المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌20 - باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٣

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌84 - باب ما جاء في المذي يصيب الثوب

- ‌85 - باب ما جاء في المني يصيب الثوب

- ‌86 - باب غسل المني من الثوب

- ‌87 - باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

- ‌88 - باب ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام

- ‌89 - باب ما جاء في مصافحة الجنب

- ‌90 - باب ما جاء في المرأة ترى مثل ما يرى الرجل في المنام

- ‌91 - باب ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل

- ‌92 - باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

- ‌93 - باب في المستحاضة

- ‌94 - باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكلّ صلاة

- ‌95 - باب ما جاء في المستحاضة أنّها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

- ‌96 - باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

- ‌97 - باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصَّلاة

- ‌98 - باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن

- ‌99 - باب ما جاء في مباشرة الحائض

- ‌100 - باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها

- ‌101 - باب ما جاء في الحائض تناول الشيء من المسجد

- ‌102 - باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض

- ‌103 - باب ما جاء في الكفارة في ذلك

- ‌104 - باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

- ‌105 - باب ما جاء في كم تمكث النفساء

- ‌106 - باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد

- ‌107 - باب ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ

- ‌108 - باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء

- ‌109 - باب ما جاء في الوضوء من الموطئ

- ‌110 - باب ما جاء في التيمم

- ‌111 - باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا

- ‌112 - باب ما جاء في البول يصيب الأرض

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب ما جاء في مواقيت الصلاة

- ‌4 - باب ما جاء في التعجيل بالظهر

- ‌5 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

- ‌6 - باب ما جاء في تعجيل العصر

- ‌7 - باب ما جاء في تأخير صلاة العصر

- ‌8 - باب ما جاء في وقت المغرب

- ‌9 - باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة

- ‌10 - باب ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة

- ‌11 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها

- ‌12 - باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء

- ‌13 - باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل

- ‌17 - باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة

- ‌18 - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ

- ‌19 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر وقد قيل إنها الظهر

- ‌20 - باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

- ‌21 - باب ما جاء في الصلاة بعد العصر

- ‌22 - باب ما جاء في الصلاة قبل الغرب

- ‌23 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

الفصل: ‌20 - باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

‌20 - باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

ثنا أحمد بن منيع نا هشيم أنا منصور وهو ابن زاذان عن قتادة أنا أبو العالية عن ابن عباس قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وكان من أحبهم إليّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.

قال: وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء والصُّنابحي وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس، فأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح. قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء:

حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس.

وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" وحديث علي: "القضاة ثلاثة".

* الكلام عليه:

حديث عمر أخرجوه أجمعون، وحديث علي من رواية عاصم بن ضمرة عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر

ص: 469

والعصر. أخرجه أبو داود.

وحديث ابن مسعود روى الطحاوي من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر قال: قال لي عبد الله: كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار، رواه عن سليمان بن الأشعث عن علي بن معبد عنه.

وحديث أبي سعيد الخدري روى ابن شهاب قال حدثني عطاء بن يزيد الجندعي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" متفق عليه.

وحديث عقبة بن عامر روى مسلم من حديث موسى بن عُلَي عن أبيه قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب.

وحديث أبي هريرة روى مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس. رواه مسلم من حديث مالك،

وحديث ابن عمر روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها" أخرجاه من حديث مالك.

وحديث سمرة بن جندب روى الطحاوي وأبو عمر من حديث شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة يحدث عن سمرة قال: قال

ص: 470

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا عند طلوع الشمس ولا عند غروبها فإنها تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان أو على قرني الشيطان". لفظ الطحاوي والآخر نحوه.

وحديث عبد الله بن عمرو روى الطبراني في "الأوسط" عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها". أخرجه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن أحمد بن يونس عن أبي شهاب عن ابن أبي ليلى.

وحديث معاذ بن عفراء رواه غندر وغيره عن شعبة وهذا لفظ غندر قال شعبة: عن سعد بن إبراهيم عن نصر بن عبد الرحمن عن جده معاذ القرشي أنه طاف بالبيت مع جده معاذ بن عفراء بعد العصر وبعد الصبح فلم يصل فسأله فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد صلاتين: بعد الغداة حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس".

وكذلك رواه ابن المبارك وحفص بن عمر عن شعبة.

