المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ففرغ في أربع سنين والله أعلم.وفيها: في تاسع عشر ربيع الآخر هلك هولاكو بن طلو بن جنكيزخان وترك خمسة عشر ابنا.وملك بعده ابنه أبغا البلاد التي كانت بيد أبيه وهي أقليم خراسان وكرسيه نيسابور وإقليم عراق العجم وتعرف ببلاد الجبل وكرسيه - تاريخ ابن الوردي - جـ ٢

[ابن الوردي الجد، زين الدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(ذكر وُصُول ملكشاه إِلَى حلب)

- ‌ملك يُوسُف بن تاشفين غرناطة وانقراض دولة الصناهجة

- ‌ذكر ملك كربوغا الْموصل

- ‌ذكر ملك الفرنج بَيت الْمُقَدّس

- ‌ وَله كتاب تَقْوِيم الْأَبدَان وَغَيره، ووقف كتبه وَجعلهَا فِي مشْهد أبي حنيفَة

- ‌فِيهَا استولى سقمان القطبي التركي وَيُسمى سكمان على خلاط كَانَ مَمْلُوكا لإسماعيل صَاحب مَدِينَة مرند من أذربيجان، ولقب إِسْمَاعِيل قطب الدّين وَكَانَ من بنير سلجوق، وَلذَلِك قيل لسكمان القطبي، وَنَشَأ سكمان شهماً كَافِيا، وَكَانَت خلاط لبني مَرْوَان وظلموا واشتهر عدل

- ‌كَانَ القَاضِي أَبُو عبيد الله بن مَنْصُور عرف بِابْن صليحة قد استولى على جبلة وحاصره الفرنج فَأرْسل إِلَى طغتكين أتابك دقاق صَاحب دمشق يطْلب مِنْهُ من يتسلم مِنْهُ جبلة ويحفظها، فَأرْسل إِلَيْهَا طغتكين ابْنه تَاج الْملك بورى فتسلمها وأساء السِّيرَة، فكاتب أَهلهَا أَبَا عَليّ بن

- ‌أول عظمهم بعد السُّلْطَان ملكشاه، وملكوا قلاعاً مِنْهَا قلعة أَصْبَهَان مستجدة بناها ملكشاه، وَسبب بنائها أَن كَلْبا هرب مِنْهُ فِي الصَّيْد وَمَعَهُ رَسُول الرّوم فَصَعدَ الْكَلْب إِلَى

- ‌حَال طرابلس مَعَ الفرنج

- ‌ابْتِدَاء أَمر مُحَمَّد بن يومرت وَملك عبد الْمُؤمن

- ‌ بِخُرُوجِهِ، فاستفحل أمره وَقَامَ عبد الْمُؤمن بن عَليّ فِي عشرَة أنفس وَقَالُوا لَهُ: أَنْت الْمهْدي وَبَايَعُوهُ على ذَلِك، وتبعهم غَيرهم فَأرْسل ابْن تاشفين إِلَيْهِ جَيْشًا فَهَزَمَهُمْ فَأَقْبَلت الْقَبَائِل تبايعه، وَعظم أمره واستوطن جبلا عِنْد سمليك وَرَأى فِي جموعه قوما خافهم فَقَالَ: إِن

- ‌ذكر ملك زنكي حلب

- ‌قتل الإسماعيلية وَحصر الفرنج دمشق

- ‌خلع الراشد وَولَايَة المقتفي

- ‌فعل ملك الرّوم بِالشَّام

- ‌مقتل الراشد

- ‌ والقضيب أخذا من المسترشد وأعيدا إِلَى المقتفي.وفيهَا: ملك الإسماعيلية حصن مصياث بِالشَّام، تسلقوا على وَالِي بني منقذ وقتلوه وملكوه.وفيهَا: توفّي الْفَتْح بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن خاقَان قَتِيلا فِي فندق بمراكش، فَاضل فِي الْأَدَب، لَهُ قلائد العقبان

- ‌ظُهُور الْمُلُوك الغورية وانقراض دولة آل سبكتكين

- ‌أَخْبَار بني منقذ والزلازل

- ‌ذكر فتح المهدية

- ‌ذكر مسير سُلَيْمَان شاه إِلَى هَمدَان وَقَتله

- ‌ نَحْو خَمْسَة عشر ذِرَاعا.وجمال الدّين هَذَا هُوَ الَّذِي جدد مَسْجِد الْخيف بمنى، وَبنى الْحجر بِجَانِب الْكَعْبَة وزخرف الْكَعْبَة وبذل جملَة طائلة لصَاحب مَكَّة وللمقتفي حَتَّى مكنه من ذَلِك، وَبنى الْمَسْجِد الَّذِي على عَرَفَات وَعمل الدرج إِلَيْهِ وَعمل بِعَرَفَات مصانع المَاء، وَبنى سوراً

- ‌ذكر ملك شيركوه مصر، وَقتل شاور وبتداء الدولة الأيوبية

- ‌شيركوه وَأَيوب

- ‌ذكر الْخطْبَة العباسية بِمصْر وانقراض الدولة العلوية

- ‌ملك توران شاه الْيمن

- ‌ملك صَلَاح الدّين دمشق وحمص وحماه

- ‌وقْعَة حطين

- ‌ وَحضر مَعَه فتوحاته، وَكَانَ يرجع إِلَى قَوْله تبركاُ بِصُحْبَتِهِ، وَدخل السُّلْطَان دمشق فِي رَمَضَان الْمُعظم، فأشير عَلَيْهِ بتفريق العساكر ليريحوا ويستريحوا، فَقَالَ: إِن الْعُمر قصير، وَالْأَجَل غير مَأْمُون، وَكَانَ لما سَار إِلَى الشمَال قد ترك على الكرك وَغَيرهَا من يحصرها وَأَخُوهُ

- ‌حِصَار عكا

- ‌ذكر اسْتِيلَاء الفرنج على عكا

- ‌وَفَاة الْملك المظفر

- ‌عقد الْهُدْنَة مَعَ الفرنج

- ‌قتل طغرل بك وَملك خوارزم شاه الرّيّ

- ‌انتزاع دمشق من الْأَفْضَل

- ‌ رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول، أَيهَا النَّاس: إِنَّا لَا نقُول إِلَّا مَا صَحَّ عندنَا عَن رَسُول الله

- ‌ وَبكى وَبكى الكرامية، فثار النَّاس

- ‌ أَبُو بكر أَو عَليّ رضي الله عنهما؟ فَقَالَ: أفضلهما من كَانَت ابْنَته تَحْتَهُ فأرضى الطَّائِفَتَيْنِ وينتسب إِلَى مشرعة الْجَوْز من محَال بَغْدَاد وَالله أعلم.ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا خرب الظَّاهِر قلعة منبج خوفًا من انتزاعها مِنْهُ، وأقطعها عماد الدّين

- ‌الْحَوَادِث بِالْيمن

- ‌ذكر قتل شهَاب الدّين ملك الغورية

- ‌ذكر قصد ملك الرّوم حلب

- ‌ذكر وَفَاة الْملك الْعَادِل

- ‌ذكر اسْتِيلَاء الْملك النَّاصِر على حماه

- ‌اسْتِيلَاء الْملك المظفر غَازِي بن الْعَادِل على خلاط وميافارقين

- ‌مسير التتر إِلَى خوارزم شاه وهزيمته وَمَوته

- ‌عود دمياط إِلَى الْمُسلمين

- ‌حَادِثَة غَرِيبَة

- ‌عصيان المظفر غَازِي بن الْعَادِل على أَخِيه الْأَشْرَف

- ‌وَفَاة ملك الْمغرب وَمَا كَانَ بعده

- ‌ذكر ملك المظفر مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد لحماه

- ‌كسرة جلال الدّين

- ‌تَلْخِيص من تَارِيخ جلال الدّين

- ‌اسْتِيلَاء الْعَزِيز بن الظَّاهِر على شيزر

- ‌ وَينْفق عَلَيْهِ الْأَمْوَال الجليلة.ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة: فِيهَا فِي الْمحرم توفّي شهَاب الدّين طغرل بك الأتابك بحلب.قلت: وَله أوقاف مبرورة وواقعته مَعَ الشَّيْخ نَبهَان بن غيار الحبريني العَبْد الصَّالح مَشْهُورَة، وَالله أعلم

