المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة: فيها قصد هولاكو ملك التتر بغداد، وملكها في العشرين من المحرم، وقتل الخليفة المستعصم بالله وسببه أن وزير الخليفة مؤيد الدين بن العلقمي، كان رافضيا وأهل الكرخ روافض فافتتن السنية والشيعة ببغداد كعادتهم فأمر - تاريخ ابن الوردي - جـ ٢

[ابن الوردي الجد، زين الدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(ذكر وُصُول ملكشاه إِلَى حلب)

- ‌ملك يُوسُف بن تاشفين غرناطة وانقراض دولة الصناهجة

- ‌ذكر ملك كربوغا الْموصل

- ‌ذكر ملك الفرنج بَيت الْمُقَدّس

- ‌ وَله كتاب تَقْوِيم الْأَبدَان وَغَيره، ووقف كتبه وَجعلهَا فِي مشْهد أبي حنيفَة

- ‌فِيهَا استولى سقمان القطبي التركي وَيُسمى سكمان على خلاط كَانَ مَمْلُوكا لإسماعيل صَاحب مَدِينَة مرند من أذربيجان، ولقب إِسْمَاعِيل قطب الدّين وَكَانَ من بنير سلجوق، وَلذَلِك قيل لسكمان القطبي، وَنَشَأ سكمان شهماً كَافِيا، وَكَانَت خلاط لبني مَرْوَان وظلموا واشتهر عدل

- ‌كَانَ القَاضِي أَبُو عبيد الله بن مَنْصُور عرف بِابْن صليحة قد استولى على جبلة وحاصره الفرنج فَأرْسل إِلَى طغتكين أتابك دقاق صَاحب دمشق يطْلب مِنْهُ من يتسلم مِنْهُ جبلة ويحفظها، فَأرْسل إِلَيْهَا طغتكين ابْنه تَاج الْملك بورى فتسلمها وأساء السِّيرَة، فكاتب أَهلهَا أَبَا عَليّ بن

- ‌أول عظمهم بعد السُّلْطَان ملكشاه، وملكوا قلاعاً مِنْهَا قلعة أَصْبَهَان مستجدة بناها ملكشاه، وَسبب بنائها أَن كَلْبا هرب مِنْهُ فِي الصَّيْد وَمَعَهُ رَسُول الرّوم فَصَعدَ الْكَلْب إِلَى

- ‌حَال طرابلس مَعَ الفرنج

- ‌ابْتِدَاء أَمر مُحَمَّد بن يومرت وَملك عبد الْمُؤمن

- ‌ بِخُرُوجِهِ، فاستفحل أمره وَقَامَ عبد الْمُؤمن بن عَليّ فِي عشرَة أنفس وَقَالُوا لَهُ: أَنْت الْمهْدي وَبَايَعُوهُ على ذَلِك، وتبعهم غَيرهم فَأرْسل ابْن تاشفين إِلَيْهِ جَيْشًا فَهَزَمَهُمْ فَأَقْبَلت الْقَبَائِل تبايعه، وَعظم أمره واستوطن جبلا عِنْد سمليك وَرَأى فِي جموعه قوما خافهم فَقَالَ: إِن

- ‌ذكر ملك زنكي حلب

- ‌قتل الإسماعيلية وَحصر الفرنج دمشق

- ‌خلع الراشد وَولَايَة المقتفي

- ‌فعل ملك الرّوم بِالشَّام

- ‌مقتل الراشد

- ‌ والقضيب أخذا من المسترشد وأعيدا إِلَى المقتفي.وفيهَا: ملك الإسماعيلية حصن مصياث بِالشَّام، تسلقوا على وَالِي بني منقذ وقتلوه وملكوه.وفيهَا: توفّي الْفَتْح بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن خاقَان قَتِيلا فِي فندق بمراكش، فَاضل فِي الْأَدَب، لَهُ قلائد العقبان

- ‌ظُهُور الْمُلُوك الغورية وانقراض دولة آل سبكتكين

- ‌أَخْبَار بني منقذ والزلازل

- ‌ذكر فتح المهدية

- ‌ذكر مسير سُلَيْمَان شاه إِلَى هَمدَان وَقَتله

- ‌ نَحْو خَمْسَة عشر ذِرَاعا.وجمال الدّين هَذَا هُوَ الَّذِي جدد مَسْجِد الْخيف بمنى، وَبنى الْحجر بِجَانِب الْكَعْبَة وزخرف الْكَعْبَة وبذل جملَة طائلة لصَاحب مَكَّة وللمقتفي حَتَّى مكنه من ذَلِك، وَبنى الْمَسْجِد الَّذِي على عَرَفَات وَعمل الدرج إِلَيْهِ وَعمل بِعَرَفَات مصانع المَاء، وَبنى سوراً

- ‌ذكر ملك شيركوه مصر، وَقتل شاور وبتداء الدولة الأيوبية

- ‌شيركوه وَأَيوب

- ‌ذكر الْخطْبَة العباسية بِمصْر وانقراض الدولة العلوية

- ‌ملك توران شاه الْيمن

- ‌ملك صَلَاح الدّين دمشق وحمص وحماه

- ‌وقْعَة حطين

- ‌ وَحضر مَعَه فتوحاته، وَكَانَ يرجع إِلَى قَوْله تبركاُ بِصُحْبَتِهِ، وَدخل السُّلْطَان دمشق فِي رَمَضَان الْمُعظم، فأشير عَلَيْهِ بتفريق العساكر ليريحوا ويستريحوا، فَقَالَ: إِن الْعُمر قصير، وَالْأَجَل غير مَأْمُون، وَكَانَ لما سَار إِلَى الشمَال قد ترك على الكرك وَغَيرهَا من يحصرها وَأَخُوهُ

