الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ إِن الأمجد حبس مَمْلُوكا لَهُ فِي مرقد عِنْده بهَا وَلعب بالنرد قُدَّام المرقد فَفتح الْمَمْلُوك الْبَاب وَضرب أستاذه بِسيف فَقتله ثمَّ ألْقى نَفسه من سطحها فَمَاتَ، وَدفن الأمجد بمدرسة وَالِده عَليّ الشّرف ملك بعلبك تِسْعَة وَأَرْبَعين سنة، والأمجد أشعر بني أَيُّوب وشعره مَشْهُور.
وفيهَا: بعد طول المحاصرة هجم جلال الدّين خلاط بِالسَّيْفِ، وَفعل أَفعَال التتر قتلا واسترقاقاً ونهباً، ثمَّ قبض على نائبها أيبك، وَقتل حَسْبَمَا تقدم.
كسرة جلال الدّين
وَبعد كائنة خلاط اتّفق كيقباد بن كينحسرو صَاحب الرّوم والأشرف بن الْعَادِل واجتمعا بسيواس وَسَار إِلَى جِهَة خلاط والتقى الْجَمْعَانِ فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان مِنْهَا فَانْهَزَمَ جلال الدّين والخوارزمية وَهلك غالبهم قتلا وتردياً من جبال فِي طريقهم.
وقويت التتر بعْدهَا على جلال الدّين، وارتجع الْأَشْرَف خلاط خراباً، ثمَّ تحالف الْأَشْرَف وكيقباد وتصالحا على مَا بأيديهما.
وفيهَا: استولى الْملك المظفر غَازِي بن الْعَادِل على ارزن من ديار بكر غير ارزن الرّوم من صَاحبهَا حسام الدّين من بَيت قديم فِي الْملك يعْرفُونَ بِبَيْت الأحدب، وَهِي لَهُم من أَيَّام ملكشاه السلجوقي وعوضه بحاني.
وفيهَا: جمع الفرنج من حصن الأكراد وقصدوا حماه فكسرهم المظفر صَاحبهَا عِنْد قَرْيَة أفيون بَين حماه وبارين وَعَاد المظفر مظفراً.
وفيهَا: ولد الْملك النَّاصِر يُوسُف بن الْملك الْعَزِيز صَاحب حلب.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة: فِيهَا عَادَتْ التتر فسفكت فِي بِلَاد الْإِسْلَام وَخَربَتْ مَعَ ضعف جلال الدّين لسوء سيرته، وَلم يتْرك لَهُ من مُلُوك الْأَطْرَاف صديقا، وَفَسَد عقله بِمَوْت مَمْلُوك يُحِبهُ، واستصحب الْمَمْلُوك مَيتا وَكَانَ يُرْسل لَهُ الطَّعَام وَلَا يتجاسر أحد أَن يتَكَلَّم لَهُ بِمَوْتِهِ، فَخرج بعض الْأُمَرَاء عَن طَاعَته فضعف أمره لذَلِك، ولكسرته من الْملك الْأَشْرَف، فتمكنت التتر من الْبِلَاد واستولوا على مراغة ثَانِيًا.
فَسَار جلال الدّين يُرِيد الْخَلِيفَة وملوك الْأَطْرَاف ليعضدوه على التتر ويخوفهم عَاقِبَة أَمرهم، فَلم يشْعر وَهُوَ بِالْقربِ من آمد إِلَّا وَقد كبسوه لَيْلًا وخالطوا مخيمه فهرب جلال الدّين وَقتل كَمَا سَيَأْتِي، فتمكنت التتر وَسَاقُوا حَتَّى وصلوا فِي هَذِه السّنة إِلَى الْفُرَات، واضطرب الشَّام، وشنوا الغارات فِي ديار بكر قتلا وتخريباً.
تَلْخِيص من تَارِيخ جلال الدّين
لشهاب الدّين مُحَمَّد المنشي النسوي، وَكَانَ النسوي مَعَ جلال الدّين إِلَى أَن كبسه التتر وَذَلِكَ أَن خوارزم شاه مُحَمَّد بن تكش اتَّسع ملكه وَقسم الْبِلَاد بَين أَوْلَاده الْأَرْبَعَة،
أكبرهم جلال الدّين منكبري ملكه غزنة وباميان والغور وبست وبكيا باد وزوز ميرداور وَمَا يَليهَا من الْهِنْد.
