الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظنون بِهِ فكثرت أَتْبَاعه فَاسْتَحْضرهُ أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين فناظر بِحَضْرَتِهِ الْفُقَهَاء فقطعهم، فأشير على ابْن تاشفين بقتْله أَو تخليده فِي الْحَبْس فَأبى وَأخرجه من مراكش فَسَار الْمهْدي إِلَى أغمات وَلحق بِالْجَبَلِ فَاجْتمع عَلَيْهِ النَّاس، وَادّعى أَنه الْمهْدي الَّذِي وعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
بِخُرُوجِهِ، فاستفحل أمره وَقَامَ عبد الْمُؤمن بن عَليّ فِي عشرَة أنفس وَقَالُوا لَهُ: أَنْت الْمهْدي وَبَايَعُوهُ على ذَلِك، وتبعهم غَيرهم فَأرْسل ابْن تاشفين إِلَيْهِ جَيْشًا فَهَزَمَهُمْ فَأَقْبَلت الْقَبَائِل تبايعه، وَعظم أمره واستوطن جبلا عِنْد سمليك وَرَأى فِي جموعه قوما خافهم فَقَالَ: إِن
الله أَعْطَانِي نورا أعرف بِهِ أهل الْجنَّة من أهل النَّار، وَجمع النَّاس إِلَى رَأس جبل وَجعل يَقُول عَن كل من يخافه هَذَا من أهل النَّار فَيلقى من رَأس الشاهق، وَيَقُول عَمَّن لَا يخافه هَذَا من أهل الْجنَّة فَيجْعَل عَن يمينة حَتَّى قتل على مَا قيل سبعين ألفا، وَأمن على نَفسه وسمى مطيعيه الْمُوَحِّدين، وَمَا برح يَعْلُو إِلَى سنة أَربع وَعشْرين وَخَمْسمِائة فَجهز أَرْبَعِينَ ألفا فيهم التونشريشي وَعبد الْمُؤمن فحصروا أَمِير الْمُسلمين بمراكش عشْرين يَوْمًا ثمَّ كشف مُتَوَلِّي سجلماسة بالعساكر عَن مراكش وطلع أهل مراكش وأمير الْمُسلمين واقتتلوا فَقتل التونشريشي وَصَارَ عبد الْمُؤمن مقدم الْعَسْكَر فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا فَانْهَزَمَ عبد الْمُؤمن فهرب لَيْلًا بالعسكر إِلَى الْجَبَل وَبلغ الْمهْدي وَهُوَ مَرِيض ذَلِك فَسَأَلَ عَن عبد الْمُؤمن فَقيل إِنَّه سَالم فَقَالَ الْمهْدي لم يمت أحد، وَأوصى أَصْحَابه بِاتِّبَاع عبد الْمُؤمن وعرفهم أَنه هُوَ الَّذِي يفتح الْبِلَاد وَسَماهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ، ثمَّ مَاتَ فِي مَرضه وعمره إِحْدَى وَخَمْسُونَ سنة، وولايته عشر سِنِين.
وَعَاد عبد الْمُؤمن فَأَقَامَ فِي تنمتليك يؤلف الْقُلُوب إِلَى سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة، ثمَّ سَار عبد الْمُؤمن وَاسْتولى على الْجبَال، وَجعل عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين ابْنه تاشفين يسير فِي الوطاءة قبالة عبد الْمُؤمن.
وَفِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ سَار عَسْكَر عبد الْمُؤمن إِلَى وهران وَسَار تاشفين إِلَيْهِم وَقرب الْجَمْعَانِ فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة سبع وَعشْرين من رَمَضَان من هَذِه السّنة وَهِي لَيْلَة عَادَة المغاربة تعظيمها سَار تاشفين متخفياً فِي جمَاعَة يسيرَة ليزور مَكَانا على الْبَحْر فِيهِ متعبدون للتبرك وَبلغ ذَلِك عمر بن يحيى الهتنائي مقدم جَيش عبد الْمُؤمن فأحاط بتاشفين فَركب فرسه ليهرب فَسقط من جرف فَهَلَك وجهلوه على خَشَبَة وَقتل من مَعَه وتفرق عسكره، وَسَار عبد الْمُؤمن إِلَى وهران وملكها بِالسَّيْفِ وَقتل من الْمُسلمين مَا لَا يُحْصى،
ثمَّ ملك قاروت إِحْدَى مدينتي تلمسان وَجعل على أغادير الثَّانِيَة جَيْشًا فحصروها وَبَين المدينتين شوط فرس وَسَار إِلَى فاس فملكها بالأمان فِي آخر سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة ورتب أمرهَا وَفتح سلا سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَفتح عسكره أغادير بعد حِصَار سنة وَقتل أَهلهَا ثمَّ نزل مراكش وَقد مَاتَ عَليّ بن يُوسُف صَاحبهَا، ثمَّ تاشفين بن عَليّ.
ثمَّ ملك أَخُوهُ إِسْحَاق بن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين وَهُوَ صبي فحاصرها عبد
الْمُؤمن أحد عشر شهرا وَفتحهَا بِالسَّيْفِ وَأمْسك الْأَمِير إِسْحَاق وأمراءه، فارتعد إِسْحَاق وَسَأَلَ الْعَفو وَهُوَ يبكي فَقَالَ لَهُ سير وَهُوَ من أكبر أُمَرَاء المرابطين: تبْكي على أَبِيك أَو أمك اصبر صَبر الرِّجَال، وبصق فِي وَجه إِسْحَاق، وَقَالَ عَن عبد الْمُؤمن: هَذَا رجل لَا يدين الله بدين، فَنَهَضَ الموحدون وَقتلُوا سيراً، وَقدم إِسْحَاق على صغر سنه وَضربت عُنُقه سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ آخر مُلُوك المرابطين وَبِه انقرضوا وَمُدَّة ملكهم سَبْعُونَ سنة ولي مِنْهُم أَرْبَعَة يُوسُف وَابْنه عَليّ بن يُوسُف وتاشفين بن عَليّ، وَإِسْحَاق بن عَليّ واستوطن عبد الْمُؤمن مراكش وَبنى قصر مُلُوك مراكش جَامعا وزخرفة وَهدم الْجَامِع الَّذِي بناه يُوسُف بن تاشفين.
وفيهَا: أَعنِي سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة أغار جوسلين الفرنجي صَاحب الرها على العربان، والتركمان بصفين فغنم أَمْوَالًا ومواشي، ثمَّ عَاد إِلَى بزاعا فخربها.
وفيهَا: فِي جُمَادَى توفّي أَبُو سعد عبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن الْقشيرِي الإِمَام ابْن الإِمَام فَجَلَسَ النَّاس لعزائه فِي الْبِلَاد الْبَعِيدَة.
ثمَّ دخلت سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة: فِيهَا توفّي الْأَمِير عَليّ بن يحيى بن تَمِيم صَاحب إفريقية فِي ربيع الآخر وإمارته خمس سِنِين وَأَرْبَعَة أشهر، وَولى بعده ابْنه الْحسن وعمره اثْنَتَا عشرَة سنة بِعَهْد من أَبِيه وَأقَام بتدبيره صندل الْخصي مُدَّة وَمَات ثمَّ دبر الْقَائِد أَبُو عَزِيز موفق.
وفيهَا: أقطع السُّلْطَان مَحْمُود الْموصل وأعمالها كالجزيرة، وسنجار لأقسنقر البرسقي.
وفيهَا: قتل بِمصْر أَمِير الجيوش الْأَفْضَل بن بدر الجمالي وثب عَلَيْهِ ثَلَاثَة بسوق الصياقلة، وَقد تقدم على أَصْحَابه للغبار وضربوه بسكاكين وأدركهم أَصْحَابه فَقتلُوا الثَّلَاثَة وَحمل الْأَفْضَل إِلَى دَاره فَمَاتَ بهَا، وَنقل الْآمِر الْخَلِيفَة من دَاره الْأَمْوَال لَيْلًا وَنَهَارًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَوجد لَهُ من التحف مَا لَا يُحْصى، وَعمر الْأَفْضَل سبع وَخَمْسُونَ وولايته ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة، وَقيل أَن الْآمِر جهز عَلَيْهِ وَولى الْآمِر بعده أَبَا عبد الله البطائحي.