- ‌حِصَار عكا

- ‌ذكر اسْتِيلَاء الفرنج على عكا

- ‌وَفَاة الْملك المظفر

- ‌عقد الْهُدْنَة مَعَ الفرنج

- ‌قتل طغرل بك وَملك خوارزم شاه الرّيّ

- ‌انتزاع دمشق من الْأَفْضَل

- ‌ رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول، أَيهَا النَّاس: إِنَّا لَا نقُول إِلَّا مَا صَحَّ عندنَا عَن رَسُول الله

- ‌ وَبكى وَبكى الكرامية، فثار النَّاس

- ‌ أَبُو بكر أَو عَليّ رضي الله عنهما؟ فَقَالَ: أفضلهما من كَانَت ابْنَته تَحْتَهُ فأرضى الطَّائِفَتَيْنِ وينتسب إِلَى مشرعة الْجَوْز من محَال بَغْدَاد وَالله أعلم.ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا خرب الظَّاهِر قلعة منبج خوفًا من انتزاعها مِنْهُ، وأقطعها عماد الدّين

- ‌الْحَوَادِث بِالْيمن

- ‌ذكر قتل شهَاب الدّين ملك الغورية

- ‌ذكر قصد ملك الرّوم حلب

- ‌ذكر وَفَاة الْملك الْعَادِل

- ‌ذكر اسْتِيلَاء الْملك النَّاصِر على حماه

- ‌اسْتِيلَاء الْملك المظفر غَازِي بن الْعَادِل على خلاط وميافارقين

- ‌مسير التتر إِلَى خوارزم شاه وهزيمته وَمَوته

- ‌عود دمياط إِلَى الْمُسلمين

- ‌حَادِثَة غَرِيبَة

- ‌عصيان المظفر غَازِي بن الْعَادِل على أَخِيه الْأَشْرَف

- ‌وَفَاة ملك الْمغرب وَمَا كَانَ بعده

- ‌ذكر ملك المظفر مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد لحماه

- ‌كسرة جلال الدّين

- ‌تَلْخِيص من تَارِيخ جلال الدّين

- ‌اسْتِيلَاء الْعَزِيز بن الظَّاهِر على شيزر

- ‌ وَينْفق عَلَيْهِ الْأَمْوَال الجليلة.ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة: فِيهَا فِي الْمحرم توفّي شهَاب الدّين طغرل بك الأتابك بحلب.قلت: وَله أوقاف مبرورة وواقعته مَعَ الشَّيْخ نَبهَان بن غيار الحبريني العَبْد الصَّالح مَشْهُورَة، وَالله أعلم

- ‌ تصدق رجل من ديناره من درهمه من صَاع بره من صَاع تمره.وروى أَبُو زيد: أكلت خَبرا لَحْمًا تَمرا.قَالَ الشَّاعِر:(كَيفَ أَصبَحت كَيفَ أمسيت مِمَّا…يغْرس الود فِي فؤاد الْكَرِيم)وَأما بَيت أبي الطّيب فمصطبر ومقتحم مجروران قيل بِمن الْمقدرَة وَهُوَ بعيد

- ‌اسْتِيلَاء النَّاصِر صَاحب حلب على دمشق

- ‌ تعلق فِي أَسْتَار الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَقَالَ: اشْهَدُوا أَن هَذَا مقَامي من رَسُول الله

- ‌ وَكَانَت تضيء بِاللَّيْلِ من مَسَافَة بعيدَة جدا. ولعلها النَّار الَّتِي ذكرهَا رَسُول الله

- ‌ فمما نظم المشد سيف الدّين عمر بن قزل يُخَاطب بِهِ النَّبِي

- ‌ وَقع مِنْهُم فِي بعض اللَّيَالِي تَفْرِيط، فاشتعلت النَّار فِي الْمَسْجِد الشريف، واحترقت سقوفه وتألم النَّاس لذَلِك.قلت: وَكَانَ أصل هَذَا الْحَرِيق من مسرجة قيم، وَقلت فِي ذَلِك:(وَالنَّار أَيْضا من جنود نَبينَا…لم تأت إِلَّا بِالَّذِي يخْتَار)(متغلبون يزخرفون بسحتهم

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة: فِيهَا قصد هولاكو ملك التتر بَغْدَاد، وملكها فِي الْعشْرين من الْمحرم، وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه وَسَببه أَن وَزِير الْخَلِيفَة مؤيد الدّين بن العلقمي، كَانَ رَافِضِيًّا وَأهل الكرخ روافض فَافْتتنَ السّنيَّة والشيعة بِبَغْدَاد كعادتهم فَأمر

- ‌قصد هولاكو الشَّام

- ‌سلطنة الْحلَبِي بِدِمَشْق

- ‌قبض الْملك السعيد وعود التتر

- ‌ ففرغ فِي أَربع سِنِين وَالله أعلم.وفيهَا: فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر هلك هولاكو بن طلو بن جنكيزخان وَترك خَمْسَة عشر ابْنا.وَملك بعده ابْنه أبغاً الْبِلَاد الَّتِي كَانَت بيد أَبِيه وَهِي أقليم خُرَاسَان وكرسيه نيسابور وإقليم عراق الْعَجم وتعرف بِبِلَاد الْجَبَل وكرسيه

- ‌ وأماننا لأخينا السُّلْطَان الْملك المظفر شمس الدّين يُوسُف بن عمر صَاحب الْيمن إننا رَاعُونَ لَهُ ولأولاده، مسالمون من سالمهم، معادون من عاداهم وَنَحْو ذَلِك، وَأرْسل إِلَيْهِ هَدِيَّة من أسلاب التتر وخيلهم.وفيهَا: مَاتَ منكوتمر بن هولاكو بن طلو بن جنكيزخان بِجَزِيرَة

