الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة
ثنا قتيبة وبشر بن معاذ، قالا: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها".
وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة.
قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح.
ويروى عن علي بن أبي طالب؛ قال في الرجل ينسى الصلاة؛ قال: يصليها متى ذكرها في وقت أو في غير وقت. وهو قول أحمد وإسحاق.
ويروى عن أبي بكرة: أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصل حتى غربت الشمس، وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا.
وأما أصحابنا فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب.
* الكلام عليه:
حديث أنس أخرجوه أجمعون.
وحديث سمرة من رواية حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب عنه.
وذكر البزار من حديث جعفر بن سعد بن سمرة حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا إذا نام أحدنا عن الصلاة أو نسيها حتى يذهب حينها الذي يصلي فيه أن يصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة.
وحديث أبي قتادة: قد ورد بألفاظ أكثرها يخص النوم وحديثه الذي أورده الترمذي في الباب قبل هذا يشمل النوم والنسيان فأغنى ذلك عن ذكر شيء من
طرقه في هذا الباب.
وفيه مما لم يذكره عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرَس، وقال لبلال:"اكلأ لنا الليل"، قال: فغلبت بلال عيناه وهو يستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم -أولهم استيقاظًا، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يا بلال! " فقال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي. فاقتادوا رواحلهم شيئًا، ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالًا فأقام لهم الصلاة، وصلى لهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: لامن نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل قال: {أقم الصلاة للذكري} ، قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها كذلك. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه.
وفي لفظ لهذا الخبر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة"؛ قال: فأمر بلالًا وأقام وصلى.
وقع في حديث ابن مسعود أن الصلاة المنسية كانت عند قفولهم من الحديبية. وعند الباقين عند قفولهم من خيبر. وقال الأصيلي: خيبر غلط، وإنما هو من حنين، ولم يعتر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة حين قفل من حنين إلى مكة.
وقال أبو عمر بن عبد البر وأبو الوليد الباجي: قول ابن شهاب من خيبر أصح، وهو قول أهل السنن.
وأما من رواه من طريق ابن مسعود وقال فيه: زمن الحديبية فهو أقرب إلى الجمع بين الأخبار لأن زمن الحديبية وخيبر قريب بعضه من بعض، وهذا كله إن كان الواقع من ذلك مرة واحدة كما ذكر الأصيلي وأبو عمر، وإن كان أكثر من ذلك فلا تنافي بين الأحاديث.
قال القاضي عياض: أما حديث أبي قتادة فلا مرية أنه غير حديث أبي هريرة، وكذلك حديث عمران بن حصين.
وما قاله الأصيلي وأبو عمر عندي أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه فهو لا ينسى مثل هذا ولا تنام عينه، وإنما هذا من باب أنسى لأسُنّ، وذلك يحصل بالمرة الواحدة، ودعوى القاضي التباين بين حديثي أبي قتادة وعمران بن حصين يرده أنه من تمام خبر أبي قتادة من طريق ابن رباح عنه قال عبد الله بن رباح: إني لأحدث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث، فإني أحد الركب في تلك الليلة. قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار. قال: حدث فأنتم أعلم بحديثكم. قال: فحدثت القوم. فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدًا حفظه كما حفظته. كذلك رواه مسلم وغيره.
وإذا ترجح من حيث النقل بكثرة الرواة، وما ذكره أهل المغازي أن هذه الواقعة كانت حين قفولهم من خيبر فأبو هريرة كان معهم، فالأحاديث الثلاثة إذًا خبر واحد، وإن اختلفت الألفاظ والعبارات عما وقع فمما لا يحصى من الأحاديث كذلك. وقد قيل في حديث:"إن عيني تنامان .. " أن ذلك غالبًا وقد يقع منه النوم نادرًا كحديث الوادي، وقيل لا يحصل الاستغراق في النوم حتى يكون منه الحدث، وقد قيل بظاهره فإن النوم يوم الوادي عن طلوع الفجر من نوم العين لا من نوم القلب، فإن الفجر بالعين يدرك، وما تقدم من ذلك للتشريع أولى لقوله عليه السلام:"إنما أرواحنا بيد الله ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا"، وقول بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك. فالمراد به كله حقيقة النوم المستغرف حتى خروج وقت الصلاة، وقد وقع ذلك صريحًا في قوله عليه السلام:"لو شاء الله لأيقظنا" ولكن أراد أن يكون سنة لمن بعدكم" في حديث العلاء بن خباب (1).