وفيهَا: عصى سُلَيْمَان بن إيلغازي بن أرتق على أَبِيه بحلب حسن لَهُ ذَلِك إِنْسَان من حماه من بني قرناص كَانَ قد قدمه إيلغازي على أهل حلب فجازاه وَبلغ إيلغازي ذَلِك فَسَار مجداً من ماردين وهجم حلب وَقطع يَدي ابْن قرناص وَرجلَيْهِ وسمل عَيْنَيْهِ فَمَاتَ وَأَرَادَ قتل ابْنه فلحقته رأفة الْوَالِد فاستبقاه وهرب سُلَيْمَان إِلَى طغتكين بِدِمَشْق، واستناب إيلغازي بحلب سُلَيْمَان ابْن أَخِيه عبد الْجَبَّار بن أرتق وَعَاد.
وفيهَا: أقطع السُّلْطَان مَحْمُود ميافارقين لإيلغازي.
وفيهَا: كَانَ بَين بلك بن بهْرَام بن أرتق وَبَين جوسلين حَرْب أسر فِيهَا جوسلين وَابْن
خَالَته كليام وَجَمَاعَة من فرسانه الْمَشْهُورين وبذل فِي فدَاء نَفسه أَمْوَالًا كَثِيرَة فَلم يقبلهَا بلك وسجنهم خرت برت.
وفيهَا: تضعضع الرُّكْن الْيَمَانِيّ من الْبَيْت الْحَرَام شرفه الله تَعَالَى من زَلْزَلَة وانهدم بعضه فَأصْلح.
وفيهَا: توفّي أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري، ولد سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة، إِمَام فِي النَّحْو واللغة وَله عدَّة مصنفات مِنْهَا المقامات طبقت الأَرْض شهرة أمره بتصنيفها أنوشروان بن خَالِد بن مُحَمَّد وَزِير السُّلْطَان مَحْمُود فَإِن الحريري عمل مقَامه على وضع البديع فَأمره أنوشروان بإتمامها وَكَانَ خصيصاً بِهِ قدم بَغْدَاد وَنزل الْحَرِيم وهجاه ابْن جكينا.
فَمن قَوْله فِيهِ: وَكَانَ الحريري ينتف لحيته عَبَثا وفكرة:
(شيخ لنا من ربيعَة الْفرس
…
ينتف عثنونه من الهوس)
(أنطقه الله بالمشان كَمَا
…
ألْجمهُ فِي الْحَرِيم بالخرس)
والحريري، بَصرِي المولد والمنشأ من بني ربيعَة الْفرس وَخلف ابْنَيْنِ الْوَاحِد عبد الله من رُوَاة المقامات وَالثَّانِي كَانَ متفقهاً.
قلت: وَقيل أَنه وضع المقامات لجلال الدّين أبي عَليّ الْحسن بن أبي الْعشْر بن صَدَقَة وَزِير الْخَلِيفَة المسترشد كَذَا وجد بِخَط الحريري فِي ظهر كتاب المقامات وَكَانَ الحريري من أهل الْيَسَار يُقَال أَنه كَانَ لَهُ ثَمَانِي عشرَة ألف نَخْلَة بمشان الْبَصْرَة وَأَصله مِنْهَا جَاءَهُ شخص يَأْخُذ عَنهُ شَيْئا فاستزرى شكل الحريري ففهم الحريري ذَلِك وَكَانَ دميماً فاستملاه فَقَالَ اكْتُبْ:
(مَا أَنْت أول سَار غره قمر
…
ورائد أَعْجَبته خضرَة الدمن)
(فاختر لنَفسك غَيْرِي إِنَّنِي رجل
…
مثل المعيدي فاسمع بِي وَلَا ترني)
فَخَجِلَ الرجل وَانْصَرف.