- ‌فتح حموص وَغَيرهَا

- ‌ذكر المتجددات بعد الكسرة

- ‌قدوم قبجق إِلَى حماه

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا أرسل قرا سنقر نَائِب حلب مَعَ مَمْلُوكه قشتمر عسكراً إِلَى سيس.وَكَانَ قشتمر ضَعِيف الْعقل مشتغلاً بِالْخمرِ فاستهان بالعدو فَجمع صَاحب سيس سنباط من الأرمن والفرنج والتتر ووصلوا إِلَى غَزَّة وقاتلوهم قرب إِيَاس فَانْهَزَمَ

- ‌ ألْقى الله فِي قُلُوبهم الرعب وَهَزَمَهُمْ.قلت:(مَا ذكرُوا الْمُصْطَفى بِسوء…إِلَّا وسيق البلا إِلَيْهِم)(فحبه رَحْمَة علينا…وسبه نقمة عَلَيْهِم)وقاسى الْعَسْكَر فِي هدم الأبراج مشقة فَإِنَّهَا كَانَت مكلبة بحديد ورصاص وَعرض السُّور ذِرَاعا بالنجاري، ونقبت

- ‌ أشعاراً، وَمَا أرق قَوْله:(لَا تسْأَل يَا حبيب قلبِي…مَا تمّ عَليّ فِي هواكا)(الْعرض فقد صلوت عَنهُ…وَالنَّفس جَعلتهَا فداكا)وَقَوله دو بَيت:(يَا عصر شَبَابِي المفدي أَرَأَيْت…مَا أسْرع مَا بَعدت عني ونأيت)(قد كنت مساعدي على كَيْت وَكَيْت…وَالْيَوْم

- ‌ فجَاء نقيب الحكم بدر الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين إِسْحَاق وأزاح الْعَقْرَب عَن كم النَّبِي

- ‌ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَعَ اعترافه بِأَن الزِّيَارَة بِلَا شدّ رَحل قربَة فشنعوا عَلَيْهِ بهَا، وَكتب فِيهَا جمَاعَة بِأَنَّهُ يلْزم من مَنعه شَائِبَة تنقيص للنبوة فيكفر بذلك.وَأفْتى عدَّة بِأَنَّهُ مُخطئ بذلك خطأ الْمُجْتَهدين المغفور لَهُم وَوَافَقَهُ جمَاعَة وَكَبرت الْقَضِيَّة

- ‌ أَمر بقتل الْكلاب مرّة، ثمَّ صَحَّ أَنه نهى عَن قَتلهَا، قَالَ: وَاسْتقر الشَّرْع عَلَيْهِ على التَّفْصِيل الْمَعْرُوف فَأمر بقتل الْأسود إِلَيْهِم، وَكَانَ هَذَا فِي الإبتداء وَهُوَ الْآن مَنْسُوخ، هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَا مزِيد على تَحْقِيقه وَالله أعلم

- ‌ رد عليه السلام من الْحُجْرَة وَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام يَا مهنا، ثمَّ عَاد إِلَى الفوعة وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

- ‌ نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم فارتاب فِي ذَلِك فأقدم على فتح الْبَاب الْمَذْكُور بعد أَن نهي عَن ذَلِك فَوجدَ بَابا عَلَيْهِ تأزير رُخَام أَبيض، وَوجد فِي ذَلِك تَابُوت رُخَام أَبيض فَوْقه رخامة تبيضاء مربعة فَرفعت الرخامة عَن التابوت فَإِذا فِيهَا بعض جمجمة فهرب الْحَاضِرُونَ هَيْبَة لَهَا، ثمَّ رد

- ‌ فِيمَن صَامَ الدَّهْر لَا صَامَ وَلَا أفطر على أَنه دُعَاء عَلَيْهِ وَفِي حق من نذور وَلم يتَضَرَّر خَمْسَة أَقْوَال الْوُجُوب وَهُوَ إختيار أَكثر الأصاحب وَالْإِبَاحَة وَالْكَرَاهَة وَالتَّحْرِيم وَفِي حق من يتَضَرَّر بِأَن تفوته السّنَن أَو الِاجْتِمَاع بالأهل ثَلَاثَة أَقْوَال التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة وَلَا يَجِيء

- ‌ مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر رضي الله عنهم عَن نَبينَا سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب

- ‌ وَفِيه: ورد الْخَبَر إِلَى حلب أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَليّ بن السُّبْكِيّ تولى قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق المحروسة بعد أَن حدث الْخَطِيب بدر الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي جلال الدّين نَفسه بذلك وَجزم بِهِ وَقبل الهناء فَقَالَ فِيهِ بعض أهل دمشق:(قد سبك السُّبْكِيّ قلب الْخَطِيب

- ‌وفيهَا: فِي الْعشْرين من شهر رَجَب توفّي بجبرين الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ نَبهَان كَانَ لَهُ الْقبُول التَّام عِنْد الْخَاص وَالْعَام، وناهيك أَن طشتمر حمص أَخْضَر على قُوَّة نَفسه وشممه وقف على زاويته بجبرين حِصَّة من قَرْيَة حريثان لَهَا مغل جيد وَبِالْجُمْلَةِ فَكَأَنَّمَا مَاتَت بِمَوْتِهِ مَكَارِم

- ‌ حسن الخظ، وَله نظم، كَانَ كَاتبا ثمَّ صَار داوندار قبجق بحماه ثمَّ شاد الدَّوَاوِين بحلب ثمَّ حاجباً بهَا ثمَّ دواتدار الْملك النَّاصِر ثمَّ نَائِبا بالإسكندرية ثمَّ أَمِيرا بحلب وشاد المَال وَالْوَقْف ثمَّ أَمِيرا بطرابلس رَحمَه الله تَعَالَى.وفيهَا: فِي شعْبَان بلغنَا وَفَاة الشَّيْخ

