الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليا على فاس، وَابْنه أَبَا سعيد على سبته والجزيرة الخضراء ومالقه وَكَذَلِكَ غَيرهم.
وفيهَا: سَار الْملك مُحَمَّد بن مَحْمُود السلجوقي من هَمدَان بعساكر وَحصر بَغْدَاد، وحصن المقتفي دَار الْخلَافَة واعتد للحصار وَاشْتَدَّ الْأَمر على أهل بَغْدَاد، فَبلغ مُحَمَّدًا أَن أَخَاهُ ملك شاه وايل دكر صَاحب بِلَاد أران وَمَعَهُ الْملك أرسلان بن طغرل بك بن مُحَمَّد وايل دكر، كَانَ متزوجاً بِأم أرسلان، قد دخلُوا هَمدَان، فَرَحل الْملك مُحَمَّد عَن بَغْدَاد نحوهم فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة.
وفيهَا: احترقت بَغْدَاد حَتَّى دَار الْخلَافَة وَغَيرهَا.
وفيهَا: توفّي أَبُو الْحسن بن الْخلّ شيخ الشَّافِعِيَّة فِي بَغْدَاد من أَصْحَاب الشَّاشِي عَالم عَامل، وَتُوفِّي ابْن الْآمِدِيّ الشَّاعِر من النّيل فِي طبقَة الْغَزِّي والأرجاني، وعمره فَوق التسعين.
وفيهَا: قتل فِي الْحمام مظفر بن حَمَّاد صَاحب البطيحة، وتولاها ابْنه.
وفيهَا: توفّي الوأواء الْحلَبِي الشَّاعِر الْمَشْهُور.
وفيهَا: توفّي أَبُو جَعْفَر بن مُحَمَّد البُخَارِيّ بإسفراين عَالم بالفلسفة.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة:
أَخْبَار بني منقذ والزلازل
فِيهَا: فِي رَجَب زلزل الشَّام فَخرجت حماة وشيزر وحمص وحصن الأكراد، وطرابلس وأنطاكية وَغَيرهَا من مجاوراتها، وَوَقعت الأسوار والقلاع، فَقَامَ نور الدّين أتم قيام وتدارك بالعمارة، وأغار على الفرنج ليشغلهم عَن الْإِسْلَام، وَهلك مَا لَا يُحْصى حَتَّى أَن معلم كتاب بحماه فَارق الْمكتب وَجَاءَت الزلزلة فَسقط الْمكتب على الصّبيان فَلم يحضر أحد يسْأَله عَن صبي، وَكَانَ بعض أُمَرَاء نور الدّين بِالْقربِ من شيزر فَصَعدَ إِلَيْهَا خربة وتسلمها نور الدّين وَعمر أسوارها، وَكَانَ بَنو منقذ الكنانيين يتوارثونها من أَيَّام صَالح بن مرداس؛ قَالَه ابْن الْأَثِير، وَقَالَ ابْن خلكان وَابْن أبي الدَّم: استولى بَنو منقذ على شيزر سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة أَخذهَا من الرّوم عَليّ بن مقلد بن نصر بن منقذ، وَكتب إِلَى بَغْدَاد كتابي من حَضْرَة شيزر رحمهمَا الله تَعَالَى وَقد رَزَقَنِي الله عز وجل من الِاسْتِيلَاء على هَذَا الْعقل الْعَظِيم مَا لم يتأت لمخلوق فِي هَذَا الزَّمَان، وَإِذا عرف الْأَمر على حَقِيقَته علم أَنِّي هاروت هَذِه الْأمة وَسليمَان الْجِنّ والمردة، وأنني أفرق بَين الْمَرْء وَزَوجته واستزل الْقَمَر من مَحَله أَنا أَبُو النَّجْم وشعري شعري نظرت إِلَى هَذَا الْحصن فَرَأَيْت أمرا يذهل الْأَلْبَاب يسع ثَلَاثَة آلَاف رجل بالأهل وَالْمَال، ويمسكه خمس نسْوَة فعمدت إِلَى تل بَينه وَبَين حصن الرّوم يعرف بالجراص، وَيُسمى هَذَا التل تل الجسر فعمرته حصناً وجمعت فِيهِ أَهلِي وعشيرتي ونفرت ونفرة على حصن الجراص فَأَخَذته بِالسَّيْفِ من الرّوم وَمَعَ ذَلِك فَلَمَّا أخذت من بِهِ من الرّوم أَحْسَنت إِلَيْهِم وأكرمتهم ومزجتهم بأهلي وخلطت خنازيرهم بغنمي ونواقيسهم بِصَوْت