وَملك قطب الدّين أزلاغ شاه خوارزم وخراسان ومازندران وَجعله ولي عَهده، ثمَّ عَزله عَن ولَايَة الْعَهْد وفوضها إِلَى جلال الدّين.
وَملك غياث الدّين تيرشاه كرمان وكيش ومكران، وَملك ركن الدّين غورشاه تختي الْعرَاق.
وَكَانَ أحْسنهم خلقا وخلقاً، قَتله التتر بعد موت أَبِيه، وَضرب لكل مِنْهُم النوب الْخمس فِي أَوْقَات الصَّلَاة على عَادَة السلجوقية.
وَانْفَرَدَ الشَّيْخ بنوبة ذِي القرنين تضرب وَقت طُلُوع الشَّمْس وغروبها، وَكَانَت سبعا وَعشْرين دبدابة من الذَّهَب مرصعة بأنواع الْجَوَاهِر وَكَذَلِكَ بَاقِي آلَات النوبتية، وَجعل سَبْعَة وَعشْرين ملكا يضربونها فِي أول يَوْم فرغت من أكَابِر الْمُلُوك أَوْلَاد السلاطين مِنْهُم ابْن طغرل بك وأرسلان السلجوقي وَأَوْلَاد غياث الدّين صَاحب الْغَوْر وَالْملك عَلَاء الدّين صَاحب باميان وَالْملك تَاج الدّين صَاحب بَلخ وَابْنه الْملك الْأَعْظَم صَاحب ترمذ، وَالْملك سنجر صَاحب بخارا وأشباههم، وَأم خوارزم شاه مُحَمَّد ترْكَان خاتون من قَبيلَة بياروت من فروع تمك بنت ملك مِنْهُم تزَوجهَا تكش بن أرسلان بن أتسز بن مُحَمَّد بن أنوش تكين غرشه فَلَمَّا صَار الْملك إِلَى وَلَده مُحَمَّد بن تكش قدم إِلَى والدته ترْكَان خاتون قبائل تمك من التّرْك فَعظم شَأْن ابْنهَا السُّلْطَان مُحَمَّد بهم، وتحكمت هِيَ بسببهم، فلهَا فِي كل إقليم نَاحيَة جليلة.
وَكَانَ لَهَا رَأْي وهيبة، تنتصف للمظلوم، جسورة على الْقَتْل يقدم من توقيعها وتوقيع ابْنهَا أحدثهما تَارِيخا وطغرى تواقيعها (عصمَة الدُّنْيَا وَالدّين الغ ترْكَان ملكة نسَاء الْعَالمين) وعلامتها اعتصمت بِاللَّه وَحده تجودها بقلم غليظ، ثمَّ لما هرب خوارزم شاه مُحَمَّد من التتر بِمَا وَرَاء النَّهر عبر جيحون، ثمَّ سَار إِلَى خُرَاسَان والتتر تتبعه، وَوصل إِلَى عراق الْعَجم، وَنزل عِنْد بسطَام وأحضر عشرَة صناديق جَوَاهِر، وَقَالَ عَن صندوقين مِنْهَا إِن بهما جَوَاهِر تَسَاوِي خراج الأَرْض بجملتها، وَحملهَا إِلَى قلعة أردهن هِيَ أحصن قلاع الأَرْض، وَأخذ خطّ النَّائِب بهَا بوصولها مختومة، فَلَمَّا استولى جنكيز خَان على تِلْكَ الْبِلَاد حملت إِلَيْهِ الصناديق بختومها.
ثمَّ إِن التتر أدركوا مُحَمَّدًا الْمَذْكُور فَركب فِي الْمركب ولحقه التتر ورموه بالنشاب ونجى مِنْهُم.
وَقد حصل لَهُ مرض ذَات الْجنب وَأقَام بِجَزِيرَة فِي الْبَحْر طريداً فريداً لَا يملك طارفاً وَلَا تليداً.
قلت:
(وَفَارق الْمِسْكِين أوطانه
…
وَملكه ممتحناً بِالْمرضِ)
(وَكم حوى من جَوْهَر مثمن
…
فَمَا فدا الْجَوْهَر هَذَا الْعرض)
وَالله أعلم.
وَصَارَ مَرضه يزْدَاد، وَكَانَ فِي أهل مَا زندان أَن أُنَاسًا يَتَقَرَّبُون إِلَيْهِ بِمَا يشتهيه فاشتهى عِنْده فرسا يرْعَى حول خيمة صَغِيرَة قد ضربت لَهُ فأهدى إِلَيْهِ فرس أصفر.
وَكَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ ألف جشار من الْخَيل، وَصَارَ إِذا أهْدى إِلَيْهِ أحد شَيْئا وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال فِي الجزيرة يُطلق لَهُ شَيْئا، وَلم يكن مَعَه من يكْتب التواقيع فَيكْتب ذَلِك الْمهْدي توقيعه بِنَفسِهِ، وَيُعْطِي مثل السكين والمنديل عَلامَة بِإِطْلَاق الْبِلَاد وَالْأَمْوَال.
فَلَمَّا تولى ابْنه جلال الدّين أمضى ذَلِك كُله، ثمَّ مَاتَ السطان مُحَمَّد بالجزيرة على تِلْكَ الْحَالة فَغسله شمس الدّين مَحْمُود بن بَلَاغ الجاوش ومقرب الدّين مقدم الفراشين وكفن فِي قَمِيصه لعدم كفن وَدفن بالجزيرة سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة بعد أَن كَانَ بَابه مزدحم مُلُوك الأَرْض، وَكَانَت حَاشِيَته ملوكاً طستداره وركبداره وسلحداره وجنداره وَغَيرهم وَفِي أعلامهم عَلَامَات وظائفهم.
وَكَانَ سماطه مُعظما مفخماً، وَتفرد فِي الحشمة عَن الْمُلُوك بأَشْيَاء لَا يُشَارك فِيهَا، ثمَّ سَار جلال الدّين بعد موت أَبِيه السُّلْطَان مُحَمَّد من الجزيرة إِلَى خوارزم ثمَّ هرب من التتر وَلحق بغزنة وَجرى بَينه وَبَين التتر من الْقِتَال مَا تقدم ذكره، وَسَار إِلَيْهِ جنكيز خَان فهرب جلال الدّين من غزنة إِلَى الْهِنْد فَلحقه جنكيز خَان على مَاء السَّنَد وتصافا صَبِيحَة الْأَرْبَعَاء لثمان خلون من شَوَّال سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة، وَنصر جلال الدّين أَولا، ثمَّ كسر وَحَال بَينهمَا اللَّيْل، وَولى جلال الدّين مُنْهَزِمًا، وَأسر ابْنه وَهُوَ ابْن سبع سِنِين، وَقتل بَين يَدي جنكيزخان صبرا، وَلما عَاد جلال الدّين إِلَى حافة مَاء السَّنَد كسيراً رآى والدته وَأم ابْنه وَحرمه يصحن بِاللَّه عَلَيْك اقتلنا وخلصنا من الْأسر فَأمر بِهن فغرقن وَهَذِه من عجائب البلايا ونوادر الرزايا.
قلت:
(من ملك الدُّنْيَا ودانت لَهُ
…
فالجهل كل الْجَهْل أَن يحسدا)
(بقد مَا ترفع أَصْحَابهَا
…
تحطهم فَالرَّأْي قرب المدا)
(ويلي على المغري بعليائها
…
سيضحك الْيَوْم ويبكي غَدا)
(تعطيه كالمشفق لَكِنَّهَا
…
تبطش فِي الْأَخْذ كبطش العدا)
(مُبْتَدأ حُلْو لمن ذاقه
…
وَلَكِن انْظُر خبر المبتدا)
(غدارة خوانة أَهلهَا
…
مَا زهد الزهاد فِيهَا سدى)
وَالله أعلم.
ثمَّ أَن جلال الدّين وَعَسْكَره اقتحموا ذَلِك النَّهر الْعَظِيم فنجى مِنْهُم إِلَى ذَلِك الْبر نَحْو أَرْبَعَة آلَاف رجل حُفَاة عُرَاة، وَرمى الموج جلال الدّين مَعَ ثَلَاثَة من خواصه إِلَى مَوضِع
بعيد، ولقوه بعد ثَلَاثَة أَيَّام فاعتدوا مقدمه عيداً وظنوا أَنهم أنشأوا خلقا جَدِيدا.