- ‌ فَمن أعدى الأول استرسل ثعبانه وانساب " وَسمي طاعون الْأَنْسَاب وَهُوَ سادس طاعون وَقع فِي الْإِسْلَام، وَعِنْدِي أَنه الموتان الَّذِي أنذر بِهِ نَبينَا عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ وَكَانَ:(أعوذ بِاللَّه رَبِّي من شَرّ طاعون النّسَب…باروده المستعلي قد طَار فِي الأقطار)

الفصل: ‌ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة: فيها قصد هولاكو ملك التتر بغداد، وملكها في العشرين من المحرم، وقتل الخليفة المستعصم بالله وسببه أن وزير الخليفة مؤيد الدين بن العلقمي، كان رافضيا وأهل الكرخ روافض فافتتن السنية والشيعة ببغداد كعادتهم فأمر

وفيهَا: أَو الَّتِي قبلهَا ظَهرت نَار بِالْحرَّةِ عِنْد مَدِينَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -،‌

‌ وَكَانَت تضيء بِاللَّيْلِ من مَسَافَة بعيدَة جدا. ولعلها النَّار الَّتِي ذكرهَا رَسُول الله

صلى الله عليه وسلم َ - من عَلَامَات السَّاعَة؟ فَقَالَ نَار تظهر بالحجاز تضيء لَهَا أَعْنَاق الأبل ببصرى.

قلت: وَلم يكن لَهَا حر على عظمها وَشدَّة ضوئها، ودامت أَيَّامًا وتواتر شَأْن هَذِه النَّار، ونظمت الشُّعَرَاء عِنْد ظُهُور هَذِه النَّار مدائح فِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -،‌

‌ فمما نظم المشد سيف الدّين عمر بن قزل يُخَاطب بِهِ النَّبِي

صلى الله عليه وسلم َ -.

(وَلما نفى عني الكرا خبر الَّتِي

أَضَاءَت بِأحد ثمَّ رضوى ويذبل)

(ولاح سناها من جبال قُرَيْظَة

لسكان تيماً فاللوى فالعقيقل)

(وأخبرت عَنْهَا فِي زَمَانك منذراً

بِيَوْم عبوس قمطرير مطول)

(ستظهر نَار بالحجاز مضيئة

لأعناق عيس نَحْو بصرى لمجتلى)

(فَكَانَت كَمَا قد قلت حَقًا بِلَا مرا

صدقت وَكم كذبت كل معطل)

(لَهَا شرر كالبرق لَكِن شهيقها

فكالرعد عِنْد السَّامع المتأمل)

(وَأصْبح وَجه الشَّمْس كالليل كاسفاً

وَبدر الدجى فِي ظلمَة لَيْسَ ينجلي)

(وأبدت من الْآيَات كل عَجِيبَة

وزلزلت الأرضون أَي تزلزل)

(جزعت فَقَامَ النَّاس حَولي وَأَقْبلُوا

يَقُولُونَ لَا تهْلك أسي وَتحمل)

(طفى النَّار نور من ضريحك سَاطِع

فَعَادَت سَلاما لَا تضر بمصطلي)

وَهِي طَوِيلَة، وَالله أعلم.

ثمَّ اتّفق الخدم بحرم النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -‌

‌ وَقع مِنْهُم فِي بعض اللَّيَالِي تَفْرِيط، فاشتعلت النَّار فِي الْمَسْجِد الشريف، واحترقت سقوفه وتألم النَّاس لذَلِك.

قلت: وَكَانَ أصل هَذَا الْحَرِيق من مسرجة قيم، وَقلت فِي ذَلِك:

(وَالنَّار أَيْضا من جنود نَبينَا

لم تأت إِلَّا بِالَّذِي يخْتَار)

(متغلبون يزخرفون بسحتهم

حرم النَّبِي فطهرته النَّار)

ذكر اسْتِيلَاء التتر على بَغْدَاد

‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة: فِيهَا قصد هولاكو ملك التتر بَغْدَاد، وملكها فِي الْعشْرين من الْمحرم، وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه وَسَببه أَن وَزِير الْخَلِيفَة مؤيد الدّين بن العلقمي، كَانَ رَافِضِيًّا وَأهل الكرخ روافض فَافْتتنَ السّنيَّة والشيعة بِبَغْدَاد كعادتهم فَأمر

أَبُو بكر ابْن الْخَلِيفَة ركن الدّين الدواتدار الْعَسْكَر فنهبوا الكرخ وركبوا من النِّسَاء الْفَوَاحِش فَعظم ذَلِك على الْوَزير ابْن العلقمي، وَكَاتب التتر وأطعمهم فِي بَغْدَاد وطمع الْخَبيث الغوي فِي إِقَامَة خَليفَة علوي.

قلت: وَكتب ابْن العلقمي إِلَى وَزِير إربل يطلعه على ذَلِك برسالة مِنْهَا: إِنَّه قد نهب

ص: 189

الكرخ المكرم، وَقد ديس الْبسَاط النَّبَوِيّ الْمُعظم وَقد نهبت العترة العلوية، واستؤسرت الْعِصَابَة الهاشمية، وَقد حسن التَّمْثِيل بقول شخص من غزيه:

(أُمُور تضحك السُّفَهَاء مِنْهَا

ويبكي من عواقبها اللبيب)

وَقد عزموا على نهب الْحلَّة والنيل بل سَوَّلت لَهُم أنفسهم أمرا فَصَبر جميل.

(أرى تَحت الرماد وميض نَار

ويوشك أَن يكون لَهَا ضرام)

(فَإِن لم يطفها عقلاء قوم

يكون وقودها جئث وهام)

(فَقلت من التَّعَجُّب لَيْت شعري

أأيقاظ أُميَّة أم نيام)

وَمِنْهَا:

(وَزِير رَضِي من حكمه وانتقامه

بطي رقاع حشوها النّظم والنثر)

(كَمَا تسجع الورقاء وَهِي حمامة

وَلَيْسَ لَهَا نهي يطاع وَلَا أَمر)

فلنأتيهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا ولنخرجهم مِنْهَا أَذِلَّة وهم صاغرون.