- ‌ تصدق رجل من ديناره من درهمه من صَاع بره من صَاع تمره.وروى أَبُو زيد: أكلت خَبرا لَحْمًا تَمرا.قَالَ الشَّاعِر:(كَيفَ أَصبَحت كَيفَ أمسيت مِمَّا…يغْرس الود فِي فؤاد الْكَرِيم)وَأما بَيت أبي الطّيب فمصطبر ومقتحم مجروران قيل بِمن الْمقدرَة وَهُوَ بعيد

- ‌اسْتِيلَاء النَّاصِر صَاحب حلب على دمشق

- ‌ تعلق فِي أَسْتَار الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَقَالَ: اشْهَدُوا أَن هَذَا مقَامي من رَسُول الله

- ‌ وَكَانَت تضيء بِاللَّيْلِ من مَسَافَة بعيدَة جدا. ولعلها النَّار الَّتِي ذكرهَا رَسُول الله

- ‌ فمما نظم المشد سيف الدّين عمر بن قزل يُخَاطب بِهِ النَّبِي

- ‌ وَقع مِنْهُم فِي بعض اللَّيَالِي تَفْرِيط، فاشتعلت النَّار فِي الْمَسْجِد الشريف، واحترقت سقوفه وتألم النَّاس لذَلِك.قلت: وَكَانَ أصل هَذَا الْحَرِيق من مسرجة قيم، وَقلت فِي ذَلِك:(وَالنَّار أَيْضا من جنود نَبينَا…لم تأت إِلَّا بِالَّذِي يخْتَار)(متغلبون يزخرفون بسحتهم

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة: فِيهَا قصد هولاكو ملك التتر بَغْدَاد، وملكها فِي الْعشْرين من الْمحرم، وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه وَسَببه أَن وَزِير الْخَلِيفَة مؤيد الدّين بن العلقمي، كَانَ رَافِضِيًّا وَأهل الكرخ روافض فَافْتتنَ السّنيَّة والشيعة بِبَغْدَاد كعادتهم فَأمر

- ‌قصد هولاكو الشَّام

- ‌سلطنة الْحلَبِي بِدِمَشْق

- ‌قبض الْملك السعيد وعود التتر

- ‌ ففرغ فِي أَربع سِنِين وَالله أعلم.وفيهَا: فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر هلك هولاكو بن طلو بن جنكيزخان وَترك خَمْسَة عشر ابْنا.وَملك بعده ابْنه أبغاً الْبِلَاد الَّتِي كَانَت بيد أَبِيه وَهِي أقليم خُرَاسَان وكرسيه نيسابور وإقليم عراق الْعَجم وتعرف بِبِلَاد الْجَبَل وكرسيه

- ‌ وأماننا لأخينا السُّلْطَان الْملك المظفر شمس الدّين يُوسُف بن عمر صَاحب الْيمن إننا رَاعُونَ لَهُ ولأولاده، مسالمون من سالمهم، معادون من عاداهم وَنَحْو ذَلِك، وَأرْسل إِلَيْهِ هَدِيَّة من أسلاب التتر وخيلهم.وفيهَا: مَاتَ منكوتمر بن هولاكو بن طلو بن جنكيزخان بِجَزِيرَة

- ‌فتح حموص وَغَيرهَا

- ‌ذكر المتجددات بعد الكسرة

- ‌قدوم قبجق إِلَى حماه

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا أرسل قرا سنقر نَائِب حلب مَعَ مَمْلُوكه قشتمر عسكراً إِلَى سيس.وَكَانَ قشتمر ضَعِيف الْعقل مشتغلاً بِالْخمرِ فاستهان بالعدو فَجمع صَاحب سيس سنباط من الأرمن والفرنج والتتر ووصلوا إِلَى غَزَّة وقاتلوهم قرب إِيَاس فَانْهَزَمَ

- ‌ ألْقى الله فِي قُلُوبهم الرعب وَهَزَمَهُمْ.قلت:(مَا ذكرُوا الْمُصْطَفى بِسوء…إِلَّا وسيق البلا إِلَيْهِم)(فحبه رَحْمَة علينا…وسبه نقمة عَلَيْهِم)وقاسى الْعَسْكَر فِي هدم الأبراج مشقة فَإِنَّهَا كَانَت مكلبة بحديد ورصاص وَعرض السُّور ذِرَاعا بالنجاري، ونقبت

- ‌ أشعاراً، وَمَا أرق قَوْله:(لَا تسْأَل يَا حبيب قلبِي…مَا تمّ عَليّ فِي هواكا)(الْعرض فقد صلوت عَنهُ…وَالنَّفس جَعلتهَا فداكا)وَقَوله دو بَيت:(يَا عصر شَبَابِي المفدي أَرَأَيْت…مَا أسْرع مَا بَعدت عني ونأيت)(قد كنت مساعدي على كَيْت وَكَيْت…وَالْيَوْم

- ‌ فجَاء نقيب الحكم بدر الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين إِسْحَاق وأزاح الْعَقْرَب عَن كم النَّبِي

- ‌ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَعَ اعترافه بِأَن الزِّيَارَة بِلَا شدّ رَحل قربَة فشنعوا عَلَيْهِ بهَا، وَكتب فِيهَا جمَاعَة بِأَنَّهُ يلْزم من مَنعه شَائِبَة تنقيص للنبوة فيكفر بذلك.وَأفْتى عدَّة بِأَنَّهُ مُخطئ بذلك خطأ الْمُجْتَهدين المغفور لَهُم وَوَافَقَهُ جمَاعَة وَكَبرت الْقَضِيَّة

- ‌ أَمر بقتل الْكلاب مرّة، ثمَّ صَحَّ أَنه نهى عَن قَتلهَا، قَالَ: وَاسْتقر الشَّرْع عَلَيْهِ على التَّفْصِيل الْمَعْرُوف فَأمر بقتل الْأسود إِلَيْهِم، وَكَانَ هَذَا فِي الإبتداء وَهُوَ الْآن مَنْسُوخ، هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَا مزِيد على تَحْقِيقه وَالله أعلم

- ‌ رد عليه السلام من الْحُجْرَة وَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام يَا مهنا، ثمَّ عَاد إِلَى الفوعة وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

- ‌ نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم فارتاب فِي ذَلِك فأقدم على فتح الْبَاب الْمَذْكُور بعد أَن نهي عَن ذَلِك فَوجدَ بَابا عَلَيْهِ تأزير رُخَام أَبيض، وَوجد فِي ذَلِك تَابُوت رُخَام أَبيض فَوْقه رخامة تبيضاء مربعة فَرفعت الرخامة عَن التابوت فَإِذا فِيهَا بعض جمجمة فهرب الْحَاضِرُونَ هَيْبَة لَهَا، ثمَّ رد

- ‌ فِيمَن صَامَ الدَّهْر لَا صَامَ وَلَا أفطر على أَنه دُعَاء عَلَيْهِ وَفِي حق من نذور وَلم يتَضَرَّر خَمْسَة أَقْوَال الْوُجُوب وَهُوَ إختيار أَكثر الأصاحب وَالْإِبَاحَة وَالْكَرَاهَة وَالتَّحْرِيم وَفِي حق من يتَضَرَّر بِأَن تفوته السّنَن أَو الِاجْتِمَاع بالأهل ثَلَاثَة أَقْوَال التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة وَلَا يَجِيء