وحديث الصنابحي روى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها فإذا أذنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها"، ونهى رسول الله صلى اله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات، هذه رواية يحيى عن مالك، وتابعه في قوله عن عبد الله الصُّنابحي جمهور الرواة منهم القعنبي وغيره، قاله أبو عمر، قال: وقال فيه مطرف عن مالك بسنده عن أبي

ص: 471

عبد الله الصُّنابحي وتابعه إسحاق بن عيسى الطباع وجماعة وهو الصواب واسمه عبد الرحمن بن عسيلة من كبار التابعين ولا صحبة له، قصد النبي صلى الله عليه وسلم فتوفي وهو في الطريق قبل لقائه إياه بأيام يسيرة.

وحديث سلمة بن الأكوع ....... (1).

وحديث زيد بن ثابت روى الطبراني من حديث ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر، رواه عن أحمد بن يحيى الحلواني نا محمد بن معاوية النيسابوري عنه.

وحديث عائشة روى وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن عائشة أنها قالت: وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها. رواه مسلم. وعنده في رواية معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن عائشة قالت: لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر، قال: وقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك".

وحديث كعب بن مرة روى الطبراني عن الدبري عن عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أهل الشام عن مرة بن كعب بن مرة البهزي قال: قلت: يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر ثم الصلاة مقبولة حتى يطلع الفجر ثم لا صلاة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم الصلاة مقبولة حتى يقوم الظل قيام الرمح ثم لا صلاة حتى تزول الشمس ثم الصلاة مقبولة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم لا صلاة حتى تغرب الشمس".

كذا وقع في هذا الإسناد مرة بن كعب بن مرة والصواب كعب بن مرة أو مرة بن كعب وهو خلاف في شخص واحد ذكره أبو عمر قال: وله أحاديث عن أهل

(1) بياض في الأصول.

ص: 472

الكوفة مخرجة عن شرحبيل بن السمط عنه وهي بعينها عند أهل الشام مخرجة عن شرحبيل عن أبي أمامة.

قلت: فلعل الرجل الذي لم يسم في هذا الإسناد هو شرحبيل.

وحديث أبي أمامة روى موسى بن أعين عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا عند طلوع الشمس فإنها تطلع بين قرني شيطان وكل كافر يسجد لها ولا تصلوا عند غروب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وكل كافر يسجد لها ولا تصلوا وسط النهار فإن جهنم تسجر عند ذلك".

وحديث عمرو بن عبسة قد أخرجه الترمذي وصححه وفيه قوله عليه السلام: "ثم اقصر يعني عن الصلاة حتى تطلع الشمس وكذلك في العصر حتى تغرب الشمس" نحو حديث أبي أمامة.

وفي الباب أيضًا عن معاوية وابن عباس وسعد بن أبي وقاص (1).

فيه مسائل:

الأولى: أوقات الكراهة خمسة على المشهور، وقد ضم إليها سادس سنذكره.

وهي على ضربين: فوقتان تعلق النهي فيهما بالفعل، وهما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ووجه تعلق النهي فيهما بالفعل أن صلاة التطوع فيهما مكروهة لمن صلى الصبح والعصر دون من لم يصلهما، وفي هذا يختلف وقت الكراهة في الطول والقصر.

وثلاثة أوقات يتعلق النهي فيها بالزمان وهي عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح وعند استوائها حتى تزول وعند اصفرارها حتى تغرب على خلاف يأتي في

(1) كتب في هامش نسخة السندي: لم يخرج الشارح حديث معاوية وابن عباس، وسعد بن أبي وقاص.

ص: 473

تفصيل ذلك، وهذا التقسيم عن بعض العلماء، ومنهم من عبر عن الأول من أوقات الكراهة بأنه ما بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس قيد رمح ولم يفرق بين التعلق الفعلي والزماني فينقص التقسيم.

الثانية: تبويب الترمذي على المعنى الأول في الوقتين بعد الصبح وبعد العصر وحديثه المسند فيه كذلك والأحاديث التي أشار إليها بأسماء رُواتها من الصحابة، منها ما يتعلق بالمعنى الأول ومنها ما يتعلق بالثاني ومنها ما يشملهما فكان التفصيل أشبه بطريقته لما نذكره من اختلاف الناس في ذلك.

