الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
101 - باب ما جاء في الحائض تناول الشيء من المسجد
ثنا قتيبة: ثنا عبيدة بن حميد، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ناوليني الخمرة من المسجد"، قالت: قلت إني حائض. قال: "إن حيضتك ليست في يدك".
قال: وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة.
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن، وهو قول عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك.
قال: لا بأس أن تتناول الحائض شيئًا من المسجد (1).
* الكلام عليه:
ثابت (2) بن عبيد: أنصاري معدود من أفراد مسلم (3)، وثقه أحمد (4) ويحيى (5).
وعبيدة (6) بن حميد الضبي (7) احتج به البخاري (8) ومات بعد التسعين ومائة.
(1) الجامع (1/ 241، 242) برقم 134.
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 362، 363) برقم 822 وتهذيب التهذيب (1/ 265).
قلت: وفرق أبو حاتم بينه وبين ثابت بن عبيد مولى زيد بن ثابت كما في الجرح والتعديل (2/ 454) برقم 1831، 1832.
(3)
رجال صحيح مسلم لابن منجويه (1/ 110) برقم 199.
(4)
العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (3/ 95) برقم 4349.
(5)
الجرح والتعديل (2/ 454).
(6)
انظر ترجمته: في تهذيب الكمال (19/ 257، 262) برقم 3752.
(7)
التيمي وقيل الليثي وقيل الضبي كما في تهذيب الكمال (9/ 257).
(8)
رجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 505) برقم 779.
وقد حسّن الترمذي (1) هذا الحديث وهو صحيح بتصحيح مسلم إيّاه، وإخراجه في كتابه (2)؛ فقد رواه عن أبي بكر وأبي كريب ويحيى بن يحيى، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم، عن عائشة.
قال: وثنا أبو كريب، عن ابن أبي زائدة، عن حجاج وابن أبي غنية كليهما، عن ثابت بن عبيد (3).
ورواه أبو داود (4) عن مسدد، عن أبي معاوية. والنسائي (5) عن قتيبة، وإسحاق عن إبراهيم، عن جرير. وأبي معاوية، عن الأعمش، به.
فأما رواية النسائي عن قتيبة، عن جرير وأبي معاوية، أو عن أحدهما، ورواية الترمذي عن قتيبة، عن عبيدة بن حميد، فلا مانع أن يكون ذلك كله عند قتيبة وحدث به تارة عن عبيدة وتارة عن غيره.
وأما الشيخ أبو الحسن الدارقطني فإنه ذكر على الأعمش اختلافًا في هذا الحديث، وصوّب رواية من رواه عنه، عن ثابت، عن القاسم، عن عائشة، كما ذكرناه في غير موضع من كلامه.
وليس هذا الاختلاف الذي ذكره الدارقطني مانعًا من القول بصحته بعد أن بيّن وجه الصواب.
(1) انظر الجامع (1/ 242).
(2)
صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 244) برقم 298 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه.
(3)
صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 245) برقم 298.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 131) برقم 261.
(5)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 160) برقم 271 باب استخدام الحائض.
فإن قيل: تفرد ثابت به، وهو وإن كان ثقة فليس في مرتبة الحفظ والإتقان الذي يقبل معه تفرده، قد يكون فيمكن أن يجاب عنه بأن من جملة الطرق التي هي عند الدارقطني، وإن كان صوّب حديث ثابت. أخرجه من حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن السائب، عن محمد بن أبي بكر، عن عائشة.
وزعم الدارقطني أن محمد بن فضيل وهم فيه على قلة وهمه، ومنها عبد الوارث بن سعيد، وعبد الرحمن المحاربي كلاهما عن ليت بن أبي سليم، عن القاسم، عن عائشة، وخالفهما جرير فرواه عن ليث، عن ثابت، عن القاسم، فأدخل ثابتًا.
ومنها أبو عمر الحوضي عن شعبة، عن سليمان الشيباني، عن القاسم، عن عائشة.
فحصل من هذا الاختلاف رواية لسليمان الشيباني وليث بن أبي سليم، والرواية التي من طريق محمد بن أبي بكر، عن عائشة.
وهذه متابعات لطريق ثابت بن عبيد، وهي وإن لم تثبت يُحصّل تقوية الحديث في الاصطلاح.
وأما حديث ابن عمر.
وأما حديث أبي هريرة فعند مسلم (1) عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقال:"يا عائشة، ناوليني الثوب! " قالت: إني حائض، فقال:"إن حيضتك ليست في يدك". فناولته.
(1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 245) برقم 299 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه.
الحيضة: قيدها الخطابي (1) بكسر الحاء: يعني الحالة والهيئة، وأما المحدثون فيفتحون الحاء، وهو خطأ (2). وصوّب القاضي عياض (3) الفتح، وزعم أن كسر الحاء هو الخطأ، لأن المراد الدم وهو الحيض بالفتح لا غير.
