الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَأَيْت بعيني مثله وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه فِي الْعَالم، وَكَانَ فِيهِ قلَّة مداراة وَعدم تؤدة غَالِبا وَلم يكن من رجال الدول وَلَا يسْلك مَعَهم تِلْكَ النواميس وأعان أعداءه على نَفسه بِدُخُولِهِ فِي مسَائِل كبار لَا حتملها عقول أَبنَاء زَمَاننَا وَلَا علومهم كَمَسْأَلَة التَّكْفِير فِي الْحلف بِالطَّلَاق وَمَسْأَلَة أَن الطَّلَاق بِالثلَاثِ لَا يَقع إِلَّا بِوَاحِدَة وَأَن الطَّلَاق فِي الْحيض لَا يَقع وساس نَفسه سياسة عَجِيبَة فحبس مَرَّات بِمصْر ودمشق والإسكندرية، وارتفع وانخفض واستبد بِرَأْيهِ وَعَسَى أَن يكون ذَلِك كَفَّارَة لَهُ، وَكم وَقع فِي صَعب بِقُوَّة نَفسه وخلصه الله.
وَله نظم وسط وَلم يتَزَوَّج وَلَا تسرى وَلَا كَانَ لَهُ من الْعُلُوم إِلَّا شَيْء قَلِيل وَكَانَ أَخُوهُ يقوم بمصالحة، وَكَانَ لَا يطْلب مِنْهُم غداء وَلَا عشَاء غَالِبا وَمَا كَانَت الدُّنْيَا مِنْهُ على بَال.
وَكَانَ يَقُول فِي كثير من أَحْوَال الْمَشَايِخ إِنَّهَا شيطانية أَو نفسانية فَينْظر فِي مُتَابعَة الشَّيْخ الْكتاب وَالسّنة فَإِن كَانَ كَذَلِك فحاله صَحِيح وكشفه رحماني غَالِبا وَمَا هُوَ بالمعصوم، وَله فِي ذَلِك عدَّة تصانيف تبلغ مجلدات من أعجب الْعجب، وَكم عوفي من الصراع الجني إِنْسَان بِمُجَرَّد تهديده للجني، وَجَرت لَهُ فِي ذَلِك فُصُول وَلم يفعل أَكثر من أَن يَتْلُو آيَات وَيَقُول: إِن لم تَنْقَطِع عَن هَذَا المصروع وَإِلَّا علمنَا مَعَك حكم الشَّرْع وَإِلَّا عَملنَا مَعَك مَا يُرْضِي الله وَرَسُوله، وَفِي آخر الْأَمر ظفروا لَهُ بِمَسْأَلَة السّفر لزيارة قُبُور النَّبِيين وَأَن السّفر وَشد الرّحال لذَلِك مَنْهِيّ عَنهُ لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ -:
لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَعَ اعترافه بِأَن الزِّيَارَة بِلَا شدّ رَحل قربَة فشنعوا عَلَيْهِ بهَا، وَكتب فِيهَا جمَاعَة بِأَنَّهُ يلْزم من مَنعه شَائِبَة تنقيص للنبوة فيكفر بذلك.
وَأفْتى عدَّة بِأَنَّهُ مُخطئ بذلك خطأ الْمُجْتَهدين المغفور لَهُم وَوَافَقَهُ جمَاعَة وَكَبرت الْقَضِيَّة
فأعيد إِلَى قاعة بالقلعة فَبَقيَ بضعَة وَعشْرين شهرا، وَآل الْأَمر إِلَى أَن منع من الْكِتَابَة والمطالعة وَمَا تركُوا عِنْده كراساً وَلَا دَوَاة، وَبَقِي أشهراً على ذَلِك، فَأقبل على التِّلَاوَة والتهجد وَالْعِبَادَة حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين فَلم يفجأ النَّاس إِلَّا نعيه وَمَا علمُوا بمرضه فازدحم الْخلق عِنْد بَاب القلعة وبالجامع زحمة صَلَاة الْجُمُعَة وأرجح، وشيعه الْخلق من أَرْبَعَة أَبْوَاب الْبَلَد وَحمل على الرؤوس وعاش سبعا وَسِتِّينَ سنة وأشهراً، وَكَانَ أسود الرَّأْس قَلِيل شيب اللِّحْيَة ربعَة جَهورِي الصَّوْت أَبيض أعين.