(ووديعة من سر آل مُحَمَّد

أودعتها إِن كنت من أمنائها)

(فَإِذا رَأَيْت الكوكبين تقارنا

فِي الجدي عِنْد صباحها ومسائها)

(فهناك يُؤْخَذ ثأر آل مُحَمَّد

وطلابها بِالتّرْكِ من أعدائها)

وَكن لما أَقُول بالمرصاد وَتَأَول أول النَّجْم واحرص وَالله أعلم.

وَكَانَ عَسْكَر بَغْدَاد مائَة ألف فَارس، فَحسن ابْن العلقمي وَأَمْثَاله للمستعصم قطعهم ليحمل إِلَى التتر متحصل إقطاعاتهم فَصَارَ عَسْكَر بَغْدَاد دون عشْرين ألفا فَأرْسل ابْن العلقمي إِلَى التتر أَخَاهُ يستدعيهم فَسَارُوا قَاصِدين بَغْدَاد فِي جحفل عَظِيم.

قلت: أَرَادَ ابْن العلقمي نصْرَة الشِّيعَة فنصر عَلَيْهِم وحاول الدّفع عَنْهُم فَدفع إِلَيْهِم، وسعى وَلَكِن فِي فسادهم، وعاضد وَلَكِن على سبي حريمهم وَأَوْلَادهمْ، وَجَاء بجيوش سلبت عَنهُ النِّعْمَة ونكبت الإِمَام وَالْأمة، وسفكت دِمَاء الشِّيعَة وَالسّنة، وخلدت عَلَيْهِ الْعَار واللعنة.

(وأتى الخائن الْخَبيث بمغل

طبق الأَرْض بغيهم تطبيقاً)

(هَكَذَا ينصر الجهول أَخَاهُ

وَمن الْبر مَا يكون عقوقاً)

وَالله أعلم.

وَخرج عَسْكَر الْخَلِيفَة لقتالهم ومقدمهم ركن الدّين الدواتدار واقتتلوا على مرحلَتَيْنِ من بَغْدَاد قتالاً شَدِيدا، فَانْهَزَمَ عَسْكَر الْخَلِيفَة وَدخل بَعضهم بَغْدَاد وَسَار بَعضهم إِلَى جِهَة الشَّام وَنزل هولاكو على بَغْدَاد من الْجَانِب الشَّرْقِي، وَنزل الْمُقدم تاجو بالجانب الغربي على الْقرْيَة قبالة دَار الْخلَافَة.

وَخرج ابْن العلقمي إِلَى هولاكو فتوثق مِنْهُ لنَفسِهِ، وَعَاد إِلَى الْخَلِيفَة المستعصم

ص: 190

وَقَالَ: إِن هولاكو يبقيك فِي الْخلَافَة كَمَا فعل بسُلْطَان الرّوم وَيُرِيد أَن يُزَوّج ابْنَته من ابْنك أبي بكر، وَحسن لَهُ الْخُرُوج إِلَى هولاكو فَخرج إِلَيْهِ المستعصم فِي جمع من أكَابِر أَصْحَابه فَأنْزل فِي خيمة، ثمَّ استدعى ابْن العلقمي الْفُقَهَاء والأماثل، فَاجْتمع هُنَاكَ جَمِيع سَادَات بَغْدَاد والمدرسين، وَمِنْهُم ملك الْأُمَرَاء ركن الدّين الدوايدار والمستنصري أحد الشجعان واستاذ دَار الْخلَافَة الْعَلامَة محيي الدّين بن الْجَوْزِيّ وَأَوْلَاده.

وَكَذَلِكَ صَار يخرج إِلَى التتر طَائِفَة بعد طَائِفَة موهماً لَهُم أَنهم يحْضرُون عقد ابْن الْخَلِيفَة على بنت هولاكو، فَلَمَّا تكاملوا قَتلهمْ التتر عَن آخِرهم ثمَّ مدوا الجسر وعدي تاجو وَمن مَعَه وبذلوا السَّيْف فِي بَغْدَاد وهجموا دَار الْخلَافَة وَقتلُوا كل من كَانَ فِيهَا من الْأَشْرَاف، وَلم يسلم إِلَّا من كَانَ صَغِيرا فَأخذ أَسِيرًا ودام الْقَتْل والنهب فِي بَغْدَاد أَرْبَعِينَ يَوْمًا.

وَمِمَّنْ اسْتشْهد بِبَغْدَاد الْعَلامَة الشَّيْخ يحيى بن يُوسُف الصرصري الضَّرِير الشَّاعِر ثمَّ نُودي بالأمان، وَأما الْخَلِيفَة وَابْنه أَبَا بكر أَيْضا قتلا خنقاً، وَقيل وضعا فِي عدل ورفسا حَتَّى مَاتَا وَقيل غرقا فِي دجلة وَهُوَ المستعصم عبد الله أَبُو أَحْمد بن الْمُسْتَنْصر أبي جَعْفَر بن مَنْصُور بن مُحَمَّد الطَّاهِر بن الإِمَام النَّاصِر أَحْمد، وَكَانَ حسن الدّيانَة لكنه ضَعِيف الرَّأْي وَغلب عَلَيْهِ ابْن العلقمي وأمراء دولته وَختم لَهُ بِخَير وَمُدَّة خِلَافَته نَحْو سِتّ عشرَة سنة، وَهُوَ آخر الْخُلَفَاء بِبَغْدَاد من بني الْعَبَّاس وَابْتِدَاء دولتهم سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَهِي السّنة الَّتِي بُويِعَ فِيهَا للسفاح بالخلافة وَقتل فِيهَا مَرْوَان الْحمار آخر خلفاء بني أُميَّة فمدة خلافتهم خَمْسمِائَة سنة وَأَرْبع وَعِشْرُونَ سنة وهم سَبْعَة وَثَلَاثُونَ خَليفَة.

