الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
عرف تراثنا العربي والإِسلامي فرعا من فروع التاريخ أطلق عليه اسم التراجم، وقد قام هذا العلم على فحص سير الأشخاص لمعرفة مدى عدالتهم وضبطهم، كما كان هذا العمل وسيلة للاطمئنان إلى مروياتهم من نصوص الحديث النبوي والتفسير ونصوص التاريخ
…
وكذلك للاطمئان إلى سلامة أحكامهم في القضايا المطروحة في كل من هذه المجالات في ظروف كان فيها النقل الشفاهي هو الغالب.
ومع تطاول الأيام افتقر المحدثون وغيرهم ممّن يعنون بالتراجم إلى معاجم تضم تراجم الرواة لمعالجة هذه الأهداف منعا لتضارب الأقوال، ومن هنا جاءت كتب التراجم الكثيرة جدًا، والتي حملت عناوين مثل: الطبقات، أو المعاجم، أو السير، وهي كلمات تضاف عادة إلى كلمات أخرى تخصصها، فيقال:"طبقات المحدثين"، "طبقات الفقهاء"، "طبقات الشعراء"، "طبقات الحنابلة"، وكذلك يقال:"معجم الصحابة"، معجم شيوخ فلان (إشارة لعالم من العلماء)
…
وهكذا.
وقد عُرفت الكتب التي تناولت رواة الحديث بصفة خاصة بكتب الجرح والتعديل.
ومن هنا نشأ علمُ تراجم الرجال وسيرهم بدءًا من سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وتراجم الجيل الأول من حمَلَة النور، وانتهاء بطبقات متأخري العلماء.
وقد اتخذ التأليفُ في التراجم صورًا عدّة؛ فهناك التأليف المرتبط بالزمن كالتأليف في أهل زمن معين؛ مثل الكتب التي تناولت تراجم الصحابة ككتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر (ت 368 هـ)، و"أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير (ت 630 هـ)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر العسقلاني (852 هـ).
ومن الكتب التي تدخل في هذه الصورة كتاب "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" لابن حجر أيضًا، وكتاب "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" للشوكاني (ت 1250 هـ)، و"خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر) للمحبي (1111 هـ) وكتاب "سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر" للمرادي (1223 هـ) وغيرها كثير.
وهناك التأليف في التراجم المرتبط بالمكان، كتواريخ البلدان والمدن مثل "تاريخ واسط" لبحشل (292 هـ) و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (ت 571)، فقد اشتملت مثل هذه التواريخ على تراجم كم هائل من أهل البلد التي خصص الكتاب من أجلها.
كما ارتبط التأليفُ في التراجم بالعلوم والفنون، فنجد تراجمَ للأطباء، والحكماء، والقُرّاء والمفسرين، والمتكلمين، والفرسان (1)، والخطاطين (2)، وطبقات المُعَبّرين (3)، والنحاة، والأدباء، والشعراء، والفقهاء.
كما اهتم مؤرخو المذاهب بترجمة رجالهم، فهناك طبقات للحنفية والمالكية
(1) ألف أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت 210) في طبقات الفرسان.
(2)
أشار صاحب كشف الظنون إلى مؤلفين للسيوطي وللقالي في طبقات الخطاطين.
(3)
لحسن بن الحسين بن الخلال كتاب في طبقات المعبرين.
والشافعية والحنابلة، وربما خَصّص بعضُهم هذا المعيارَ فألّف في طبقات مجتهدي أهل مذهبه كـ"طبقات المجتهدين في مذهب الحنفية" لابن كمال باشا (ت 940)، أو في متأخري أهل مذهبه ككتاب "الجوهر المنَضَّد في طبقات متأخري أصحاب أحمد" ليوسف بن حسن بن أحمد الحنبلي المقدسي، وهذا الكتاب ذيل على كتاب "ذيل طبقات الحنابلة" الذي ألّفه ابن رجب الحنبلي (ت 795) ذيلا على كتاب "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى الفراء (ت 526).
ومن المصنفين في تراجم الفقهاء مَن نحى منحًى جُغرافيًّا، فترجم لفقهاء بلد معين، ككتاب "طبقات فقهاء اليمن ورؤساء الزمن" لابن سمرة الجعدي اليمني (ت 586).
كما شمل التأليف في هذا الفن الاتجاهات الكلامية، فصارت هناك كتب لتراجم أصحاب الفرق المختلفة كـ "فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة" للقاضي عبد الجبار (ت 415)، و"المقالات" للبلخي (219 هـ)، و"أعيان الشيعة" لمحسن ابن عبد الكريم الأمين (1371 هـ).
وثمة فرع من فروع التراجم يقوم على جمع تراجم شيوخ عالم من العلماء، كما نرى ذلك في "معجم شيوخ الصدفي" للقاضي عياض (544 هـ)، و"مشيخة ابن الجوزي"(597 هـ) و"معجم شيوخ ابن الأبار"(658 هـ) وغيرها.
ويأتي هذا الكتاب -الذي بين أيدينا- ليجمع شيوخ عالم من علماء الحديث، وهو الإِمام البيهقي، كما سيأتي الحديث عنه، إن شاء الله.