الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشيع فِي منَازِل الشِّيعَة مصرعاً، ثمَّ أنطى أنطاكية بعض نصيب ورحل عَنْهَا حَيَاء من نسيانه ذكرى حبيب، ثمَّ قَالَ لشيرز وحارم لَا تخافا مني فأنتما من قبل وَمن بعد فِي غنى عني، فالأمكنة الردية تصح فِي الْأَزْمِنَة الوبية ثمَّ أذلّ عزاز وكلزة وَأصْبح فِي بيوتهما الْحَارِث، وَلَا أغْنى ابْن حلزة وَأخذ من أهل الْبَاب أهل الْأَلْبَاب وباشر تل بَاشر وَذَلِكَ دلوك وحاشر وَقصد الوهاد والتلاع وَقلع خلقا من القلاع ثمَّ طلب حلب وَلكنه مَا غلب.
وَمِنْهَا: وَمن الأقدار أَنه يتبع أهل الدَّار، فَمَتَى بَصق أحد مِنْهُم دَمًا تحققوا كلهم عدماً ثمَّ يسكن لباصق الأجداث بعد لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث.
(سَأَلت بارئ النسم
…
فِي دفع طاعون صدم)
(فَمن أحس بلع دم
…
فقد أحس بِالْعدمِ)
وَمِنْهَا:
(حلب وَالله يَكْفِي
…
شَرها أَرض مشقة)
(أَصبَحت حَيَّة سوء
…
تقتل النَّاس ببزقة)
فَلَقَد كثرت فِيهَا أرزاق الجنائزية فَلَا رزقوا، وعاشوا بِهَذَا الْمَوْسِم وعرقوا من الْحمل، فَلَا عاشوا وَلَا عرقوا، فهم يلهون ويلعبون، ويتقاعدون على الزبون.
(إسودت الشَّهْبَاء فِي
…
عَيْني من وهم وغش)
(كَادَت بَنو نعش بهَا
…
أَن يلْحقُوا ببنات نعش)
وَمِمَّا أغضب الْإِسْلَام وَأوجب الآلام أَن أهل سيس الملاعين مسرورون لبلادنا بالطاعون.
(سكان سيس يسرهم مَا ساءنا
…
وَكَذَا العوائد من عَدو الدّين)
(فَالله يَنْقُلهُ إِلَيْهِم عَاجلا
…
ليمزق الطاغوت بالطاعون)
وَمِنْهَا: فَإِن قَالَ قَائِل هُوَ يعدي ويبيد قلت: بل الله يُبْدِي وَيُعِيد، فَإِن جادل الْكَاذِب فِي دَعْوَى الْعَدْوى وَتَأَول قُلْنَا فقد قَالَ الصَّادِق صلى الله عليه وسلم َ -: "
فَمن أعدى الأول استرسل ثعبانه وانساب " وَسمي طاعون الْأَنْسَاب وَهُوَ سادس طاعون وَقع فِي الْإِسْلَام، وَعِنْدِي أَنه الموتان الَّذِي أنذر بِهِ نَبينَا عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ وَكَانَ:
(أعوذ بِاللَّه رَبِّي من شَرّ طاعون النّسَب
…
باروده المستعلي قد طَار فِي الأقطار)
(دولاب دهاشاته ساعي لصارخ مارثي
…
وَلَا فدا بذخيره فتاشه الطبار)
(يدْخل إِلَى الدَّار يحلف مَا أخرج إِلَّا بِأَهْلِهَا
…
معي كتاب القَاضِي بِكُل من فِي الدَّار)
وَفِي هَذَا كِفَايَة فَفِي الرسَالَة طول.
وفيهَا: أسقط القَاضِي الْمَالِكِي الريَاحي بحلب تِسْعَة من الشُّهُود ضَرْبَة وَاحِدَة فاستهجن مِنْهُ ذَلِك وأعيدوا إِلَى عدالتهم ووظائفهم.
وفيهَا: قتل بحلب زنديقان أعجميان كَانَا مقيمين بدلوك.
