الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
87 - باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل
ثنا هناد: ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت:"كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب لا يمسّ ماءً".
حدثنا هنّاد: نا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق نحوه.
قال أبو عيسى: وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره.
وقد روى غير واحد عن الأسود، عن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه:"كان يتوضأ قبل أن ينام".
وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود.
وقد رَوَى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري، وغير واحد، ويرون هذا غلطًا من أبي إسحاق (1).
* الكلام عليه:
أخرجه النسائي (2) وابن (3) ماجه، وسكت عنه الترمذي فلم يحكم عليه بشيء، ولعله لشبهة كلام العلماء فيه، وقد نبّه عليه بقوله: يرون هذا غلطًا من أبي إسحاق.
قال يزيد (4) بن هارون: هذا الحديث وهم، وقال سفيان (5) الثوري: فذكرت
(1) الجامع (1/ 202 - 203).
(2)
النسائي في الكبرى (5/ 332) برقم 9052.
(3)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 192) برقم 581 باب في الجنب ينام كهيئته لا يمس ماء.
(4)
مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 154).
(5)
أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 192) عقب الحديث 583.
الحديث يومًا يعني حديث أبي إسحاق هذا، فقال لي إسماعيل: يا فتى فَشُدَّ هذا الحديث بشيء.
وذكر الخلال عن مهنا: سألت أحمد عن حديث أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت:"كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ينام جنبًا لا يمسُّ ماء"، قال: ليس صحيحًا (1)، قلت: لِمَ؟ قال: لأن شعبة روى عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة:"أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاه"(2)، قلت: مِنْ قِبَلِ مَنْ جاء هذا الاختلاف؟ قال: من قبل أبي إسحاق الحديث، ثم قال (3): وسألت أحمد بن صالح عن هذا الحديث، فقال: لا يحل أن يروى هذا الحديث.
قال أبو عبد الله: الحكم يرويه مثل قصة أبي إسحاق ليس عن الأسود: الجنب يأكل، يعني أنه ليس في تلك الرواية كذا عن الأسود، وأن فيها الجنب يأكل.
قال الأثرم (4): وقد روى أبو إسحاق عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها:"أنّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام قبل أن يمسّ ماء"، فلو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده، عن الأسود كان أثبت، وأعلم بالأسود، ثم وافق إبراهيمَ عبد (5) الرحمن بن الأسود، ثم وافقهما فيما روياه أبو سلمة وعروة عن عائشة رصي الله عنها.
(1) عبارة أحمد هذه نقلها الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 145) وفيه قال أحمد إنه ليس بصحيح.
(2)
رواه مسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 248) برقم 305 باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له.
(3)
أي مهنا وقول أحمد بن صالح ذكره الحافظ في التلخيص (1/ 140 - 141).
(4)
قول الأثرم هذا نقله الحافظ في التلخيص (1/ 141) مقتصرًا على أوله.
(5)
ورواية عبد الرحمن بن الأسود أخرجها البيهقي في سننه (1/ 202).
ثم وافق ما صحّ عن عائشة رضي الله عنها من ذلك رواية ابن عمر عن عمر، وما رُوِيَ عن عمار وأبي سعيد فتبيّن أنّ حديث أبي إسحاق إنما هو وهم.
وروى هُشَيْم عن عبد الملك، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما رواه أبو إسحاق عن الأسود.
ورواية عطاء، عن عائشة مما لا يحتجّ به، إلا أن يقول: سمعت، ولو قال في هذا سمعت؛ كانت تلك الأحاديث أقوى (1).
وأورد الترمذي حديث الباب من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق ثم أتبعه بحديث وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، وكلاهما عنده عن هنّاد، عنهما.