(1) انظر "الضعيفة"(3088).
والكرى: النوم، والتعريس: النزول من آخر الليل، قاله الخليل.
وقال أبو زيد: التعريس النزول أي وقت كان من ليل أو نهار. وفي الحديث: يعرسون في نحر الظهيرة.
واكلأ: أي احفظ، قال ابن هرمة:
إن سليمى والله يكلؤها
…
ضنت بأمر ما كان يرزؤها
أي: يحفظها.
وفي الحديث عند البخاري أنهم طلبوا التعريس منه فقال: "أخاف أن تناموا"، فقال بلال: أنا أوقظكم. فحينئذ عرس ووكل بلالًا بحفظ الفجر، فكان من حسن فراسته وصدق ظنه أن وقع ذلك.
وفيه: ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختلف في هذا الفزع وفي سببه، فقال الأصيلي: كان لأجل عدوهم أن يكون اتبعهم فيجدهم على غرة. ورده أبو عمر، وقيل: لما فاتهم من أمر الصلاة، ولم يكن عندهم حكم من ذلك، ويدل على هذا قولهم: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا؟ وهذا بين في حقهم، وقد يكون الفزع بمعنى مبادرتهم إلى الصلاة كما قال:"فافزعوا إلى الصلاة" أي: بادروا إليها.
وقد يكون فزع النبي صلى الله عليه وسلم إجابة الفزعين من أصحابه وإغاثتهم فيما نزل بهم، يقال: فزعت: استغثت، وفزعت: أغثت.
وقول بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك؛ في معرض الاعتذار مما كان التزمه ولم يقم به، والنفس هنا هي التي تتوفى بالنوم والموت كما قال تعالى:{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} ، وهي المناداة في قوله تعالى:{يا أيتها النفس المطمئنة} ، وقد وقعت العبارة عنها في بعض ألفاظ الحديث
بالروح، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا". فكلا العبارتين عن شيء واحد، وإن اختلفت حقيقتاهما عند قوم، وقد قيل: كل ذلك شيء واحد يعبر به عن لطيفة مودعة في الأجساد مشاركة لجميع أجزائها التي تحلها الحياة يتأتى إخراجها من الجسد وإدخالها فيه أجرى الله العادة بخلق الحياة في الجسد ما دامت فيه تلك اللطيفة وهي القابلة للعلوم، والإنسان هو مجموع الجسد وتلك اللطيفة.
وأما قول علماء الطبيعة في حقيقة الروح وماهيتها وهل هي متحيزة أو حالة في المتحيز أو لا متحيزة ولا حالة في المتحيز كما قال الغزالي؛ فأقول: لم يأت نص بشيء منها، ومن حيث النظر يدفع بعضها بعضًا، فالأولى الإضراب عنها، ولا سيما وقد قال الله تعالى:{ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا} .
وقوله: فاقتادوا، فاقتادوا شيئًا، وهذا لفظ مسلم، وعند أبي داود: ارتحلوا، ومعناهما واحد.
وفيه فوائد:
الأولى: اختلف العلماء في قضاء الفائتة، هل هي على الفور أو لا؟ وسيأتي الكلام على هذه المسألة في الباب بعد هذا.
الثانية: اختلفوا في هذا الوقت بخصوصه هل تقضي فيه الفوائد أم لا؟ فمنعه العراقيون استدلالًا بهذا الحديث وحملوا تأخيره عليه السلام الصلاة حتى خرج من الوادي على ذلك، واستدلوا أيضًا بعموم نهيه عليه السلام عن الصلاة في ذلك الوقت كما سيأتي، وأجازه غيرهم، فإن ذلك العموم مخصوص بقوله عليه السلام:"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك"، الحديث وما
في معناه، وقد يقال على هذا أنه يحتمل في الاستدامة ما لا يحتمل في الابتداء.
