المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قبض الملك السعيد وعود التتر - تاريخ ابن الوردي - جـ ٢

[ابن الوردي الجد، زين الدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(ذكر وُصُول ملكشاه إِلَى حلب)

- ‌ملك يُوسُف بن تاشفين غرناطة وانقراض دولة الصناهجة

- ‌ذكر ملك كربوغا الْموصل

- ‌ذكر ملك الفرنج بَيت الْمُقَدّس

- ‌ وَله كتاب تَقْوِيم الْأَبدَان وَغَيره، ووقف كتبه وَجعلهَا فِي مشْهد أبي حنيفَة

- ‌فِيهَا استولى سقمان القطبي التركي وَيُسمى سكمان على خلاط كَانَ مَمْلُوكا لإسماعيل صَاحب مَدِينَة مرند من أذربيجان، ولقب إِسْمَاعِيل قطب الدّين وَكَانَ من بنير سلجوق، وَلذَلِك قيل لسكمان القطبي، وَنَشَأ سكمان شهماً كَافِيا، وَكَانَت خلاط لبني مَرْوَان وظلموا واشتهر عدل

- ‌كَانَ القَاضِي أَبُو عبيد الله بن مَنْصُور عرف بِابْن صليحة قد استولى على جبلة وحاصره الفرنج فَأرْسل إِلَى طغتكين أتابك دقاق صَاحب دمشق يطْلب مِنْهُ من يتسلم مِنْهُ جبلة ويحفظها، فَأرْسل إِلَيْهَا طغتكين ابْنه تَاج الْملك بورى فتسلمها وأساء السِّيرَة، فكاتب أَهلهَا أَبَا عَليّ بن

- ‌أول عظمهم بعد السُّلْطَان ملكشاه، وملكوا قلاعاً مِنْهَا قلعة أَصْبَهَان مستجدة بناها ملكشاه، وَسبب بنائها أَن كَلْبا هرب مِنْهُ فِي الصَّيْد وَمَعَهُ رَسُول الرّوم فَصَعدَ الْكَلْب إِلَى

- ‌حَال طرابلس مَعَ الفرنج

- ‌ابْتِدَاء أَمر مُحَمَّد بن يومرت وَملك عبد الْمُؤمن

- ‌ بِخُرُوجِهِ، فاستفحل أمره وَقَامَ عبد الْمُؤمن بن عَليّ فِي عشرَة أنفس وَقَالُوا لَهُ: أَنْت الْمهْدي وَبَايَعُوهُ على ذَلِك، وتبعهم غَيرهم فَأرْسل ابْن تاشفين إِلَيْهِ جَيْشًا فَهَزَمَهُمْ فَأَقْبَلت الْقَبَائِل تبايعه، وَعظم أمره واستوطن جبلا عِنْد سمليك وَرَأى فِي جموعه قوما خافهم فَقَالَ: إِن

- ‌ذكر ملك زنكي حلب

- ‌قتل الإسماعيلية وَحصر الفرنج دمشق

- ‌خلع الراشد وَولَايَة المقتفي

- ‌فعل ملك الرّوم بِالشَّام

- ‌مقتل الراشد

- ‌ والقضيب أخذا من المسترشد وأعيدا إِلَى المقتفي.وفيهَا: ملك الإسماعيلية حصن مصياث بِالشَّام، تسلقوا على وَالِي بني منقذ وقتلوه وملكوه.وفيهَا: توفّي الْفَتْح بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن خاقَان قَتِيلا فِي فندق بمراكش، فَاضل فِي الْأَدَب، لَهُ قلائد العقبان

- ‌ظُهُور الْمُلُوك الغورية وانقراض دولة آل سبكتكين

- ‌أَخْبَار بني منقذ والزلازل

- ‌ذكر فتح المهدية

- ‌ذكر مسير سُلَيْمَان شاه إِلَى هَمدَان وَقَتله

- ‌ نَحْو خَمْسَة عشر ذِرَاعا.وجمال الدّين هَذَا هُوَ الَّذِي جدد مَسْجِد الْخيف بمنى، وَبنى الْحجر بِجَانِب الْكَعْبَة وزخرف الْكَعْبَة وبذل جملَة طائلة لصَاحب مَكَّة وللمقتفي حَتَّى مكنه من ذَلِك، وَبنى الْمَسْجِد الَّذِي على عَرَفَات وَعمل الدرج إِلَيْهِ وَعمل بِعَرَفَات مصانع المَاء، وَبنى سوراً

- ‌ذكر ملك شيركوه مصر، وَقتل شاور وبتداء الدولة الأيوبية

- ‌شيركوه وَأَيوب

- ‌ذكر الْخطْبَة العباسية بِمصْر وانقراض الدولة العلوية

- ‌ملك توران شاه الْيمن

- ‌ملك صَلَاح الدّين دمشق وحمص وحماه

- ‌وقْعَة حطين

- ‌ وَحضر مَعَه فتوحاته، وَكَانَ يرجع إِلَى قَوْله تبركاُ بِصُحْبَتِهِ، وَدخل السُّلْطَان دمشق فِي رَمَضَان الْمُعظم، فأشير عَلَيْهِ بتفريق العساكر ليريحوا ويستريحوا، فَقَالَ: إِن الْعُمر قصير، وَالْأَجَل غير مَأْمُون، وَكَانَ لما سَار إِلَى الشمَال قد ترك على الكرك وَغَيرهَا من يحصرها وَأَخُوهُ

- ‌حِصَار عكا

- ‌ذكر اسْتِيلَاء الفرنج على عكا

- ‌وَفَاة الْملك المظفر

- ‌عقد الْهُدْنَة مَعَ الفرنج

- ‌قتل طغرل بك وَملك خوارزم شاه الرّيّ

- ‌انتزاع دمشق من الْأَفْضَل

- ‌ رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول، أَيهَا النَّاس: إِنَّا لَا نقُول إِلَّا مَا صَحَّ عندنَا عَن رَسُول الله

