الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيهَا: قتلت الباطنية المقرب جوهراً من كبراء عَسْكَر سنجر وَمن جملَة إقطاعه الرّيّ وقفُوا لَهُ فِي زِيّ النِّسَاء.
وفيهَا: توفّي هبة الله بن الْحُسَيْن بن يُوسُف البديع الأصطرلابي، لَهُ فِي الْآلَات الفلكية الْيَد الطُّولى، وَله شعر جيد.
قلت مِنْهُ:
(أهدي لمجلسه الْكَرِيم وَإِنَّمَا
…
أهدي لَهُ مَا حزت من نعمائه)
(كالبحر يمطره السَّحَاب وَمَاله
…
فضل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من مَائه)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا وصل رَسُول السُّلْطَان سنجر وَمَعَهُ بردة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -،
والقضيب أخذا من المسترشد وأعيدا إِلَى المقتفي.
وفيهَا: ملك الإسماعيلية حصن مصياث بِالشَّام، تسلقوا على وَالِي بني منقذ وقتلوه وملكوه.
وفيهَا: توفّي الْفَتْح بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن خاقَان قَتِيلا فِي فندق بمراكش، فَاضل فِي الْأَدَب، لَهُ قلائد العقبان
أَجَاد فِيهِ.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا كَانَ المصاف الْعَظِيم بَين التّرْك الْكفَّار من الخطا وَبَين السُّلْطَان سنجر، فَانْهَزَمَ عَسْكَر سنجر وأسرت زَوجته، وَكَانَ خوارزم شاه مَعَ الْكفَّار لكَون سنجر قتل ابْنه، ثمَّ سَار خوارزم شاه أتسز إِلَى خُرَاسَان وَنهب أَمْوَال سنجر وَغَيرهَا، واستقرت دولة الخطا وَالتّرْك الْكفَّار بِمَا رواء النَّهر.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا فتح جَيش زنكي قلعة أشب الْعَظِيمَة من أَيدي الأكراد الهكارية وخربوها، وَبنى القلعة الْعمادِيَّة عوضهَا، وَكَانَ حصناً خراباً.
وفيهَا: حصرت فرنج الْبَحْر طرابلس الغرب ثمَّ عَادوا.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن الدانشمند صَاحب ملطية والثغر وَملك بِلَاده الْملك مَسْعُود بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب قونية.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا كَانَ الصُّلْح بَين السُّلْطَان مَسْعُود وزنكي.
وفيهَا: فتح زنكي طنزه وأسعرد وحيزان وحصن الدوق وحصن مطليس وحصن باتسية وحصن ذِي القرنين وَأخذ من يَد الفرنج حملين والموزر وتل موزر وَغَيرهَا من حصون جوسلين.
وفيهَا: حصر السُّلْطَان سنجر أتسز بخوارزم، فأطاعه أتسز، فَعَاد عَنهُ سنجر.
وفيهَا: ملك زنكي عانة.
وفيهَا: قتل دَاوُد بن السُّلْطَان مَحْمُود بن ملك شاه غيلَة وَلم يعرف قَاتله.
وفيهَا: توفّي أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بن عمر بن مُحَمَّد بن عمر الْخَوَارِزْمِيّ، الزَّمَخْشَرِيّ، ومولده فِي رَجَب سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة، وزمخشر من قرى خوارزم إِمَام عصره غير مدافع متظاهر بالإعتزال، حَنَفِيّ الْمَذْهَب افْتتح كشافه فِي التَّفْسِير بِالْحَمْد لله الَّذِي خلق الْقُرْآن ثمَّ أصلح بعده بِالْحَمْد لله الَّذِي أنزل الْقُرْآن، وَله الْمفصل فِي النَّحْو، وَكم لَهُ من كتاب قدم بَغْدَاد وناظر بهَا وجاور بِمَكَّة سِنِين فَسُمي جَار الله.
