصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون"، وقوله عليه السلام:"من صلى البردين دخل الجنة"، وغير ذلك.

السابعة عشرة: إذا ثبت اشتراكهما في فضل الوقت وشهود الملائكة وكثرة المشقة، فيمكن ترجيح العصر في الفضل على الصبح من وجه آخر وهو الأفضلية بعدد الركعات، فالمناسب هو أن تكون الرباعية منهما أفضل لأنها أكثر ركعات وأكثر عملًا والقاعدة أن ما كثر عمله كثر ثوابه بعد استوائهما في المزايا المذكورة على غيرهما.

الثامنة عشرة: اختلفوا في الوتر هل هو واجب أو سنة مؤكدة وإلى الثاني ذهب الجمهور وبالأول قال أبو حنيفة وعنه رواية أخرى أنها فرض، ويؤخد من هذا الحديث ما ذهب إليه الجمهور، لأنها لو كانت فرضًا لكانت الصلوات ستًّا ولا وسطى لست.

التاسعة عشرة: قوله ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارًا في حديث علي فيه دليل على جواز الدعاء على الكفار بمثل هذا.

الموفية عشرين: في حديث ابن مسعود: ملأ الله أو حشا الله قد يتمسك به من لا يرى الرواية بالمعنى حيث لم يقتصر على أحد اللفظين وقد يجاب عنه من وجهين:

الأول: منع استوائهما في المعنى والمطلوب الاستواء لا المقارنة وهو ظاهر فإن الحشو يقتضي الملء وزيادة.

الثاني: قد يكون ابن مسعود أراد بذلك تحري الأفضل لا أنه لازم له.

ص: 467

الحادية والعشرون: قوله: فصلاها بين العشاءين يحتمل بين وقتي العشاءين ويحتمل بين صلاتي العشاءين، فعلى الأولى لا يلزم الفورية في قضاء الفوائت، وقد ينازع في ذلك، وعلى الثاني لا يلزم الترتيب وقد تقدم في الباب قبل هذا ذكر مذاهب العلماء في ذلك. اهـ.

* * *

ص: 468