الثالثة: إذا تعارض خبران فكان كل واحد منهما عامًّا من وجه خاصًّا من وجه كنهيه عليه السلام عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، ونهيه من دخل المسجد أن لا يجلس حتى يركع ركعتين، فهناك يقع التنارع، فلقائل أن يقول لا تكره الصلاة عند دخول المسجد في شيء من هذين الوقتين لدلالة حديث الركعتين على جوازهما عند دخول المسجد، وهو خاص بالنسبة إلى الحديث الأول المانع من الصلاة في الوقتين، ولخصمه أن يقول: إذا دخل أحدكم المسجد عام بالنسبة إلى الأوقات فأخصه بالنهي عن الصلاة في الوقتين وقد اختار بعض المحققين الوقف هنا حتى يقع الترجيح بأمر خارج وعلى هذا انبنى الخلاف في أكثر مسائل هذا الباب.

الرابعة: حمل النهي على عمومه قوم منهم أبو بكرة نفيع بن الحارث وكعب بن عجرة الصحابيان رضي الله عنهما فذكر الطحاوي عن ابن أبي بكرة عن أبيه أنه قال: واعدَنَا أبو بكرة إلى أرض له فسبقنا إليها فأتيناه ولم يصل العصر فوضع رأسه فنام ثم استيقظ وقد تغيرت الشمس فقال: أصليتم العصر؟ فقلنا: لا. قال: ما كنت أنتظر غيركم فأمهل عن الصلاة حتى غابت الشمس ثم صلاها، وذكر أبو عمر مثله عنه.

ص: 474

وعن كعب بن عجرة في صلاتي الصبح والعصر.

وفي هذا رد على من فرق بين صلاتي الصبح والعصر في ذلك على ما يأتي.

الخامسة: وخصه الأكثرون ثم اختلفوا في جهة التخصيص على وجوه:

الأول: التخصيص المتعلق بالأمكنة وسيأتي في الباب بعد هذا.

الثاني: المتعلق بالأزمنة.

الثالث: المتعلق ببعض الصلوات دون بعض في كل مكان وزمان.

الرابع: القول بالتحريم في بعض الأحيان والكراهة في بعضها وهو غير الثاني كما يأتي بيانه.

السادسة: ذكر عبد الرزاق عن هشام بن حسّان عن ابن سيرين قال: تكره الصلاة في ثلاث ساعات وتحرم في ساعتين، تكره بعد الصبح وبعد العصر ونصف النهار في شدة الحر وتحرم حين يطلع قرن الشمس حتى يستوي طلوعها وحين تصفر حتى يستوي غروبها.

السابعة: ذهب أبو حنيفة إلى أن الوقتين الذين تعلق النهي فيهما بالفعل يكره فيهما التطوع ولا يكره فيهما الفرض ولا بأس أن يصلي فيهما على الجنازة ويقضي فوائت الفرائض ويسجد للسهو وللتلاوة ولكن لا يصلي المنذورة ولا ركعتي الطواف ولا يصلي شيئًا من التطوعات، وأما في الأوقات الثلاثة فلا تجوز صلاة ما إلا عصر اليوم عند غروب الشمس، فلو دخل في تطوع قال يقطعه ويقضيه في الوقت المأمور بعد، فلو مضى فيه أساء وأجزأه وإن صلى فيها فرضًا أو واجبًا أعاد إلا عصر يومه.

الثامنة: فرق مالك بين وقت الاستواء وغيره، فمنع من الصلاة في غير وقت

ص: 475

الاستواء من الأوقات المذكورة ولم يمنع منها في الاستواء وحكى ابن القاسم عنه أنه لم يعرف النهي في ذلك وحديث الصُّنابحي في الكراهة وقت الاستواء عنده في "الموطأ" عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه، ومثل هذا من المراسيل عنده حجة ويشبه أن يكون عدل عنه لعمل رأى أهل المدينة عليه في يوم الجمعة، فقد روى عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر. ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال وهذا جارٍ على قاعدته في تقديم عمل أهل المدينة على خبر الواحد إن كان اتصل العمل بذلك إلى زمنه، وإلا فكلا الأثرين خبر واحد، ولكنه لم يخص يوم الجمعة بذلك وكمذهبه في ذلك مذهب الحسن البصري وهي رواية عن طاوس وعن الأوزاعي أيضًا.

التاسعة: ذهب الشافعي وأصحابنا وأبو يوسف إلى أنه لا بأس بالتطوع نصف النهار يوم الجمعة خاصة وهي أيضًا رواية عن الأوزاعي وأهل الشام وروى الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة.