وقال الخطابي (4): الخمرة: هي السجادة التي يسجد عليها المصلي (4)، وهي عند بعضهم قدر ما يضع عليه المصلي وجهه فقط، وقد يكون عند بعضهم أكبر من ذلك (5).
وروى أبو داود (6) في سننه من حديث ابن عباس قال: "جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم"، ففي هذا إطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه، وسميت خُمْرة من التخمير وهو التغطية ومنه خمار المرأة، والخَمرة لأنها تغطي العقل (7).
وقولها: من المسجد: قال القاضي (8) عياض رحمه الله معناه أن النبي
(1) معالم السنن (1/ 171).
(2)
وقال النووي في شرح مسلم (3/ 201) إن الفتح هو الصحيح.
ومن أنكر على الخطابي قوله القاضي عياض كما سيأتي.
(3)
مشارق الأنوار (1/ 217).
قلت: وعلى ترجيح الفتح يكون المقصود الحيض لأنه إنما نفى عنها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أعني الدم الذي هو الحيض المستقذر، فأما حكم الحيض وحاله فهو لازم لجملتها وأبعاضها والله أعلم.
(4)
معالم السنن (1/ 171).
(5)
انظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 200).
(6)
في سننه كتاب الأدب (5/ 256) برقم 5247 باب في إطفاء النار بالليل.
(7)
انظر شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 200).
(8)
إكمال المعلم (2/ 131).
- صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك من المسجد وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرجها له من المسجد، لأنه عليه السلام كان في المسجد معتكفًا، وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض.
قد اختلف في هذا المجرور الذي هو من المسجد بماذا يتعلّق؟
فعلّقته طائفة بقوله: "ناوليني"، واستدلوا به على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة تعرض لها إذا لم يكن على جسدها نجاسة، وأنها لا تمتنع من المسجد إلا مخافة ما يكون منها، وعلقته طائفة أخرى بقولها: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد: "ناوليني الخمرة"، على التقديم والتأخير، وعليه المشهور من مذاهب العلماء أنها لا تدخل المسجد لا مقيمة ولا عابرة لقوله عليه السلام:"لا أُحِلُّ المسجد لحائض ولا جنب"، وسيأتي الكلام عليه، قالوا: ولأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة، والجنب لا يمكث فيه، وإنما اختلفوا في عبوره فيه، والمشهور من مذاهب العلماء منعه فالحائض أولى بالمنع، ويحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا مسجد بيته الذي كان يتنقّل فيه فيسقط الاحتجاج به في هذا الباب جملة، ويكون من باب طهارة ما لم تمسّه النجاسة من أعضاء الحائض كما سبق قال القاضي (1) عياض فيه: إن جسد الحائض طاهر ما لم يصب نجاسة، وكذلك ريقها وإن ما تلتمسه من ذلك لا يتنجس، وأنها لا تمتنع (2) من المسجد إلا مخافة ما يكون منها، وإليه ذهب زيد بن ثابت وحكاه الخطابي عن مالك والشافعي وأحمد. وأهل الظاهر يجيزون للجنب دخوله إلا أن أحمد يستحب له الوضوء لدخوله.
ومنع سفيان وأصحاب الرأي دخول المسجد جملة، وهو مشهور قول مالك،
(1) إكمال المعلم (2/ 129).
(2)
في الإكمال لا تمنع بدل تمتنع.
وذهب بعض المتأخرين إلى جواز ذلك للحائض إذا استثفرت (1) بثوب. قال: كما جاء في المستحاضة في الصلوات (2).
قال: وليس هذا عندي صواب (3)، لأنها متى استثفرت بثوب وخرج منها في الذي استثفرت به شيء، وإن أمن من تنجيسه المسجد فإنها نجاسة في الثوب ينزه المسجد عن كونها فيه.
والمستحاضة في الطواف معذورة من وجهين: من الاستحاضة التي لزمتها، ومن تمام عقد العبادة التي دخلت فيها فلم يكن لها بد من ذلك، والحائض فلا ضرورة لها لدخول المسجد (4).
وقال أبو محمد (5) بن حزم: وجائز للحائض وللنفساء أن تمر (6) وجاز أن يدخلا المسجد وكذلك الجنب، لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك، وذكر حديث أبي داود (7) من طريق أفلت به خليفة عن جسرة بنت دجاجة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال:"وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإن لا أحل المسجد لحائض ولا جنب". رواه البخاري (8) في "تاريخه الكبير" وفيه زيادة.
(1) وقع في الإكمال استقرت وما عند المصنف هو الصواب وهو الذي يدل عليه السياق.
(2)
في الإكمال في الطواف وهو الصواب ولا معنى للصلاة هنا إذا الحائض ممنوعة منها.
(3)
في الإكمال بصواب.
(4)
إكمال المعلم (2/ 129، 130).
(5)
المحلى (2/ 184).
(6)
في المحلى أن يتزوجا وأن يدخلا.