وَمن شعره يرثي شَيْخه أَبَا مُضر منصوراً:
(وقائلة مَا هَذِه الدُّرَر الَّتِي
…
تساقط من عَيْنَيْك سمطين)
(فَقلت لَهَا الدّرّ الَّذِي كَانَ قد حَشا
…
أَبُو مُضر أُذُنِي تساقط من عَيْني)
وَله:
(فَإنَّا اقتصرنا بالذين تضايقت
…
عيونهم وَالله يَجْزِي من اقْتصر)
(مليح وَلَكِن عِنْده كل جفوة
…
وَلم أر فِي الدُّنْيَا صفاء بِلَا كدر)
قلت: وَقد أذكرني هَذَا بَيْتَيْنِ لي وهما:
(سل الله رَبك من فَضله
…
إِذا عرضت حَاجَة مقلقة)
(وَلَا تقصد التّرْك فِي حَاجَة
…
فأعينهم أعين ضيقَة)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا فتح زنكي الرها من الفرنج بِالسَّيْفِ بعد حِصَار نَحْو شهر وسروج وَسَائِر مَا بيد الفرنج شَرْقي الْفُرَات، وحاصر البيرة ثمَّ رَحل عَنْهَا بِسَبَب قتل نَائِبه بالموصل نصير الدّين جقر، وَسبب قَتله أَن ألب أرسلان بن السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُحَمَّد السلجوقي كَانَ عِنْد زنكي، وَكَانَ زنكي مُتَوَلِّيًا هَذِه الْبِلَاد الَّتِي بيد الْملك ألب أرسلان وأتابكه وَلذَلِك قيل الأتابك زنكي، وَكَانَ جقر يقوم بوظائف خدمَة ألب أرسلان بالموصل فَحسن بعض المناحيس لألب أرسلان حَتَّى قتل جقر طَمَعا فِي أَخذ الْبِلَاد من زنكي، فاجتمعت كبراء دولة زنكي، وأمسكوا ألب أرسلان فَترك زنكي البيرة لذَلِك وخشي الفرنج بالبيرة من عوده فسلموها إِلَى نجم الدّين صَاحب ماردين وَصَارَت للْمُسلمين.
وفيهَا: خرج أسطول الفرنج من صقلية إِلَى سَاحل إفريقية فملكوا مَدِينَة برسك قتلا وسبياً.
ثمَّ دخلت سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا هرب عَليّ بن دبيس بن صَدَقَة من السُّلْطَان مَسْعُود فاستولى على الْحلَّة وتقوى.
وفيهَا: اعتقل الْخَلِيفَة المقتفي أَخَاهُ أَبَا طَالب وَغَيره من أَقَاربه.
وفيهَا: ملك الفرنج شنترين وماجه ومارده وأشبونه والمعاقل الْمُجَاورَة لَهَا من الأندلس.
وفيهَا: توفّي مُجَاهِد الدّين بهروز الْخصي الْأَبْيَض، حكم بالعراق نيفاً وَثَلَاثِينَ سنة.
وفيهَا: توفّي الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور موهوب بن أَحْمد الجواليقي اللّغَوِيّ ومولده ذُو الْحجَّة سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة أَخذ عَن التبريزي وَأم بالمقتفي، كَانَ محققاً يفكر، ثمَّ يَقُول، وَكم قَالَ: لَا أَدْرِي؛ أَخذ عَنهُ الْكِنْدِيّ وَأَبُو الْبَقَاء، وَعبد الْوَهَّاب بن سكنبة.
وفيهَا: توفّي أَبُو بكر يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن بَقِي الأندلسي الْقُرْطُبِيّ الشَّاعِر، لَهُ الموشحات البديعة.
وَمن شعره:
(يَا أفتك النَّاس ألحاظاً وأطيبهم
…
ريقاً مَتى كَانَ فِيك الصاب وَالْعَسَل)
(فِي صحن خدك وَهُوَ الشَّمْس طالعة
…
ورد يزينك فِيهِ الراح والخجل)
(إِيمَان حبك فِي قلبِي يجدده
…
من خدك الْكتب أَو من لحظك الرُّسُل)
(إِن كنت تجْهَل إِنِّي عبد مملكة
…
مرني بِمَا شِئْت آتيه وأمتثل)
(لَو اطَّلَعت على قلبِي وجدت بِهِ
…
من فعل عَيْنَيْك جرحا لَيْسَ يندمل)
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا حصر الفرنج طرابلس الغرب، وَفِي ثَالِث يَوْم أَرَادَت طَائِفَة من أَهلهَا تأمير رجل من الملثمين طَائِفَة تقدم بني مطروح فَاقْتَتلُوا فخلت الأسوار فانتهز الفرنج الفرصة وصعدوا بالسلاليم وملكوها فِي الْمحرم وسفكوا ثمَّ أمنُوا من بَقِي وتراجع ناسها وَحسن حَالهَا.