- ‌ مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر رضي الله عنهم عَن نَبينَا سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب

- ‌ وَفِيه: ورد الْخَبَر إِلَى حلب أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَليّ بن السُّبْكِيّ تولى قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق المحروسة بعد أَن حدث الْخَطِيب بدر الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي جلال الدّين نَفسه بذلك وَجزم بِهِ وَقبل الهناء فَقَالَ فِيهِ بعض أهل دمشق:(قد سبك السُّبْكِيّ قلب الْخَطِيب

- ‌وفيهَا: فِي الْعشْرين من شهر رَجَب توفّي بجبرين الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ نَبهَان كَانَ لَهُ الْقبُول التَّام عِنْد الْخَاص وَالْعَام، وناهيك أَن طشتمر حمص أَخْضَر على قُوَّة نَفسه وشممه وقف على زاويته بجبرين حِصَّة من قَرْيَة حريثان لَهَا مغل جيد وَبِالْجُمْلَةِ فَكَأَنَّمَا مَاتَت بِمَوْتِهِ مَكَارِم

- ‌ حسن الخظ، وَله نظم، كَانَ كَاتبا ثمَّ صَار داوندار قبجق بحماه ثمَّ شاد الدَّوَاوِين بحلب ثمَّ حاجباً بهَا ثمَّ دواتدار الْملك النَّاصِر ثمَّ نَائِبا بالإسكندرية ثمَّ أَمِيرا بحلب وشاد المَال وَالْوَقْف ثمَّ أَمِيرا بطرابلس رَحمَه الله تَعَالَى.وفيهَا: فِي شعْبَان بلغنَا وَفَاة الشَّيْخ

- ‌ فَمن أعدى الأول استرسل ثعبانه وانساب " وَسمي طاعون الْأَنْسَاب وَهُوَ سادس طاعون وَقع فِي الْإِسْلَام، وَعِنْدِي أَنه الموتان الَّذِي أنذر بِهِ نَبينَا عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ وَكَانَ:(أعوذ بِاللَّه رَبِّي من شَرّ طاعون النّسَب…باروده المستعلي قد طَار فِي الأقطار)

الفصل: ‌ ففرغ في أربع سنين والله أعلم.وفيها: في تاسع عشر ربيع الآخر هلك هولاكو بن طلو بن جنكيزخان وترك خمسة عشر ابنا.وملك بعده ابنه أبغا البلاد التي كانت بيد أبيه وهي أقليم خراسان وكرسيه نيسابور وإقليم عراق العجم وتعرف ببلاد الجبل وكرسيه

وَثَمَانِينَ سنة، ومحدث مصر رشيد الدّين يحيى بن عَليّ الْقرشِي الْعَطَّار الْمصْرِيّ وَالله أعلم.

ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة: فِيهَا فتح الظَّاهِر قيسارية الشَّام بعد مضايقة سِتَّة أَيَّام فِي جُمَادَى الأولى وهدمها، ثمَّ فتح أرسوف فِي جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا.

قلت: وفيهَا جدد بِمصْر الْقُضَاة الْأَرْبَعَة من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة لأجل توقف تَاج الدّين بن بنت الْأَعَز عَن تَنْفِيذ كثير من القضايا فتعطلت الْأُمُور، ثمَّ فعل بِدِمَشْق كَذَلِك فِي الْعَام الْقَابِل.

وفيهَا: حجب الْخَلِيفَة من الِاجْتِمَاع بِالنَّاسِ بقلعة الْجَبَل وابتدئ بعمارة مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم َ -‌

‌ ففرغ فِي أَربع سِنِين وَالله أعلم.

وفيهَا: فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر هلك هولاكو بن طلو بن جنكيزخان وَترك خَمْسَة عشر ابْنا.

وَملك بعده ابْنه أبغاً الْبِلَاد الَّتِي كَانَت بيد أَبِيه وَهِي أقليم خُرَاسَان وكرسيه نيسابور وإقليم عراق الْعَجم وتعرف بِبِلَاد الْجَبَل وكرسيه

أصفهان وإقليم عراق الْعَرَب وكرسيه بَغْدَاد وإقليم أذربيجان وكرسيه تبريز، وإقليم خوزستان وكرسيه تستر وتسميها الْعَامَّة ششتر، وإقليم فَارس وكرسيه شيراز، وإقليم ديار بكر وكرسيه الْموصل وإقليم الرّوم وكرسيه قونية وَغَيرهَا مِمَّا لَيْسَ فِي الشُّهْرَة مثل هَذِه الأقاليم الْعَظِيمَة وَمُدَّة ملك هولاكو عشر سِنِين.

قلت: مَاتَ هولاكو على دينه بعلة الصرع وبنوا على قَبره قبَّة بقلعة تَلا وَفِي تَارِيخ الذَّهَبِيّ أَنه هلك سنة أَربع وَسِتِّينَ وَالله أعلم.

وفيهَا: أَو تلوها أمسك الظَّاهِر زامل بن عَليّ أَمِير الْعَرَب بمكاتبة عِيسَى بن مهنا فِيهِ.

وفيهَا: فِي رَمَضَان استولى نَائِب الرحبة على قرقيسيا وَهِي حصن الزبا على خلاف فِيهِ.

وفيهَا: قبض الظَّاهِر على سنقر الرُّومِي.

وفيهَا: توفّي قَاضِي الْقُضَاة بِمصْر بدر الدّين يُوسُف بن حسن بن عَليّ السنجاوي.

ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة: فِيهَا خرج الظَّاهِر من مصر وجهز عسكراً فتحُوا القليعات وحلبا وعرقا وَنزل الظَّاهِر على صفد ثامن من شعْبَان وضايقها وجاءه عَلَيْهَا الْمَنْصُور صَاحب حماه وَكثر الْقَتْل والجراح وَفتحهَا بالأمان فِي تَاسِع عشر شعْبَان ثمَّ قتل أَهلهَا الفرنج عَن آخِرهم.

وفيهَا: بعد صفد دخل الظَّاهِر دمشق وجرد عسكراً ضخماً مقدمهم الْمَنْصُور صَاحب حماه إِلَى بِلَاد الأرمن وملكهم إِذْ ذَاك هيتوم بن قسطنطين بن باسيل قد حصن الدربندات بالرجالة والمجانيق وَجعل عَلَيْهَا عسكره مَعَ ابنيه فأفناهم العساكر قتلا وأسراً، وَقتل أحد

ص: 211

ابْني صَاحب سيس، وَأسر الآخر وَهُوَ ليفون وفتحوا العامودين وَقتلُوا أَهلهَا وعادوا وَقد امتلأوا غَنَائِم فَتَلقاهُمْ الظَّاهِر إِلَى أفامية وَعَاد إِلَى مصر فتقطر بِهِ فرسه عِنْد بركَة زيزا وانكسرت فَخذه وَحمل فِي محفة.

وفيهَا: وَقد سَار الظَّاهِر ليلقى عساكره نزل قارا وَنهب أَهلهَا وَقتل كبارهم فَإِنَّهُم كَانُوا نَصَارَى يبيعون الْمُسلمين من الفرنج خُفْيَة، وَأخذت صبيانهم مماليك، وتربوا بَين التّرْك بالديار المصرية فَصَارَ مِنْهُم أجناد وأمراء.

ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة: فِيهَا قدم الْمَنْصُور صَاحب حماه إسكندرية للتفرج بِأَمْر الظَّاهِر ففرشت بَين يَدي فرسه الشقق، واحترم وَأكْرم وَعَاد إِلَى مصر ثمَّ إِلَى حماه.

وفيهَا: توجه الظَّاهِر إِلَى الشَّام فَنظر فِي مصَالح صفد وَأقَام بِدِمَشْق خَمْسَة أَيَّام وَقَوي الإرجاف بالتتر ثمَّ عَادوا فَعَاد.