- ‌ وَبكى وَبكى الكرامية، فثار النَّاس

- ‌ أَبُو بكر أَو عَليّ رضي الله عنهما؟ فَقَالَ: أفضلهما من كَانَت ابْنَته تَحْتَهُ فأرضى الطَّائِفَتَيْنِ وينتسب إِلَى مشرعة الْجَوْز من محَال بَغْدَاد وَالله أعلم.ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا خرب الظَّاهِر قلعة منبج خوفًا من انتزاعها مِنْهُ، وأقطعها عماد الدّين

- ‌الْحَوَادِث بِالْيمن

- ‌ذكر قتل شهَاب الدّين ملك الغورية

- ‌ذكر قصد ملك الرّوم حلب

- ‌ذكر وَفَاة الْملك الْعَادِل

- ‌ذكر اسْتِيلَاء الْملك النَّاصِر على حماه

- ‌اسْتِيلَاء الْملك المظفر غَازِي بن الْعَادِل على خلاط وميافارقين

- ‌مسير التتر إِلَى خوارزم شاه وهزيمته وَمَوته

- ‌عود دمياط إِلَى الْمُسلمين

- ‌حَادِثَة غَرِيبَة

- ‌عصيان المظفر غَازِي بن الْعَادِل على أَخِيه الْأَشْرَف

- ‌وَفَاة ملك الْمغرب وَمَا كَانَ بعده

- ‌ذكر ملك المظفر مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد لحماه

- ‌كسرة جلال الدّين

- ‌تَلْخِيص من تَارِيخ جلال الدّين

- ‌اسْتِيلَاء الْعَزِيز بن الظَّاهِر على شيزر

- ‌ وَينْفق عَلَيْهِ الْأَمْوَال الجليلة.ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة: فِيهَا فِي الْمحرم توفّي شهَاب الدّين طغرل بك الأتابك بحلب.قلت: وَله أوقاف مبرورة وواقعته مَعَ الشَّيْخ نَبهَان بن غيار الحبريني العَبْد الصَّالح مَشْهُورَة، وَالله أعلم

- ‌ تصدق رجل من ديناره من درهمه من صَاع بره من صَاع تمره.وروى أَبُو زيد: أكلت خَبرا لَحْمًا تَمرا.قَالَ الشَّاعِر:(كَيفَ أَصبَحت كَيفَ أمسيت مِمَّا…يغْرس الود فِي فؤاد الْكَرِيم)وَأما بَيت أبي الطّيب فمصطبر ومقتحم مجروران قيل بِمن الْمقدرَة وَهُوَ بعيد

- ‌اسْتِيلَاء النَّاصِر صَاحب حلب على دمشق

- ‌ تعلق فِي أَسْتَار الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَقَالَ: اشْهَدُوا أَن هَذَا مقَامي من رَسُول الله

- ‌ وَكَانَت تضيء بِاللَّيْلِ من مَسَافَة بعيدَة جدا. ولعلها النَّار الَّتِي ذكرهَا رَسُول الله

- ‌ فمما نظم المشد سيف الدّين عمر بن قزل يُخَاطب بِهِ النَّبِي

- ‌ وَقع مِنْهُم فِي بعض اللَّيَالِي تَفْرِيط، فاشتعلت النَّار فِي الْمَسْجِد الشريف، واحترقت سقوفه وتألم النَّاس لذَلِك.قلت: وَكَانَ أصل هَذَا الْحَرِيق من مسرجة قيم، وَقلت فِي ذَلِك:(وَالنَّار أَيْضا من جنود نَبينَا…لم تأت إِلَّا بِالَّذِي يخْتَار)(متغلبون يزخرفون بسحتهم

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة: فِيهَا قصد هولاكو ملك التتر بَغْدَاد، وملكها فِي الْعشْرين من الْمحرم، وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه وَسَببه أَن وَزِير الْخَلِيفَة مؤيد الدّين بن العلقمي، كَانَ رَافِضِيًّا وَأهل الكرخ روافض فَافْتتنَ السّنيَّة والشيعة بِبَغْدَاد كعادتهم فَأمر

- ‌قصد هولاكو الشَّام

- ‌سلطنة الْحلَبِي بِدِمَشْق

- ‌قبض الْملك السعيد وعود التتر

- ‌ ففرغ فِي أَربع سِنِين وَالله أعلم.وفيهَا: فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر هلك هولاكو بن طلو بن جنكيزخان وَترك خَمْسَة عشر ابْنا.وَملك بعده ابْنه أبغاً الْبِلَاد الَّتِي كَانَت بيد أَبِيه وَهِي أقليم خُرَاسَان وكرسيه نيسابور وإقليم عراق الْعَجم وتعرف بِبِلَاد الْجَبَل وكرسيه

- ‌ وأماننا لأخينا السُّلْطَان الْملك المظفر شمس الدّين يُوسُف بن عمر صَاحب الْيمن إننا رَاعُونَ لَهُ ولأولاده، مسالمون من سالمهم، معادون من عاداهم وَنَحْو ذَلِك، وَأرْسل إِلَيْهِ هَدِيَّة من أسلاب التتر وخيلهم.وفيهَا: مَاتَ منكوتمر بن هولاكو بن طلو بن جنكيزخان بِجَزِيرَة

- ‌فتح حموص وَغَيرهَا

- ‌ذكر المتجددات بعد الكسرة

- ‌قدوم قبجق إِلَى حماه

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا أرسل قرا سنقر نَائِب حلب مَعَ مَمْلُوكه قشتمر عسكراً إِلَى سيس.وَكَانَ قشتمر ضَعِيف الْعقل مشتغلاً بِالْخمرِ فاستهان بالعدو فَجمع صَاحب سيس سنباط من الأرمن والفرنج والتتر ووصلوا إِلَى غَزَّة وقاتلوهم قرب إِيَاس فَانْهَزَمَ

- ‌ ألْقى الله فِي قُلُوبهم الرعب وَهَزَمَهُمْ.قلت:(مَا ذكرُوا الْمُصْطَفى بِسوء…إِلَّا وسيق البلا إِلَيْهِم)(فحبه رَحْمَة علينا…وسبه نقمة عَلَيْهِم)وقاسى الْعَسْكَر فِي هدم الأبراج مشقة فَإِنَّهَا كَانَت مكلبة بحديد ورصاص وَعرض السُّور ذِرَاعا بالنجاري، ونقبت

