الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيهَا: ملك السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان بِلَاد الرّوم، وَكَانَ لما تغلب أَخُوهُ ركن الدّين سُلَيْمَان على الْبِلَاد هرب كيخسرو إِلَى الظَّاهِر بحلب، ثمَّ سَار إِلَى قسطنطينية فاكرمه صَاحبهَا وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ سُلَيْمَان، وَتَوَلَّى ابْنه أرسلان، فَجَاءَهُ كيخسرو وأزال ابْن أَخِيه وَملك وَاسْتقر وفيهَا كَانَت الْحَرْب بَين الْأَمِير قَتَادَة الْحُسَيْنِي أَمِير مَكَّة حرسها الله تَعَالَى وَبَين الْأَمِير سَالم بن قَاسم أَمِير الْمَدِينَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام سجالاً.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة: والعادل بِمصْر.
ذكر قتل شهَاب الدّين ملك الغورية
وفيهَا: فِي أول شعْبَان قتل شهَاب الدّين أَبُو المظفر مُحَمَّد بن سَام بن الْحُسَيْن الغوري ملك غزنة وَبَعض خُرَاسَان بعد عوده من لهاوور بمنزل يُقَال لَهُ دميك قبل الْعشَاء وثب عَلَيْهِ فِي خركاهه جمَاعَة وَقد تفرق النَّاس لأماكنهم فَقَتَلُوهُ بالسكاكين قيل إسماعيلية وَقيل من الكوكر من الْجبَال - كَانَ قد فتك فيهم ثمَّ قتل الحرس أُولَئِكَ، وَكَانَ غازياً عادلاً، ثمَّ سَار صَاحب باميان بهاء الدّين سَام بن شمس الدّين مُحَمَّد بن مَسْعُود عَم غياث الدّين وشهاب الدّين ليتملك غزنة فَمَاتَ بهاء الدّين فِي الطَّرِيق فعهد إِلَى ابْنه عَلَاء الدّين مُحَمَّد، فَدَخلَهَا وَمَعَهُ أَخُوهُ جلال الدّين وتملكها فَسَار تَاج الدّين يلدز مقطع كرمان مَمْلُوك غياث الدّين وَهزمَ عَن غزنة عَلَاء الدّين مُحَمَّدًا وأخاه جلال الدّين وَاسْتولى يلذر عَلَيْهَا فَسَار عَلَاء الدّين وجلال الدّين ابْنا بهاء الدّين سَام إِلَى باميان وجمعا وعادا إِلَى غزنة وانتصرا وهزما يلدز إِلَى كرمان وَاسْتقر عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن سَام وَمَعَهُ بعض الْعَسْكَر فِي ملك غزنة، وَعَاد أَخُوهُ جلال الدّين بباقي الْعَسْكَر إِلَى باميان، ثمَّ إِن يلدز بلغه ذَلِك فَجمع من كرمان وَغَيرهَا وَسَار إِلَى غزنة، فاستنجد عَلَاء الدّين أَخَاهُ جلال الدّين وَحصر يلدز غزنة وَبهَا عَلَاء الدّين، وَسَار جلال الدّين فَلَمَّا قَارب غزنة لقِيه يلدز واقتتلا فَانْهَزَمَ عَسْكَر جلال الدّين وَأخذ أَسِيرًا فَأكْرمه يلدز واحترمه، وَعَاد فَحَضَرَ عَلَاء الدّين بغزنة وَعِنْده بغزنة هندوخان بن ملكشاه بن خوارزم شاه تكش فاستنزلهما يلدز بالأمان وتسلم غزنة.
وَأما غياث الدّين مَحْمُود بن غياث الدّين مُحَمَّد ملك الغورية فَإِنَّهُ لما قتل عَمه شهَاب الدّين كَانَ فِي بست فَسَار وتملك فيروزكوه وَجلسَ فِي دست أَبِيه وتلقب بألقابه فَأحْسن وَعدل، وَلما اسْتَقر يلدز بغزنة وَأسر جلال الدّين وعلاء الدّين كتب إِلَى غياث الدّين مَحْمُود بن غياث الدّين مُحَمَّد بن سَام بن الْحُسَيْن بِالْفَتْح وَأرْسل إِلَيْهِ الْأَعْلَام وَبَعض الأسرى.
وفيهَا: توفّي مجير الدّين طاشتكين أَمِير الْحَاج وَكَانَ قد ولاه الْخَلِيفَة خوزستان وَكَانَ خيرا صَالحا وَكَانَ يتشيع تشيعاً حسنا.