وابراهيم هو ابن أبي يحيى، وإسحاق هو ابن أبي فروة متروكان لا تقوم الحجة بخبرهما وليس اعتماد الشافعي على هذا الخبر فقط، وإن كان ابن أبي يحيى ليس عنده بالواهي، لكنه يحتج أيضًا بحديث ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك، فإنه قال: والنهي عن الصلاة عند استواء الشمس صحيح، إلا أنه خص منه يوم الجمعة بما روي من العمل المستفيض في زمن عمر. قال: والعمل في ذلك لا يكون إلا توقيفًا وإن كان حديث ابن أبي يحيى ضعيفًا فإنه يقويه صحة العمل به، فهذا مذهب الشافعي في وقت الاستواء يوم الجمعة. وهل يستثني باقي الأوقات الخمسة

ص: 476

في يوم الجمعة؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم كوقت الاستواء تخصيصًا ليوم الجمعة وتفضيلًا له وأصحهما لا، لأن الرخصة قد وردت في وقت الاستواء وقد روى مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة تكره نصف النهار إلا يوم الجمعة، فإن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة".

ومن رواة هذا الخبر من يقفه على أبي قتادة ولو وُقف عليه فمثل هذا لا يقال إلا بتوقيف. قال الغزالي: وقيل يختص ذلك بمن يغشاه النعاس عند الجمعة.

العاشرة: كان عطاء بن أبي رباح يكره الصلاة نصف النهار في الصيف دون الشتاء وقد تقدم عن ابن سيرين مثله.

انتهى ما يتعلق بالأزمنة.

[الحادية عشرة: الوقت السادس الذي تقدمت الإشارة إليه هو أنه بعد طلوع الفجر هل يكره ما سوى ركعتي الفجر أو لا؟ فيه قولان للعلماء:

أحدهما: نعم وبه قال أبو حنيفة.

والثاني: لا وبه قال مالك، وللأصحاب فيه وجهان وسيأتي في بابه].

الثانية عشرة: خص قوم من عموم النهي قضاء الفوائت من الفرائض خاصة، منهم مالك وأحمد وإسحاق إلا أن أحمد وإسحاق يريان الجواز في صلاة الجنازة وركعتي الطواف، وقد اختلفت الرواية عن مالك في صلاة "الجنازة وتمسك هؤلاء في تخصيصهم بقوله عليه السلام:"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس" الحديث وبعموم قوله عليه السلام: "من نام عن صلاة أو نسيها" وهذا الثاني قد يقبل النزاع بمنع دخول النافلة بحسب ما قصد إليه بالصلاة المنسية وهو تخصيص من

ص: 477

غير مخصص ويرد عليه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر في بيت أم سلمة، ويجاب عنه من وجهين:

الأول: أن مذهب الصحابي إذا كان على خلاف ظاهر العموم في حديث وسواء كان هو الراوي أو لا هل يكون ذلك تخصيصًا للعموم؟ أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين. فالمنقول عن الحنفية والحنابلة وعيسى بن أبان أنه يكون مخصصًا والجديد من قولي الشافعي على خلاف ذلك.

وقد كان عمر بن الخطاب وأبو هريرة وابن عباس وأبو سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن عفراء وهم رواة تلك الأحاديث يذهبون إلى تخصيص الفريضة بذلك الحكم فقط، وأبو هريرة هو راوي حديث:"من أدرك من الصبح ركعة" فهو أعلم بما روى.

الثاني: الصلاة في بيت أم سلمة لا يقوى بمعارضة "من نام عن صلاة أو نسيها" لأن تلك الصلاة فعل وهذا قول والفعل إذا عارض القول فإما أن يجهل التاريخ أو لا؟ فإن جهل كما في مسألتنا فالعمل بالقول أقوى.

الثالثة عشرة: وخص الشافعي من هذا العموم قضاء الفوائت كلها من الفرائض والنوافل وتحية المسجد وما له سبب متقدم أو مقارن كسجود التلاوة وصلاة الجنازة وما أشبه ذلك.