- ‌ أشعاراً، وَمَا أرق قَوْله:(لَا تسْأَل يَا حبيب قلبِي…مَا تمّ عَليّ فِي هواكا)(الْعرض فقد صلوت عَنهُ…وَالنَّفس جَعلتهَا فداكا)وَقَوله دو بَيت:(يَا عصر شَبَابِي المفدي أَرَأَيْت…مَا أسْرع مَا بَعدت عني ونأيت)(قد كنت مساعدي على كَيْت وَكَيْت…وَالْيَوْم

- ‌ فجَاء نقيب الحكم بدر الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين إِسْحَاق وأزاح الْعَقْرَب عَن كم النَّبِي

- ‌ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَعَ اعترافه بِأَن الزِّيَارَة بِلَا شدّ رَحل قربَة فشنعوا عَلَيْهِ بهَا، وَكتب فِيهَا جمَاعَة بِأَنَّهُ يلْزم من مَنعه شَائِبَة تنقيص للنبوة فيكفر بذلك.وَأفْتى عدَّة بِأَنَّهُ مُخطئ بذلك خطأ الْمُجْتَهدين المغفور لَهُم وَوَافَقَهُ جمَاعَة وَكَبرت الْقَضِيَّة

- ‌ أَمر بقتل الْكلاب مرّة، ثمَّ صَحَّ أَنه نهى عَن قَتلهَا، قَالَ: وَاسْتقر الشَّرْع عَلَيْهِ على التَّفْصِيل الْمَعْرُوف فَأمر بقتل الْأسود إِلَيْهِم، وَكَانَ هَذَا فِي الإبتداء وَهُوَ الْآن مَنْسُوخ، هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَا مزِيد على تَحْقِيقه وَالله أعلم

- ‌ رد عليه السلام من الْحُجْرَة وَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام يَا مهنا، ثمَّ عَاد إِلَى الفوعة وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

- ‌ نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم فارتاب فِي ذَلِك فأقدم على فتح الْبَاب الْمَذْكُور بعد أَن نهي عَن ذَلِك فَوجدَ بَابا عَلَيْهِ تأزير رُخَام أَبيض، وَوجد فِي ذَلِك تَابُوت رُخَام أَبيض فَوْقه رخامة تبيضاء مربعة فَرفعت الرخامة عَن التابوت فَإِذا فِيهَا بعض جمجمة فهرب الْحَاضِرُونَ هَيْبَة لَهَا، ثمَّ رد

- ‌ فِيمَن صَامَ الدَّهْر لَا صَامَ وَلَا أفطر على أَنه دُعَاء عَلَيْهِ وَفِي حق من نذور وَلم يتَضَرَّر خَمْسَة أَقْوَال الْوُجُوب وَهُوَ إختيار أَكثر الأصاحب وَالْإِبَاحَة وَالْكَرَاهَة وَالتَّحْرِيم وَفِي حق من يتَضَرَّر بِأَن تفوته السّنَن أَو الِاجْتِمَاع بالأهل ثَلَاثَة أَقْوَال التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة وَلَا يَجِيء

- ‌ مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر رضي الله عنهم عَن نَبينَا سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب

- ‌ وَفِيه: ورد الْخَبَر إِلَى حلب أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَليّ بن السُّبْكِيّ تولى قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق المحروسة بعد أَن حدث الْخَطِيب بدر الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي جلال الدّين نَفسه بذلك وَجزم بِهِ وَقبل الهناء فَقَالَ فِيهِ بعض أهل دمشق:(قد سبك السُّبْكِيّ قلب الْخَطِيب

- ‌وفيهَا: فِي الْعشْرين من شهر رَجَب توفّي بجبرين الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ نَبهَان كَانَ لَهُ الْقبُول التَّام عِنْد الْخَاص وَالْعَام، وناهيك أَن طشتمر حمص أَخْضَر على قُوَّة نَفسه وشممه وقف على زاويته بجبرين حِصَّة من قَرْيَة حريثان لَهَا مغل جيد وَبِالْجُمْلَةِ فَكَأَنَّمَا مَاتَت بِمَوْتِهِ مَكَارِم

- ‌ حسن الخظ، وَله نظم، كَانَ كَاتبا ثمَّ صَار داوندار قبجق بحماه ثمَّ شاد الدَّوَاوِين بحلب ثمَّ حاجباً بهَا ثمَّ دواتدار الْملك النَّاصِر ثمَّ نَائِبا بالإسكندرية ثمَّ أَمِيرا بحلب وشاد المَال وَالْوَقْف ثمَّ أَمِيرا بطرابلس رَحمَه الله تَعَالَى.وفيهَا: فِي شعْبَان بلغنَا وَفَاة الشَّيْخ

- ‌ فَمن أعدى الأول استرسل ثعبانه وانساب " وَسمي طاعون الْأَنْسَاب وَهُوَ سادس طاعون وَقع فِي الْإِسْلَام، وَعِنْدِي أَنه الموتان الَّذِي أنذر بِهِ نَبينَا عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ وَكَانَ:(أعوذ بِاللَّه رَبِّي من شَرّ طاعون النّسَب…باروده المستعلي قد طَار فِي الأقطار)

الفصل: ‌قبض الملك السعيد وعود التتر

وفيهَا: فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من ذِي الْقعدَة شرع علم الدّين سنجر الْحلَبِي نَائِب دمشق فِي تَجْدِيد عمَارَة قلعة دمشق، وَعمل فِيهَا حَتَّى النِّسَاء وَشر النَّاس بهَا.

‌سلطنة الْحلَبِي بِدِمَشْق

كَانَ قطز قد استناب علم الدّين سنجر الْحلَبِي بِدِمَشْق، فَلَمَّا تملك الظَّاهِر حلف الْحلَبِي النَّاس لنَفسِهِ فِي الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة مِنْهَا.