وللحريري تآليف حَسَنَة، مِنْهَا: درة الغواص فِي أَوْهَام الْخَواص، وديوان رسائل وَشعر كثير، والملحة، وَشرح الملحة، وَكنت قد التقطت من الملحة من بيُوت وشطور بيُوت مَا يُقَارب السّبْعين، وضمنتها على وَجه بديع، وسميتها " تحفة الأحباب من ملحة الْأَعْرَاب ".
فَمِنْهَا:
(يَا رسائلي عَن الْكَلَام المنتظم
…
ذَاك كَلَام من هويت لَا عدم)
(فَكل مَا يَقُول فِيهِ العذل
…
فَإِنَّهُ مُنكر يَا رجل)
(فِي صُدْغه لِلْحسنِ آيَات تخط
…
وَقَالَ قوم أَنَّهَا اللَّام فَقَط)
(رمانة غض مَتى يمس فرط
…
إِذا ألف الْوَصْل مَتى يدرج سقط)
(بِسيف جفنيه قتلت نَفسِي
…
فَإِنَّهُ مَاض بِغَيْر لبس)
(قوامه أشبه شَيْء بِالْألف
…
كَمثل مَا تكتبه لَا يخْتَلف)
(لما شَكَوْت صده رثى لي
…
وَأَقْبل الْغُلَام كالغزال)
(أَسْنَانه كَاللُّؤْلُؤِ المفتن
…
من المفاريد لجبر الوهن)
(قبل ازدياد لامه أكابده
…
ثمَّ أَتَى بعد التناهي زائده)
(أعجب لنون حاجبيه تنصر
…
وَالنُّون من كل مثنى تكسر)
(خوف فِيهِ بالأمير العاذل
…
وَالصُّلْح خير والأمير عَادل)
(الخد والقوام مِنْهُ فَاعل
…
نَحْو جرى المَاء وجار الْعَامِل)
(أَفعاله تكسرني ذَا عجب
…
وكل فعل مُتَعَدٍّ ينصب)
(يَا من رآى مِنْهُ جبيناً وَاضحا
…
يَقُول قد خلت الْهلَال لائحاً)
(وَإِن ذكرت فَاعِلا منوناً
…
فابدأ بِذكر حاجبين حسنا)
(فالطرف سيف قتلنَا تضمناً
…
فَهُوَ كَمَا لَو كَانَ فعلا بَينا)
(أوهمته برشف ريق الثغر
…
وغصت فِي الْبَحْر ابْتِغَاء الدّرّ)
(وَإِن اقمت الْوَاو فِي الْكَلَام
…
من صُدْغه نابت مناب اللَّام)
(فِي قده مَا هُوَ فِي الأغصان
…
على اخْتِلَاف الْوَضع والمباني)
(إِذا لمست خَدّه والنهدا
…
يَقُول عِنْدِي منوان زبدا)
(أَصبَحت مِنْهُ فِي ارتقاب الْوَصْل
…
وَالزَّرْع تِلْقَاء الحيا المنهل)
(مَا للصبا يَا جسم ذياك الصَّبِي
…
وَقِيمَة الْفضة دون الذَّهَب)
(قلب الَّذِي يحب لَيْسَ يبغض
…
وَإِن بدا بَينهمَا معترض)
(إِذا رَأَيْت عُنُقه الطويلا
…
وشعره من فَوْقه محلولا)
(تَقول مَا أنقى بَيَاض العاج
…
وَمَا أَشد ظلمه الدياج)
(حاشاه من عيب وَمن نُقْصَان
…
أَو عاهة تحدث فِي الْأَبدَان)
(لَا تَطْلُبُوا لحسنه مضاهي
…
الله الله عباد الله)
(يَا قَائِلا كَانَ مليحاً وانفصل
…
كَانَ وَمَا أَنْفك الْفَتى وَلم يزل)
(عذاره الرقيم فز بلثمه
…
وَلَا تغير مَا بقى عَن رسمه)
(تَقول فِيهِ خضرَة يسيرَة
…
كَمَا تَقول ناره منيرة)
(يَا ليته يعْطف بالوصال
…
والعطف قد يدْخل فِي الْأَفْعَال)
(قلبِي وعيني عَن سناه لَا ترد
…
إِذْ مَا رأى صرفهما قطّ أحد)
(إِن قلت رشف رِيقه مَا حللا
…
تفل بِلَا علم وَلَا تحس الطلا)
(عَيناهُ أفنت أَكثر العشاق
…
وَهَكَذَا تصنع فِي الْبَوَاقِي)
(قلبِي الَّذِي يسكن لتسائي
…
كأمس فِي الْكسر وَفِي الْبناء)
(صورته كالبدر فَوق الْغُصْن
…
فَانْظُر إِلَيْهَا نظر المستحسن)
(وخل عني يَا عذول العذلا
…
وَإِن تَجِد عَيْبا فسد الخللا)
(حسبي رثى لي وألان القولا
…
وَالْحَمْد لله على مَا أولى)
وَإِنَّمَا كتبت مِنْهَا هَذَا الْقدر لِأَنِّي رَأَيْت من الْفُضَلَاء، وَلَا سِيمَا من يحفظ الملحة من يستحسن هَذِه الطَّرِيقَة معترفاً بقلة البضاعة وقصور الباع فِي هَذِه الصِّنَاعَة، الله أعلم.