ثمَّ جرى بَين جلال الدّين وَبَين أهل تِلْكَ الْبِلَاد وقائع انتصر هُوَ فِيهَا، وَوصل إِلَى لهاوور من الْهِنْد، وَلما عزم على الْعود إِلَى جِهَة الْعرَاق استناب بهلوان أزبك على مَا يملكهُ من بِلَاد الْهِنْد، واستناب مَعَه حسن فرات، ولقبه وفا ملك وَفِي سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة طردوفاً ملك بهلوان أزبك، وَاسْتولى على بِلَاده وَوصل جلال الدّين إِلَى كرمان سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة وقاسى وَهُوَ وَعَسْكَره فِي البراري القاطعة بَين كرمان والهند شَدَائِد، وَوصل مَعَه أَرْبَعَة آلَاف رجل بَعضهم ركاب أبقار وَبَعْضهمْ ركاب حمير.
ثمَّ سَار جلال الدّين إِلَى خوزستان وَاسْتولى عَلَيْهَا ثمَّ على أذربيجان ثمَّ على كنجة وَسَائِر بِلَاد أران، ثمَّ نقل أَبَاهُ من الجزيرة إِلَى قلعة أردهن وَدَفنه بهَا، وَلما استولى التتر على هَذِه القلعة نبشوه وأحرقوه وَهَذَا فعلهم فِي كل ملك عرفُوا قَبره فَإِنَّهُم أحرقوا عِظَام مَحْمُود بن سبكتكين بغزنة.
ثمَّ ذكر اسْتِيلَاء جلال الدّين على خلاط وَغَيره ذَلِك، ثمَّ ذكر نُزُوله على جسر قرب آمد وإرساله يستنجد الْأَشْرَف بن الْعَادِل فَلم ينجده وعزم جلال الدّين على الْمسير إِلَى أَصْبَهَان، ثمَّ انثنى عزمه، وَبَات بمنزله، وَشرب تِلْكَ اللَّيْلَة، وسكر سكرا اصحاه مِنْهُ النَّدَم، وأوجد لَهُ الْعَدَم وأحاط التتر بِهِ وبعسكره مصبحين.
(فمساهم وبسطهم حَرِير
…
وصبحهم وبسطهم تُرَاب)
(وَمن فِي كَفه مِنْهُم قناة
…
كمن فِي كَفه مِنْهُم خضاب)
وأحاطت التتر بخركاه جلال الدّين وَهُوَ نَائِم سَكرَان فَحمل أزخان وكشف التتر عَن الخركاه وَدخل بعض الْخَواص وَأخذ بيد جلال الدّين وَأخرجه وَعَلِيهِ طاقية بَيْضَاء فأركبه الْفرس وسَاق أزخان مَعَ جلال الدّين، وَتَبعهُ التتر فَقَالَ جلال الدّين لأزخان: انْفَرد عني بِحَيْثُ يشْتَغل التتر بتتبع سوادك، وَكَانَ ذَلِك خطأ مِنْهُ فَإِن أزخان تبعه نَحْو أَرْبَعَة آلَاف من الْعَسْكَر وقصدوا أَصْبَهَان وَاسْتولى عَلَيْهَا مُدَّة، وَلما انْفَرد جلال الدّين عَن أزخان سَار إِلَى باشورة آمد فَمَا مكنوه من الدُّخُول فَسَار إِلَى قَرْيَة من قرى ميافارقين طَالبا شهَاب الدّين بن الْملك الْعَادِل صَاحب ميافارقين.
ثمَّ لحقه التتر فِي تِلْكَ الْقرْيَة فهرب جلال الدّين إِلَى جبل هُنَاكَ أكراد يتخطفون النَّاس فَأَخَذُوهُ وشلحوه وَأَرَادُوا قَتله فَقَالَ جلال الدّين لأَحَدهم: إِنِّي أَنا السُّلْطَان فاستبقني أجعلك ملكا، فَجعله الْكرْدِي عِنْد امْرَأَته وَمضى إِلَى الْجَبَل، فَحَضَرَ كردِي مَعَه حَرْبَة، وَقَالَ للْمَرْأَة: لم لَا تقتلون هَذَا الْخَوَارِزْمِيّ؟ فَقَالَت الْمَرْأَة: قد أَمنه زَوجي، فَقَالَ الْكرْدِي إِنَّه السُّلْطَان، وَقد قتل لي أَخا بخلاط خيرا مِنْهُ، وضربه بالحربة فَقتله.