وفيهَا: تزوج أَبُو بكر بن البهلوان بنت ملك الكرج لاشتغاله باللهو عَن التَّدْبِير فَكف الكرج عَنهُ لذَلِك.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وسِتمِائَة: فِيهَا نَازل الْعَادِل فِي طَرِيقه إِلَى الشَّام عكا فَصَالحه أَهلهَا على إِطْلَاق الأسرى، ثمَّ وصل دمشق ثمَّ سَار وَنزل بِظَاهِر حمص على بحيرة قدس، وَجَاءَت العساكر من الْجِهَات، وَلما خرج رَمَضَان سَار ونازل حصن الأكراد وَفتح برج أعناز وَأخذ مِنْهُ سِلَاحا ومالاً وَخَمْسمِائة رجل ثمَّ نصب على طرابلس المجانيق، وعاث الْعَسْكَر فِي بلادها وَقطع قناتها، وَعَاد فِي آخر ذِي الْحجَّة إِلَى بحيرة قدس.
وفيهَا: أرسل غياث الدّين مَحْمُود بن غياث الدّين مُحَمَّد ملك الغورية يستميل يلدز مَمْلُوك أَبِيه المستولي على غزنة فَلم يجبهُ يلدز وَطلب يلدز من غياث الدّين أَن يعتقهُ فأحضر الشُّهُود وَأعْتقهُ وَأرْسل مَعَ عتاقته هَدِيَّة عَظِيمَة، وَكَذَلِكَ أعتق أيبك المستولي على الْهِنْد وَأهْدى لَهُ فَقبل كل مِنْهُمَا ذَلِك، وخطب لَهُ أيبك ببلاده من الْهِنْد دون يلدز وَخرج بعض العساكر عَن طَاعَة يلدز لعدم طَاعَته لغياث الدّين.
وفيهَا: فِي ثَالِث شعْبَان ملك غياث الدّين كيخسرو صَاحب الرّوم أنطالية - بِاللَّامِ - مَدِينَة للروم على سَاحل الْبَحْر.
وفيهَا: قبض عَسْكَر خلاط على صَاحبهَا ابْن بكتمر لكَونه قبض على أتابكه قتلغ، وملكوا بلبان مَمْلُوك شاهرمن بن سقمان صَاحب خلاط كَمَا مر سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وسِتمِائَة: والعادل على بحيرة قدس، ثمَّ هادن صَاحب طرابلس وَنزل إِلَى دمشق.
وفيهَا: ملك الأوحد أَيُّوب بن الْعَادِل خلاط من بلبان كَمَا مر سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة فَسَار الأوحد من ميافارقين وَملك موش، ثمَّ قَاتله بلبان فَانْهَزَمَ بلبان واستنجد بمغيث الدّين طغرل بك شاه بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب أرزن الرّوم فهزما الأوحد، ثمَّ غدر طغرل بك شاه ببلبان فَقتله ليملك بِلَاده فَلم يسلمُوا إِلَيْهِ خلاط وَلَا مناز كرد فَرجع إِلَى بِلَاده، وَكَاتب أهل خلاط الأوحد فَسَار إِلَيْهِم وملكها وبلادها بعد يأسه مِنْهَا، وَاسْتقر فِيهَا، وَلما اسْتَقر الْعَادِل بِدِمَشْق وصل إِلَيْهِ التشريف من الإِمَام النَّاصِر صُحْبَة الشَّيْخ شهَاب بن السهروردي فَبَالغ الْملك الْعَادِل فِي إكرام الشَّيْخ وتلقاه إِلَى القيصر وَوصل من صَاحِبي حماه وحلب ذهب لينشر على الْعَادِل إِذا لبس الخلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً والخلعة جُبَّة أطلس أسود بطراز مَذْهَب وعمامة سَوْدَاء بطراز مَذْهَب وطوق ذهب مجوهر يطوق بِهِ، وَسيف قرَابه ملبس ذَهَبا يُقَلّد بِهِ، وحصان أَشهب بركاب ذهب وَنشر على رَأسه علم أسود مَكْتُوب فِيهِ بالبياض اسْم الْخَلِيفَة، ثمَّ خلع رَسُول الْخَلِيفَة على كل وَاحِد من الْملك الْأَشْرَف والمعظم ابْني الْعَادِل وعَلى الْوَزير صفي الدّين بن شكر، وقرىء تَقْلِيده بالبلاد الَّتِي
تَحت حكمه، وخوطب الْملك الْعَادِل فِيهِ شاهنشاه ملك الْمُلُوك خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ، ثمَّ توجه الشَّيْخ شهَاب بِالْبرِّ إِلَى مصر، فَفعل نَظِير مَا فعل بِدِمَشْق من الاحتفال، ثمَّ عَاد الشَّيْخ إِلَى بَغْدَاد مكرماً مُعظما.
