الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيهَا: حصر الْخَلِيفَة النَّاصِر حَدِيثَة عانة وَفتحهَا.
وفيهَا: أقطع السُّلْطَان مَا كَانَ بيد مظفر الدّين وَهُوَ حران والرها وسميساط والموزر الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر زِيَادَة على ميافارقين وحماه والمعرة وسلمية ومنبج وقلعة نجم وجبلة واللاذقية وبلاطنس وبكراييل.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة:
ذكر اسْتِيلَاء الفرنج على عكا
وَاسْتمرّ حِصَار الفرنج عكا إِلَى هَذِه السّنة وَأَحَاطُوا بهَا من الْبَحْر إِلَى الْبَحْر وخندقوا عَلَيْهِم فَلم يتَمَكَّن السُّلْطَان من الْوُصُول إِلَيْهِم فَكَانُوا محاصرين وكالمحصورين فَإِن السُّلْطَان خارجهم. وَاشْتَدَّ حصارهم لعكا، وَطَالَ وَضعف من بهَا عَن حفظهَا وَعجز السُّلْطَان عَن الدّفع عَنْهَا، فَخرج الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن المشطوب، وَطلب الْأمان من الفرنج على مَال وَأسرى يقومُونَ بِهِ للفرنج فأجابوهم وصعدت أَعْلَام الفرنج على عكا يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا، واستولوا على الْبَلَد بِمَا فِيهِ، وحبسوا الْمُسلمين فِي أَمَاكِن، وَقَالُوا: إِنَّمَا نحبسهم ليقوموا بِالْمَالِ والأسرى وصليب الصلبوت، وَكَتَبُوا إِلَى السُّلْطَان بذلك، فَحصل مَا أمكن من ذَلِك، وَطلب إِطْلَاق الْمُسلمين فَأَبَوا، فَعلم غدرهم، وَاسْتمرّ أسرى الْمُسلمين بهَا، ثمَّ قتل الفرنج من الْمُسلمين خلقا، وحبسوا البَاقِينَ، وقرروا أمرهَا، ورحلوا نَحْو قيسارية، والمسلمون يسايرونهم ويتحفظون مِنْهُم، ثمَّ سَارُوا إِلَى أرسوف فَوَقع مصَاف أزالوا فِيهِ الْمُسلمين عَن موقفهم، ووصلوا إِلَى السُّوق فَقتلُوا من السوقية كثيرا، ثمَّ ملكوا يافا خَالِيَة من الْمُسلمين، وَسَار السُّلْطَان فخرب عسقلان لِئَلَّا يكون مثل عكا، ودكها إِلَى الأَرْض، وَثَانِي رَمَضَان رَحل عَنْهَا إِلَى الرملة، فخرب حصنها، وَخرب كَنِيسَة لد وَسَار إِلَى الْقُدس وَقرر أمره وَعَاد إِلَى مخيمه بالنطرون ثامن رَمَضَان، وتراسل الفرنج وَالسُّلْطَان فِي الصُّلْح على أَن يتَزَوَّج الْعَادِل أُخْت ملك الإنكلنار، وَيكون لَهُ الْقُدس ولزوجته عكا فَأنْكر القسيسون ذَلِك إِلَّا إِن ينتصر الْعَادِل، فَلم يتَّفق حَال.
ثمَّ رَحل الفرنج من يافا إِلَى الرملة ثَالِث ذِي الْقعدَة، وَصَارَ يَقع كل يَوْم بَين الْمُسلمين وَبينهمْ مناوشات، ولقوا من ذَلِك شدَّة شَدِيدَة، وَأَقْبل الشتَاء وحالت الأوحال وضجرت العساكر، فَأَعْطَاهُمْ الدستور وَسَار إِلَى الْقُدس لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَنزل دَاخل الْبَلَد وحصنه وعمره وَنقل الْحِجَارَة بِنَفسِهِ ليقتدى بِهِ فَكَانَ كَذَلِك.
