الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعل ملك الرّوم بِالشَّام
خرج ملك الرّوم من بِلَاده سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فاشتغل بِقِتَال الأرمن وَصَاحب أنطاكية وَغَيره.
وَفِي هَذِه السّنة وصل إِلَى الشَّام وحاصر بزاعة وملكها بالأمان وَهِي بَين حلب ومنبج فِي نصف الطَّرِيق فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من رَجَب، ثمَّ غدر بِأَهْلِهَا فَقتل وسبى وَأسر، وَتَنصر قاضيها وَنَحْو أَرْبَعمِائَة نفس خوفًا من الْقَتْل، ثمَّ رَحل عَنْهَا بعد عشرَة أَيَّام بِمن مَعَه من الفرنج إِلَى حلب وَنزل على قونق وَجرى بَينه وَبَين أهل حلب قتال كثير فَقتل من الرّوم بطرِيق عَظِيم فعادوا خاسرين وَبعد ثَلَاثَة أَيَّام رحلوا إِلَى الأثارب وملكوها وَتركُوا بهَا سَبَايَا بزاعة، وَعِنْدهم من الرّوم من يحفظهم، وَسَار ملك الرّوم بمجموعة نَحْو شيزر فَخرج أسوار نَائِب زنكي بحلب بِمن عِنْده وأوقع بالروم فِي الأثارب وقتلهم واستفلت أسرى بزاعة وسباياها، وَنصب ملك الرّوم على شيرز ثَمَانِيَة عشر منجنيقاً فاستنجد صَاحب شيزر أَبُو العساكر سُلْطَان بن عَليّ بن مقلد بن نصر بن منقذ الْكِنَانِي زنكي فَسَار زنكي وَنزل على العَاصِي بَين حماة وشيزر، فَكَانَ زنكي كل يَوْم يركب فِي عسكره ويشرفون على الرّوم، وَيُرْسل السَّرَايَا فَيَأْخُذُونَ كل مَا ظفروا بِهِ مِنْهُم إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ رحلوا عَنْهَا خائبين، وتبعهم زنكي فظفر بِكَثِير من المتخلفين مِنْهُم. وَفِيه يَقُول مُسلم بن خضر بن قسيم الْحَمَوِيّ:
(بعزمك أَيهَا الْملك الْعَظِيم
…
تذل لَك الصعاب وتستقيم)
(ألم تَرَ أَن كلب الرّوم لما
…
تبين أَنه الْملك الرَّحِيم)
(وَقد نزل الزَّمَان على رِضَاهُ
…
ودان لخطبه الْخطب الجسيم)
(فحين رميته بك عَن خَمِيس
…
تَيَقّن فَوت مَا أَمْسَى يروم)
(كَأَنَّك فِي العجاج شهَاب نور
…
توقد وَهُوَ شَيْطَان رجيم)
(أَرَادَ بَقَاء مهجته فولى
…
وَلَيْسَ سوى الْحمام لَهُ حميم)
مقتل الراشد
ثمَّ أَن الراشد بعد خلعه وذهابه مَعَ زنكي إِلَى الْموصل سَار إِلَى مراغة، وَاتفقَ مَعَ الْملك دَاوُد بن مَحْمُود وملوك تِلْكَ الْأَطْرَاف على قتال السُّلْطَان مَسْعُود رَجَاء الْعود إِلَى الْخلَافَة، فَسَار إِلَيْهِم مَسْعُود واقتتلوا فَانْهَزَمَ دَاوُد وَغَيره، وَبَقِي مَسْعُود وَحده لاشتغال أَصْحَابه بِالْكَسْبِ فَحمل عَلَيْهِ الأميران يوزا بِهِ وَعبد الرَّحْمَن طغايرك، فَانْهَزَمَ مَسْعُود مِنْهُمَا، وَقبض يوزا بِهِ على جمَاعَة من أمرائه وعَلى صَدَقَة بن دبيس صَاحب الْحلَّة ثمَّ قَتلهمْ أجميعن، والراشد إِذْ ذَاك بهمدان، وَسَار الْملك دَاوُد إِلَى فَارس، وَبَقِي الراشد وَحده فَسَار إِلَى أصفهان، فَفِي الْخَامِس وَالْعِشْرين وثب عَلَيْهِ نفر من الخراسانية الَّذين مَعَه فَقَتَلُوهُ وَهُوَ
يُرِيد القيلولة وَهُوَ من أثر مرض، وَدفن بشهرستان وجلسوا لعزائه فِي بَغْدَاد يَوْمًا وَاحِدًا.