وفيهَا: قتل مؤيد الدّين الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد الطغرائي الْأَصْفَهَانِي المنشيء الديلِي من ولد أبي الْأسود الدؤَلِي عَالم فَاضل منشئ كَاتب شَاعِر خدم السُّلْطَان ملكشاه بن ألب أرسلان، وَتَوَلَّى ديوَان الطغرى، ثمَّ استوزره السُّلْطَان مَسْعُود، وَحَارب مَسْعُود أَخَاهُ السُّلْطَان مَحْمُود فَانْهَزَمَ مَسْعُود فَأسر الطغرائي وَقتل صبرا، وَله لامية الْعَجم:
(أَصَالَة الرَّأْي صانتني عَن الخطل
…
وَحلية الْفضل زانتني لَدَى العطل)
وَللَّه قَوْله مِنْهَا:
(وَإِنَّمَا رجل الدُّنْيَا وواحدها
…
من لَا يعول فِي الدُّنْيَا على رجل)
عَاشَ فَوق السِّتين وَكَانَ يمِيل إِلَى الكيمياء.
قلت: مَا كيمياء التبر من أكفائه، فَكَلَامه من كيمياء الْجَوْهَر، وَالله أعلم.
وفيهَا: بِمصْر توفّي عَليّ بن جَعْفَر بن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن القطاع النَّحْوِيّ الْعَرُوضِي، إِمَام فِي الْأَدَب واللغة، وَله مصنفات مِنْهَا: كتاب نَحْو صَعب يدل على فضل عَظِيم، ولد سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة: فِيهَا قتل السُّلْطَان مَحْمُود جيوش بك فِي رَمَضَان على بَاب تبريز سعى بِهِ إِلَيْهِ.
وفيهَا: فِي رَمَضَان توفى إيلغازي بن أرتق بميافارقين، وَملك بعده ابْنه تمرتاش قلعة ماردين، وَملك ابْنه سُلَيْمَان ميافارقين، وَكَانَ بحلب ابْن أَخِيه سُلَيْمَان بن عبد الْجَبَّار بن أرتق فَحكم بهَا إِلَى أَن أَخذهَا مِنْهُ ابْن عَمه بلك بن بهْرَام بن أرتق.
وفيهَا: أقطع مَحْمُود وَاسِط لأقسنقر البرسقي زِيَادَة على الْموصل وأعمالها فَاسْتعْمل البرسقي على وَاسِط عماد الدّين زنكي بن أقسنقر.
وفيهَا: توفّي عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد، مولده سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة، ثِقَة حَافظ للْحَدِيث.
ثمَّ دخلت سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة: فِيهَا كَانَ الْحَرْب بَين دبيس بن صَدَقَة وَبَين الْخَلِيفَة المسترشد بِاللَّه فَخرج الْخَلِيفَة بِنَفسِهِ وَاشْتَدَّ الْقِتَال فَانْهَزَمَ دبيس وَعَسْكَره وَسَار إِلَى غزيَّة من الْعَرَب فَلم يطيعوه فراح إِلَى المنتفق وَاتَّفَقُوا مَعَه وَنهب الْبَصْرَة ثمَّ صَار مَعَ فرنج الشَّام وأطعمهم فِي ملك حلب.