وَفَاة الْملك المظفر
كَانَ المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب سَار إِلَى الْبِلَاد المرتجعة من كوك بوري وَرَاء الْفُرَات فامتد إِلَى مجاوريه، وَاسْتولى على الشويدا وجاني والتقى مَعَ يكتمر صَاحب خلاط فَكَسرهُ وحصره فِيهَا، وتملك مُعظم الْبِلَاد، ثمَّ نَازل ملازكرد وَهِي ليكتمر
وَفِي صحبته ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن المظفر فَعرض للمظفر مرض وتزايد حَتَّى توفّي يَوْم الْجُمُعَة لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من رَمَضَان مِنْهَا فأخفى الْمَنْصُور وَفَاته وَوصل بِهِ حماه وَدَفنه بظاهرها، وَبنى إِلَى جَانب تربته مدرسة مَشْهُورَة.
وَكَانَ للمظفر بَأْس وأدب وَشعر حسن، وَتُوفِّي لَيْلَة وَفَاته حسام الدّين مُحَمَّد بن لاجين، وَأمه سِتّ الشَّام بنت أَيُّوب أُخْت السُّلْطَان.
ثمَّ قرر السُّلْطَان للمنصور حماه وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم، وأقطع الْبِلَاد الشرقية لِأَخِيهِ الْعَادِل، وَنزل الْعَادِل عَن إقطاعه بِالشَّام خلا الكرك والشوبك والصلت والبلقا وَنصف خاصه بِمصْر، وَالْتزم كل سنة ألف غرارة من الصَّلْت والبلقا للقدس.
وفيهَا: فِي شعْبَان قتل عُثْمَان قزل أرسلان بن إيلدكز، وَكَانَ قد تغلب واعتقل السُّلْطَان طغرل بك بن أرسلان، ثمَّ تعصب على الشَّافِعِيَّة بأصبهان وصلب من أعيانهم جمَاعَة، وَعَاد إِلَى هَمدَان، وخطب لنَفسِهِ فَقتله على فرَاشه من لم يعرف.
وفيهَا: قدم معز الدّين قَيْصر شاه بن قلج أرسلان صَاحب الرّوم إِلَى صَلَاح الدّين، وَسَببه أَن أَبَاهُ فرق مَمْلَكَته على أَوْلَاده وَأعْطى ابْنه هَذَا ملطية فألزم بعض إخْوَته أَبَاهُ باسترجاع ملطية فخاف من ذَلِك والتجأ إِلَى السُّلْطَان فَأكْرمه وزوجه بنت أَخِيه الْعَادِل وَعَاد معز الدّين إِلَى ملطية فَتمكن.
وفيهَا: قتل أَبُو الْفَتْح يحيى بن حَنش بن أميرك شهَاب الدّين السهروردي الفيلسوف بقلعة حلب، أَمر بخنقه الظَّاهِر غَازِي بِأَمْر وَالِده، قَرَأَ الأصولين وَالْحكمَة على مجد الدّين الجيلي شيخ الإِمَام فَخر الدّين.
وَكَانَ علمه أَكثر من عقله، فَأفْتى بِإِبَاحَة دَمه لسوء مذْهبه، وشدد عَلَيْهِ زين الدّين ومجد الدّين ابْنا جهبل.
قَالَ السَّيِّد الْآمِدِيّ: قَالَ لي السهروري: لَا بُد أَن أملك الأَرْض رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأبي شربت مَاء الْبَحْر فَقلت: لَعَلَّه اشتهار علمك.
وعاش ثمانياً وَثَلَاثِينَ سنة، وَله فِي الْحِكْمَة التلويحات والتنقيحات والمشارع والمطارحات والهياكل وَحِكْمَة الْإِشْرَاق، وَنسب إِلَى السيمياء.
وَمن شعره:
(أبدا تحن إِلَيْكُم الْأَرْوَاح
…
ووصالكم ريحانها والراح)
(وَقُلُوب أهل ودادكم تشتاقكم
…
وَإِلَى لذيذ لقائكم ترتاح)
(وارحمتنا للعاشقين تكلفوا
…
ستر الْمحبَّة والهوى فضاح)
(وَإِذا هم كتموا تحدث عَنْهُم
…
عِنْد الوشاة المدمع السحاح)
(لَا ذَنْب للعشاق إِن غلب الْهوى
…
كتمانهم فنما الغرام وباحوا)