أما الفرائض فلما ذكرناه وأما النوافل فلدخولها تحت عموم الصلاة في قوله: "من نام عن صلاة أو نسيها" ولقضائه عليه السلام ركعتي الظهر بعد العصر ولقضاء قيس بن قهد بين يديه عليه السلام ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح وإقراره إياه على ذلك، وتحية المسجد لقوله عليه السلام:"إذا دخل أحدكم المسجد" والصلاة على الجنازة لقوله عليه السلام: "يا علي ثلاث لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا

ص: 478

حضرت" الحديث أخرجه الترمذي وقد تقدم، وصلاة الخسوف والكسوف لقوله عليه السلام: "فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة" وركعتي الطواف لقوله عليه السلام: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار"، والركعتين عقيب التطهر لقوله عليه السلام لبلال: "ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي"، فقال: يا رسول الله ما أحدثت قط إلا توضأت عندها ولا توضأت إلا رأيت أن لله علي ركعتين.

الرابعة عشرة: أجرى أصحاب الشافعي الخلاف في صلاة الاستسقاء على وجهين:

أحدهما: تكره، قالوا لأن الغرض منها الدعاء والسؤال وهو لا يفوت بالتأخير فأشبهت صلاة الاستخارة.

الثاني: لا تكره، لأن الحاجة الداعية إليها موجودة في الوقت، قال الرافعي: ومن قال بهذا قد يمنع الكراهة في صلاة الاستخارة أيضًا.

قلت: ينبغي على ما سبق من قواعدهم أن تكون صلاة الاستخارة أيضًا مما خص من ذلك لما يقتضيه النص والمعنى، أما النص فقوله عليه السلام:"إذا هم أحدكم بالحاجة فليركع" فنسق جواب الشرط بالفاء المقتضية للتعقيب، وأما المعنى فلأن سببها متقدم عليها. وكذلك أجروا الخلاف في ركعتي الإحرام على وجهين أصحهما أنها لا تلتحق (1) بهذه الصلوات لأن سببها وهو الإحرام متأخر عنها.

الخامسة عشرة: مذهب الشافعي أن المحرّم بوصفه مضاد لوجوب أصله خلافًا لأبي حنيفة مثاله: إذا أوجب الصوم وحرم إيقاعه في يوم العيد، فيقول الشافعي: المحرم هو الصوم الواقع وألحقه بالمحرم باعتبار أصله فكان تحريمه مضادًا لوجوبه. وأبو

(1) في نسخة السندي: تلحق.

ص: 479

حنيفة يرى أن المحرم نفس الوقوع لا الواقع وهما غيران فلا تضاد إلحاقًا له بالمحرم باعتبار غيره، وأورد على الشافعي لو كان تحريم إيقاع الفعل في الوقت تحريمًا للفعل الواقع لزم أن يكون تحريم إيقاع الطلاق في زمن الحيض تحريمًا لنفس الطلاق ولو كان الطلاق نفسه محرمًا لما كان معتبرًا، وكذلك وقوع الصلاة في الأوقات والأماكن المنهي عن إيقاعها فيها. وأجيب: أما الطلاق في زمن الحيض فإنما قضى الشافعي بصحته لظهور صرف العلة عنده عن أصل الطلاق وصفته إلى أمر خارج وهو ما يفضي إليه من تطويل العدة لدليل دل عليه، وأما الصلوات في الأوقات والأماكن المنهي عنها، فقد منع بعض أصحابنا صحتها في الأوقات دون الأماكن ويحتاج إلى الفرق.

السادسة عشرة: وعلى هذه القاعدة ينبني خلافهم فيما إذا أحرم بالصلاة في وقت الكراهة، هل ينعقد إحرامه أم لا فيه وجهان:

أحدهما: نعم كالصلاة في الحمام لا خلاف في انعقادها مع ورود النهي.

وأظهرهما لا كما لو صام يوم العيد لا يصح.

السابعة عشرة: وعلى هذين الوجهين يخرج ما لو نذر أن يصلي في أوقات الكراهة، إن قلنا تصح الصلاة فيما يصح النذر وإن قلنا لا تصح فلا يصح النذر، كما لو نذر صوم يوم العيد فإن صححنا النذر فالأولى أن يصلي في وقت آخر كمن نذر أن يضحي بشاة بسكين مغصوب فصح نذره ويذبحها بسكين غير مغصوب، وأما إذا نذر صلاة مطلقًا فله أن يفعلها في الأوقات المكروهة فإنها من الصلوات التي لها سبب متقدم كالفائتة.

الثامنة عشرة: في قول ابن عباس عن عمر: وكان من أحبهم إليَّ، رد على الروافض فيما يدَّعونه من المباينة بين أهل البيت وأكابر الصحابة رضي الله عنهم.