قلت: تنقص مرّة بعض النَّاس من ابْن تَيْمِية عِنْد قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين بن الزملكاني وَهُوَ بحلب وَأَنا حَاضر فَقَالَ كَمَال الدّين: وَمن يكون مثل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي زهده وَصَبره وشجاعته وَكَرمه وعلومه، وَالله لَوْلَا تعرضه للسلف لزاحمهم بالمناكب.
وَهَذِه نبذة من تَرْجَمَة الشَّيْخ مختصرة أَكْثَرهَا من الدرة اليتيمية فِي السِّيرَة التيمية للْإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين مُحَمَّد الذَّهَبِيّ وَالله أعلم.
وفيهَا: اشْتهر موت الْأَمِير شمس الدّين قرا سنقر الجوكندار المنصوري بَاشر النِّيَابَة
بِمصْر وبدمشق وبحلب، وَعمر جَوَامِع ومساجد، وَكَانَ ذَا فهم ودهاء وهرب إِلَى التتر فَأَقَامَ عِنْدهم محتماً، وأقطعوه مراغة وَجَاوَزَ التسعين.
وفيهَا: مَاتَ الْأَمِير سيف الدّين أيجية الأبوبكري وَكَانَ فِيهِ خير.
وفيهَا: أخرج من سجن قلعة دمشق الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الزرعي إِمَام الجوزية بِشَرْط أَن لَا يدْخل فِي فَتْوَى.
وفيهَا: يَوْم عَرَفَة أخرج علم الدّين الجاولي من الْحَبْس.
وفيهَا: جَاءَ سيل عَظِيم على عجلون خرب سوق التُّجَّار والمارستان والدباغة وَبَعض الْجَامِع، وَهلك جمَاعَة وعدمت أَمْوَال قدرت بِمِائَتي ألف وَسبعين ألفا.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا توجه القَاضِي محيي الدّين بن فضل الله إِلَى مصر وَكتب السِّرّ للسُّلْطَان لفالج أصَاب كَاتب السِّرّ عَلَاء الدّين بن الْأَثِير المعري الأَصْل، وَكتب السِّرّ بِدِمَشْق القَاضِي شرف الدّين بن الشهَاب مَحْمُود.
وفيهَا: حضر مَعَ الركب الْعِرَاقِيّ فِي تَابُوت جوبان وَولده، وَأَرَادُوا دفنهما فِي الجوبانية غربي الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة وَهِي فِي غَايَة الْحسن فَأخر دفنهما حَتَّى يَأْتِي مرسوم السُّلْطَان بذلك.
وفيهَا: فِي الْمحرم مَاتَ بِمصْر الْمُفْتِي الزَّاهِد نجم الدّين مُحَمَّد بن عقيل البالسي الشَّافِعِي، نَاب عَن ابْن دَقِيق الْعِيد وَولي قَضَاء دمياط، وَكَانَ من عُلَمَاء مصر.
وفيهَا: فِي صفر مَاتَ عَامل بَيت المَال بِدِمَشْق، وَكَانَ أَولا سامرياً اسْمه نَفِيس فَسُمي مُحَمَّدًا، وَحفظ الْقُرْآن، وَكَانَ يقْرَأ فِي السَّبع بِالْحَائِطِ الشمالي.
وَفِيه: مَاتَ الْفَقِيه الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن هِلَال الزرعي الْحَنْبَلِيّ وَالِد القَاضِي برهَان الدّين بِدِمَشْق.
وَفِيه: كمل ترخيم الْحَائِط القبلي بِجَامِع دمشق وزخرفته.
وفيهَا: فِي ربيع الأول توفّي الْأَمِير قطلبك الرُّومِي بِدِمَشْق وَكَانَ حاجباً وَهُوَ الَّذِي ولي عمَارَة قناة الْقُدس.
وَفِيه: ظهر بِالْقَاهِرَةِ ابْن سَالم والمخدوم وَلَهُمَا أَتبَاع حرامية كَانُوا يخطفون العمائم فأمسكوا وسم بَعضهم. وفيهَا: فِي ربيع الآخر قدم أَوْلَاد قرا سنقر المنصوري دمشق وأعطوا أملاكهم بهَا وَأمر كَبِيرهمْ عَلَاء الدّين بهَا.