(7)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 116 - 117) برقم 232 باب في الجنب يدخل المسجد.
(8)
التاريخ الكبير (2/ 67) والزيادة إلا محمد وآل محمد.
وذكر (1) بعده حديث عائشة رضي الله عنها: "سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر".
ثم قال (2): وهذا أصح، روى هذا الحديث عن جسرة أفلت بن خليفة، وروى عنها قدامة بن عبد الله العامري الهذلي الكوفي في ترديد النبي صلى الله عليه وسلم:"إن تعذبهم فإنهم عبادك". وهو عند النسائي (3).
وقال البزار (4): ولا نعلم حدث عنها غير قدامة. وقد تبين أن أفلت حدّث عنها.
وقال الخطابي (5): ضعفوا هذا الحديث، أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج به.
وقال أبو (6) محمد -بعد أن ذكر حديث أفلت المذكور وحديث أم سلمة في معناه من طريق جسرة أيضًا-: هذا كله باطل، أما أفلت فغير مشهور ولا معروف بالثقة (6).
وليس ذلك من نظرهما (7) بسديد في رد أخبار أفلت هذا، ولا في رد خبر جسرة، فأما جسرة فقال البخاري (8): عندها عجائب. انتهى.
(1) أي البخاري في التاريخ الكبير (1/ 408).
(2)
التاريخ الكبير (2/ 68).
(3)
في سننه كتاب الافتتاح (2/ 519) برقم 1009 باب ترديد الآية.
(4)
كشف الأستار (3/ 343).
(5)
معالم السنن (1/ 159).
(6)
المحلى (2/ 186).
(7)
وممن ضعفه كذلك البغوي في شرح السنة (2/ 46) ونقل تضعيفه عن أحمد والحديث أخرجه خزيمة في صحيحه (2/ 284) برقم 1327.
(8)
التاريخ الكبير (2/ 67).
ودجاجة -بكسر الدال- لا كواحدة الدجاج، فتلك بالفتح.
أما جسرة: فقال أحمد (1) بن عبد الله العجلي: جسرة بنت دجاجة تابعية ثقة، وذكرها أبو حاتم (2) بن حبان في كتاب "الثقات" له. وقال: روى عنها أفلت بن خليفة، وقدامة بن عبد الله العامري.
وأما أفلت فوثّقه ابن (3) حبان أيضًا، وقال أبو (4) حاتم: هو شيخ، وقال أحمد (5) بن حنبل: لا بأس به (6). انتهى.
يكنى أفلت أبا (7) حيان. روى عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد.
قال:
قال ابن (8) القطان: وقول البخاري في جسرة عندها عجائب؛ لا يكفي في ردّ أخبارها.
وحسن ابن (9) القطان حديث جسرة عن عائشة الذي ذكرناه. ولعمري إن التحسين لأقل مرابته لثقة رواته ووجود الشواهد له من خارج، فلا حجة لأبي محمد رحمه الله في رده، ولا حاجة بنا إلى تصحيح ما رواه في ذلك، لأن هذا الحديث
(1) معرفة الثقات (2/ 450) برقم 2326.
(2)
الثقات (4/ 121).
(3)
الثقات (6/ 88).
(4)
الجرح والتعديل (2/ 346) برقم 1316.
(5)
العلل ومعرفة الرجال (3/ 136) برقم 4592.
(6)
وعبارة أحمد ما أرى به بأس.
(7)
انظر تهذيب الكمال (3/ 320، 321) برقم 546 وتهذيب التهذيب (1/ 185).
(8)
بيان الوهم والإيهام (5/ 331) وعبارته فيه: لا يكفي لمن يسقط ما روت.
(9)
بيان الوهم والإيهام (5/ 332) وعبارته: ولم أقل إن هذا الحديث المذكور صحيح وإنما أقول إنه حسن.
كافٍ في الردّ عليه،
وفي الحديث (1): أن مسّ المرأة زوجها بغير لذة لا يضر في الاعتكاف، وثبت في الصحيح (2) عن عائشة رضي الله عنها قولها:"إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد وأنا في حجرتي فأرجله، وكان لا يدخل البجت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفًا"، وفي بعض طرقه (3):"فأغسله وأنا حائض".
وفيه أن من حلف لا يدخل دارًا أو مسجدًا فإنه لا يحنث بإدخال يده أو بعض جسده فيه ما لم يدخل كل بدنه.
(1) هذا كلام القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 131) بتصرف باب الحاجة.
(2)
لفظ مسلم في صحيحه كتاب الحيض (3/ 199 بشرح النووي) برقم 683 باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه وهو في البخاري كتاب الاعتكاف (2/ 66) برقم 2029 باب لا يدخل البيت إلا لحاجة.
(3)
عند مسلم في صحيحه كتاب الحيض (3/ 199 بشرح النووي) برقم 685 وهو عند البخاري في كتاب الاعتكاف (2/ 61) برقم 2030 باب غسل المعتكف.