وفيهَا: سلم سُلَيْمَان بن عبد الْجَبَّار بن أرتق حصن الأثارب إِلَى الفرنج ليهادنوه على حلب لعَجزه عَن مقاومتهم.
وفيهَا: سَار بلك بن بهْرَام بن أرتق فَملك حران، ثمَّ ملك حلب لعجز سُلَيْمَان ابْن عَمه عَنْهَا.
وفيهَا: استولى الفرنج على خرت برت وَكَانَ بهَا جوسلين الفرنجي وَغَيره محبوسين فخلصوهم ثمَّ استرجعها بلك وَكَانَت لَهُ مِنْهُم.
وفيهَا: توفّي قَاسم بن هَاشم الْعلوِي الْحُسَيْنِي أَمِير مَكَّة، ووليها ابْنه أَبُو فليته.
وفيهَا: سَار طغتكين صَاحب دمشق إِلَى حمص ونهبها وَحصر صَاحبهَا قرجان بن قراجة بالقلعة ثمَّ عَاد.
وفيهَا: سَار مَحْمُود بن قراجة صَاحب حماه فهجم ربض أفاميه فَأَصَابَهُ فِي يَده سهم من القلعة فَمَاتَ من ذَلِك واستراحت حماه من ظلمه وَبلغ ذَلِك طغتكين فَأرْسل عسكراً ملك حماه وَصَارَت من بِلَاده.
وفيهَا: توفّي أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْخياط الدِّمَشْقِي الشَّاعِر، وَمن شعره:
(سلوا سيف ألحاظه الممتشق
…
أعند الْقُلُوب دم للحدق)
(من التّرْك مَا سَهْمه إِذْ رمى
…
بأفتك من طرفه إِذْ رشق)
(وللحب مَا عز مني وَهَان
…
وللحسن مَا جلّ مِنْهُ ودق)
ولد سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة بِدِمَشْق.
قلت: استماح من ابْن جيوش بحلب شَيْئا من بره لما كَانَ رَقِيق الْحَال بقوله:
(لم يبْق عِنْدِي مَا يُبَاع بِحَبَّة
…
وَكَفاك مني منظري عَن مخبري)
(إِلَّا بَقِيَّة مَاء وَجه صنتها
…
عَن أَن تبَاع وَأَيْنَ أَيْن المُشْتَرِي)
فَقَالَ ابْن جيوش: لَو قَالَ أَنْت نعم المُشْتَرِي لَكَانَ أحسن.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة: فِيهَا (قتل بلك) بن بهْرَام بن أرتق صَاحب حلب وَسَببه أَنه قبض على الْأَمِير حسان البعلبكي صَاحب منبج وَسَار إِلَى منبج فَملك الْمَدِينَة وَحصر القلعة فَبينا هُوَ يُقَاتل إِذْ أَتَاهُ سهم فَقتله لَا يدْرِي من رَمَاه فَتفرق عسكره وخلص حسان صَاحب منبج وَعَاد إِلَيْهَا وملكها وَكَانَ فِي جملَة عَسْكَر بلك ابْن عَمه تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق صَاحب ماردين فَحمل بلك قَتِيلا إِلَى حلب وتسلمها وَاسْتقر تمرتاش صاحباً لحلب فِي عشري ربيع الأول مِنْهَا ورتب أمرهَا وَعَاد إِلَى ماردين.
وفيهَا: ملك الفرنج صور بعد حِصَار طَوِيل، وَكَانَت لخلفاء مصر ملكوها بالأمان، وَخرج الْمُسلمُونَ مِنْهَا فِي الْعشْرين من جُمَادَى الأولى بِمَا قدرُوا على حمله من أَمْوَالهم.