وتلقب بِالْملكِ الْمُجَاهِد، وَجعل السِّكَّة وَالْخطْبَة باسمه وَكَاتب الْمَنْصُور بحماه فِي ذَلِك فَقَالَ: أَنا مَعَ من ملك مصر.

‌قبض الْملك السعيد وعود التتر

وفيهَا اجْتمع الْأُمَرَاء على السعيد بن بدر الدّين لُؤْلُؤ بحلب وقبضوا عَلَيْهِ لسوء سيرته وَلِأَنَّهُ خالفهم فِي تجهيز سَابق الدّين أَمِير مجْلِس الناصري فِي جمَاعَة قَليلَة إِلَى لِقَاء التتر لما سَارُوا إِلَى البيرة.

وَكَانَ السعيد قد برز إِلَى بابلي وَلم يَجدوا بخزائنه طائلاً، فهددوه بِالْعَذَابِ إِن لم يقر بِمَالِه فنبش من تَحت أَشجَار بجوار بابلي جملَة قيل خَمْسُونَ ألف دِينَار مصرية ففرقت فِي أُمَرَاء الْعَسْكَر واعتقلوه بالثغر، وَقدمُوا عَلَيْهِم حسام الدّين الجوكندار العزيزي.

ثمَّ سَارَتْ التتر إِلَى حلب فَانْدفع حسام الدّين والعسكر بَين أَيْديهم إِلَى جِهَة حماه، وَملك التتر حلب فِي آخر هَذِه السّنة وأخرجوا أَهلهَا إِلَى قرنيبا وَاسْمهَا مقرّ الْأَنْبِيَاء، وجمعوهم بهَا وأفنوا غالبهم قتلا.

وَوصل حسام الدّين الجوكندار وَمن مَعَه حماه، فأضافهم الْمَنْصُور على وَجل مِنْهُم، ثمَّ سَارُوا إِلَى حمص، فَلَمَّا قَارب التتر حماه خرج الأخوان الْمَنْصُور وَالْأَفْضَل والأمير مبارز الدّين وَبَاقِي الْعَسْكَر، واجتمعوا بحمص مَعَ العساكر إِلَى أَن خرجت هَذِه السّنة.

ثمَّ دخلت سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة: فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس الْمحرم مِنْهَا انْكَسَرَ التتر على حمص وَذَلِكَ إِن التتر قدمُوا فِي آخر السّنة الْمَاضِيَة وَاجْتمعَ العزيزية والناصرية والمنصور صَاحب حماه، والأشرف صَاحب حمص، وسارت التتر إِلَيْهِم والتقوا بِظَاهِر حمص والتتر أَكثر بِكَثِير، فَانْهَزَمَ التتر وتبعهم الْمُسلمُونَ يقتلُون وَيَأْسِرُونَ مِنْهُم كَيفَ شَاءُوا.

وَوصل الْمَنْصُور بعْدهَا إِلَى حماه، وانضم من سلم من التتر إِلَى بَاقِي جَمَاعَتهمْ قرب سلمية، واجتمعوا ونزلوا على حماه يَوْمًا ثمَّ رحلوا، وَبعد رحيلهم رَحل الْمَنْصُور وَالْأَفْضَل مِنْهَا إِلَى دمشق، وَكَذَلِكَ الْأَشْرَف صَاحب حمص، وَأما حسام الدّين الجوكندار العزيزي فَلم يدْخل دمشق وَسَار إِلَى مصر، وَأقَام صَاحب حماه وَصَاحب حمص بِدِمَشْق فِي دورهما.

وَأما التتر فَسَارُوا عَن حماه إِلَى أفامية، وَكَانَ سيف الدّين الدبيلي الأشرفي قد وصل

ص: 204

إِلَى أفامية فَأَقَامَ بقلعتها وَشرع يُغير على التتر فتوجهوا إِلَى الشرق.

وفيهَا: جهز الْملك الظَّاهِر بيبرس صَاحب مصر عسكراً مَعَ أستاذه عَلَاء الدّين إيدكين البندقدار لقِتَال علم الدّين سنجر الْحلَبِي المستولي على دمشق فَخرج الْحلَبِي لقتالهم، وَكَانَ صاحبا حماه وحمص مقيمين بِدِمَشْق لم يطيعا الْحلَبِي لاضطراب أمره، واقتتلوا بِظَاهِر دمشق فِي ثَالِث عشر صفر مِنْهَا فَانْهَزَمَ الْحلَبِي وَأَصْحَابه وَدخل القلعة وهرب لَيْلًا إِلَى جِهَة بعلبك فتبعوه وقبضوا عَلَيْهِ وَحمل إِلَى مصر فاعتقل ثمَّ أطلق.

وأقيمت الْخطْبَة بِالشَّام كُله للظَّاهِر وَاسْتقر البندقدار بِدِمَشْق لتدبير أمورها ثمَّ عَاد صاحبا حماه وحمص إِلَى بلديهما.

وفيهَا: ورد على البندقدار بِدِمَشْق مرسوم الظَّاهِر بِالْقَبْضِ على بهاء الدّين بغدي الأشرفي وعَلى شمس الدّين أقوش التركي وَغَيرهمَا من العزيزية والناصرية فَقبض إيدكين البندقدار على بغدي فاجتمعت العزيزية والناصرية إِلَى البرلي، وَخَرجُوا من دمشق لَيْلًا على حمية ونزلوا بالمرج، وَكَانَ قطز قد ولى البرلي غَزَّة والسواحل، فَلَمَّا جهز الظَّاهِر أستاذه إِلَى قتال الْحلَبِي أَمر البرلي بالانضمام إِلَيْهِ، فَسَار البرلي مَعَ النبدقدار وَأقَام بِدِمَشْق فَلَمَّا قبض على بغدي خرج البرلي وَأرْسل إيدكين يطيب قلبه وَيحلف لَهُ فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ، وَسَار إِلَى حمص ليوافقه الْأَشْرَف مُوسَى على الْعِصْيَان فَأبى ثمَّ إِلَى حماه ليوافقه صَاحبهَا فَأبى فَأحرق البرلي زرع بيدر الْعشْر، وَسَار إِلَى شيزر، ثمَّ إِلَى جِهَة حلب.