وفيهَا: مَاتَ بركَة بن صائن خَان بن دوشي خَان بن جنكيزخان أعظم مُلُوك التتر وكرسيه مَدِينَة سراي، وَكَانَ قد نزل إِلَى دين الْإِسْلَام.

وَملك بعده ابْن عَمه منكو تمر بن طغان بن ناطو بن دوشي خَان بن جنكيزخان.

ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة: فِي مستهل جمادي الْآخِرَة مِنْهَا توجه الْملك الظَّاهِر بيبرس إِلَى الشَّام وَفتح يافا فِي الْعشْر الْأَوْسَط من الشَّهْر من الفرنج ثمَّ سَار ونازل أنطاكية مستهل رَمَضَان وزحف فملكها بِالسَّيْفِ يَوْم السبت رَابِع رَمَضَان مِنْهَا قتلا وسبياً، وغنموا مِنْهَا عَظِيما، وَكَانَت للبرنس بيمند وَله مَعهَا طرابلس وَكَانَ بطرابلس لما فتحت أنطاكية.

وفيهَا: فِي ثَالِث عشر رَمَضَان ملك الظَّاهِر بغراس خَالِيَة للخوف مِنْهُ، وقواها وَجعلهَا من الْحُصُون الإسلامية، وَكَانَ صَلَاح الدّين فتحهَا وخربها، ثمَّ عمرها الفرنج بعده، ثمَّ حاصرها الحلبيون ورحلوا بعد أَن أشرفوا على فتحهَا.

وفيهَا: فِي شَوَّال صَالح الظَّاهِر هينوم صَاحب سيس على أَن يحضر سنقر الْأَشْقَر المأسور من قلعة حلب عِنْد التتر من حِين ملكهَا هولاكو وَيسلم بهثنى ودير بساك ومرزيان ورعيان وسيح الْحَدِيد وَيُطلق الظَّاهِر لَهُ ابْنه ليفون وَتمّ ذَلِك كُله وَعَاد الظَّاهِر إِلَى مصر.

ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة: فِيهَا خرج الظَّاهِر وخيم على خربة اللُّصُوص ثمَّ قدم مصر بَغْتَة وَمَا علم النَّائِب بِمصْر وَلَا غَيره بذلك حَتَّى صَار بَينهم، ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام.

وفيهَا: تسلم الظَّاهِر بلاطنس من عز الدّين عُثْمَان صَاحب صهيون.

وفيهَا: حج الْملك الظَّاهِر ورحل من الشوبك فِي حادي عشر ذِي الْقعدَة فوصل مَكَّة شرفها الله فِي خَامِس ذِي الْحجَّة، وَوصل إِلَى الكرك سلخ ذِي الْحجَّة.

ص: 212

ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة: فِيهَا توجه الْملك الظَّاهِر بيبرس من الكرك مستهل الْمحرم وَقد عَاد من الْحَج فوصل دمشق بَغْتَة، وَتوجه من يَوْمه فوصل حماه خَامِس الْمحرم، وَتوجه لساعته إِلَى حلب وَلم تشعر بِهِ الْعَسْكَر إِلَّا وَهُوَ فِي الموكب مَعَهم وَعَاد إِلَى دمشق ثَالِث عشر الْمحرم ثمَّ توجه إِلَى الْقُدس ثمَّ وصل الْقَاهِرَة ثَالِث صفر مِنْهَا.

وفيهَا: عَاد الظَّاهِر إِلَى الشَّام وأغار على عكا وَدخل دمشق وحماه.

وفيهَا: فِي رَجَب تسلم عَسْكَر الظَّاهِر مصياف من الإسماعيلية.

وفيهَا: جهز منكوتمر جَيْشًا من التتر فوصلوا قسطنطينية، وعاثوا فِي بلادها ومروا بالقلعة الَّتِي حبس بهَا كيكاوس صَاحب الرّوم من سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فَحَمله التتر بأَهْله إِلَى منكوتمر فَأكْرمه وزوجه ابْنَته وَأقَام مَعَه حَتَّى توفّي كيكاوس سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة فَسَار ابْنه مَسْعُود وَملك الرّوم.

ثمَّ دخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة: فِيهَا حصر الظَّاهِر حصن الأكراد وَملكه بالأمان فِي رَابِع وَعشْرين شعْبَان، ثمَّ نَازل حصن عكار فِي سَابِع عشر رَمَضَان وجد فِي قِتَاله، وَملكه بالأمان فِي سلخ رَمَضَان وَعِيد عَلَيْهِ، وَفِيه يَقُول مُحي الدّين بن عبد الظَّاهِر:

(يَا مليك الأَرْض بِشِرَاك

فقد نلْت الْإِرَادَة)

(إِن عكار يَقِينا

هُوَ عكا وَزِيَادَة)

قلت: ونقلت أَنا هَذَا الْمَعْنى إِلَى ذمّ سُكْنى البيرة فَقلت:

(إِنَّمَا البيرة بير

رحلتي مِنْهَا سَعَادَة)

(قيل والبيرة بير

قلت بير وَزِيَادَة)

وَالله أعلم.

وفيهَا: فِي شَوَّال تسلم الظَّاهِر قلعة العليفة وبلادها من الإسماعيلية.

وفيهَا: قدم الظَّاهِر دمشق ونازل فِي ثَانِي ذِي الْقعدَة حصن الْقرن وتسلمه بالأمان وهدمه وَعَاد إِلَى مصر.

وفيهَا: جهز الظَّاهِر مَا يزِيد على عشرَة شواني لغزة وقبرص، فتكسرت فِي مرسى النمسون وأسرهم الفرنج، فَعمل السُّلْطَان فِي مُدَّة يسيرَة شواني ضعف مَا عدم.

وفيهَا: توفّي هيتوم صَاحب سيس وَملك ابْنه ليفون طليق الظَّاهِر.

وفيهَا: قبض الظَّاهِر على عز الدّين تغان وعَلى المحمدي وَغَيرهمَا.

وفيهَا: توفّي القَاضِي شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن الْبَارِزِيّ قَاضِي حماه والطواشي شُجَاع الدّين مرشد الْخَادِم المنصوري، وَكَانَ كثير الْمَعْرُوف كَانَ الظَّاهِر يعْتَمد عَلَيْهِ ويستشيره ودبر حماه مُدَّة.

قلت: وفيهَا أَعنِي سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة، مَاتَ بِمَكَّة قطب الدّين عبد الْحق بن

ص: 213

سبعين المرسي الصُّوفِي الفيلسوف من الْقَائِلين بوحدة الْوُجُود، وَله تصانيف وَأَتْبَاع وَأَبُو الْحسن بن عُصْفُور الأشبيلي النَّحْوِيّ صَاحب التصانيف مِنْهَا المقرب وشرحا الْجمل للزجاجي والممتع فِي التصريف وَهُوَ بديع فِي فنه، وَكَانَ يخضب رَأسه ولحيته بِالْحِنَّاءِ.

وَله فِي ذَلِك:

(لما تدنست بالتفريط فِي كبري

ورحت مغرى بِشرب الراح واللمس)

(رَأَيْت أَن خضاب الشيب أسترلي

إِن الْبيَاض قَلِيل الْحمل للدنس)

ثمَّ دخلت سنة سبعين وسِتمِائَة: فِيهَا توجه الظَّاهِر إِلَى الشَّام وعزل جمال الدّين أقوش النجيبي نَائِب دمشق وولاها عَلَاء الدّين إيدكين الفخري الْأُسْتَاذ دَار مستهل ربيع الأول، ثمَّ قدم حمص ثمَّ حصن الأكراد ثمَّ دمشق.