وفيهَا: حصر زنكي قلعة جعبر وصاحبها عَليّ بن مَالك بن سَالم بن بدران بن الْمُقَلّد بن الْمسيب الْعقيلِيّ، وَحصر عسكره قلعة فنك جَوَاز جَزِيرَة ابْن عمر وصاحبها حسام الدولة البشنوي، وَلما طَال على زنكي منازلة قلعة جعبر أرسل مَعَ حسان البعلبكي الَّذِي كَانَ صَاحب منبج يَقُول لصَاحب قلعة جعبر: من يخلصك مني؟ فَقَالَ لحسان: يخلصني مِنْهُ الَّذِي خلصك من مَالك بن بهْرَام بن أرتق وَكَانَ مَالك قد حصر منبج فَجَاءَهُ سهم فَقتله فَرجع حسان إِلَى زنكي وَلم يُخبرهُ بذلك، وَاسْتمرّ زنكي منازلاً لقلعة جعبر فَوَثَبَ عَلَيْهِ جمَاعَة من مماليكه فَقَتَلُوهُ فِي خَامِس ربيع الآخر مِنْهَا لَيْلًا وهربوا إِلَى قلعة جعبر فَأعْلم أهل القلعة الْعَسْكَر بقتْله فَدخل أَصْحَابه إِلَيْهِ وَبِه رَمق، وَكَانَ عماد الدّين زنكي أسمر حسنا مليح الْعَينَيْنِ وخطه الشيب وَجَاوَزَ السِّتين، وَدفن بالرقة؛ ملك الْموصل وَمَا مَعهَا وَالشَّام خلا دمشق وَكَانَت الْأَعْدَاء مُحِيطَة بمملكته وَهُوَ ينتصف مِنْهُم فَأخذ ابْنه نور الدّين مَحْمُود الْخَاتم من يَده وَهُوَ قَتِيل، وَسَار فَملك حلب وَكَانَ صُحْبَة زنكي ألب أرسلان السلجوقي فَركب يَوْم قتل زنكي وَاجْتمعت عَلَيْهِ العساكر فَحسن لَهُ بعض أَصْحَاب زنكي الْأكل وَالشرب وَسَمَاع اللَّهْو فَسَار ألب أرسلان إِلَى الرقة وانعكف على ذَلِك وَأرْسل أكَابِر
دولة زنكي إِلَى سيف الدّين غَازِي بن زنكي يعلمونه بِالْحَال وَهُوَ بشهرزور، فَسَار وَملك الْموصل وبلادها، ثمَّ تحرّك ألب أرسلان فحبسه غَازِي بالموصل.
قلت: كَانَ أَبُو الْحُسَيْن بن مُنِير يعير ابْن القيسراني بِأَنَّهُ مَا صحب أحد إِلَّا نكب فغنى مغن عِنْد زنكي وَهُوَ على قلعة جعبر قَول الشَّاعِر:
(ويلي فِي المعرض الغضبان إِذْ نقل
…
الواشي إِلَيْهِ حَدِيثا كُله زور)
(سلمت فازور يزوي قَوس حَاجِبه
…
كأنني كأس خمر وَهُوَ مخمور)
فاستحسنها زنكي، وَسَأَلَ لمن هِيَ، فَقيل: لِابْنِ مُنِير، فَطلب من حلب، فليلة وصل ابْن مُنِير قتل زنكي، فَقَالَ ابْن القيسراني: هَذَا بِجَمِيعِ مَا كنت تبكتني بِهِ، وَالله أعلم.
وفيهَا: أرسل عبد الْمُؤمن بن عَليّ جَيْشًا فَملك من جَزِيرَة الأندلس مَا فِيهَا من بِلَاد الْمُسلمين.