وفائدة هذه المتابعة تقوية حديث أبي بكر بن عياش لسلامة وكيع مما طعن به على أبي بكر بن عياش، وأبو (2) بكر وإن كان ممن له قدم راجح في العبادة والعلم وقراءة القرآن، وتروى له مناقب منها: أنّه أقام خمسين سنة لا يفرش له فراش ينام عليه (3). ومنها أنّه عند موته أشار إلى موضع في منزله وذكر أنّه ختم القرآن فيه ثمانية عشر ألف مرة (4). ومنها أن محمد بن المثنى قال: سمعت إبراهيم بن شماس قال: سمعت إبراهيم بن أبي بكر بن عياش، قال: شهدت أبي عند الموت فبكيت، فقال: يا بني، ما يبكيك؟ فما أتى أبوك فاحشة قط (5). ومنها: أن يزيد بن هارون
(1) الإمام (3/ 90 - 91).
(2)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 348 - 350) برقم 1565 وتهذيب الكمال (33/ 129 - 135) برقم 7252 وتهذيب التهذيب (4/ 492 - 494).
(3)
انظر السير (8/ 499) وله ترجمة حافلة في تاريخ بغداد (14/ 371) برقم 7698.
(4)
السير (8/ 504).
(5)
تاريخ بغداد (14/ 383).
قال عنه: لم يضع جنبه على الأرض منذ أربعين سنة (1)، فقال قال: مفضّل الغساني: سألت يحيى (2) بن معين عنه؛ فضعّفه.
ومن رواية عباس الدُّوري عن يحيى: شريك أثبت من أبي الأحوص، وأبو الأحوص أثبت من أبي بكر بن عياش.
وقال عثمان (3) بن زائدة: سألت سفيان الثوري عمّن آخذ العلم بالكوفة؟ فقال: عليك بزائدة وسفيان بن عيينة، قلت: فأبو بكر بن عياش؟ قال: ذاك صاحب قرآن.
وروى ابن (4) المديني، عن يحيى القطان قال: لو كان أبو بكر بن عياش بين يديَّ ما ساكته عن شيء.
وعن أحمد (5): كثير الخطأ جدًّا، قيل له: في كتبه؟ قال: لا، إذا حدّث من حفظه.
ومع ذلك فقد وثّقه العجلي (6) وأبو (7) داود وغيرهما (8).
(1) السير (8/ 501)، تاريخ بغداد (14/ 380).
(2)
تاريخ بغداد (14/ 378).
(3)
تاريخ بغداد (14/ 378).
(4)
المصدر السابق.
(5)
تاريخ بغداد (14/ 379).
(6)
معرفة الثقات (2/ 389) برقم 2099.
(7)
تاريخ بغداد (14/ 379) وسؤالات الآجري أبا داود (1/ 298) برقم 475.
(8)
ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 668) وقال ابن عدي في الكامل (4/ 1345): "وهو في كل رواياته عن كل من روى عنه لا بأس به، وذلك أني لم أجد له حديثًا منكرًا إذا روى عنه ثقة إلا أن يروي عنه ضعيف".
قال الترمذي (1): وقد روى غير واحد عن الأسود، عن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يتوضأ قبل أن ينام" (2).
وهذا أصحّ من حديث أبي إسحاق، عن الأسود
…
إلى آخره (2).
قلت: من الناس من يحمل الوهم في ذلك على أبي (3) إسحاق معتمدًا على أنّ عبد الرحمن بن الأسود وإبراهيم النخعي روياه عن الأسود (4)، فخالفا أبا إسحاق، فذكرا الوضوء قبل النوم فعارضاه، وكذلك من ذكرنا معهما في هذا الباب، وستأتي أحاديثهم في الباب بعد هذا.
ومن الناس من جمع بين الروايتين؛ قال الدارقطني (5): وقال بعض أهل العلم: يشبه أن يكون الخبران صحيحين، وأنّ عائشة قالت:"ربما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قدم الغسل وربّما أخّره". كما حكى ذلك عنها غضيف بن الحارث وعبد الله بن أبي قيس وغيرهما، وأن الأسود حفظ ذلك عنها، فحفظ عنه أبو إسحاق تأخير الوضوء والغسل، وحفظ عنه عبد الرحمن بن الأسود والنخعي تقديم الوضوء على الغسل.