والجواب عن الأول بأن ما جعلوه علة للخروج من الوادي ليس علة في نفس الأمر، بل العلة ما نص عليه الشارع من قوله:"فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" كراهة تتعلق بالمكان لا بالزمان، وليس ذلك عندهم من باب الطيرة، بل من باب الكراهة له، ويزيد ذلك وضوحًا ما في رواية زيد بن أسلم: فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي. وفي رواية ابن جريج عن عطاء أنه عليه السلام ركع ركعتين في معرسه، ثم سار ساعة، ثم صلى الصبح. فليس المكروه إلا إقامة فريضة الصبح فيه وهو بهذه المثابة، وإلا فالزمان الذي تحل فيه النافلة أحرى أن تحل فيه الفريضة.
الثالثة: اختلف المعللون بأن الوادي به شيطان، فقال بعضهم: من نام عن الصلاة في سفره ثم انتبه بعد خروج الوقت لزمه الزوال عن ذلك الموضع، وان كان واديًا خرج عنه، لقوله عليه السلام:"اركبوا واخرجوا من هذا الوادي إن به شيطانًا"؛ قالوا: فكل موضع وقع فيه مثل ذلك فينبغي الخروج عنه وإقامة الصلاة في غيره، فإنه موضع ملعون كما روي عن علي قال:"نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أتى أرض ثمود أمر الناس فأسرعوا، وقال: "هذا واد ملعون"، وأمر بالعجين المعجون بماء ذلك الوادي فطرح.
وقال آخرون: أما ذلك الوادي وحده إن علم وعرض فيه مثل ذلك العارض فواجب الخروج منه على ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما سائر المواضع فلا، لأن الله تعالى يقول:{وأقم الصلاة لذكري} ، ولقوله عليه السلام:"فليصلها إذا ذكرها"، ولم يخص موضعًا من موضع إلا ما جاء في ذلك الموضع خاصة.
وقال آخرون: كل من انتبه من نوم أو ذكر بعد نسيان، أو ترك صلاة عامدًا ثم ثاب إلى أدائها فواجب على كل واحد منهم أن يقيم صلاته تلك في أعجل ما يمكنه
في أي موضع ذكرها فيه واديًا كان أو غيره، إذا كان الموضع طاهرًا، وسواء كان ذلك الوادي أو غيره، لأن قوله صلى الله عليه وسلم:"إن هذا واد به شيطان" خصوص له لا يشركه في علمه غيره، ولعل ذلك الوادي لم يحضره ذلك الشيطان إلا ذلك الوقت، وذكر إسماعيل القاضي عن محمد بن مسلمة نحوه، قال: ولا يعلم الناس من ذلك الوادي ولا من غيره ما علم من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عمر: الذي عليه العمل عندي، وفيه الحجة لمن اعتصم به قوله صلى الله عليه وسلم:"جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، ولم يخص ذلك الوادي من غيره في هذا الحديث. وقوله:"وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" ناسخ لما خالفه.
ولا يجوز عليه أن ينسخ بغيره، لأن ذلك من فضائله صلى الله عليه وسلم، وفضائله لا يجوز عليها النسخ، لأنها لم تزل تتزايد حتى مات، ولم يسلب منها شيئًا صلى الله عليه وسلم.
الرابعة: الأذان والإقامة للفوائت: وقد ثبتا معًا في حديث أبي قتادة، وحديث عمران بن حصين، وقد اختلف العلماء في ذلك، قال ابن عبد البر: قال مالك والشافعي والأوزاعي: من فاتته صلاة أو صلوات حتى خرج وقتها أقام لكل صلاة إقامة ولم يؤذن. وقال أحمد بن حنبل وأبو ثور: ليس عليه في الفوائت أذان ولا إقامة، وقال أبو حنيفة: من فاتته صلاة واحدة صلاها بأذان وإقامة، فإن لم يفعل فصلاته تامة. وقال محمد بن الحسن: إذا فاتته صلوات فإن صلاهن بإقامة إقامة كما فعل النبي عليه السلام يوم الخندق فحسن، وإن أذن وأقام لكل صلاة فحسن.
قال الشيخ محيي الدين: والأصح عندنا إثبات الأذان.