وفيهَا: اهتم الْعَادِل بعمارة قلعة دمشق، وألزم كلا من أهل بَيته ببرج مِنْهَا.
وفيهَا: كاتبت مُلُوك مَا وَرَاء النَّهر مثل ملك سَمَرْقَنْد وَملك بخارا خوارزم شاه يَشكونَ مَا يلقونه من الخطا ويبذلون لَهُ السِّكَّة وَالْخطْبَة فِي بِلَادهمْ إِن دفع الخطا فَعبر عَلَاء الدّين مُحَمَّد خوارزم شاه بن تكش نهر جيحون وَقَاتل الخطا دفعات وَالْحَرب سِجَال، وَاتفقَ فِي بعض الوقعات أَن عَسْكَر خوارزم انهزم وَأسر خوارزم شاه وَأسر مَعَه شخص اسْمه فلَان بن شهَاب الدّين مَسْعُود وَلم يعرفهما الخطائي الَّذِي أسرهما، فَقَالَ ابْن مَسْعُود لخوارزم شاه: دع الْملك وَقل إِنَّك غلامي واخدمني لتخلص فَفعل ذَلِك وَشرع بخدمه حَتَّى فِي نزع خفه فَسَأَلَ الخطائي ابْن مَسْعُود من أَنْت؟ فَقَالَ: أَنا فلَان فَقَالَ: لَوْلَا أَخَاف من الخطا أطلقتك، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: أخْشَى أَن يَنْقَطِع خبري عَن أَهلِي وأشتهي أَن يعلمُوا بحياتي حَتَّى لَا يتقاسموا مَالِي، وأشتهي أبْعث بغلامي هَذَا مَعَ رَسُولك ليصدقوه، فَأجَاب إِلَى ذَلِك وَرَاح خوارزم شاه مَعَ ذَلِك الشَّخْص حَتَّى قرب من خوارزم، فَرجع الخطائي وَاسْتقر خوارزم شاه فِي ملكه، وتراجع إِلَيْهِ عسكره.
قلت: لقد كتم خوارزم شاه سره فكتم وخدم من هُوَ دونه، فخدم وأذل نَفسه فعز ودقق الْحِيلَة فِي المحز، شعر:
(ملك ويخدم سوقه
…
عقلا ومكراً مفرطاً)
(لَوْلَا أَتبَاع صَوَابه
…
مَا فَازَ من أسر الخطا)
وَالله أعلم.
وَكَانَ أَخُوهُ عَليّ شاه بن تكش نَائِبه بخراسان، فَلَمَّا بلغه عدم أَخِيه مَعَ الْخَطَأ طلب السلطنة وَجَرت بخراسان فتن، فَلَمَّا عَاد خوارزم شاه خَافَ أَخُوهُ عَليّ شاه فلحق بغياث الدّين مَحْمُود ملك الغورية فَأكْرمه وَجعله عِنْده بفيروزكوه.
قتل غياث الدّين مَحْمُود وَعلي شاه: وَلما بلغ خوارزم شاه فعل أَخِيه أرسل عسكراً لقِتَال غياث الدّين مَحْمُود الغوري إِلَى فيروزكوه ومقدمهم أَمِير ملك فَأرْسل مَحْمُود يبْذل الطَّاعَة فَأَمنهُ أَمِير ملك فَخرج إِلَيْهِ مَحْمُود وَمَعَهُ عَليّ شاه فَقبض عَلَيْهِمَا وَكتب إِلَى خوارزم شاه بذلك، فَأمره بِقَتْلِهِمَا فَقَتَلَهُمَا فِي يَوْم وَاحِد، واستقامت خُرَاسَان كلهَا لخوارزم شاه وَذَلِكَ فِي سنة خمس وسِتمِائَة.