وفيهَا: بلغنَا وَفَاة القَاضِي زين الدّين عمر البلفيائي بصفد بالوباء وَالشَّيْخ نَاصِر الدّين الْعَطَّار بطرابلس بالوباء، وَهُوَ وَاقِف الْجَامِع الْمَعْرُوف بِهِ بهَا، وفيهَا توفّي القَاضِي جمال الدّين سُلَيْمَان بن رَيَّان الطَّائِي بحلب مُنْقَطِعًا تَارِكًا للخدم ملازماً للتلاوة.
وفيهَا: بلغنَا أَن أرغون شاه وسط بِدِمَشْق كثيرا من الْكلاب.
وفيهَا: توفّي الْأَمِير أَحْمد بن مهنا أَمِير الْعَرَب وفت ذَلِك فِي أعضاد آل مهنا، وَتوجه أَخُوهُ فياض الغشوم الْقَاطِع للطرق الظَّالِم للرعية إِلَى مصر ليتولى الْإِمَارَة على الْعَرَب مَكَان أَخِيه أَحْمد فَأُجِيب إِلَى ذَلِك فَشكى عَلَيْهِ رجل شرِيف أَنه قطع عَلَيْهِ الطَّرِيق وَأخذ مَاله وَتعرض إِلَى حريمه فرسم السُّلْطَان بإنصافه مِنْهُ فَأَغْلَظ فياض فِي القَوْل طَمَعا بصغر سنّ السُّلْطَان فقبضوا عَلَيْهِ قبضا شنيعاً.
وفيهَا: فِي سلخ شَوَّال توفّي قَاضِي الْقُضَاة نور الدّين مُحَمَّد بن الصَّائِغ بحلب، وَكَانَ صَالحا عفيفاً دينا لم يكسر قلب أحد وَلكنه لخيرته طمع قُضَاة السوء فِي المناصب وَصَارَ المناحيس يطلعون إِلَى مصر ويتولون الْقَضَاء فِي النواحي بالبذل وَحصل بذلك وَهن فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
قلت:
(مُرِيد قضا بَلْدَة
…
لَهُ حلب قَاعِدَة)
(فَيطلع فِي أَلفه
…
وَينزل فِي وَاحِدَة)
وَكَانَ رحمه الله من أكبر أَصْحَاب ابْن تَيْمِية، وَكَانَ حَامِل رايته فِي وقْعَة الكسروان الْمَشْهُورَة.
وفيهَا: فِي عَاشر ذِي الْقعدَة توفّي بحلب صاحبنا الشَّيْخ الصَّالح زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن هبة الله الْعمريّ بِإِمَام الزجاجية من أهل الْقُرْآن وَالْفِقْه والْحَدِيث، عزب مُنْقَطع عَن النَّاس، كَانَ لَهُ بحلب دويرات وقفهن على بني عَمه.
وَظهر لَهُ بعد مَوته كرامات، مِنْهَا: أَنه لما وضع فِي الْجَامِع ليصلى عَلَيْهِ بعد الْعَصْر ظهر من جنَازَته نور شَاهده الْحَاضِرُونَ، وَلما حمل لم يجد حاملوه عَلَيْهِم مِنْهُ ثقلاً حَتَّى كَأَنَّهُ مَحْمُول عَنْهُم فتعجبوا لذَلِك.
وَلما دفن وَجَلَسْنَا نَقْرَأ عِنْده سُورَة الْأَنْعَام شممنا من قَبره رَائِحَة طيبَة تغلب رَائِحَة الْمسك والعنبر، وتكرر ذَلِك فتواجد النَّاس وَبكوا وغلبتهم الْعبْرَة، وَله محَاسِن كَثِيرَة رحمه الله ورحمنا بِهِ آمين، ومكاشفات مَعْرُوفَة عِنْد أَصْحَابه.
وَفِي الْعشْر الْأَوْسَط مِنْهُ توفّي (أخي الشَّقِيق) وشيخي الشفيق القَاضِي جمال الدّين يُوسُف، ترك فِي آخر عمره الحكم وَأَقْبل على التدريس والإفتاء، وَكَانَ من كَثْرَة الْفِقْه وَالْكَرم وسعة النَّفس وسلامة الصَّدْر بِالْمحل الرفيع رَحمَه الله تَعَالَى، وَدفن بمقابر الصَّالِحين قبلي الْمقَام بحلب.