قلت: وَبَقِي الْوَقْت بعد ذَلِك بِلَا خَليفَة ثَلَاث سِنِين، قَالَ ابْن وَاصل: أَخْبرنِي من أَثِق بِهِ أَنه وقف على كتاب عَتيق فِيهِ مَا صورته إِن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بن عبد الْمطلب بلغ بعض خلفاء بني أُميَّة عَنهُ أَنه يَقُول: إِن الْخلَافَة تصير إِلَى وَلَده فَأمر الْأمَوِي بعلي بن عبد الله فَحمل على جمل وطيف بِهِ وَضرب، وَكَانَ يُقَال عِنْد ضربه هَذَا جَزَاء من يفتري وَيَقُول إِن الْخلَافَة تكون فِي وَلَده، فَكَانَ عَليّ بن عبد الله يَقُول: أَي وَالله لتكونن الْخلَافَة فِي وَلَدي وَلَا تزَال فيهم حَتَّى يَأْتِيهم العلج من خُرَاسَان فينتزعها مِنْهُم فَكَانَ كَمَا قَالَ والعلج الْمَذْكُور هولاكو.

قلت: قَالَ ابْن خلكان فِي تَارِيخه إِن عليا رضي الله عنه افْتقدَ عبد الله بن الْعَبَّاس رضي الله عنهم وَقت صَلَاة الظّهْر فَقَالَ لأَصْحَابه: مَا بَال أبي الْعَبَّاس لم يحضر الظّهْر فَقَالُوا: ولد لَهُ مَوْلُود فَلَمَّا صلى عَليّ رضي الله عنه قَالَ امضوا بِنَا إِلَيْهِ فاتاه فهنأه فَقَالَ: شكرت الْوَاهِب وبورك لَك فِي الْمَوْهُوب مَا سميته؟ فَقَالَ: أَو يجوز أَن أُسَمِّيهِ حَتَّى تسميه فَأمر بِهِ فَأخْرج إِلَيْهِ فَأَخذه فحنكه ودعا لَهُ ثمَّ رده إِلَيْهِ، وَقَالَ: خُذ إِلَيْك أَبَا الْأَمْلَاك قد سميته عليا، وكنيته أَبَا الْحسن وَدخل عَليّ يَوْمًا على هِشَام بن عبد الْملك وَمَعَهُ ابْنا ابْنه

ص: 191

السفاح والمنصور ابْنا مُحَمَّد بن عَليّ الْمَذْكُور فأوسع لَهُ على سَرِيره وَسَأَلَهُ عَن حَاجته فَقَالَ: ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم عَليّ دين، فَأمر بقضائها، فَقَالَ لَهُ: وتستوصي بِابْني هذَيْن خيرا فَفعل فشكره وَقَالَ: وصلتك رحم فَلَمَّا ولى عَليّ قَالَ هِشَام لأَصْحَابه: إِن الشَّيْخ قد اخْتَلَّ وأسن وخلط فَصَارَ يَقُول: إِن هَذَا الْأَمر سينقل إِلَى وَلَده فَسَمعهُ عَليّ فَقَالَ: وَالله لَيَكُونن ذَلِك وليملكن هَذَانِ.

وَكَانَ عَظِيم الْمحل عِنْد أهل الْحجاز، كَانَ إِذا قدم مَكَّة حَاجا أَو مُعْتَمِرًا، عطلت قُرَيْش مجالسها فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وهجرت مَوَاضِع حلقها ولزمت مَجْلِسه إعظاماً وإجلالاً وتبجيلاً لَهُ فَإِن قعد قعدوا وَإِن نَهَضَ نهضوا وَإِن مَشى مَشوا جَمِيعًا خَلفه وَحَوله وَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يخرج من الْحرم، وَكَانَ إِذا طَاف كَأَنَّمَا النَّاس حوله مشَاة وَهُوَ رَاكب من طوله.

وَكَانَ مَعَ هَذَا الطول إِلَى منْكب أَبِيه عبد الله، وَكَانَ عبد الله إِلَى منْكب أَبِيه الْعَبَّاس، وَكَانَ الْعَبَّاس إِلَى منْكب ابيه عبد الْمطلب، نظرت عَجُوز إِلَى عَليّ وَهُوَ يطوف فَقَالَت: من هَذَا الَّذِي فرع النَّاس فرع بِالْعينِ الْمُهْملَة - أَي علا عَلَيْهِم - فَقيل عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس، فَقلت: لَا إِلَه إِلَّا الله إِن النَّاس ليرذلون عهدي بِالْعَبَّاسِ يطوف بِهَذَا الْبَيْت كَأَنَّهُ فسطاط أَبيض، وَذكر هَذَا كُله الْمبرد فِي " الْكَامِل ".

وَذكر أَن الْعَبَّاس كَانَ عَظِيم الصَّوْت وجاءتهم مرّة غازة وَقت الصَّباح فصاح واصباحاه فَلم تسمعه حَامِل فِي الْحَيّ إِلَّا وضعت، وَالله أعلم.

وفيهَا: سَار المغيث بن الْعَادِل بن الْكَامِل من الكرك، وَقد انضمت إِلَيْهِ البحرية إِلَى مصر فِي دست السلطنة فقاتله عَسَاكِر مصر ومماليك الْمعز أيبك وأكبرهم قطز الَّذِي ملك مصر والغنمي وبهادر فَانْهَزَمَ المغيث إِلَى الكرك فِي أَسْوَأ حَال ونهبت أثقاله ودهليزه.