الْأَذَان، فَرَأى أهل شيزر فعلي ذَلِك فأنسوا بِي وَوصل إِلَيّ مِنْهُم قريب نصفهم فبالغت فِي إكرامهم وَوصل إِلَيْهِم مُسلم بن قُرَيْش الْعقيلِيّ فَقتل من أهل شيزر نَحْو عشْرين رجلا فَلَمَّا انْصَرف مُسلم عَنْهُم سلمُوا الْحصن إِلَيّ وَكَانَ مَا قَالَه ابْن الْأَثِير أولى لِأَن حماه وشيزر فتحتا على يَد أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رضي الله عنه.
وَاسْتمرّ الشَّام للْمُسلمين إِلَى حُدُود سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة فَملك الفرنج غَالب الشَّام لقِتَال بعض مُلُوك الْمُسلمين بَعْضًا، وَلم يذكر ملكهم لشيزر، قَالَ ابْن الْأَثِير: فَلَمَّا انْتهى ملك شيزر إِلَى نصر بن عَليّ بن نصر بن منقذ، اسْتمرّ فِيهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَعند مَوته اسْتخْلف أَخَاهُ مرشد بن عَليّ على حصن شيزر فَقَالَ مرشد: وَالله لأوليته ولأخرجن من الدُّنْيَا كَمَا دَخَلتهَا، ومرشد وَالِد مؤيد الدولة أُسَامَة فولاها نصر أَخَاهُ الصَّغِير سُلْطَان بن عَليّ وَاسْتمرّ مرشد مَعَ أَخِيه سُلْطَان على أجمل صُحْبَة مُدَّة، وَكَانَ لمرشد أَوْلَاد نجباء وَلَيْسَ لسلطان ولد فَلَمَّا جَاءَ لسلطان أَوْلَاد خشِي عَلَيْهِم من أَوْلَاد أَخِيه مرشد وسعى بَينهمَا فَتغير كل مِنْهُمَا على الآخر، فَكتب سُلْطَان إِلَى مرشد يعاتبه وَكَانَ مرشد شَاعِرًا فَأَجَابَهُ:
(شكت هجرنا والذنب فِي ذَاك ذنبها
…
فيا عجبا من ظَالِم جَاءَ شاكياً)
(وطاوعت الواشين فِي وطالما
…
عصيت عذولاً فِي هَواهَا وواشياً)
(وَمَال بهاتيه الْجمال إِلَى القلى
…
وهيهات إِن أَمْسَى لَهَا الدَّهْر قاليا)
(وَلما أَتَانِي من قريضك جَوْهَر
…
جمعت الْمعَانِي فِيهِ والمعاليا)
(وَكنت هجرت الشّعْر حينا لِأَنَّهُ
…
تولى برغمي حِين ولى شبابيا)
(وَقلت أخي يرْعَى بني وأسرتي
…
ويحفظ عهدي فيهم وذماميا)
(فَمَا لَك لما أَن حَنى الدَّهْر صعدتي
…
وثلم مني صَارِمًا كَانَ مَاضِيا)
(تنكرت حَتَّى صَار برك قسوة
…
وقربك مني جفوة وتنائياً)
(على أنني مَا حلت عَمَّا عهدته
…
وَلَا غيرت هذي السنون وداديا)
وتماسك الْأَمر بَينهمَا إِلَى أَن توفّي مرشد سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة، فأظهر سُلْطَان التَّغَيُّر على أَوْلَاد مرشد وجاهرهم بالعداوة ففارقوا شيزر، وَقصد أَكْثَرهم نور الدّين وَشَكوا إِلَيْهِ عمهم فَغَاظَهُ ذَلِك وَلم يُمكنهُ قَصده لاشتغاله بالفرنج وبقى سُلْطَان كَذَلِك إِلَى أَن توفّي، وَولي أَوْلَاده فَلَمَّا خربَتْ القلعة بالزلزلة فِي هَذِه السّنة لم ينج من بني منقذ بهَا أحد فَإِن صَاحبهَا مِنْهُم ختن وَلَده ودعا النَّاس وَجَمِيع بني منقذ إِلَى دَاره فَأسْقطت الزلزلة الدَّار عَلَيْهِم فهلكوا عَن آخِرهم إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُم طلب بَاب الدَّار فرفسه حصان بِالْبَابِ لصَاحب شيزر مِنْهُم فَقتله.