وَكَانَ إيدكين قد جهز عسكراً صُحْبَة فَخر الدّين الْحِمصِي للكشف عَن البيرة فَإِن التتر نازلوها، فَلَمَّا قدم البرلي إِلَى حلب كَانَ بهَا فَخر الدّين الْحِمصِي، فَقَالَ لَهُ البرلي: نَحن فِي طَاعَة الْملك الظَّاهِر فتمضي إِلَى السُّلْطَان وتسأله أَن أكون أَنا وَمن معي مقيمين بِهَذَا الطّرف تَحت طَاعَته وَلَا يكلفني وَطْء بساطه.

فَسَار الْحِمصِي إِلَى جِهَة مصر ليؤدي هَذِه الرسَالَة فَتمكن البرلي واحتاط على مَا بحلب من الحواصل، واستبد بِالْأَمر وَجمع الْعَرَب والتركمان واستعد لقِتَال عَسْكَر مصر، وَلَقي فَخر الدّين الْحِمصِي فِي الرمل جمال الدّين المحمدي الصَّالِحِي مُتَوَجها بِمن مَعَه من عَسْكَر مصر لقِتَال البرلي وإمساكه، فَأرْسل الْحِمصِي يعرف الظَّاهِر بِمَا طلبه البرلي فَأنْكر الظَّاهِر على فَخر الدّين وَأرْسل يَأْمُرهُ بِالْمَسِيرِ مَعَ المحمدي إِلَى قتال البرلي فَعَاد من وقته.

ثمَّ رَضِي الظَّاهِر على علم الدّين سنجر الْحلَبِي وجهزه وَرَاء المحمدي فِي جمع من الْعَسْكَر ثمَّ أردفه بعز الدّين الدمياطي فِي جمع وَسَارُوا جَمِيعهم وطردوا البرلي عَن حلب وَانْقَضَت السّنة وَالْأَمر على ذَلِك.

وفيهَا: ورد الْخَبَر بقتل الْملك النَّاصِر يُوسُف بن الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب، وَعقد عزاؤه بِجَامِع دمشق فِي سَابِع جُمَادَى الأولى وَذَلِكَ أَنه لما بلغ هولاكو كسرة عسكره بِعَين جالوت وَقتل كتبغا، ثمَّ كَسره عسكره على

ص: 205

حمص ثَانِيًا غضب وأحضر الْملك النَّاصِر وأخاه الظَّاهِر غازياً، وَقَالَ: أَنْت قلت إِن عَسْكَر الشَّام فِي طَاعَتك فغررت بِي وَقتلت المغول فَقَالَ الْملك النَّاصِر: لَو كنت بِالشَّام مَا ضرب أحد فِي وَجه عسكرك بِالسَّيْفِ وَمن يكون بِبِلَاد تبريز كَيفَ يحكم على من بِالشَّام؟ ففوق هولاكو سَهْما وضربه بِهِ، فَقَالَ الْملك النَّاصِر: يَا خوند الصنيعة فَنَهَاهُ أَخُوهُ الظَّاهِر وَقَالَ قد حضرت ثمَّ رَمَاه بِسَهْم ثَان فَقتله.

ثمَّ قتلوا الظَّاهِر أَخا النَّاصِر والصالح ابْن صَاحب حمص وَمن مَعَهم واستبقوا ابْن الْملك النَّاصِر لصغره وَطَالَ مكثه عِنْدهم مكرماً ثمَّ مَاتَ.

وَكَانَ قد زَاد ملك النَّاصِر على ملك أَبِيه وجده فَإِنَّهُ ملك حران والرها والرقة وَرَأس عين وَمَا مَعَ ذَلِك وحمص ثمَّ دمشق وبعلبك والأغوار والسواحل إِلَى غَزَّة، وَكسر عَسَاكِر مصر، وخطب لَهُ بِمصْر وقلعة الْجَبَل كَمَا مر كَانَ يذبح فِي مطبخه كل يَوْم أَرْبَعمِائَة رَأس غنم وسماطه فِي غَايَة التجمل، وَتجَاوز بِهِ حلمه إِلَى قطع المفسدين الطرقات بِحَيْثُ لَا يُسَافر النَّاس إِلَّا برفقه من الْعَسْكَر، وطمع الْعَرَب والتركمان فِي أَيَّامه، وكبست الحرامية الدّور، وَيَقُول عَن الْقَاتِل الْحَيّ خير من الْمَيِّت ويطلقه، فَأدى ذَلِك إِلَى فَسَاد كَبِير، وَكَانَ لَهُ أدب وَشعر، وَله فَمن ذَلِك.

(فوَاللَّه لَو قطعت قلبِي تأسفاً

وجرعتني كاسات دمعي دَمًا صرفا)

(وَلما زادني إِلَّا هوى ومحبة

وَلَا اتَّخذت روحي سواك لَهَا إلفا)

وَبنى مدرسته الناصرية بِدِمَشْق - قرب الْجَامِع بوقف جليل، وَبنى بالصالحية تربة بجمل مستكثرة فَدفن فِيهَا كرمون بعض أُمَرَاء التتر، وَكَانَت منية النَّاصِر بِبِلَاد الْعَجم، ومولده سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة فعمره نَحْو اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة.