وفيهَا: فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى توفّي الْملك النَّاصِر دَاوُد بن الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بِظَاهِر دمشق بقرية البويضا، ومولده سنة ثَلَاث وسِتمِائَة فعمره نَحْو ثَلَاث وَخمسين سنة وَكُنَّا ذكرنَا أَنه توجه إِلَى تيه بني إِسْرَائِيل فَأرْسل المغيث صَاحب الكرك وأحضره إِلَى بلد الشوبك، وَأمر بِحَفر مطمورة لَهُ، وَبَقِي النَّاصِر ممسكاً والمطمورة تحفر قدامه ليحبس فِيهَا فَطَلَبه المستعصم من بَغْدَاد ليقدمه على بعض العساكر لملتقى التتر فَأَخذه رَسُول الْخَلِيفَة قبل أَن تتمّ المطمورة، وَسَار بِهِ إِلَى جِهَة دمشق فَبَلغهُ اسْتِيلَاء التتر على بَغْدَاد وَقتل الْخَلِيفَة فَتَركه الرَّسُول وَمضى فَسَار دَاوُد إِلَى البويضا وَلحق النَّاس طاعون فَمَاتَ مِنْهُ.

فَخرج النَّاصِر يُوسُف صَاحب دمشق إِلَى البويضا وَأظْهر الْحزن عَلَيْهِ وَنَقله إِلَى الصالحية فدفنه بتربة وَالِده الْمُعظم، وَكَانَ النَّاصِر دَاوُد فَاضلا فِي النّظم والنثر، وَقَرَأَ العقليات على شمس الدّين عبد الحميد الخسرو شاهي تلميذ الرَّازِيّ وَمن شعره النَّاصِر دَاوُد:

ص: 192

(عُيُون عَن السحر الْمُبين تبين

لَهَا عِنْد تَحْرِيك الْقُلُوب سُكُون)

(تصول ببيض وَهِي سود فرندها

ذبول فتور والجفون جفون)

(إِذا مَا رَأَتْ قلباً خلياً من الْهوى

تَقول لَهُ كن مغرماً فَيكون)

وَمِنْه:

(وَمن الْعَجَائِب أَن قَلْبك لم يلن

لي وَالْحَدِيد ألانه دَاوُد)

وَكتب إِلَى ابْن عبد السَّلَام وَقد أغارت الفرنج على نابلس فِي أَيَّام الصَّالح أَيُّوب صَاحب مصر:

(أيا لَيْت أُمِّي أيم طول عمرها

فَلم يقضها رَبِّي لمولى وَلَا بعل)

(وَيَا ليتها لما قَضَاهَا لسَيِّد

لَبِيب أريب طيب الْفَرْع وَالْأَصْل)

(قَضَاهَا من اللَّاتِي خُلِقْنَ عواقراً

فَمَا بشرت يَوْمًا بأنثى وَلَا فَحل)

(وَيَا ليتها لما غَدَتْ بِي حَامِلا

أُصِيبَت بِمَا اجتنت عَلَيْهِ من الْحمل)

(وَيَا لَيْتَني لما ولدت وأصبحت

تشد إِلَيّ الشذقميات بالرحل)

(لحقت بأسلافي فَكنت ضجيعهم

وَلم أر فِي الْإِسْلَام مَا فِيهِ من خل)

قلت: وَذكرت بِهَذَا قولي وَقد رَأَيْت دَار وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى بالمعرة بعد وَفَاته وَهُوَ:

(ترى عدوا دَعَا علينا

بدعوة صادفت نفاذا)

(خلت ديار الحبيب مِنْهُ

يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا)

وَقَوْلِي:

(دَهْرنَا أضحى ضنينا

باللقا حَتَّى ضنينا)

(يَا ديار الْخَيْر عودي

واجمعينا اجمعينا)

وَالله أعلم.

وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة توفيت الصاحبة غَازِيَة خاتون بنت السُّلْطَان الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بقلعة حماه.

ولدت من المظفر مَحْمُود ثَلَاث بَنِينَ، مَاتَ عمر مِنْهُم صَغِيرا وَبَقِي الْمَنْصُور مُحَمَّد وَالْأَفْضَل عَليّ وَالِد الْمُؤلف رحمهمَا الله تَعَالَى وَثَلَاث بَنَات، توفيت الْكُبْرَى مِنْهُنَّ ملكة خاتون قبل والدتها بِقَلِيل، وَتوفيت الصُّغْرَى دنيا خاتون بعد أَخِيهَا الْمَنْصُور، وَكَانَ عِنْد الصاحبة زهد وَعبادَة، وحفظت الْملك لابنها الْمَنْصُور حَتَّى كبر.

وفيهَا: بعد بَغْدَاد قصد التتر ميافارقين وصاحبها الْكَامِل مُحَمَّد بن المظفر غَازِي بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب، فَصَبر أهل ميافارقين مَعَ الْكَامِل على الْجُوع حَتَّى كَانَ مَا سَيذكرُ، الْكَامِل وَهَذَا ملكهَا بعد أَبِيه سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة.

وفيهَا: اشْتَدَّ الوباء بِالشَّام وخصوصاً بِدِمَشْق حَتَّى عز مغسلو الْمَوْتَى.

ص: 193

وفيهَا: أرسل النَّاصِر يُوسُف صَاحب دمشق ابْنه الْعَزِيز مُحَمَّدًا وَمَعَهُ زين الدّين الحافظي من عقربا من بلد دمشق بتقادم إِلَى هولاكو عَجزا عَن ملتقاه.

وفيهَا: توفّي الصاحب بهاء الدّين زُهَيْر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن يحيى المهلبي كَاتب إنْشَاء الصَّالح أَيُّوب ومولده بوادي نَخْلَة من مَكَّة حرسها الله تَعَالَى سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة.