قلت:
(إِذا مَا قضى الله أمرا فَمن
…
يرد الْقَضَاء الَّذِي ينفذ)
(عجبت لشيزر إِذْ زلزلت
…
فَمَا لبني منقذ منقذ)
وَقد أذكرني هَذَا شَيْئا وَهُوَ أَن القَاضِي فَخر الدّين عُثْمَان بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ قَاضِي الْقُضَاة بحلب، كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى ولاني الحكم بشيرز فَلَمَّا دَخَلتهَا صرعتني بِزَفْرَةٍ هوائها، وَأرْسلت إِلَى الوخم على فَتْرَة من مَائِهَا، وزارتني الْحمى غبا حَتَّى ازددت للْمَوْت حبا، فَكتبت إِلَيْهِ عاتباً عَلَيْهِ:
(أَبَا باعثي أَقْْضِي بشيزر مَا الَّذِي
…
أردْت قضي أشغالهم أم قضي نحبي)
(حكيت بهَا الناعور حَالا لأنني
…
بَكَيْت عَليّ جسمي وَردت على قلبِي)
وكتبت إِلَى ابْنه كَمَال الدّين مُحَمَّد:
(قيل لي شيزر نَار
…
وَبهَا القَاضِي مخلد)
(قلت لَا أمكث فِيهَا
…
أَنا من حزب مُحَمَّد)
فَلَمَّا وقف على ذَلِك أعفاني مِنْهَا وَالله أعلم.
وفيهَا: فِي ريبع الآخر توفّي السُّلْطَان سنجر السلجوقي بالقولنج ثمَّ الإسهال، كَانَ مهيباً كَرِيمًا، وَلما وصل خَبره إِلَى بَغْدَاد قطعت خطبَته واستخلف سنجر على خُرَاسَان الْملك مَحْمُود بن مُحَمَّد بن بغداخان ابْن أُخْت سنجر فَأَقَامَ خَائفًا من الغز.
وفيهَا: استولى أَبُو سعيد عبد الْمُؤمن على غرناطة من الملثمين وانقرضت دولة الملثمين وَلم تبْق لَهُم غير جَزِيرَة ميورقة، ثمَّ فتح أَبُو سعيد المرية من الفرنج بعد ملكهم لَهَا عشر سِنِين.
وفيهَا: أَخذ نور الدّين بعلبك من ضحاك البقاعي، ولاه إِيَّاهَا صَاحب دمشق.
وفيهَا: قلع الْخَلِيفَة المقتفي بَاب الْكَعْبَة وَعمل عوضه بَابا مصفحاً بِالْفِضَّةِ المذهبة، وَعمل لنَفسِهِ من الْبَاب تابوتاً يدْفن فِيهِ.