ومحمود هَذَا آخر مُلُوك الغورية، كَانَ كَرِيمًا عادلاً ودولتهم من أحسن الدول، ثمَّ أَن خوارزم شاه عبر النَّهر إِلَى الخطا، وَكَانَت التتر وَرَاء الخطا فِي حُدُود الصين، وَكَانَ ملكهم
حِينَئِذٍ يُقَال لَهُ كشلي خَان وَبَينه وَبَين الخطا عَدَاوَة متحكمة فَأرْسل كل وَاحِد من كشلي خَان وَمن الخطا يسْأَل خوارزم شاه أَن يكون مَعَه على خَصمه فأجابهما بالمغلطة ينْتَظر مَا يكون مِنْهُمَا فَلَمَّا وَقع بَين كشلي خَان والخطا انتصر كشلي خَان وَقتل فيهم، وفتك فيهم أَيْضا خوارزم شاه فَلم يبْق من الخظا إِلَّا مستسلم أَو معتصم بالجبال.
ثمَّ دخلت سنة خمس وسِتمِائَة: والعادل وولداه الْأَشْرَف والمعظم بِدِمَشْق.
وفيهَا: توجه الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل من دمشق إِلَى بِلَاده الشرقية وتلقاه بحلب صَاحبهَا الْملك الظَّاهِر وأنزله بالقلعة، وَبَالغ فِي إكرامه وإقاماته، وَقدم لَهُ من التحف والنقد وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْخلْع لَهُ ولأصحابه شَيْئا فرطا، ثمَّ سَار الْأَشْرَف إِلَى بِلَاده.
وفيهَا: أجْرى الْملك الظَّاهِر الْقَنَاة من جيلان إِلَى حلب بأموال عَظِيمَة وَبَقِي الْبَلَد يجْرِي المَاء فِيهِ.
وفيهَا: وصل غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب الرّوم إِلَى مرعش لقصد بِلَاد ابْن الأون الأرمني وأنجده الظَّاهِر فعاث كيخسرو فِي بِلَاد الأرمن وَنهب وَفتح حصن قرقوس.
وفيهَا: قتل معز الدّين سنجر شاه بن غَازِي بن مودود بن زنكي بن أقسنقر صَاحب جَزِيرَة ابْن عمر؛ كَانَ ظَالِما قتالاً قطاعاً للأنوف والألسنة والآذان واللحى، وتعدى ظلمه إِلَى أَوْلَاده وحريمه وَحبس ابنيه مَحْمُودًا ومودوداً فِي قلعة وَحبس ابْنه غازياً بدار فِي الْمَدِينَة وبالدار هوَام فاصطاد غَازِي حَيَّة مِنْهَا وأرسلها إِلَى أَبِيه فِي منديل ليرق لَهُ فازداد قسوة، فاحتال غَازِي حَتَّى هرب وَله شخص يَخْدمه فقرر مَعَه أَن يُسَافر وَيظْهر إِنَّه غَازِي بن معز الدّين سنجر شاه ليأمنه أَبوهُ، فَمضى ذَلِك الشَّخْص إِلَى الْموصل فَأعْطى شَيْئا وسافر مِنْهَا واتصل الْخَبَر بسنجر شاه فاطمأن وتوصل غَازِي حَتَّى دخل دَار أَبِيه واختفى عِنْد بعض سراري أَبِيه وَعلم بِهِ جمَاعَة مِنْهُم وكتموه بغضاً فِي سنجر شاه فَشرب سنجر شاه يَوْمًا بِظَاهِر الْبَلَد واقترح على المغنين الْأَشْعَار الفراقية وَهُوَ يبكي، وَدخل دَاره سَكرَان إِلَى المحضية الَّتِي ابْنه مختف عِنْدهَا، وَدخل الخلا فهجم عَلَيْهِ ابْنه غَازِي فَضَربهُ بسكين أَربع عشر ضَرْبَة وذبحه وَتَركه وَدخل الْحمام وَقعد يلْعَب مَعَ الْجَوَارِي، فَلَو قدر الله أَنه أحضر الْجند واستحلفهم لوقته لتم أمره، وَلَكِن اطْمَأَن فَجمع أستاذ الدَّار النَّاس وهجم على غَازِي فَقتله وَحلف الْعَسْكَر لِأَخِيهِ مَحْمُود بن سنجر شاه، وتلقب معز الدّين بلقب أَبِيه، وَوصل معز الدّين مَحْمُود وَاسْتقر بالجزيرة وغرق جواري أَبِيه فِي دجلة ثمَّ قتل أَخَاهُ مودوداً.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وسِتمِائَة: فِيهَا سَار الْعَادِل من دمشق إِلَى حران وَوصل إِلَى بهَا الْملك الصَّالح مَحْمُود بن مُحَمَّد بن قرا أرسلان الأرتقي صَاحب آمد، وحصن كيفا وَسَار الْعَادِل فنازل سنجار وَبهَا صَاحبهَا قطب الدّين مُحَمَّد بن عماد الدّين زنكي بن مودود بن
زنكي فحاصرها طَويلا، وخامرت العساكر عَلَيْهِ وَنقض الظَّاهِر صَاحب حلب الصُّلْح مَعَه، فَرَحل عَن سنجار إِلَى حران وَاسْتولى على نَصِيبين والخابور.