وفيهَا: اجْتمعت الفرنج وانضم إِلَيْهِم دبيس بن صَدَقَة وحاصروا حلب وَأخذُوا فِي
بِنَاء بيُوت لَهُم فِي ظَاهرهَا فَعظم الْأَمر على أَهلهَا وَلم ينجدهم صَاحبهَا تمرتاش رفاهة ودعة فكاتبوا أقسنقر البرسقي صَاحب الْموصل فِي تَسْلِيمهَا إِلَيْهِ، فاستقرت فِي ملك البرسقي مَعَ الْموصل وَغَيرهَا.
وفيهَا: مَاتَ الْحسن بن الصَّباح مقدم الإسماعيلية صَاحب ألموت، وَهُوَ الَّذِي أظهر بِدعَة الطَّائِفَة الإسماعيلية، قَالَ الشهرستاني: وَاسْتظْهر الْمَذْكُور بِالرِّجَالِ وتحصن بالقلاع وَكَانَ بَدْء صُعُوده على قلعة ألموت فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة، وَهُوَ الَّذِي دَعَا النَّاس إِلَى تعْيين إِمَام صَادِق وَمنع الْعَوام من الْخَوْض فِي الْعُلُوم وَمنع الْخَواص عَن مطالعة الْكتب الْمُتَقَدّمَة.
ثمَّ دخلت سنة تسع عشرَة وَخَمْسمِائة: فِيهَا ملك البرسقي كفرطاب من الفرنج، وَسَار إِلَى عزاز وَكَانَت لجوسلين فَاجْتمع الفرنج لقتاله واقتتلوا فَانْهَزَمَ البرسقي وَقتل مُسلمُونَ كَثِيرُونَ.
وفيهَا: مَاتَ سَالم بن مَالك بن بدران بن الْمُقَلّد بن الْمسيب صَاحب قلعة جعبر وملكها بعده ابْنه مَالك.
ثمَّ دخلت سنة عشْرين وَخَمْسمِائة: فِيهَا قتلت الباطنية أقسنقر البرسقي قسيم الدولة صَاحب الْموصل يَوْم الْجُمُعَة فِي الْجَامِع بهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة وثب عَلَيْهِ بضعَة عشر نفسا كَانَ مَمْلُوكا تركيا شجاعاً دينا من خِيَار الْوُلَاة وَلما بلغ ابْنه عز الدّين مَسْعُود بحلب ذَلِك سَار إِلَى الْموصل فاستقر فِي ملكهَا.
وفيهَا: اجْتمع الْمُسلمُونَ وطغتكين مَعَ الفرنج فِي مرج الصفر عِنْد قَرْيَة شقحب فِي ذِي الْحجَّة، وَاشْتَدَّ الْقِتَال، فَانْهَزَمَ طغتكين والخيالة وتبعهم الفرنج، وَكَانَ مَعَه رجالة تركمان فَمَا أمكنهم الْهَرَب وَلَكنهُمْ نهبوا مخيم الفرنج، وَقتلُوا من وجدوه من الفرنج وسلموا بذلك، وَعَاد الفرنج وَرَأَوا أثقالهم قد نهبت فَانْهَزَمُوا أَيْضا.
وفيهَا: ملك الفرنج رفنية.
وفيهَا: توفّي أَبُو الْفتُوح أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَخُو الْغَزالِيّ، فَقِيه غلب عَلَيْهِ الْوَعْظ، وَله كرامات اختصر كتاب الْإِحْيَاء لِأَخِيهِ فِي مُجَلد وَسَماهُ لباب الْإِحْيَاء.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة: فِيهَا ولي السُّلْطَان مَحْمُود شحنكية الْعرَاق عماد الدّين زنكي بن أقسنقر، مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ من ولَايَة وَاسِط.
وفيهَا: سَار السُّلْطَان مَحْمُود عَن بَغْدَاد.
وفيهَا: مَاتَ صَاحب الْموصل مَسْعُود بن أقسنقر البرسقي وَاسْتولى على الرحبة وَمرض محاصراً لَهَا، وَمَات يَوْم تَسْلِيمه الرحبة فَقَامَ بِالْأَمر مَمْلُوكه جاولي وَأقَام أَخا مَسْعُود صَغِيرا فِي الْملك فَلم يُوَافقهُ السُّلْطَان مَحْمُود على ذَلِك، وَولى على الْموصل عماد الدّين