ومن حجة من لم ير الأذان حديث أبي سعيد الخدري وغيره في قضاء فوائت يوم الخندق.
والقول بالأذان راجح لأنه زيادة في خبر من أخبر به من الثقات يجب قبوله والرجوع إليه.
الخامسة: فيه استحباب الجماعة في قضاء الفائتة، واليه ذهب أصحابنا.
السادسة: قضاء الفوائت؛ فذكر أبو بكر بن أبي شيبة، عن عبيدة بن حميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن تميم بن سلمة، عن مسروق، عن ابن عباس؛ قال: ما يسرني أن لي الدنيا بما فيها بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بعد طلوع الشمس. ورواه ابن الأصبهاني عن عبيدة قال فيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فذكر الحديث، وفيه قال ابن عباس: فما يسرني بها الدنيا وما فيها، يعني الرخصة، وكان مسروق يقول ذلك.
وإلى القول بوجوب القضاء في حق المعذور وغيره، -قلت الصلوات المقضية أو كثرت- ذهب العلماء -إلا خلافًا شاذًا لا يعرج عليه في مسألة القضاء لغير المعذور، وخلافًا آخر نحوه في الشذوذ- في أن من زاد على خمس صلوات لم يلزمه قضاؤها.
فأما الأول فمذكور عن أبي محمد بن حزم.
وأما الثاني فحكاه المازري، قال: ويصح أن يكون وجه هذا القول أن القضاء يسقط في الكثير للمشقة، ولا يسقط فيما لا يشق كما أن الحائض يسقط عنها، قضاء الصلاة لكثرة ذلك وتكرر الحيض، ولم يسقط الصوم إذ ليس ذلك موجودًا فيه.
وأما الاحتجاج لما ذكره أبو محمد بن حزم بدليل الخطاب في قوله: "من نسي أو نام فليقض"، فاقتضى أن العامد بخلاف ذلك، فيمكن أن يقال في الجواب عنه
ليس انتفاء القضاء بدليل الخطاب بأولى من إيجابه بمفهوم الخطاب، ويكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه فأولى أن يجب على العامد.
وقد ذكر في الاحتجاج لمن قال بوجوب القضاء على العامد وجوه منها: التمسك بعموم قوله: "من نسي صلاة"؛ أي: من حصل منه نسيان، قالوا: والنسيان هو الترك سواء اقترن به ذهول أو لم يقترن، يدل عليه قوله تعالى:{نسوا الله فنسيهم} ؛ أي: تركوا معرفة الله وأمره فتركهم في العذاب.
ومنها قوله: "فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"، والكفارة إنما تكون عن الذنب غالبًا، والنائم والناسي بمعنى الذاهل ليس بآثم، فيتعين العامد لأن يكون هو المراد.
ومنها: "أقم الصلاة لذكري"، أي: لتذكرني على أحد التأويلات.
ومنها: وهو أقوى ما سبق؛ أن القضاء يجب بالخطاب الأول، فإن خرج وقت العبادة لا يسقط وجوبها إذ هي لازمة في ذمة المكلف كالديون، وإنما يسقط العبادة فعلها أو فقد شرطها، ولم يحصل شيء من ذلك، وهو أحد القولين لأهل الأصول.
السابعة: قضاء النوافل، لأنه عليه السلام ركع ركعتي الفجر في الوادي وركعهما أصحابه كما في أحاديث الباب قبل هذا.
وقد اختلف العلماء في ذلك ففيه قولان للشافعي:
أحدهما: يستحب قضاؤها؛ لعموم الأمر بقضاء الصلاة المنسية، ولفعله عليه السلام ذلك غير مرة في سنة الظهر التي قضاها بعد العصر وفي سنة الصبح.
والثاني: لا يستحب.
وإلى الأول ذهب أحمد وداود وهو قول أشهب وعلي بن زيد وأصحاب مالك.
وإلى الثاني ذهب الثوري والليث بن سعد، وهو المشهور من مذهب مالك؛ قالوا: لأن فعلها قبل الفائتة تزيدها فواتًا، ولأنها ليس في الذمة منها شيء فيجب قضاؤه، فإن أراد أن يقضي فليصل مستأنفًا.