وَفِيه: مَاتَ الصَّدْر الْكَبِير نجم الدّين عَليّ بن هِلَال الْأَزْدِيّ بِدِمَشْق كتب الطباق فَأكْثر وَأوصى أَن يكْتب على قَبره {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله}
وَفِيه دفن جوبان وَابْنه بِالبَقِيعِ وَلم يمكنا من الدّفن فِي الجوبانية.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى توفّي شَيخنَا الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن سِبَاع الْفَزارِيّ بالباذرانية وَدفن عقيب الْجُمُعَة بِالْبَابِ الصَّغِير وشيعه الْخلق، ومولده ربيع الأول سنة سِتِّينَ درس بالباذرانية، وَله حَلقَة بالجامع جمع بَين حسن الْخلق وَالْكَرم وَقَضَاء الْحُقُوق ولين العريكة والصيانة والديانة، وَعرضت عَلَيْهِ بالمناصب الْكِبَار وألح عَلَيْهِ فِيهَا كالقضاء والخطابة بِدِمَشْق فتمنع.
وساد فِي معرفَة الْمَذْهَب وَله تأليف فِي الْفَرَائِض، وَله تعليقة على التَّنْبِيه نَحْو عشْرين مجلداً تنبئ عَن اطلَاع عَظِيم وَتَحْقِيق.
وَله يَد فِي الْأُصُول وَلَا سِيمَا مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَفِي الْمنطق وَكَانَ كثير الدّيانَة والورع والتقشف، أفتى فِي شبيبته وَنزل عَن الخطابة بعد أَن وَليهَا، وتصدى للاشتغال وَالْفَتْوَى، وَكَانَ متحرزاً فِي نَقله وفتاويه يقف مَعَ النَّقْل فِي الْفَتَاوَى تديناً متقللاً من الدُّنْيَا رَحمَه الله تَعَالَى.
قَالَ لي يَوْمًا قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن النَّقِيب الشَّافِعِي أحسن الله عاقبته: لقد تصدى الشَّيْخ تَاج الدّين وَولده برهَان الدّين لنفع هَذِه الْأمة ثَمَانِينَ سنة.
قلت:
(قد كَانَ أعظمهم زهداً وأرفعهم
…
مجداً وأسهرهم فِي الْعلم أجفاناً)
(مَا أودع الله من فضل لوالده
…
إِلَّا وَنحن نرَاهُ فِي ابْنه الآنا)
(إِنِّي لأصغر نَفسِي لَازِما أدبي
…
من أَن أقيم على الْبُرْهَان برهاناً)
وَفِيه: مَاتَ بِدِمَشْق شيخ الْحَنَابِلَة مجد الدّين إِسْمَاعِيل الْحَرَّانِي ومولده سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بحران.
كَانَ يقرئ الْكَافِي وَالْمقنع، ويحفظ أَحَادِيث الْأَحْكَام بلفظها معزوة، يُقَال أَنه قَرَأَ الْمقنع مائَة مرّة.
وَكَانَ خيرا لَا يغتاب أحدا وَلَا يخالط وَلَا يتَكَلَّف فِي ملبس وَلَا تودد، وَمن كَلَامه: مَا وَقع فِي قلبِي الترفع على أحد فَإِنِّي خَبِير بنفسي وَلست أعرف أَحْوَال النَّاس.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة مَاتَ بِمصْر الْعَالم البارع معِين الدّين هبة الله بن حشيش نَاظر الْجَيْش فَاضل ذكي أديب حسن المحاضرة كثير الِاشْتِغَال عَارِف بِالْحِسَابِ متواضع.
وَفِيه: تولى شهَاب الدّين أَحْمد بن جهيل تدريس الباذرانية مَوضِع شَيخنَا برهَان الدّين.
وَفِيه: توفّي الصاحب شرف الدّين يَعْقُوب بن جلال الدّين عبد الْكَرِيم بِمَدِينَة حماه، وَدفن بتربة اسندمر بَاشر نظر المماليك بِدِمَشْق وحجابة الدِّيوَان بحلب وَنظر الْجَيْش بهَا