وفيهَا: بعد قتل زنكي قصد صَاحب دمشق مجير الدّين أبق حصن بعلبك وحصره وَبِه نجم الدّين أَيُّوب بن ساري مستخفياً، فخاف أَن أَوْلَاد زنكي لَا يُمكنهُم سرعَة إنجاده، فَسلم القلعة إِلَيْهِ على أقطاع وَمَال وقرى، وانتقل أَيُّوب فسكن دمشق.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا دخل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي صَاحب حلب بِلَاد الفرنج فَفتح مِنْهَا ارْتَاحَ بِالسَّيْفِ وحصن ماموله وكفرفوث وكفرلاثا.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا جهز رجاز الفرنجي صَاحب صقلية مِائَتَيْنِ وَخمسين شينياً رجَالًا وسلاحاً مقدمهم جرجي فأشرفوا على المهدية وَبهَا الْحسن بن عَليّ بن يحيى بن تَمِيم بن الْمعز باديس صَاحب إفريقية، وَكَانَ الغلاء عَظِيما، وَقد أكل بعض النَّاس بَعْضًا من سنة سبع وَثَلَاثِينَ، فاتفق الْحسن بن عَليّ وأكابر الْبَلَد على أَن يرحلوا من المهدية بِمَا خف حمله وَالرِّيح يمْنَع الأسطول من الْوُصُول.
ثمَّ دخل الفرنج المهدية ثُلثي النَّهَار بِلَا مَانع وَلَيْسَ بهَا مِمَّن عزم على الْخُرُوج أحد، وَدخل جرجي قصر الْإِمَارَة فَوَجَدَهُ مَمْلُوء الخزائن ذخائر وغرائب وحظايا الْحسن بن عَليّ، وَسَار الْأَمِير حسن بأَهْله فَأَقَامَ عِنْد بعض أُمَرَاء الْعَرَب، كَانَ يحسن إِلَيْهِ وَخَافَ من الطَّرِيق فانقبض عَن الْمسير إِلَى الْخَلِيفَة بِمصْر، وَسَار إِلَى ملك بجاية يحيى بن الْعَزِيز فَوكل يحيى بِهِ وبأولاده من يمنعهُم من التَّصَرُّف وَلم يجْتَمع يحيى بهم وأنزلهم فِي جزائر بني مزغنان إِلَى أَن ملك عبد الْمُؤمن بجاية سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَجَمِيع ممالك بني حَمَّاد فَأحْسن إِلَى الْأَمِير حسن إِلَى أَن فتح المهدية فَأَقَامَ فِيهَا والياً من جِهَته وَأمره أَن يرجع إِلَى رأى الْأَمِير حسن، وَكَانَ عدَّة من ملك من بني باديس من أريزي إِلَى الْحسن تِسْعَة مُلُوك، ثمَّ بذل جرجي الْأمان لأهل المهدية فتراجعوا من شدَّة الْجُوع.
وفيهَا: سَار ملك الألمان من وَرَاء الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَحصر دمشق فِي جمع عَظِيم
وصاحبها مجير الدّين أبق بن مُحَمَّد بن بوري بن طغتكين وَالْحكم إِنَّمَا هُوَ لمُعين الدّين أنز مَمْلُوك جده طغتكين.
وَفِي سادس ربيع الأول زحفوا على دمشق وَنزل ملك الألمان بالميدان الْأَخْضَر، وَسَار سيف الدّين غَازِي صَاحب الْموصل لينجد دمشق وَمَعَهُ أَخُوهُ نور الدّين بعسكره فَلَمَّا وصلوا حمص فت ذَلِك فِي أعضاد الفرنج وَأرْسل أنز إِلَى فرنج الشَّام يبْذل لَهُم قلعة بانياس فتخلوا عَن الألمان فخافت الألمان فرحلوا عَن دمشق إِلَى بِلَادهمْ وَسلم أنز قلعة بانياس إِلَى الفرنج حَسْبَمَا شَرط.
وفيهَا: هزم الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود الفرنج عِنْد يغري فَقتل وَأسر وَأرْسل من الأسرى إِلَى أَخِيه سيف الدّين صَاحب الْموصل.
وفيهَا: ملك الفرنج طرطوشة وقلاعها وحصون لارده من الأندلس.
وفيهَا: عَم الغلاء الْمَشَارِق وَالْمغْرب.