وفيهَا: وَالظَّاهِر بِدِمَشْق أغارت التتر على عينتاب وعَلى الروج وقسطون إِلَى قرب أفامية وعادوا واستدعى الظَّاهِر عسكراً من مصر وَتوجه بهم إِلَى حلب ثمَّ قدم مصر ثَالِث وَعشْرين جُمَادَى الأولى.

وفيهَا: فِي شَوَّال عَاد الظَّاهِر من مصر إِلَى الشَّام.

ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة: فِيهَا عَاد الظَّاهِر إِلَى مصر جَرِيدَة فَأَقَامَ بقلعة الْجَبَل نصف شهر، وَثمّ عَاد إِلَى الشَّام فوصل دمشق ثَالِث صفر.

وفيهَا: توفّي سيف الدّين أَحْمد بن مظفر الدّين عُثْمَان بن منكيرس صَاحب صهيون فَسلم ولداه سَابق الدّين وفخر الدّين صهيون إِلَى الظَّاهِر فأكرمهما وَأعْطى سَابق الدّين إمرة طبلخانات.

وفيهَا: نَازل التتر البيرة ونصبوا المجانيق وضايقوها فَسَار إِلَيْهِم الظَّاهِر وَأَرَادَ عبور الْفُرَات إِلَى بر البيرة فقاتله التتر على المخاصة فاقتحم الْفُرَات وَهزمَ التتر فرحلوا عَن البيرة وتركو آلَات الْحصار فَصَارَت للْمُسلمين، ثمَّ عَاد الظَّاهِر فوصل مصر فِي خَامِس وَعشْرين جُمَادَى الْآخِرَة.

وفيهَا: أخرج الدمياطي من الاعتقال.

وفيهَا: تسلمت نواب الظَّاهِر مَا تَأَخّر من حصون الإسماعيلية وَهِي الْكَهْف والمنيقة والقدموس.

قلت: وفيهَا توفّي الْعَلامَة تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُونُس الْموصِلِي صَاحب التَّعْجِيز بِبَغْدَاد، وَكَمَال الدّين أَحْمد بن الدحمسي بِالْهِنْدِ، والمحدث شمس الدّين بن هامل الْحَرَّانِي، والحافظ شرف الدّين يُوسُف بن النابلسي وَالله أعلم.

وفيهَا: اعتقل الظَّاهِر الشَّيْخ خضر الْعَدْوى بعد رفعته عِنْده ونفوذ أمره بِالشَّام ومصر واعتقله بقلعة الْجَبَل فِي قاعة مكرما حَتَّى مَاتَ.

ص: 214

قلت: وَفِيه يَقُول بَعضهم:

(لم يحبس الشَّيْخ خضر بعد منقصة

مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَنْب إِلَى أحد)

(لكنه كَانَ كالسلطان منزلَة

وَهل رأى النَّاس سلطانين فِي بلد)

وَالله أعلم.

ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة: فِيهَا ملك يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن حمامة المريني مَدِينَة سبتة وقبيلة بني مرين يُقَال لَهَا حمامة من قبائل الْعَرَب بالمغرب كَانَ مقامهم بالريف القبلي من إقليم تازة أول أَمرهم أَنهم خَرجُوا عَن طَاعَة بني عبد الْمُؤمن لما اخْتَلَّ أَمرهم، وملكوا فاس مِنْهُم سنة بضع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة، وَأول من أشتهر مِنْهُم أَبُو بكر بن عبد الْحق المريني، وَبعد ملكه فاس سَار إِلَى جِهَة مراكش وضايق بني عبد الْمُؤمن حَتَّى توفّي أَبُو بكر الْمَذْكُور سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة.

وَملك بعده أَخُوهُ يَعْقُوب وَملك مراكش من أبي دوس، وَاسْتمرّ حَتَّى ملك سبتة هَذِه السّنة.

وَملك بعده ابْنه يُوسُف، وكنيته أَبُو يَعْقُوب، وَاسْتمرّ حَتَّى قتل سنة سِتّ وَسَبْعمائة.

وفيهَا: وصل الْملك الظَّاهِر بعساكره إِلَى دمشق.

وفيهَا: عَاد عمر بن مخلول أحد أُمَرَاء الْعَرَب إِلَى الْحَبْس بعجلون، كَانَ الظَّاهِر حَبسه بهَا مُقَيّدا فهرب إِلَى التتر ثمَّ أَمنه الظَّاهِر على أَن يعود، وَيَضَع الْقَيْد فِي رجله كَمَا كَانَ فَفعل فعفى عَنهُ.

وفيهَا: قويت أَخْبَار التتر وجفل النَّاس.

وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى بِدِمَشْق فِي الجفلة ولد الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب بدار الزنجيلي.

وفيهَا: توفّي الشَّيْخ جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن مَالك الطَّائِي الجياني النَّحْوِيّ وعمره اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سنة، وَله فِي النَّحْو واللغة مصنفات كَثِيرَة مَشْهُورَة.

قلت: مِنْهَا تسهيل الْفَوَائِد وَفِيه نَحْو كثير وَشَرحه وَمَات وَلم يكمل شَرحه وكمله الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان المغربي نزيل مصر وَمِنْهَا الْعُمْدَة وَهِي جَيِّدَة لَكِنَّهَا تنقص أبواباً، وَشَرحهَا المُصَنّف فأجاد، وَمِنْهَا الْخُلَاصَة الألفية فِي النَّحْو أَيْضا، وَشَرحهَا ابْنه الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد شرطا حسنا، وَكَانَ يَقُول على مَا بَلغنِي مَا زَالَ وَالِدي يخبط حَتَّى نظم الْخُلَاصَة.

وَمِنْهَا قصيدة فِي الْقرَاءَات على طَريقَة الشاطبي وَلم تشتهر، وَمِنْهَا كتاب المثلث فِي اللُّغَة وَيدل على اطلَاع عَظِيم، ثمَّ نظمه نظماً حسنا، وَله غير ذَلِك، وَأَخْبرنِي شَيخنَا قَاضِي

ص: 215

الْقَضَاء شرف الدّين هبة الله بن الْبَارِزِيّ قَالَ: نظم الشَّيْخ جمال الدّين الْخُلَاصَة الألفية بحماه عندنَا يرسم اشتغالي فِيهَا، وَكنت شَابًّا وخدمته وَلَقَد رَأَيْت بركَة خدمتي لَهُ.

ويحكى أَن الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الرَّحْمَن الْفَزارِيّ الْعَالم الْمَشْهُور تأسف يَوْم موت ابْن مَالك تأسفاً كثيرا فَقيل لَهُ: أَكَانَ الشَّيْخ جمال الدّين فِي النَّحْو مثلك فِي الْفِقْه، فَقَالَ: وَالله مَا أنصفتموه كَانَ فِي النَّحْو مثل الشَّافِعِي فِي الْفِقْه وَيُقَال أَن الشَّيْخ جمال الدّين اجْتمعت فِيهِ أضداد فَإِنَّهُ كَانَ مغربياً سخياً حسن الْخلق وأديباً دينا حسن الْوَجْه، وَرَأَيْت بِخَط القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بهْرَام الدِّمَشْقِي قَاضِي قُضَاة حلب، كَانَ رحمه الله مَا صورته أَنْشدني الشَّيْخ عبد الصَّمد الأندلسي قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ جمال الدّين بن مَالك:

(نضر نضير نضار زبرج ثَمَر

عسيجد زخرف عقيان الذَّهَب)

(والتبر مالم يذب وأشركوا ذَهَبا

وَفِضة فِي سبيك هَكَذَا الْعَرَب)

وأنشدني أَيْضا من إنشاده:

(أَنا أيا وبلى روى صبا وَصلى

سوى قرت قصرت وَمد من فتحا)

(واقصراضا وسحاصلا غراوعما

قذا وَمد الَّذِي بالكسرة افتتحا)

(قربى ورعبى وعلياً أقصر لضمكها

وَافْتَحْ وَمد ونعمى هَكَذَا وضحا)

وَالله أعلم. وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة توفّي الْأَمِير مبارز الدّين أقوش المنصوري مَمْلُوك الْمَنْصُور صَاحب حماه وَكَانَ شجاعا عَاقِلا قبجاقي الْجِنْس.