قلت:
(أَخ أبقى ببذل المَال ذكرا
…
وَإِن لاموه فِيهِ ووبخوه)
(أَزَال فِرَاقه لذات عيشي
…
وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ)
وَفِيه: توفّي الشَّيْخ عَليّ بن الشَّيْخ مُحَمَّد بن الْقدْوَة نَبهَان الجبريني، بجبرين، وَجلسَ على السجادة ابْنه الشَّيْخ مُحَمَّد الصُّوفِي، كَانَ الشَّيْخ عَليّ بحراً فِي الْكَرم رحمه الله ورحمنا بهم آمين.
وَفِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة ورد الْبَرِيد من مصر بتوليه قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين عبد القاهر بن أبي السفاح قَضَاء الشَّافِعِيَّة بالمملكة الحلبية وسررنا بذلك وَللَّه الْحَمد.
وَفِيه: ظهر بمنبج على قبر النَّبِي مَتى وقبر حَنْظَلَة بن خويلد أخي خَدِيجَة رضي الله عنها وَهَذَانِ القبران بمشهد النُّور خَارج منبج وعَلى قبر الشَّيْخ عقيل المنبجي وعَلى قبر الشَّيْخ ينبوب وهما دَاخل منبج، وعَلى قبر الشَّيْخ عَليّ وعَلى مشْهد المسيحات شمَالي منبج أنوار عَظِيمَة، وَصَارَت الْأَنْوَار تنْتَقل من قبر بَعضهم وتجتمع وتتراكم ودام ذَلِك إِلَى ربع اللَّيْل حَتَّى انبهر لذَلِك أهل منبج وَكتب قاضيهم بذلك محضراً وجهزه إِلَى دَار الْعدْل بحلب، ثمَّ أَخْبرنِي القَاضِي بمشاهدة ذَلِك أكَابِر وأعيان من أهل منبج أَيْضا، وَهَؤُلَاء السَّادة هم خفراء الشَّام وَنَرْجُو من الله تَعَالَى ارْتِفَاع هَذَا الوباء الَّذِي كَاد يفني الْعَالم ببركتهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قلت:
(إشفعوا يَا رجال منبج فِينَا
…
لارْتِفَاع الوبا عَن الْبلدَانِ)
(نزل النُّور فِي الظلام عَلَيْكُم
…
إِن هَذَا يزِيد فِي الْإِيمَان)
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة بلغنَا وَفَاة القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله الْعمريّ بِدِمَشْق بالطاعون مَنْزِلَته فِي الْإِنْشَاء مَعْرُوفَة وفضيلته فِي النّظم والنثر مَوْصُوفَة كتب السّير للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بِالْقَاهِرَةِ بعد أَبِيه محيي الدّين، ثمَّ عزل بأَخيه القَاضِي عَلَاء الدّين، وَكتب السِّرّ بِدِمَشْق ثمَّ عزل وتفرغ للتأليف والتصنيف حَتَّى مَاتَ عَن نعْمَة وافرة دخل رحمه الله قبل وَفَاته بِمدَّة معرة النُّعْمَان فَنزل بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أنشأتها ففرح لي بهَا وَأنْشد فِيهِ بَيْتَيْنِ أرسلهما إِلَيّ بِخَطِّهِ وهما:
(وَفِي بلد المعرة دَار علم
…
بني الوردي مِنْهَا كل مجد)
(هِيَ الوردية الْحَلْوَاء حسنا
…
وَمَاء الْبِئْر مِنْهَا مَاء ورد)
فأجبته بِقَوْلِي:
(أمولانا شهَاب الدّين إِنِّي
…
حمدت الله إِذْ بك تمّ مجدي)
(جَمِيع النَّاس عنْدكُمْ نزُول
…
وَأَنت جبرتني وَنزلت عِنْدِي)
هَذَا آخر مَا وجد من التَّارِيخ لمؤلفه الشَّيْخ زين الدّين عمر ابْن الوردي رَحمَه الله تَعَالَى.