وفيهَا: فِي ربيع الأول قتل نور الدولة شاهنشاه بن أَيُّوب أَخُو صَلَاح الدّين لِأَبَوَيْهِ قَتله الفرنج فِي المصاف فِي منازلتهم لدمشق وَهُوَ أَبُو المظفر عمر صَاحب حماة وَأَبُو فرخ شاه صَاحب بعلبك.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا توفّي سيف الدّين غَازِي ابْن زنكي صَاحب الْموصل وولايته ثَلَاث سِنِين وَشهر وَعِشْرُونَ يَوْمًا، ولد سنة خَمْسمِائَة، وَخلف ابْنا أحسن نور الدّين تَرْبِيَته، وَتُوفِّي شَابًّا، وانقرض بِمَوْتِهِ عقب غَازِي، وَكَانَ غَازِي حسن الصُّورَة كَرِيمًا يصنع لعسكره كل يَوْم طَعَاما بكرَة وعشياً. وَهُوَ أول من حمل على رَأسه السنجق فِي ركُوبه، وَأمر الْجند أَن يركبُوا بِالسُّيُوفِ فِي أوساطهم، والدبوس تَحت ركبهمْ.
وَلما توفّي غَازِي كَانَ أَخُوهُ قطب الدّين مودود بن زنكي مُقيما بالموصل، فاتفق الْوَزير جمال الدّين وأمير الجيوش زين الدّين على تَمْلِيكه فحلفاه وحلفا لَهُ، واطاعته بِلَاد أَخِيه غَازِي.
ثمَّ تزوج الخاتون بنت تمرتاش صَاحب ماردين، مَاتَ عَنْهَا أَخُوهُ غَازِي قبل الدُّخُول وَهِي أم أَوْلَاد قطب الدّين.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة (توفّي الْحَافِظ) الدّين الله بن الْأَمِير أبي الْقَاسِم بن الْمُسْتَنْصر الْعلوِي صَاحب مصر وخلافته عشرُون سنة إِلَّا خَمْسَة أشهر، وعمره نَحْو سبع وَسبعين، وَمَا ولي مِنْهُم من لَيْسَ أَبوهُ خَليفَة غير الْحَافِظ والعاضد.
وبويع بعده ابْنه الظافر بِأَمْر الله أَبُو مَنْصُور إِسْمَاعِيل بن الْحَافِظ عبد الْمجِيد، واستوزر ابْن مصال وَبَقِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَحضر من الْإسْكَنْدَريَّة الْعَادِل بن السلار فَأرْسل الْعَادِل ربيبه بن أبي الْفتُوح بن يحيى بن تَمِيم بن الْمعز بن باديس إِلَى ابْن مصال وَقد خرج فِي
طلب بعض المفسدين فَقتله الربيب وَعَاد فاستقر الْعَادِل فِي الوزارة وَلم يكن للظافر الْخَلِيفَة مَعَه حكم إِلَى أَن قَتله ربيبه عَبَّاس الْمَذْكُور وَتَوَلَّى الوزارة.
وَكَانَ أَبُو الْفتُوح وَالِد عَبَّاس قد فَارق أَخَاهُ عَليّ بن يحيى صَاحب إفريقية وَتُوفِّي بِمصْر فَتزَوج الْعَادِل بن السلار أم الْعَبَّاس وَهُوَ مَعهَا صَغِير فَأحْسن تَرْبِيَته ثمَّ جازاه بقتْله وَسَيَأْتِي ذكره.
وفيهَا: حصر الْعَادِل نور الدّين حصن حارم فَجمع الْبُرْنُس صَاحب أنطاكية وقاتله فَانْهَزَمَ الفرنج وَقتل الْبُرْنُس.
قلت: وَفِي قتل الْبُرْنُس وَحمل رَأسه إِلَى حلب، وَأسر أَصْحَابه يَقُول ابْن مُنِير الطرابلسي:
(أقوى الضلال وأقفرت عرصاته
…
وَعلا الْهدى وتبلجت قسماته)
(وانتاش دين مُحَمَّد محموده
…
من بعد مَا علت دَمًا عشراته)
(ردَّتْ على الْإِسْلَام عصر شبابه
…
وثباته من دونه وثباته)
(صدم الصَّلِيب على صلابة عوده
…
فتفرقت أَيدي سبا خشباته)
(وَسَقَى الْبُرْنُس وَقد تبرنس ذلة
…
بِالروحِ مِمَّا قد جنت غدراته)
(فانقاد فِي خطم الْمنية انفه
…
يَوْم الْحطيم وأقصرت نزواته)
(فجلوته تبْكي الأصادق نحبه
…
بِدَم إِذا ضحِكت لَهُ شماته)
(تمشي الْقَنَاة بِرَأْسِهِ وَهُوَ الَّذِي
…
نظمت مدَار النيرين قناته)
وَالله أعلم.