وفيهَا: ثامن عشر ذِي الْحجَّة توفّي النصير الطوسي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن خدم صَاحب الألموت، ثمَّ خدم هولاكو وحظي عِنْده وَعمل لَهُ رصداً بمراغة وزيجاً، وَله أقليدس يتَضَمَّن اخْتِلَاف الأوضاع ومجسطي وَتَذْكِرَة فِي الْهَيْئَة، شرح الإشارات، وَأجَاب عَن غَالب إيرادات فَخر الدّين الرَّازِيّ عَلَيْهَا، ومولده جُمَادَى الأولى سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة، وَدفن فِي مشْهد مُوسَى الْجواد.

قلت: وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة مَاتَ صَاحب الأندلس السُّلْطَان أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن الْأَحْمَر، وَكَانَ مؤيداً لم تكسر لَهُ راية قطّ مبدأ ظُهُوره من قَرْيَة أرجونة وانتزع الْملك من ابْن هود وولايته اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة وَملك بعده ابْنه مُحَمَّد.

وفيهَا: مَاتَ بالروم الصَّدْر القنوي وَالله أعلم.

ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة: فِيهَا دخل الظَّاهِر بِلَاد سيس بالعساكر وغنم وَعَاد إِلَى دمشق.

ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة: فِيهَا نازلت التتر البيرة ومقدمهم أقطاي فَتوجه

ص: 216

الظَّاهِر وَكَانَ بِدِمَشْق إِلَى جِهَتهَا فَرَحل التتر عَنْهَا وبلغه ذَلِك وَهُوَ بالقطيفة فَأَتمَّ السّير إِلَى حلب ثمَّ عَاد إِلَى مصر.

وفيهَا: بعد وُصُول الظَّاهِر إِلَى مصر جهز جَيْشًا مَعَ أقسنقر الفارقاني وَعز الدّين أيبك الأفرم إِلَى النّوبَة فغنموا وَقتلُوا وعادوا.

وفيهَا: تزوج الْملك السعيد بركَة بن الظَّاهِر بيبرس غازنة خاتون بنت نَائِبه الْأَمِير سيف الدّين قلاوون الصَّالِحِي.

قلت: وَأَنْشَأَ الْكَاتِب ابْن عبد الظَّاهِر يَقُول فِي نعتها وأعز من يتجمل بهَا الْعُقُود، وَكَيف لَا وَهِي الدرة الألفية وَالله أعلم.

وَفِي أواخرها: عَاد الظَّاهِر إِلَى الشَّام.

ثمَّ دخلت سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة: فِي الْمحرم مِنْهَا وصل الظَّاهِر دمشق فَإِنَّهُ خرج من مصر فِي أَوَاخِر سنة أَربع وَسبعين وَسَار إِلَى جِهَة حلب لتلقي الْأُمَرَاء الروميين الوافدين وهم بفجار وبهادر وَلَده وَأحمد بن بهادر وَغَيرهم وَأكْرمهمْ وَعَاد إِلَى مصر.

وفيهَا: عَاد الظَّاهِر بعساكره إِلَى الشَّام، وَوصل حلب ثمَّ النَّهر الْأَزْرَق ثمَّ سَار إِلَى إبلستين فوصلها فِي ذِي الْحجَّة وَبهَا جمع هم نقاوة المغول مقدمهم تناون والتقى بهَا الْجَمْعَانِ يَوْم الْجُمُعَة عَاشر ذِي الْقعدَة مِنْهَا، فَانْهَزَمَ التتر وأخذتهم سيوف الْمُسلمين، وَقتل تناون وغالب كبرائهم وَأسر مِنْهُم كثير وصاروا أُمَرَاء مِنْهُم سيف الدّين قبجق وَسيف الدّين سلار.

ثمَّ سَار الظَّاهِر وَاسْتولى على قيسارية وَالْحَاكِم بالروم يَوْمئِذٍ معِين الدّين سُلَيْمَان البرواناه وَكَانَ يُكَاتب الظَّاهِر فِي الْبَاطِن فَظن الظَّاهِر أَنه يحضر إِلَيْهِ بقيسارية حَسْبَمَا اتفقَا عَلَيْهِ فَلم يحضر لما أَرَادَهُ الله من هَلَاكه.

وَأقَام الظَّاهِر بقيسارية سَبْعَة أَيَّام ينتظره، وخطب لَهُ على منابرها ثمَّ رَحل عَنْهَا ثَانِي وَعشْرين ذِي الْقعدَة، وَحصل للعسكر شدَّة لنفاد الْقُوت والعليق، وعدمت غَالب خيولهم، ووصلوا إِلَى عمق حارم وَأَقَامُوا فِيهِ شهرا، وَلما بلغ أبغا بن هولاكو ذَلِك سَاق فِي جموع المغول إِلَى الإبلستين، وَشَاهد عسكره صرعى وَلم ير من عَسْكَر الرّوم قَتِيلا فنهب الرّوم وَقتل كثيرا، ثمَّ سَار إِلَى الأردوا وصحبته البرواناه، وَقَتله وَقتل نيفاً وَثَلَاثِينَ من خواصه، والبرواناه بالعجمي الْحَاجِب، وَكَانَ داهية حازماً.

وفيهَا: مَاتَ الشهَاب مُحَمَّد بن يُوسُف بن زَائِدَة التلعفري الشَّاعِر قلت: ويعجبني قَول التعفري، وَلَا أَدْرِي هُوَ هَذَا التلعفري أَو الَّذِي قبله:

(وَإِذا الثَّنية أشرقت وشممت من

أرجائها أرجا كنشر عبير)

(سل هضبها الْمَنْصُوب أَيْن حَدِيثهَا

الْمَرْفُوع عَن ذيل الصِّبَا الْمَجْرُور)

ص: 217

وَهُوَ غَايَة فِي الْحسن فَإِنَّهُ قَالَ الْمَنْصُوب وَهُوَ مَنْصُوب وَالْمَرْفُوع وَهُوَ مَرْفُوع وَالْمَجْرُور وَهُوَ مجرور، وَقد ذكرت بِهِ قولي وَإِن كنت لم ألحق بغباره:

(وأغيد يسألني

مَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر)

(مثلهمَا لي مسرعاً

فَقلت أَنْت الْقَمَر)

وَقَوْلِي:

(قلت لنحوي إِذا عرضا

لَهُ بأوقاف الرِّضَا أعرضا)

(يَا حَيْثُ لَو أصبح بَاب الرضى

كَيفَ لما كنت كأمس مضى)

وَالله أعلم.

وفيهَا: مَاتَ الشَّيْخ خضر مَحْبُوسًا مكرماً قلت: وَكَانَ الشَّيْخ خضر يكاشف وَرمي بأَشْيَاء وَأَرَادَ السُّلْطَان قَتله فَقَالَ: أَنا بيني وَبَيْنك فِي الْمَوْت شَيْء يسير فَوَجَمَ لَهَا السُّلْطَان وحبسه إِلَى أَن مَاتَ وَالله أعلم.

وفيهَا: رَحل الظَّاهِر من العمق إِلَى دمشق.

ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة: فِيهَا وصل الظَّاهِر دمشق وَنزل بِالْقصرِ الأبلق وَكَانَ رَحل من عمق حارم.