ص: 480

التاسعة عشرة: في حديث ابن مسعود وقوله: كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس. هذا محمول على الاتصال عندهم خلافًا للكرخي لأن قول أتباع الرئيس كالسلطان أمرنا بكذا ينصرف إليه ولأن غرض الصحابي تعليمنا الشرع فيحمل على من صدر الشرع عنه لا على أمر الله لأنه ظاهر للكل ولا على الأمة لأنه أحدهم فلا يأمر نفسه.

الموفية عشرين: حديث أبي سعيد اقتضى مد وقت الكراهة إلى طلوع الشمس وإلى غروبها وليس المراد مطلق الارتفاع عن الأفق بل الارتفاع الذي تزول عنه صفرة الشمس أو حمرتها، وأكثر العلماء على تقييد الارتفاع بقيد رمح أو رمحين ومن أصحاب الشافعي من قال تخرج الكراهة بطلوع القرص بتمامه ولم يعتبر الارتفاع قدرًا، والأول أولى، لأن حديث عمرو بن عبسة فيه التقييد ثابت بقيد رمح أو رمحين عند الطبراني وغيره، فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد.

الحادية والعشرون: وفي حديث ابن عمر: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها" يحتمل وجهين:

أحدهما: لا يترك أحد صلاته ذاكرًا لها إلى حين طلوع الشمس أو غروبها فيصلي، وهذا على الفرائض.

الثاني: أن يكون القصد بذلك إلى التطوع فيتضمن الرد على من منع من قضاء الفريضة -في ذلك الوقت- المنسية أو التي حصل النوم عنها لأنه ليس يقال لمن نام فلم ينتبه أو نسي فلم يذكر إلى ذلك الوقت أنه تحراه وقصده والنهي إنما توجه هنا لمن تحرى ذلك.

الثانية والعشرون: وفي حديث سمرة تعليل الحكم بطلوع الشمس بين قرني الشيطان، فمنهم من حمله على الحقيقة من غير تكييف لأنه لا يكيف ما لا يرى

ص: 481

ذكر ابن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صَدَّقَ أمية بن أبي الصلت في بيتين من شعره:

رَجُل وثور تحت رجل يمينه

والنسر للأخرى وليث مرصد

فقال النبي عليه السلام: "صدق". قال:

والشمس تطلع كل آخر ليلة

حمراء يصبح لونها يتورد

تأبى فما تطلع لنا في رسلها

إلا معذبة وإلا تجلد

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق".

وفي خبر عكرمة أن ابن عباس قال لهم: ما أنكرتم من ذلك؟ قالوا: فما بال الشمس تجلد؟ فقال: والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها: اطلعي اطلعي فتقول: لا أطلع على قوم يعبدونني دون الله، فيأتيها ملك عن الله يأمرها بالطلوع فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما طلعت إلا بين قرني شيطان ولا غربت إلا بين قرني شيطان".

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: حملة العرش أحدهم على صورة إنسان والثاني على صورة ثور والثالث على صورة نسر والرابع على صورة أسد (1).

الثاني: ومنهم من حمله على المجاز ويكون المراد أنها تطلع على أمة تعبد الشمس من دون الله فتسجد لها عند الطلوع والغروب فكره النبي صلى الله عليه وسلم التشبه بهم، وإضافتهم إلى الشيطان كقوله في الكفار:{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} وتسمية الأمة

(1) ذكره ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 9) عن أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن هشام.

ص: 482

قرنًا والأمم قرونًا كثير، {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} ، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} ، {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} .

وقال عليه السلام: "خير القرون قرني".

الثالثة والعشرون: وفي حديث عمرو بن عبسة: "فإنها تطلع على قرن الشيطان ويصلي إليها الكفار" قيل فيه أن للشيطان فيه ولشيعته تسلطًا ظاهرًا فيمكن أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشياطين.

الرابعة والعشرون: وكذلك في حديث أبي أمامة، وهذا مما يقتضي ترجيح الحمل في قرن الشيطان على الحقيقة لأن العطف يقتضي المغايرة وإذا قلنا بالمجاز اقتضى شيئًا واحدًا وهو غلبة حزب الشيطان في ذلك الوقت بسجودهم للشمس وقيل الكراهة لأن الشيطان يوهم شيعته في الساجدين لله ذلك الوقت أنهم أتباعه الساجدين للشمس.

وفيه: فإن جهنم تسجر ومعناه يوقد عليها وقيل: تملأ، ومنه البحر المسجور أي المملوء.

* * *

ص: 483