وعن أبي حنيفة: إن فاتت الرواتب مع الفرائض قضيت، وإن فاتت وحدها فلا. ونقل بعض الأصحاب عن مذهبه أنه لا يقضي منها إلا ركعتا الفجر إذا فاتت مع الفرض. وحكى صاحب "النهاية" قولًا ثالثًا أن ما استقل منها ولم يتبع غيره كالعيدين والضحى قضى لمشابهته الفرائض، وما كان تابعًا لغيره كالرواتب لا تقضى.
الثامنة: قوله: "لا كفارة لها إلا ذلك"، فيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يكفرها غير قضائها، ولا يجوز تركها إلى بدل آخر.
والثاني: أنه لا يلزمه في نسيانه شيء ولا كفارة لها من مال ولا غيره، وإنما يلزمه أداؤها.
التاسعة: الكفارة والتكفير: الستر والتغطية، قال لبيد:
في ليلة كفر النجوم غمامها
…
فحقيقته الشرعية في التغطية على الإثم وستره، فأما في حق العامد فهي على بابها، وأما في حق غير العامد الذي لا إثم عليه فمن باب مجاز التشبيه، ولما كان التارك عمدًا يشبه التارك سهوًا في الصورة بجامع الترك أطلق على القضاء في حقه كفارة، كما أطلق عليه في حق الأول، وإذا أطلقت الكفارة في حقهما على السواء ففيه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه.
العاشرة: قوله تعالى: {أقم الصلاة لذكري} ؛ خرج مخرج الاحتجاج على
الاحتجاج به حتى يكون شرع من قبلنا شرعًا لنا، وفيه اختلاف، والمختار أنه كذلك ما لم يرد ناسخ.
الحادية عشرة: المصدر قد يضاف إلى الفاعل وقد يضاف إلى المفعول، وعلى حسب ذلك اختلف المفسرون في معنى (لذكري)؛ فقال بعضهم: لتذكرني فيها، روي عن مجاهد، وقيل لأذكرك بالمدح، وقيل: إذا ذكرتها، فمعناه لتذكيري لك إياها وهو أولى لسياق الحديث، ويعضده للذكرى، وهو قول أكثر العلماء والمفسرين.
وقال النخعي: اللام للظرف أي إذا ذكرتني أي: ذكرت أمري بعدما نسيت، ومنه الحديث، وقيل: لا تذكر فيها غيري، وقيل: شكرًا لذكري، وقيل: اللام للسببية، وهو حسن، وقريب منه قول النخعي.
الثانية عشرة: قوله: "افعلوا كما تفعلون كل يوم"، فيه دليل على أن صفة قضاء الفائتة مثل صفة أدائها، ولا خلاف عندنا في الصبح المقضية، وإنما اختلف أصحابنا في الجهر في الصبح المقضية بعد طلوع الشمس على وجهين: أصحهما أنه يسر بها، فيحتاج قائل هذا إلى الجواب عن هذا الحديث، وقد نحا بعضهم في الجواب عنه إلى أن ذلك لا يندرج تحت مسمى الأفعال.
الثالثة عشرة: قوله: "ليس في النوم تفريط"؛ يريد أن حكم التفريط مرفوع عن النائم، لارتفاع التكليف عنه كما في الحديث الآخر: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ
…
" الحديث، وإنما يجب عليه قضاء الفائتة إذا استيقظ إما بأمر جديد كما هو المختار عندهم، أو بالأمر السابق كما ذهب إليه بعضهم لتمكنه من الفعل.
الرابعة عشرة: فلو أتلف النائم برجله أو بيده أو غيرهما من أعضائه شيئًا في حال نومه، فالضمان واجب عليه بالاتفاق، والفرق بينه وبين ما سبق أن غرامة
حال نومه، فالضمان واجب عليه بالاتفاق، والفرق بينه وبين ما سبق أن غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع، بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو غيرهما ممن لا تكليف عليه شيئًا وجب ضمانه، يدل عليه قوله تعالى:{ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} ، فرتب سبحانه على القاتل خطأً الدية والكفار مع أنه غير آثم.