وَكَانَ أسمر قَصِيرا تركي الشارة والعبارة وَيتَكَلَّم أَيْضا بِالْفَارِسِيَّةِ، كَاتب الْخَلِيفَة بِمَا كَاتبه أَبوهُ، فَكَانَ يكْتب خادمه المطواع منكرتي وكاتبه بعد أَخذ خلاط بِعَبْدِهِ، وَكَانَ يُخَاطب
بخداوند عَالم، أَي صَاحب الْعَالم، ومقتله منتصف شَوَّال سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة.
وفيهَا: انْتهى التَّارِيخ الْكَامِل لعز الدّين عَليّ بن الْأَثِير الْمُؤلف من هبوط آدم توفّي عز الدّين سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بالموصل مُنْقَطِعًا فِي بَيته للتوفر على الْعلم، ومولده بِجَزِيرَة ابْن عمر ونسبت الجزيرة إِلَى عبد الْعَزِيز بن عمر من أهل برقعيد من أَعمال الْموصل لِأَنَّهُ بنى مدينتها.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة توفّي بِالْقَاهِرَةِ أَبُو الْحسن يحيى بن معطي بن عبد النُّور الزواوي الْحَنَفِيّ النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ، سكن دمشق طَويلا، وَله الألفية والفصول وَغَيرهمَا، ومولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة، ونسبته إِلَى زواوة قَبيلَة بِظَاهِر بجاية من أَعمال إفريقية.
قلت: ألفيته الْمَذْكُورَة كَمَا قلت فِي ديباجة شرحها الَّذِي سميته ضوء الدرة شاهدة لناظمها بِإِصَابَة الصَّوَاب والتفنن فِي الْآدَاب، حَتَّى كَانَ سِيبَوَيْهٍ ذَا الْأَعْرَاب قَالَ لَهُ: يَا يحيى خُذ الْكتاب، وَرَأَيْت الشُّرَّاح يخطؤنه فِي قَوْله فِي آخرهَا.
(وفْق مُرَاد الْمُنْتَهى والمنشأة
…
فِي الْخمس وَالتسْعين والخمسمائة)
وَهَذَا لَا يجوز لإضافة الْمعرفَة إِلَى النكرَة ثمَّ وجد فِي نُسْخَة قُرِئت عَلَيْهِ وَالْخمس الْمِائَة، وَهَذَا صَوَاب وَلما حج وعاين الْكَعْبَة أنْشد:
(وَلما تبدى لي من السجف جَانب
…
ومقلة ليلى من وَرَاء نقابها)
(بعثت رَسُول الدمع بيني وَبَينهَا
…
لتأذن فِي قربي وتقبيل بَابهَا)
(فَمَا أَذِنت إِلَّا بإيماض برقها
…
وَلَا سمحت إِلَّا بلثم ترابها)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة: والكامل والأشرف بِمصْر، والمظفر بحماه، والعزيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بحلب، والتتر قد ملكوا الْعَجم كُله والخليفة الْمُسْتَنْصر بالعراق.
ثمَّ اجْتمع مَعَ الْكَامِل مُلُوك أهل بَيته فِي جمع عَظِيم وَسَار حصر آمد وتسلمها من الْملك المسعود بن الصَّالح مَحْمُود بن مُحَمَّد بن قرا أرسلان بن سقمان بن أرتق لسوء سيرته وتعرضه إِلَى حَرِيم النَّاس وَمُحَمّد بن قرا أرسلان هُوَ الَّذِي ملكه صَلَاح الدّين آمد بعد نَزعهَا من ابْن بيسان، وتسلم الْكَامِل أَيْضا من المسعود حُصَيْن كيفا وَهِي غَايَة فِي الحصانة، واقطع المسعود بِمصْر إقطاعاً جَلِيلًا، وَأحسن إِلَيْهِ ثمَّ بَدَت مِنْهُ أُمُور اعتقله الْكَامِل بِسَبَبِهَا.
وَلما مَاتَ الْكَامِل خرج من الاعتقال، ثمَّ اتَّصل بالتتر فَقَتَلُوهُ وَجعل الْكَامِل فِي مملكة آمد ابْنه الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَمَعَهُ شمس الدّين صَوَاب العادلي وَلما خرج الْكَامِل من مصر خرجت مَعَه ابنتاه فَاطِمَة خاتون زوج الْعَزِيز صَاحب حلب، وغازية خاتون زوج المظفر صَاحب حماه وحلب كل وَاحِدَة إِلَى بَعْلهَا.
وفيهَا: ظنا توفّي عَليّ بن رَسُول وَاسْتقر مَكَانَهُ ابْنه عمر.