(1) الجامع (1/ 203).
(2)
رواه الطيالسي في مسنده (198) برقم 1384.
(3)
انظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 154) وكذا سنن ابن ماجه (1/ 192) عقب حديث رقم 583.
وذكر الخلال عن مهنا قال: سألت أحمد عن حديث أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام جنبًا لا يمس ماء، قال:"ليس صحيحًا". قلت: لم؟ قال. "لأن شعبة روى عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة. قلت: من قبل من جاء هذا الاختلاف؟ قال: من قبل أبي إسحاق
…
، الحديث".
انظر الإمام (3/ 89 - 90).
(4)
انظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 202).
(5)
وكلامه هذا في العلل كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 245).
ويمكن أن يقال في دفع الوهم عن أبي إسحاق أن الثقة كأبي إسحاق إذا روى اعتمدت روايته إلا بعلّة بيّنة، والأحاديث التي ذكرها على قسمين: أحدهما الأمر بالوضوء قبل النوم، والثاني: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فأما الأمر فيمكن أن يحمل على الاستحباب، ويحمل الفعل على بيان الجواز، ولا تعارض ولا دليل على الوهم.
وأما الفعل فليس يدلّ على الوجوب بمجرّده، ويمكن أن يكون الأمران جميعًا وقعا، فالفعل لبيان الاستحباب، والترك لبيان الجواز (1).
وقد اعتضدت رواية أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، برواية عبد الملك عن عطاء، عنها. وقد نقل ذلك عن عائشة من فتياها.
قال أبو (2) بكر بن أبي شيبة، نا الفضل بن دكين، نا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر (3)، عن حذيفة، قال: عائشة قالت: نومة قبل الغسل أوعب لخروجه.
وعن حذيفة أيضًا قال: ثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرّف قال: قال حذيفة: نومة بعد الجنابة أوعب للغسل (4).
وقد روت أم سلمة رضي الله عنها: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام، ثم يجنب، ثم ينام" رواه الإمام أحمد (5) في مسنده، وهذا مما لم يذكره الترمذي في الباب.
(1) انظر الإمام (3/ 91).
(2)
المصنف (1/ 62).
(3)
في المصنف إبراهيم بن أبي معمر وهو خطأ وصوابه ما نقله المصنف، والله أعلم.
(4)
المصنف (1/ 62).
(5)
المسند (6/ 298) ولفظه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجنب ثم ينام ثم ينتبه ثم ينام".
قال أبو (1) عمر: ما أعلم أحدًا من أهل العلم أوجب الوضوء على الجنب إذا أراد أن ينام فرضًا إلا طائفة من أهل الظاهر، وأما سائر الفقهاء بالأمصار فلا يوجبونه، وأكثرهم يأمرون به ويستحبونه، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة من الصحابة والتابعين.
قال مالك: لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة، قال: وله أن يعاود أهله قبل أن يتوضأ، ويأكل قبل أن يتوضأ إلا أن يكون في يده قذر فيغسلها. فال: وأما الحائض فتنام قبل أن تتوضأ.
وقول الشافعي في هذا كله نحو قول مالك.
وقال الليث بن سعد: لا ينام الجنب حتى يتوضأ رجلًا كان أو امرأة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: لا بأس أن ينام الجنب على غير وضوء، وأحبّ إليهم أن يتوضأ. قال: فإذا أراد أن يأكل مضمض وغسل يديه. وهو قول الخزرجي (2).
وقال الأوزاعي: الحائض والجنب إذا أرادا أن يأكلا (3) غسلا أيديهما.
وقال سعيد بن المسيب: إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ (4).
* * *
(1) الاستذكار (3/ 97).
(2)
كذا وفي الاستذكار الحسن بن حي بدل الخزرجي.
(3)
زاد في الاستذكار أو يناما.
(4)
الاستذكار (3/ 97 - 99) مع اختلاف يسير.