وفيهَا: مَاتَ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد الخجندي رَئِيس الشَّافِعِيَّة بأصبهان مقدم عِنْد السلاطين.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة: فِيهَا قصد ملك شاه بن مَحْمُود السلجوقي قُم وقاشان ونهبهما، وَكَانَ أَخُوهُ السُّلْطَان مُحَمَّد بعد رحيله عَن حِصَار بَغْدَاد قد مرض طَويلا فَأرْسل إِلَى أَخِيه ملك شاه أَن يكف عَن النهب، ويجعله ولي عَهده فَلم يقبل ملك شاه ذَلِك، ثمَّ سَار ملك شاه إِلَى خوزستان وَأَخذهَا من صَاحبهَا شملة التركماني.
وفيهَا: توفّي بميافارقين معِين الدّين أَبُو الْفضل يحيى بن سَلامَة بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْخَطِيب الحصكفي، ومولده بطنزة.
وَمن شعره:
(وخليع بت أعذله
…
وَيرى عذلي من الْعَبَث)
(قلت إِن الْخمر مخبثة
…
قَالَ حاشاها من الْخبث)
(قلت فالأرفاث تتبعها
…
قَالَ طيب الْعَيْش فِي الرَّفَث)
(قلت مِنْهَا الْقَيْء قَالَ أجل
…
شرفت عَن مخرج الْحَدث)
(وسأسلوهما فَقلت مَتى
…
قَالَ عِنْد الْكَوْن فِي الجدث)
قلت: نَشأ بحصن كيفا، وَقَرَأَ الْأَدَب على التبريزي بِبَغْدَاد وأجاد فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي، ثمَّ ولي خطابة ميافارقين، وَكَانَ إِلَيْهِ أَمر الْفَتْوَى واشتغل عَلَيْهِ النَّاس قَالَ فِيهِ الْعِمَاد الْأَصْفَهَانِي فِي الخريدة، كَانَ عَلامَة الزَّمَان فِي علمه، ومعري الأَصْل فِي نثره ونظمه.
أنْشد لَهُ بَعضهم خَمْسَة أَبْيَات كالخمسة السيارات وَهِي:
(أَشْكُو إِلَى الله من نارين وَاحِدَة
…
فِي وجنتيه وَأُخْرَى مِنْهُ فِي كَبِدِي)
(وَمن سقامين سقم قد أحل دمي
…
من الجفون وسقم حل فِي جَسَدِي)
(وَمن نمومين دمعي حِين أذكرهُ
…
يذيع سري وواش مِنْهُ بالرصد)
(وَمن ضعيفين صبري حِين أذكرهُ
…
ووده وَيَرَاهُ النَّاس طوع يَدي)
(مهفهف رق حَتَّى قلت من عجب
…
أخصره خنصري أم جلده جلدي)
وَمن مليح شعره مغنياً:
(ومسمع غناءه
…
يُبدل بالفقر الْغنى)
(أبصرته فَلم تخب
…
فراستي لما دنا)
(وَقلت من ذَا وَجهه
…
كَيفَ يكون محسناً)
(ورمت أَن أروج
…
الظَّن بِهِ ممتحناً)
(فَقلت من بَينهم
…
هَات أخي غن لنا)
(فاشتال مِنْهُ حَاجِب
…
وحاجب مِنْهُ انحنى)
(وامتلأ الْمجْلس من
…
فِيهِ غثاء منتناً)
(وَصَاح صَوتا مُنْكرا
…
يخرج عَن حد الْبَنَّا)
(فَذا يسد أَنفه
…
وَذَا يسد الأذنا)
(وَمِنْهُم جمَاعَة
…
تستر عَنهُ الأعينا)
(فَقلت يَا قوم اسمعوا
…
أما الْمُغنِي أَو أَنا)
(وَحين ولى شخصه
…
قَرَأت فيهم مُعْلنا)
(الْحَمد لله الَّذِي
…
أذهب عَنَّا الحزنا)
وَقد ذكرت بِهَذَا بَيْتَيْنِ لي فِي هجو مغن وهما:
(غنى لنا يَوْم
…
فَمَاتَ بدار رفاقي)
(يَا ليتنا فِي حجاز
…
إِذا شدا فِي الْعرَاق)