وَملك بعد الْبُرْنُس ابْنه بيمند وَهُوَ طِفْل، وَتَزَوَّجت أمه بِرَجُل آخر وَتسَمى بالبرنس.
ثمَّ أَن نور الدّين غزاهم غَزْوَة أُخْرَى فَهَزَمَهُمْ وَقتل وَأسر، وَأسر الْبُرْنُس الثَّانِي زوج أم بيمند فَتمكن بيمند فِي ملك أنطاكية.
وفيهَا: كَانَت زَلْزَلَة عَظِيمَة.
وفيهَا: توفّي معِين الدّين أنز نَائِب صَاحب دمشق، وَإِلَيْهِ ينْسب قصر معِين الدّين بالغور. وفيهَا: توفّي أَبُو المظفر يحيى بن هُبَيْرَة وَزِير الْخَلِيفَة المقتفي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع ربيع الآخر كَانَ قبل ذَلِك صَاحب ديوَان الزِّمَام.
وفيهَا: توفّي القَاضِي نَاصح الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن قَاضِي تستر وأرجان من أَعمالهَا.
وَمن شعره الْفَائِق:
(وَلما بلوت النَّاس أطلب عِنْدهم
…
أَخا ثِقَة عِنْد اعْتِرَاض الشدائد)
(فَلم أر فِيمَا سَاءَنِي غير شامت
…
وَلم أر فِيمَا سرني غير حَاسِد)
وَله:
(أعيناي كفا عَن فُؤَادِي فَإِنَّهُ
…
من الْبَغي سعى اثْنَيْنِ فِي قتل وَاحِد)
قلت: كَانَ يَنُوب عَن الْقُضَاة تَارَة بتستر، وَتارَة بعسكر مكرم وَفِي ذَلِك يَقُول:
(وَمن النوائب انني
…
فِي مثل هَذَا الشّغل نَائِب)
(وَمن الْعَجَائِب أَن لي
…
صبرا على هذي الْعَجَائِب)
وأرجان تخفف راؤها وتشدد. وَله، ويروي للغزي مِمَّا يقْرَأ طرداً وعكساً.
(مودته تدوم لكل هول
…
وَهل كل مودته تدوم)
وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي القَاضِي عِيَاض بن مُوسَى بن عِيَاض السبتي بمراكش، ومولده بسبته سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة، أحد الْأَئِمَّة الْحفاظ الْمُحدثين الأدباء، وتآليفه وأشعاره شاهدة بذلك.
وَله: الْإِكْمَال شرح مُسلم. ومشارق الْأَنْوَار فِي غَرِيب الحَدِيث.
قلت: وَله الشِّفَاء استقضى بسبتة طَويلا فَحَمدَ، ثمَّ ولي غرناطة فَلم تطل مدَّته.
وَمن شعره:
(انْظُر إِلَى الزَّرْع وجاماته
…
تحكي وَقد ماست أَمَام الرِّيَاح)
(كَتِيبَة خضراء مهزومة
…
شقائق النُّعْمَان فِيهَا جراح)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا فِي الْمحرم أخذت الْعَرَب الْحجَّاج بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فَلم يسلم مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل.
وفيهَا: حصر نور الدّين قلعة أفامية وتسلمها من الفرنج وحصنها بِالرِّجَالِ والذخائر.
قلت: وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو الْحُسَيْن بن مُنِير الطرابلسي:
(أنشرت يَا مَحْمُود مِلَّة أَحْمد
…
من بعد مَا شَمل البلى آثارها)
(أدْركْت ثأرك فِي الْبُغَاة وَكنت
…
يَا مُخْتَار أمة أَحْمد مختارها)
وَالله أعلم.
وفيهَا: حاصر الأذفونش صَاحب طليطلة قرطبة ثَلَاثَة أشهر وَلم يملكهَا.