الخامسة عشرة: قوله: "إنما التفريط في اليقظة"، هذا لفظ حديث أبي قتادة عند الترمذي وهو ظاهر، وعند مسلم:"إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حشى يجيء وقت الأخرى".
فيه دليل على امتداد وقت كل صلاة من الخمس حتى يدخل وقت التي تليها، ويستثنى من ذلك الصبح لمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام:"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" وأما المغرب فقد سبق الكلام في وقتها والظاهر أنه تمتد إلى العشاء.
السادسة عشرة: تمسك من لم يفرق بين وقت الاختيار ووقت الجواز ووجهه أن الشارع سوى بين الوقتين في رفع حكم التفريط عن المصلي في كل منهما، وإليه ذهب داود الظاهري، ولا يلزم من استوائهما في رفع الحرج أن يثبت له استواؤهما في غير ذلك.
السابعة عشرة: قوله: "فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها" وهذه اللفظة هي التي أنكرت على عبد الله بن رباح ووهمه فيها بعضهم، وقال البخاري: لا يتابع عليها.
ولا ينبغي أن تنكر عليه فإن لها شاهدًا في حديث عمران بن حصين حيث ذكر الحديث وفيه: "قالوا: يا رسول الله، ألا نصليها لميقاتها من الغد، قال: لا إن
حصل الشك في معناها، فكأن المراد من قوله:"فإذا كان من الغد فليصليها عند وقتها"، أنها من الغد تعود لميقاتها الأول على حالها، فلما فهم من فهم عنه أن إعادتها في اليوم الثاني لازمة لهم استثبتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال لهم:"إن الله ينهاكم عن الربا"؛ أي: تفوتكم صلاة فتقضوا صلاتين، وبهذه المراجعة والجواب في حديث ابن حصين تدل على صحة هذه اللفظة في خبر أبي قتادة.
الثامنة عشرة: ذكر أبو محمد بن حزم حديث أبي قتادة هذا من طريق الأسود بن يزيد (1)، ثنا خالد بن شمير نا عبد الله بن رباح ثنا أبو قتادة
…
فذكره.
ثم قال: فإن قيل: فقد روي في بعض ألفاظ هذا الخبر أنه عليه السلام قال لهم حينئذ: "من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها"؟
قلنا: نعم، قد روي هذا اللفظ، وروي:"ليصلها من الغداة لوقتها"، وروي:"فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها إذا ذكرها من الغد للوقت" وروي: أنهم قالوا: يا رسول الله! أنقضيها لميقاتها من الغد، وأنهم قالوا: ألا نصلي كذا وكذا صلاة؟ قال: "أينهاكم (2) الله عن الربا ويقبله منكم". وكل هذا صحيح، ومتفق المعنى، وإنما يشكل من هذه الألفاظ:"من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها".
وإذا تؤمل (3) فلا إشكال فيه لأن الضمير في لغة العرب راجع إلى أقرب [مذكور والضمير في (معها) راجع إلي (4) الغداة لا إلى الصلاة؛
(1) في "المحلى"(3/ 201): الأسود بن شيبان، وهو الصواب كما عنده (3/ 18) وفي "السنن"(438) لأبي داود، بل لا يعرف لخالد راو غير الأسود بن شيبان، والحديث باللفظ المشكل:(فلتقض معها مثلها) حكم الشيخ الألباني بشذوذه، لتفرد به. خالد به. ومعارضته لما هو أصح منه، انظر "ضعيف السنن"(65).
(2)
في "المحلى": لا ينهاكم.
(3)
في نسخة السندي: توبع!
(4)
ما بين المعقوفتين ليس في "المحلى"!
[أي](1): فليقض مع الغداة مثل [هذه الصلاة التي يصلي بلا زيادة عليها؛ أي: فليؤد ما عليه من الصلاة مثلما فعل كل يوم؛ فتتفق الألفاظ كلها على معنى واحد، لا يجوز غير ذلك، وبالله تعالى التوفيق](1).
* * *
(1) من "المحلى" سقط من الأصول، أشار إليه في نسخة السندي، قال الشيخ الألباني في "ضعيف السنن": وهذا المعنى غير متبادر من هذا اللفظ، وأرى أن حمله عليه تكلف واضح. والله أعلم.