وفيهَا: ملك تمرتاش صَاحب ماردين قلعة الهناخ من ديار بكر من آخر مُلُوك بني مَرْوَان.
وفيهَا: قتل السُّلْطَان مَسْعُود البخشي شحنة بَغْدَاد.
وفيهَا: زلزل الشَّام وَالْعراق وَغَيره فَهَلَك خلق بالخراب والردم.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وخسمائة: فِيهَا فِي الْمحرم سَار سنجر بجموعه إِلَى خوارزم شاه أتسز بن مُحَمَّد أنوش تكين فتقاتلا بخوارزم، فَانْهَزَمَ أتسز خوارزم شاه، وَاسْتولى سنجر على خوارزم واستناب بهَا وَعَاد إِلَى مرو فِي جُمَادَى الآخر مِنْهَا وَبعد عوده استولى عَلَيْهَا أتسز.
وفيهَا: فِي شَوَّال (قتل شهَاب الدّين مَحْمُود) بن بوري بن طغتكين صَاحب دمشق قَتله على فرَاشه ثَلَاثَة من خَواص غلمانه وهربوا من القلعة فنجى أحدهم وصلب الِاثْنَان، واستدعى معِين الدّين أنز أَخَاهُ جمال الدّين مُحَمَّد بن بوري وَكَانَ صَاحب بعلبك وَملكه دمشق.
وفيهَا فِي ذِي الْقعدَة: حاصر زنكي بعلبك وَنصب عَلَيْهَا أَرْبَعَة عشر منجنيقاً ثمَّ أَمن الْمَدِينَة وتسلمها، ثمَّ أَمن القلعة وتسلمها، ثمَّ غدر بهم فَأمر بهم فصلبوا فاستقبح النَّاس ذَلِك، مِنْهُ وحذر، وَكَانَت بعلبك لمُعين الدّين أنز أعطَاهُ إِيَّاهَا جمال الدّين مُحَمَّد لما ملك دمشق، وَكَانَ أنز قد تزوج بِأم جمال الدّين مُحَمَّد صَاحب دمشق، وَله جَارِيَة يُحِبهَا فأخرجها أنز إِلَى بعلبك، فَلَمَّا ملك زنكي بعلبك تزوج تِلْكَ الْجَارِيَة وَدخل بهَا فِي حلب، وَبقيت حَتَّى قتل زنكي على قلعة جعبر فأرسلها ابْنه نور الدّين مَحْمُود بن زنكي إِلَى أنز فَكَانَت أعظم الْأَسْبَاب فِي مودتهما.
وفيهَا: توالت زلازل الشَّام وَخَربَتْ وَلَا سِيمَا فِي حلب فأنهم فارقوا بُيُوتهم إِلَى الصَّحرَاء، ودامت من رَابِع صفر إِلَى تَاسِع عشرَة.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا حصر زنكي دمشق، وبذل لصَاحِبهَا جمال الدّين مُحَمَّد بعلبك وحمص فَلم يأمنوه لغدره بِأَهْل بعلبك، نزل على داريا من ثَالِث عشر ربيع الأول منازلاً لدمشق فَمَرض جمال الدّين مُحَمَّد بن بوري صَاحب دمشق وَمَات فِي ثامن شعْبَان، فَشدد زنكي الْقِتَال طَمَعا لذَلِك فَلم ينلها، وَأقَام معِين الدّين أنز فِي الْملك مجير الدّين أبق بن مُحَمَّد بن بوري بن طغتكين، وَاسْتمرّ انز يدبر الدولة، ثمَّ رَحل زنكي وَنزل غَدا من المرج وأحرق فِي قرى المرج وَعَاد إِلَى بِلَاده.
وفيهَا: ملك زنكي شهرزور من صَاحبهَا قبجق بن أرسلان شاه التركماني، وَبَقِي قبجق من عَسْكَر زنكي.