وفيهَا: مَاتَ عَليّ بن دبيس بن صَدَقَة صَاحب الْحلَّة.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: وفيهَا من الله تَعَالَى على نور الدّين بأسر جوسلين، وَكَانَ من أَشْجَع الفرنج، وَهزمَ نور الدّين مرّة، وَأسر وَقتل فِي أَصْحَابه حَتَّى أَخذ سلَاح نور الدّين وأرسله إِلَى مَسْعُود بن فلج أرسلان صَاحب قونية وآقسرا، وَقَالَ: هَذَا سلَاح زوج ابْنَتك، وسآتيك بعده بِمَا هُوَ أعظم مِنْهُ، فبذل نور الدّين الوعود فِيهِ، فَأسرهُ
التركمان فصانعهم على مَال كثير فَأَجَابُوهُ إِلَى إِطْلَاقه إِذا أحضر المَال، فَبلغ الْخَبَر ابْن الداية نَائِب حلب فسير عسكراً فكبسول التركمان وأحضروه إِلَى نور الدّين فَرَآهُ من أعظم الْفتُوح، وَأُصِيب بِهِ دين الصَّلِيب كَافَّة.
قلت:
(لهجوا سِنِين بجوسلين فَإِنَّهُ
…
قد كَانَ علجاً عَالِيا فِي كفره)
(مَا وَحده أسروه إِذا أسروه بل
…
أَسرُّوا الصَّلِيب بأسره فِي أسره)
وَالله أعلم.
ثمَّ سَار نور الدّين بعد أسره وَملك قلاعه وبلاده وَهِي تل بَاشر وعينتاب ودلوك وعزاز وتل خَالِد وقورس الراوندان وبرج الرصاص وحصن البارة وَكفر سود وَكفر لاثا ومرعش ونهر الْجَوْز فِي مُدَّة يسيرَة، وَبَقِي كلما فتح موضعا حصنه رجَالًا وذخائر.
قلت: وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو الْحُسَيْن بن مُنِير لنُور الدّين:
(طلعت عَلَيْك بجوسلين ذَرِيعَة
…
لَا سحل أَنْشَأَهَا وَلَا امرار)
(مَا زلت تنعم ثمَّ يكفر عاتياً
…
وَالله يهدم مَا بنى الْكفَّار)
(حَتَّى أتاح لِقَوْمِهِ مَا جَرّه
…
لثمود من عقر الفصيل قدار)
وبذل جوسلين لنُور الدّين فِي فدائه أَمْوَالًا لَا تحصى فَاسْتَشَارَ أمراءه فَلم يوافقوا على إِطْلَاقه فخالفهم وتسلم المَال واطلقه فَمَاتَ قبل أَن يخرج من الشَّام وانتفع الْمُسلمُونَ بِالْمَالِ وعد ذَلِك من كرامات نور الدّين، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا ملك عبد الْمُؤمن بجاية وَأخذ من يحيى بن الْعَزِيز آخر مُلُوك بني حَمَّاد جَمِيع ممالكهم، وَكَانَ يحيى مُولَعا بالصيد وَاللَّهْو فَانْهَزَمَ وتحصن بقلعة قسطنطينة من بِلَاد بجاية، ثمَّ أَمنه عبد الْمُؤمن وأرسله إِلَى بِلَاد الْمغرب وأجرى عَلَيْهِ شَيْئا كثيرا.
وَقد ذكرنَا فِي تَارِيخ القيروان: أَن ملك عبد الْمُؤمن تونس وإفريقية سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة.
وفيهَا: فِي أول رَجَب توفّي السُّلْطَان مَسْعُود بهمذان ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسمِائة فِي ذِي الْقعدَة، وَمَات مَعَه سَعَادَة الْبَيْت السلجوقي كَانَ مزاحا كَرِيمًا عفيفاً، وعهد إِلَى ابْن أَخِيه ملك شاه بن مَحْمُود فَخَطب لَهُ، وَكَانَ المتغلب على المملكة الْأَمِير خَاص بك، أَصله تركماني ثمَّ قبض هَذَا على ملك شاه وسجنه وأحضر أَخَاهُ مُحَمَّد بن مَحْمُود من خوزستان، فَتَوَلّى وَجلسَ على السرير، وَنوى خَاص بك إِمْسَاكه وَالْخطْبَة لنَفسِهِ فبدره مُحَمَّد ثَانِي يَوْم صوله فَقتله وَقتل زنكي الخزينة دَار وَألقى برأسيهما فَتفرق أصحابهما.
وفيهَا: جمعت الفرنج وقاتلت نور الدّين وَهُوَ محاصر دلوك فَعظم الْقِتَال وَانْهَزَمَ الفرنج وَقتل فيهم وَأسر ثمَّ ملك دلوك.