وفيهَا: يَوْم الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين من الْمحرم توفّي السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أَبُو الْفَتْح بيبرس الصَّالِحِي النجمي بِدِمَشْق وَقت الزَّوَال عقب وُصُوله من الرّوم وَاخْتلف فِي سَبَب مَوته قبل أَن الْقَمَر كسف كُله وشاع أَنه لمَوْت جليل الْقدر فَأَرَادَ الظَّاهِر تَأْوِيله بِغَيْرِهِ فاستدعى بالقاهر من ولد النَّاصِر دَاوُد بن الْمُعظم عِيسَى وسقاه قمزاً مسموماً ثمَّ شرب الظَّاهِر نَاسِيا بذلك النهاء فَمَاتَ القاهر عقيب ذَلِك، وحصلت للظَّاهِر حمى محرقة.

قلت: وَهَذَا لَا يثبت فقد كَانَ الْملك الظَّاهِر رحمه الله على قدم من الدّيانَة، وَكَانَ ملازماً للخمس فِي أَوْقَاتهَا، وألزم حَاشِيَته بهَا، وَحكي عَنهُ أَنه مَا شرب خمرًا قطّ وَمنع كل مُنكر، وَكَانَ يحصل من الْمُنكر بِمصْر كل يَوْم ألف دِينَار فأبطله، وَلما حج رُؤِيَ بِبَاب الْكَعْبَة محرما يَأْخُذ بأيدي ضعفاء الرّعية ليصعدوا وَعمل الستور الديباج للكعبة وللحجرة النَّبَوِيَّة، وخطب كرة الْمجد إِسْمَاعِيل الوَاسِطِيّ وَالسُّلْطَان حَاضر فَقَالَ فِي الْخطْبَة: أَيهَا السُّلْطَان إِنَّك لن تدعى يَوْم الْقِيَامَة بأيها السُّلْطَان لَكِن تدعى بِاسْمِك وكل مِنْهُم يَوْمئِذٍ يسْأَل عَن نَفسه إِلَّا أَنْت فأنك تسْأَل عَن رعاياك فَاجْعَلْ كَبِيرهمْ أَبَا وأوسطهم أَخا وصغيرهم ولدا، فاستعذب وعظه وأجزل عطاءه.

وَكَانَ لَهُ فِي السّنة عشرَة آلَاف أردب تفرق فِي الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ووقف على جِهَات عدَّة، واستن سنَن العمرين وَنصب للنَّاس خَليفَة وَفتح أنطاكية وبغراس والقصير وحصن الأكراد وحصن عكار والقرين وصافيتا ومرقية، وَأمنت لهيبته السبل، وَكَانَ إِذا جرى عِنْده ذكر أبغا يسألهم الْكَفّ عَنهُ لِئَلَّا ينْقل إِلَيْهِ وَيَكْفِيك فعله بالتتر بِعَين جالوت وخوضته إِلَيْهِم

ص: 218

المرات فَشكر الله سَعْيه، وَلما توفّي كتم مَمْلُوكه نَائِبه بدر الدّين تتليك الخزينة دَار مَوته وصيره بقلعة دمشق حَتَّى تهيأت تربته قرب جَامع دمشق فدفنه بهَا ورحل النَّائِب بالعساكر والمحفة مظْهرا أَن الظَّاهِر مَرِيض فِيهَا وسارا إِلَى مصر.

وَكَانَ الظَّاهِر قد حلف الْعَسْكَر لِابْنِهِ السعيد بركَة وَجعله ولي عَهده فوصل الخزينة دَار بالعسكر والخزائن إِلَى السعيد بقلعة الْجَبَل وَعند ذَلِك أظهر موت السُّلْطَان وَجلسَ الْملك السعيد للعزاء، وَاسْتقر فِي السلطنة، وَمُدَّة ملك الظَّاهِر نَحْو سبع عشرَة سنة وشهران وَعشرَة أَيَّام. وَكَانَ مهيباً شجاعاً عَاقِلا قبجاقي الْجِنْس أسمر أَزْرَق الْعَينَيْنِ جَهورِي الصَّوْت أحضر هُوَ ومملوك آخر بحماه ليشتريهما الْمَنْصُور فَلم يعجباه وأرسله إِلَى إيدكين البندقدار الصَّالِحِي وَهُوَ معتقل بقلعة حماه من جِهَة الْملك الصَّالح فَاشْتَرَاهُ ثمَّ أفرج الصَّالح عَن البندقدار وَبَقِي الظَّاهِر مَعَ أستاذه حَتَّى أَخذه مِنْهُ الْملك الصَّالح.

وَاسْتقر السعيد بركَة فِي ملك مصر وَالشَّام فِي أَوَائِل ربيع الأول مِنْهَا ونائبه بدر الدّين تتليك الخزينة دَار كَمَا كَانَ مَعَ وَالِده والأمور منتظمة فَلم تطل أَيَّام تتليك وَمَات عَن قريب قيل: حتف أَنفه، وَقيل: سم وتول النِّيَابَة شمس الدّين الفارقاني، ثمَّ أَرَادَ السعيد تَقْدِيم الأصاغر، وَقبض على سنقر الْأَشْقَر والبيش، ثمَّ أطلقهما عَن قريب ففسدت نيات الأكابر عَلَيْهِ.

قلت: وفيهَا توفّي شيخ الْإِسْلَام الْعَالم الرباني الزَّاهِد محيي الدّين يحيى بن شرف بن مري النواوي وَله خمس وَأَرْبَعُونَ سنة وَنصف، وَله سيرة مُفْردَة فِي علومه وتصانيفه وينه ويقينه وورعه وزهده وقناعته باليسير وتعبده وتهجده وخوفه من الله تَعَالَى ولي مشيخة دَار الحَدِيث بِدِمَشْق وَكَانَ لَا يتَنَاوَل من معلومها شَيْئا وقبره ظَاهر يزار بنوى.

قلت:

(لقِيت خيرا يَا نوى

وحرست من ألم النَّوَى)

(فَلَقَد نَشأ بك زاهد

فِي الْعلم أخْلص مَا نوى)

(وعَلى عداهُ فَضله

فضل الْحُبُوب على النَّوَى)

وَالله أعلم.

ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة: فِيهَا سَار السعيد بركَة إِلَى الشَّام وَوصل دمشق بالعساكر وجرد الْعَسْكَر صُحْبَة الْأَمِير سيف الدّين قلاوون الصَّالِحِي وجرد صَاحب حماه فَشُنُّوا الإغارة على بِلَاد سيس، وغنموا وَقدمُوا دمشق وَلم يدخلوها فاستعطفهم السعيد فَلم يلووا عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا على خلعه وَأَتمُّوا السّير فَركب السعيد وسبقهم إِلَى مصر وَنزل بقلعة الْجَبَل وسارت العساكر فِي أَثَره وَخرجت السّنة وَالْأَمر كَذَلِك.

وفيهَا: توفّي عز الدّين كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباذ السلجوقي عِنْد منكوتمر ملك التتر بِمَدِينَة سراي، وَتقدم ذكره وَأَرَادَ منكوتمر أَن يُزَوّج ابْنه مسعوداً بِزَوْجَة ابْنه كيكاوس،

ص: 219

فهرب واتصل بِبِلَاد الرّوم فَحمل إِلَى أبغا فَأكْرمه وَأَعْطَاهُ سيواس وأرزن الرّوم وأرزنكان، ثمَّ جعلت سلطنة الرّوم باسم مَسْعُود، وَاسْتمرّ إِلَى قريب سنة ثَمَان وَسَبْعمائة وافتقر وانكشف حَاله، فَقيل أَنه تنَاول سما لِكَثْرَة الدُّيُون ومطالبة التتر، وَهُوَ آخر من سمي بالروم سُلْطَانا من السلجوقية.

قلت: وَفِي سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة توفّي الصاحب قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر بن العديم الْحَنَفِيّ عَارِف بِالْمذهبِ وَالْأَدب، مبالغ فِي التجمل مَعَ دين تَامّ وَتعبد وصيانة وتواضع للصالحين وَنجم الدّين مُحَمَّد بن سوار بن إِسْرَائِيل صَاحب " الحريري روح الْمشَاهد وَرَيْحَانَة المجامع " وَالله أعلم.

ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة: فِيهَا وصلت العساكر الْخَارِجَة عَن طَاعَة بركَة الْمَذْكُور إِلَى مصر وحصروه بقلعة الْجَبَل، وخامر عَلَيْهِ لاجين الزيني وَغَيره، وهربوا مِنْهُ إِلَى الْعَسْكَر وَاحِدًا بعد وَاحِد فأجابهم إِلَى الإنخلاع وَرَضي بالكرك، وَسَار فِي ربيع الأول مِنْهَا وتسلمها بِمَا فِيهَا من الْأَمْوَال الْعَظِيمَة وَاتفقَ بدر الدّين بيسري الشمسي وآيتمش السَّعْدِيّ وبكتاش الفخري، وَأَقَامُوا بدر الدّين سلامش بن بيبرس ولقبوه الْملك الْعَادِل وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وَكسر، وخطب لَهُ وَضربت السِّكَّة باسمه فِي ربيع الأول وَصَارَ الْأَمِير سيف الدّين قلاوون أتابك الْعَسْكَر وجهز قلاوون سنقر الْأَشْقَر إِلَى دمشق نَائِبا بِالشَّام، وَكَانَ الْعَسْكَر لما خالفوا السعيد بركَة قبضوا على عز الدّين أيدمر نَائِب دمشق ومدبرها بعد أقوش الشمسي فَلَمَّا قدم سنقر الْأَشْقَر إِلَى دمشق استناب أقوش الشمسي بحلب وَاسْتمرّ الْحَال كَذَلِك مُدَّة يسيرَة.

وفيهَا: يَوْم الْأَحَد الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَجَب تسلطن الْملك الْمَنْصُور قلاوون الصَّالِحِي بعد خلع الصَّبِي سلامش.

وفيهَا: فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة تسلطن سنقر الْأَشْقَر بِدِمَشْق وَحلف من عِنْده من الْأُمَرَاء والعسكر وتلقب بِالْملكِ الْكَامِل.

وفيهَا: توفّي الْملك السعيد بركَة بن الظَّاهِر بيبرس بالكرك بعد وُصُوله إِلَيْهَا بِيَسِير تقطر بِهِ الْفرس فِي لعب الكرة فَحم، ثمَّ مَاتَ وَحمل فَدفن عِنْد أَبِيه بِدِمَشْق فَأَقَامَ أهل الكرك مَوْضِعه أَخَاهُ نجم الدّين خضرًا ولقبوا الْملك المسعود وَاسْتقر بالكرك.

ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين وسِتمِائَة: فِيهَا فِي تَاسِع صفر انْكَسَرَ سنقر الْأَشْقَر وَذَلِكَ أَن الْملك الْمَنْصُور قلاوون جهز عَسَاكِر مصر مَعَ علم الدّين سنجر الْحلَبِي الَّذِي كَانَ تسلطن بِدِمَشْق بعد قتل قطز وَمَعَ بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح وَبدر الدّين الأيدمري وَعز الدّين الأفرم، وبرز سنقر الْأَشْقَر بعساكر دمشق وَالشَّام إِلَى ظَاهر دمشق والتقى الْجَمْعَانِ فِي تَاسِع صفر الْمَذْكُور فَانْهَزَمَ الشاميون وَنهب المصريون أثقالهم.

وَكَانَ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون قد جعل مَمْلُوكه حسام الدّين لاجين السلحدار

ص: 220

نَائِبا بقلعة دمشق فَقبض عَلَيْهِ سنقر الْأَشْقَر لما تملك فَلَمَّا هرب أفرج عَنهُ وَأَفْرج أَيْضا عَن بيبرس الجالق الَّذِي لم يحلف لَهُ.

وَكتب الْحلَبِي إِلَى السُّلْطَان بالنصر وَاسْتقر حسام الدّين لاجين المنصوري نَائِبا بِالشَّام، وهرب سنقر الْأَشْقَر إِلَى الرحبة.

وَكَاتب أبغا بن هولاكو وأطعمه فِي الْبِلَاد، وَكَانَ عِيسَى بن مهنا ملك الْعَرَب مَعَ سنقر الْأَشْقَر وَقَاتل مَعَه وَوَافَقَهُ فِي الْكِتَابَة إِلَى أبغا، ثمَّ سَار سنقر الْأَشْقَر من الرحبة فاستولى على صهيون وبرزنة وبلاطنس والشغر وبكاس وعكار وشيزر وأفامية وَصَارَ ذَلِك لَهُ.

وفيهَا: توفّي أقوش الشمسي نَائِب حلب، وَولي مَوْضِعه الباشغردي سنجر.

وفيهَا: قويت أَخْبَار وُصُول التتر.

وفيهَا: جعل السُّلْطَان الْمَنْصُور قلاوون ابْنه الْملك الصَّالح عَلَاء الدّين عليا ولي عَهده وسلطنه وَركب بشعار السلطنة.

وفيهَا: وصل السُّلْطَان الْمَنْصُور إِلَى غَزَّة وَقد وصل التتر إِلَى حلب فعاثوا ثمَّ عَادوا فَعَاد السُّلْطَان إِلَى مصر فِي جمادي الآخر مِنْهَا.

وفيهَا: اسْتَأْذن سيف الدّين بلبان الطباخي المنصوري نَائِب حصن الأكراد فِي الإغارة على بلد المرقب والفرنج فِيهِ لما اعتمدوه من الْفساد لما وصلت التتر إِلَى حلب وَجمع عَسَاكِر الْحُصُون وَسَار إِلَى المرقب فاتفق هرب الْمُسلمين فَأسر مِنْهُم الفرنج وَقتلُوا جمَاعَة.

وفيهَا: فِي مستهل ذِي الْحجَّة عَاد السُّلْطَان الْمَنْصُور قلاوون إِلَى الشَّام.

ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة: وَالسُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون بِالرَّوْحَاءِ، ثمَّ سَار إِلَى بيسان فَقبض على جمَاعَة من الظَّاهِرِيَّة وأعدم كوندك وإيدغمس الحكيمي وبيبرس الرَّشِيدِيّ ثمَّ دخل دمشق وَأرْسل عسكراً إِلَى شيرز وَهِي لسنقر الْأَشْقَر وَجرى بَينهم مناوشة. ثمَّ احْتَاجَ السُّلْطَان إِلَى مصالحته لقُوَّة إِخْبَار التتر على أَن يسلم شيزر ويتسلم سنقر الْأَشْقَر الشغر وبكاس، وكانتا قد ارتجعتا مِنْهُ وحلفا على ذَلِك.

وفيهَا: فِي رَجَب كَانَ المصاف الْعَظِيم بَين الْمُسلمين والتتر بِظَاهِر حمص فنصر الله الْمُسلمين بعد أَن أيقنوا بالبوار وَذَلِكَ أَن أبغا جمع وَطلب الشَّام، ثمَّ سَار إِلَى الرحبة وسير جيوشه إِلَى الشَّام وَقدم عَلَيْهِ أَخَاهُ منكوتمر بن هولاكو، وَسَارُوا إِلَى حمص وَسَار السُّلْطَان النصور إِلَى حمص أَيْضا.

وجاءه سنقر الْأَشْقَر من صهيون والمنصور صَاحب حماه، وَوصل سنقر الْأَشْقَر وَمَعَهُ أيتمش السَّعْدِيّ والحاج أزدمر وَعلم الدّين الدواتداري وَجَمَاعَة من الظَّاهِرِيَّة، والتقى الْفَرِيقَانِ بِظَاهِر حمص فِي رَابِعَة الْخَمِيس رَابِع عشر رَجَب فهزمت ميمنة الْمُسلمين وقلبهم

ص: 221