وفيهَا: فِي رَجَب قدم مصر جمَاعَة من الْعَرَب وَمَعَهُمْ شخص أسود اللَّوْن اسْمه أَحْمد زَعَمُوا أَنه ابْن الإِمَام الظَّاهِر بِاللَّه بن الإِمَام النَّاصِر، وَأَنه خرج من دَار الْخلَافَة بِبَغْدَاد لما ملكهَا التتر فعقد الْملك الظَّاهِر لَهُ مَجْلِسا حَضَره الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَالْقَاضِي تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن خلف الْمَعْرُوف بِابْن بنت الْأَعَز فَشهد أُولَئِكَ الْعَرَب أَن هَذَا هُوَ ابْن الظَّاهِر مُحَمَّد بن الإِمَام النَّاصِر فَيكون عَم المستعصم، وَأقَام القَاضِي جمَاعَة من الشُّهُود، وسمعوا شَهَادَات الْعَرَب ثمَّ شهدُوا بِالنّسَبِ بِحكم الاستفاضة، فَأثْبت القَاضِي تَاج الدّين نسب أَحْمد الْمَذْكُور. قلت: إِذا صرح الشَّاهِد بِأَن مُسْتَند شَهَادَته الاستفاضة لم يعْمل القَاضِي بقوله على الصَّحِيح وَإِن لم يُصَرح بهَا سَمِعت شَهَادَته وَإِن كَانَت الاستفاضة مستندة، فَكَأَن الشُّهُود لم يصرحوا فِي شَهَادَتهم بِأَن مستندها فِي أَمر الْخَلِيفَة إِنَّمَا هُوَ الاستفاضة وَالله أعلم.

ولقب الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبَا الْقَاسِم أَحْمد بن الظَّاهِر بِاللَّه مُحَمَّد، وَبَايَعَهُ الْملك الظَّاهِر

ص: 206

وَالنَّاس بالخلافة، وَعمل لَهُ الظَّاهِر آلَات الْخلَافَة حَتَّى الدهليز واستخدم لَهُ عسكراً وَغرم على تجهيز قيل ألف ألف دِينَار.

وَكَانَت الْعَامَّة تلقب الْخَلِيفَة الْمَذْكُور بالذراتيتي، وبرز الظَّاهِر والخليفة الْأسود الْمَذْكُور فِي رَمَضَان مِنْهَا وتوجها إِلَى دمشق وَنزل الظَّاهِر بالقلعة والخليفة بجبل الصالحية، وحول الْخَلِيفَة أمراؤه وأجناده.

ثمَّ جهز الْخَلِيفَة بعسكره إِلَى جِهَة بَغْدَاد رَجَاء أَن تعود بَغْدَاد إِلَيْهِم ويجتمع عَلَيْهِ النَّاس، وودعه الظَّاهِر ووصاه بالتأني فِي الْأُمُور.

وَعَاد الظَّاهِر إِلَى مصر ووصلت إِلَيْهِ كتب الْخَلِيفَة، وَأَنه استولى على عانة والحديثة، وَولى عَلَيْهِمَا وَأَن كتب أهل الْعرَاق وصلته يستحثونه على الْوُصُول إِلَيْهِم، ثمَّ قبل أَن يصل إِلَى بَغْدَاد وصلت إِلَيْهِ التتر وَقتلُوا الْخَلِيفَة وغالب أَصْحَابه ونهبوا مَا مَعَهم.

وفيهَا: لما سَار الظَّاهِر إِلَى الشَّام صحب مَعَه من مصر القَاضِي شمس الدّين أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن خلكان فعزل عَن قَضَاء دمشق نجم الدّين بن صدر الدّين بن سني الدولة، وَكَانَ قطز قد عزل المحبي بن الزكي الَّذِي ولاه هولاكو الْقَضَاء، وَولى ابْن سني الدولة فَعَزله الظَّاهِر وَولى شمس الدّين بن خلكان.

وفيهَا: قدم أَوْلَاد لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل وهم: الصَّالح إِسْمَاعِيل ثمَّ الْمُجَاهِد إِسْحَاق صَاحب جَزِيرَة ابْن عمر، ثمَّ المظفر عَليّ صَاحب سنجار فأقطعهم الظَّاهِر الإقطاعات الجليلة بالديار المصرية، واستمروا فِي رغد عَيْش طول مُدَّة الظَّاهِر.

وفيهَا: فِي ربيع الآخر وَردت الْأَخْبَار من نَاحيَة عكا أَن سبع جزائر من الْبَحْر خسف بهَا وبأهلها، وَلبس أهل عكا السوَاد وَبكوا وَاسْتَغْفرُوا من الذُّنُوب بزعمهم.

وفيهَا: بِأَمْر الظَّاهِر تسلم بدر الدّين الأيدمري الشوبك من المغيث صَاحب الكرك سلخ ذِي الْحجَّة.

ثمَّ دخلت سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة: فِيهَا فِي نصف رَجَب وَردت جمَاعَة من مماليك الْخَلِيفَة المستعصم البغاددة، وَكَانُوا قد تَأَخَّرُوا بالعراق بعد قتل الْخَلِيفَة واستيلاء التتر على بَغْدَاد ومقدمهم شمس الدّين سلار، فعين لَهُم الظَّاهِر الإقطاعات وَأكْرمهمْ.

وفيهَا: فِي رَجَب وصل عماد الدّين بن مظفر الدّين صَاحب صهيون رَسُولا من أَخِيه سيف الدّين صَاحب صهيون إِلَى الظَّاهِر بهدية جليلة فقبلها وَأحسن إِلَيْهِ.

وفيهَا: جهز الظَّاهِر شمس الدّين سنقر الرُّومِي بعسكر إِلَى حلب فَعَادَت بِهِ إِلَى الصّلاح وَأمنت، ثمَّ تقدم الظَّاهِر إِلَيْهِم وَإِلَى صَاحب حماه وحمص الْمَنْصُور والأشرف مُوسَى بالإغارة على أنطاكية وبلادها فَسَارُوا ونهبوا بلادها وضايقوها، ثمَّ عَادوا فَتوجه المصريون إِلَى مصر بِأَكْثَرَ من ثَلَاثمِائَة أَسِير فقابلهم الظَّاهِر بالانعام.

ص: 207

وفيهَا: لما أخذت من البرلي حلب، وَلم يبْق لَهُ غير البيرة سَار إِلَى الظَّاهِر مُطيعًا، فَكتب إِلَى النواب بالإقامات لَهُ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ حَتَّى وصل مصر ثَانِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا فَأكْرمه السُّلْطَان وَأَعْطَاهُ وألح على السُّلْطَان حَتَّى قبل مِنْهُ البيرة، وَلم يزل مَعَ الظَّاهِر حَتَّى تغير عَلَيْهِ، وَقَبضه فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ.

وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة قبض الظَّاهِر على نَائِبه بِدِمَشْق عَلَاء الدّين طبوس الوزيري لأمور كرهها مِنْهُ، وَاسْتمرّ فِي الْحَبْس سنة وشهراً، وولايته بِدِمَشْق سنة وَشهر، وَخرج من دمشق خلق هرباً من ظلمه، ثمَّ اسْتعْمل على دمشق جمال الدّين أقوش التجِيبِي الصَّالِحِي.

وفيهَا: أَوَاخِر ذِي الْحجَّة جلس الْملك الظَّاهِر مَجْلِسا عَاما، وأحضر شخصا كَانَ قدم إِلَى الديار المصرية سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة من نسل الْعَبَّاس اسْمه أَحْمد بعد أَن أثبت نسبه.

" وَبَايَعَهُ بالخلافة " وَالْقَضَاء والأمراء أَيْضا، ولقب الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَالْمَشْهُور عِنْد نسابه مصر أَنه أَحْمد بن الْحسن بن أبي بكر بن الْأَمِير أبي عَليّ القتبي بن الْأَمِير حسن بن الراشد بن المسترشد بن المستظهر، وَأما العباسيون السلمانيون فِي درج نسبهم الثَّابِت فَقَالُوا: هُوَ أَحْمد بن أبي عَليّ بن أبي بكر أَحْمد بن الإِمَام المسترشد الْفضل بن المستظهر وَلما جرى ذَلِك ترك الْمَذْكُور فِي برج محترزاً عَلَيْهِ، وَلم يتْرك لَهُ غير الدُّعَاء فِي الْخطْبَة.

وفيهَا: بِمصْر توفّي الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام الدِّمَشْقِي الإِمَام فِي مَذْهَب الشَّافِعِي، وَله مصنفات جليلة.

وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة توفّي الصاحب كَمَال الدّين عمر بن أَحْمد بن هبة الله بن العديم، فَاضل كَبِير الْقدر، انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة أَصْحَاب أبي حنيفَة وَله تَارِيخ حلب وَغَيره، جفل إِلَى مصر من التتر، وَلما عَاد وَرَأى أَحْوَال حلب قَالَ قصيدة طَوِيلَة مِنْهَا:

(هُوَ الدَّهْر مَا تبنيه كَفاك بهدم

وَإِن رمت إنصافاً لَدَيْهِ فتظلم)

(أباد مُلُوك الْفرس جمعا وقيصراً

وأصمت لَدَى فرسانها مِنْهُ أسْهم)

(وأفنى بني أَيُّوب مَعَ كثر جمعهم

وَمَا مِنْهُم إِلَّا مليك مُعظم)

(وَملك بني الْعَبَّاس زَالَ وَلم يدع

لَهُم أثرا من بعدهمْ وهم هم)

(وأعتابهم أضحت تداس وعهدها

تباس بأفواه الْمُلُوك وتلثم)

(وَعَن حلب مَا شِئْت قل من عجائب

أحل بهَا يَا صَاح إِن كَانَت تعلم)

(فيا لَك من يَوْم شَدِيد لغامه

وَقد أَصبَحت فِيهِ الْمَسَاجِد تهدم)

(وَقد درست تِلْكَ الْمدَارِس وارتمت

مصاحفها فَوق الثرى وَهِي ضخم)

(ولكنما لله فِي ذَا مَشِيئَة

فيفعل فِينَا مَا يَشَاء وَيحكم)

قلت: رَأَيْت مقَامه مرصعة وَضعهَا الشَّيْخ جمال الدّين عمر بن إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن

ص: 208

الرسمني، وَذكر فِيهَا وقْعَة حلب، ولعلها من أحسن مَا قيل فِي ذَلِك.

فَمِنْهَا: هَذَا وَقد نزلت فنون الْبلَاء بِالشَّام وهملت عُيُون العناء كالغمام وَصَارَ وشام الْإِسْلَام كالوشام وعرام الْأَنَام فِي غرام، وخفيت آثَار المآثر، ودرست وطفئت أنوار المنابر وطمست، وحلبت الْعُيُون ماءها على حلب وسكبت الجفون دماءها من الصبب، والتف عَلَيْهَا الختل والاختلال، واحتف بهَا الْقَتْل والوبال، واختطف من أعيانها عرائس الشموس والأقمار، واقتطف من أَغْصَانهَا نفائس النُّفُوس والأعمار، فَستر سفور السرُور وَنشر ستور الشرور، وتخربت الدّور والقصور، ونحرت الْحور فِي النحور، وَجَرت عيونها على أعيانها وهمت جفونها على شبانها بدموع جرت نجيعاً لفظوع طرت سَرِيعا، ونمى الطغيان والغش فِي رَوْضَة الشَّام، وسما الْعدوان فِي عش بَيْضَة الْإِسْلَام، وَرفعت الصلبان على الْمَسَاجِد، وَوضعت الْأَدْيَان والمعابد حَتَّى بَكَى على الْوُجُود الجلمد وشكى إِلَى المعبود السرمد.

وَلما تعظم الْعَدو وتكبر وَتقدم بالعتو وتجبر وَبسط سَيْفه على الْخَافِقين، وَهَبَطَ خَوفه على المشرقين أطلع الله طلائع اللِّوَاء المظفر وأبدع مطالع السناء الأنور وخفقت الرَّايَات والبنود وشرقت الْآيَات والسعود بانجذاب الْكفَّار إِلَى كنعان، وانسحاب الْفجار إِلَى الهوان وَهِي طَوِيلَة وَالله أعلم.

ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة: فِي حادي عشر ربيع الأول مِنْهَا سَار الظَّاهِر بيبرس إِلَى الشَّام فلاقته وَالِدَة المغيث عمر صَاحب الكرك بغزة، وتوثقت مِنْهُ لابنها بالأيمان، ثمَّ تَوَجَّهت إِلَى الكرك وصحبتها شرف الدّين الجاكي المهمندار يحمل الإقامات إِلَى طرقات المغيث، وَوصل الْأَشْرَف مُوسَى صَاحب حمص إِلَى الظَّاهِر بِالطورِ فَأكْرمه. وفيهَا: قتل الْملك المغيث فتح الدّين عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب صَاحب الكرك، وَسَببه أَن المغيث - قيل: تعرض إِلَى امْرَأَة الظَّاهِر كرها لما قبض المغيث على البحرية وأرسلهم إِلَى النَّاصِر يُوسُف وهرب الظَّاهِر وَبقيت امْرَأَته فِي الكرك، وغره الظَّاهِر بالإكرام والاستدعاء حَتَّى كتب إِلَيْهِ أَن الْمَمْلُوك ينشد فِي قدوم مَوْلَانَا:

(خليلي هَل أبصرتما أَو سمعتما

بِأَفْضَل من مولى تمشى إِلَى عبد)

وَسَار المغيث وَوصل ميسَان فَتَلقاهُ الظَّاهِر بعساكره فِي أَوَاخِر جمادي الأولى مِنْهَا وَمنعه من الترحل وسَاق إِلَى جَانِبه وَقد تغير وَجه الظَّاهِر وَلما قَارب الدهليز أنزلهُ فِي خيمه وَقبض عَلَيْهِ وأرسله معتقلاً إِلَى مصر فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ، وَقيل حمل إِلَى إمرأة الظَّاهِر بقلعة الْجَبَل فَقتله جواريها بالقباقيب.

ثمَّ قبض على أَصْحَابه وَمِنْهُم شرف الدّين بن مزهر نَاظر خزانته ثمَّ أفرج عَنْهُم، وَلما قبض عَلَيْهِ أحضر الْفُقَهَاء والقضاة ووقفهم على مكاتبات التتر أجوبة وَأثبت بذلك مشروحاً على الْحُكَّام، وأقطع ابْنه الْملك الْعَزِيز بن المغيث إقطاعاً وَأحسن إِلَيْهِ.

ص: 209

ثمَّ جهز الظَّاهِر بدر الدّين بيسرى الشَّمْس، وَعز الدّين أستاذ الدَّار فتسلما الكرك فِي ثَالِث وَعشْرين جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا، ثمَّ سَار إِلَيْهَا الظَّاهِر ورتبها وَعَاد.

وفيهَا: لما كَانَ الظَّاهِر على الطّور أرسل عسكراً هدموا كَنِيسَة الناصرة وَهِي أكبر مَوَاطِن عبادات النَّصَارَى وَدينهمْ مِنْهَا خرج وأغاروا على عكا وبلادها وعادوا ثمَّ أغار السُّلْطَان بِنَفسِهِ ثَانِيًا وَهدم برجاً خَارج عكا وَلما وصل مصر وَاسْتقر قبض على الرَّشِيدِيّ ثمَّ الدمياطي والبرلي.

وفيهَا: بعد عود الْأَشْرَف مُوسَى بن الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم بن الْمُجَاهِد شيركوه بن مُحَمَّد بن شيركوه بن شاذي من مصر إِلَى حمص، توفّي بهَا، وَصَارَت حمص للظَّاهِر فِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا، والأشرف هَذَا آخر مُلُوك حمص من بَيت شيركوه.

وَملك حمص مِنْهُم خَمْسَة: أَوَّلهمْ شيركوه بن شاذي ملكه إِيَّاهَا نور الدّين الشَّهِيد ثمَّ ابْنه مُحَمَّد بن شيركوه وتلقب بالمجاهد ثمَّ ابْنه إِبْرَاهِيم بن شيركوه وتلقب بالمنصور ثمَّ ابْنه مُوسَى بن إِبْرَاهِيم وتلقب بالأشرف.

ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة: فِيهَا قبض الأشكري صَاحب قسطنطينية على عز الدّين كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباذ صَاحب بِلَاد الرّوم فَإِنَّهُ هرب إِلَيْهِ لما تغلب أَخُوهُ ركن الدّين قلج أرسلان عَلَيْهِ وأكرمه الأشكري وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء والجند مُدَّة، ثمَّ عزمت جماعته على قتل الأشكري والتغلب على الْقُسْطَنْطِينِيَّة، وَبلغ ذَلِك الأشكري فاعتقل كيكاوس فِي قلعة وكحل جماعته.

وفيهَا: فِي ثامن رَمَضَان توفّي شيخ الشُّيُوخ شرف الدّين عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبد المحسن الْأنْصَارِيّ بحماه، ومولده جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة، وَكَانَ دينا. فَاضلا مقدما عِنْد الْمُلُوك، وَله النثر وَالنّظم وَالْعقل الوافر وَلما مَاتَت غازنة بنت الْكَامِل استشعر ابْنهَا الْأَفْضَل عَليّ بن المظفر مَحْمُود من أَخِيه الْمَنْصُور صَاحب حماه وعزم على الرحيل عَن حماه فَعرفهُ الشَّيْخ شرف الدّين كَيفَ يسْلك مَعَ أَخِيه الْمَنْصُور وقبح عِنْد الْمَنْصُور مُفَارقَة أَخِيه وَمَا برح بَينهمَا حَتَّى تصافيا، وَله وَقد كَانَ مَعَ النَّاصِر يُوسُف مرّة بعمان:

(أفدي حبيباً مُنْذُ واجهته

عَن وَجه بدر التم أغناني)

(فِي وَجهه خالان لولاها

مَا بت مفتوناً بعمان)

وَاسْتشْهدَ لقَوْله بعمان وَلم يقل بعمين بقول الشَّاعِر:

(فَأَطْرَقَ أطراق الشجاع وَلَو رأى

مساغاً لناباه الشجاع لصمما)

وشواهد ذَلِك كَثِيرَة وَتقدم مثله.

قلت: وفيهَا توفّي الْوَلِيّ الْقدْوَة الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم بن مَنْصُور القباري بالإسكندرية، وخطيب الشَّام عماد الدّين عبد الْكَرِيم القَاضِي جمال الدّين بن الحرستاني ابْن خمس

ص: 210