وَفِي آخر عمره انْكَشَفَ حَاله حَتَّى بَاعَ موجوده، وَأقَام فِي بَيته بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى توفّي بالوباء الْعَام رَابِع ذِي الْقعدَة مِنْهَا، وَدفن بالقرافة الصُّغْرَى، وَكَانَ غزير الْمُرُوءَة فَاضلا حسن النّظم، وَله وزن مخترع لَا يُخرجهُ الْعرُوض وَهُوَ:

(يَا من لعبت بِهِ شُمُول

مَا ألطف هَذِه الشَّمَائِل)

(مولَايَ بِحَق لي بِأَنِّي

عَن حبك فِي الْهوى أقَاتل)

(هَا عَبدك وَاقِفًا ذليلاً

بِالْبَابِ يمد كف سَائل)

(من وصلك بِالْقَلِيلِ يرضى

والطل من الحبيب وابل)

قلت: وَله

(بروحي من أسميها بستي

فتنظرني النُّحَاة بِعَين مقت)

(يرَوْنَ بأنني قد قلت لحناً

وَكَيف وأنني لزهير وقتي)

(وَلَكِن غادة ملكت جهاتي

فَلم أَلحن إِذا مَا قلت ستي)

وَله:

(يَا رَوْضَة الْحسن صلي

فَمَا عَلَيْك ضير)

(فَهَل رَأَيْت رَوْضَة

لَيْسَ بهَا زُهَيْر)

وَالله أعلم.

وفيهَا: توفّي الشَّيْخ زكي الدّين عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي الْمُنْذِرِيّ شيخ دَار الحَدِيث إِمَام مَشْهُور.

وفيهَا: توفّي الشَّيْخ شمس الدّين يُوسُف سبط جمال الدّين بن الْجَوْزِيّ واعظ فَاضل، لَهُ مرْآة الزَّمَان تَارِيخ جَامع.

قلت: وَله تذكرة الْخَواص من الْأمة فِي ذكر مَنَاقِب الائمة، وَالله أعلم.

وفيهَا: توفّي سيف الدّين عَليّ بن سَابق الدّين قزل الْمَعْرُوف بالمشد كَانَ أَمِيرا مقدما فِي دولة النَّاصِر يُوسُف صَاحب الشَّام، وَله شعر حسن مِنْهُ:

(باكر كؤوس المدام واشرب

واستجل وَجه الحبيب واطرب)

(وَلَا تخف للهموم دَاء

فَهِيَ دَوَاء لَهُ مجرب)

(من يَد سَاق لَهُ رضاب

كالشهد لَكِن جناه أعذاب)

ص: 194

قلت وَمن شعره بَيت كل كلمة لَا تستحيل بالإنعكاس وَهُوَ:

(ليل أَضَاء هلاله

أَنِّي يضيء بكوكب)

وَقدم من اسْمه عَليّ للسُّلْطَان ترياق الْفَارُوق فَأَنْشد:

(قل للروافض كفوا

وَقدمُوا الصديقا)

(فقد رَأينَا عليا

يقدم الفاروقا)

وَالله أعلم.

فِيهَا: كَانَ بَين البحرية بعد هزيمتهم من المصريين وَبَين عَسْكَر النَّاصِر يُوسُف ومقدمهم مجير الدّين بن أبي زَكَرِيَّا مصَاف بِظَاهِر غَزَّة انهزم فِيهِ عَسْكَر النَّاصِر يُوسُف وَأسر مجير الدّين فقري البحرية وعاثوا.

قلت: وفيهَا توفّي الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو الْحسن الشاذلي، وَله عِبَارَات فِي التصوف مشكلة رد عَلَيْهَا ابْن تَيْمِية.

وَكَانَ الشاذلي نفعنا الله ببركته نزيل الْإسْكَنْدَريَّة والعلامة أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر الْقُرْطُبِيّ الْمَالِكِي بالإسكندرية وتصانيفه مَشْهُورَة.

وفيهَا: توفّي شيخ الْقُرَّاء بالموصل أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد شعلة الْموصِلِي وَله نَيف وَثَلَاثُونَ سنة، ومقرئ حلب الْعَلامَة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن حسن الْفَارِسِي، والوزير المتبر مؤيد الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن العلقمي الرافضي قرر مَعَ هولاكو أموراً فانعكست عَلَيْهِ وعض يَده ندماً وَصَارَ يركب إكديشاً فنادته عَجُوز يَا ابْن العلقمي هَكَذَا كنت تركت فِي أَيَّام المستعصم ووبخه هولاكو آخرا فَمَاتَ غما وغبناً لَا رحمه الله، وَمَات ابْنه بعده. وَالله أعلم.

ثمَّ دخلت سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة: فِيهَا سَار عز الدّين كيكاوس وركن الدّين قلج أرسلان ابْنا كيخسرو بن كيقباذ إِلَى خدمَة هولاكو وَأَقَامَا مَعَه مُدَّة وعادا.

وفيهَا: توفّي بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل المتلقب بِالْملكِ الرَّحِيم وَقد جَاوز الثَّمَانِينَ.

وَملك بعده ابْنه الصَّالح، وَملك سنجار ابْنه عَلَاء الدّين، وَكَانَ لُؤْلُؤ قد صانع هولاكو وَحمل إِلَيْهِ الْأَمْوَال وَوصل إِلَى خدمته بعد أَخذ بَغْدَاد بِبِلَاد أذربيجان وَمَعَهُ الشريف الْعلوِي ابْن صلايا فَقيل أَن لؤلؤاً سعى بِهِ إِلَى هولاكو فَقتل الشريف وَلما عَاد قَلِيلا وَمَات.

قَامَ لُؤْلُؤ بِأُمُور أستاذه أرسلان شاه بن مَسْعُود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر، ودبر وَلَده القاهر، وَلما توفّي انْفَرد لُؤْلُؤ بتدبير المملكة، وَأقَام وَلَدي القاهر الصغيرين وأحداً بعد الآخر، واستبد بِملك الْموصل وبلادهما ثَلَاثًا وَأَرْبَعين سنة تَقْرِيبًا وَمَا طرق بِآفَة وَلَا اخْتَلَّ لَهُ نظام حَتَّى مَاتَ.

ص: 195