وفيهَا: توفّي الْملك الْمُؤَيد نجم الدّين مَسْعُود بن صَلَاح الدّين.
وفيهَا: توفّي الإِمَام فَخر الدّين مُحَمَّد بن عمر خطيب الرّيّ ابْن الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَليّ التَّيْمِيّ الْبكْرِيّ الطبرستاني الأَصْل الرَّازِيّ المولد الْفَقِيه الشَّافِعِي، صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة، ومولده سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة، وَمَعَ فضائله كَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْوَعْظ بالعربي وبالعجمي، ويلحقه فِيهِ وجد وبكاء، وَكَانَ أوحد فِي المعقولات وَالْأُصُول، قصد الْكَمَال السَّمْعَانِيّ، ثمَّ عَاد إِلَى الرّيّ إِلَى الْمجد الجيلي واشتغل عَلَيْهِمَا وسافر إِلَى خوارزم وَمَا وَرَاء النَّهر، وَجَرت الْفِتْنَة الَّتِي ذكرت واتصل بشهاب الدّين الغوري صَاحب غزنة وَحصل لَهُ مِنْهُ مَال طائل ثمَّ حظي فِي خُرَاسَان عِنْد السُّلْطَان خوارزم شاه بن تكش، وشدت إِلَيْهِ الرّحال وقصده ابْن عنين ومدحه بقصائد.
وَمن شعره فَخر الدّين:
(نِهَايَة إقدام الْعُقُول عقال
…
وَأكْثر سعي الْعَالمين ضلال)
(وأرواحنا فِي وَحْشَة من جسومنا
…
وَحَاصِل دُنْيَانَا أَذَى ووبال)
(وَلم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أَن جَمعنَا فِيهِ قيل وَقَالُوا)
(وَكم قد رَأينَا من رجال ودولة
…
فبادوا جَمِيعًا مُسْرِعين وزالوا)
(وَكم من جبال قد علت شرفاتها
…
رجال فبادوا وَالْجِبَال جبال)
وفيهَا: فِي سلخ ذِي الْحجَّة توفّي مجد الدّين أَبُو السعادات الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الْمَعْرُوف بِابْن الْأَثِير أَخُو غز الدّين عَليّ مؤلف الْكَامِل فِي التَّارِيخ، وَكَانَ عَالما بالفقه والأصولين والنحو والْحَدِيث واللغة وكتابته مفلقة ومولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة.
وفيهَا: توفّي الْمجد الْمُطَرز النَّحْوِيّ الْخَوَارِزْمِيّ، لَهُ فِي النَّحْو تصانيف حَسَنَة.
ثمَّ دخلت سنة سبع وسِتمِائَة: فِيهَا عَاد الْعَادِل من الْبِلَاد الشرقية إِلَى دمشق.
وفيهَا: حصر الكرج الْملك الأوحد بن الْملك الْعَادِل بخلاط وَشرب ملك الكرج فَحسن لَهُ السكر التَّقَدُّم إِلَى خلاط فِي عشْرين فَارِسًا وَخرج الْمُسلمُونَ إِلَيْهِ فتقطر وَأسر فَرد على الأوحد عدَّة قلاع وبذل خَمْسَة آلَاف أَسِيرًا وَمِائَة ألف دِينَار وهادن ثَلَاثِينَ سنة وَشرط تَزْوِيج ابْنَته من الأوحد وَأطلق.
وفيهَا: توفّي نور الدّين أرسلان شاه بن عز الدّين مَسْعُود بن مودود بن زنكي صَاحب الْموصل فِي آخر رَجَب بِمَرَض طَوِيل، وَملك سبع عشرَة سنة وَأحد عشر شهرا.
وَكَانَ أسمر حسن الْوَجْه قد أسْرع إِلَيْهِ الشيب، شَدِيد الهيبة، قَلِيل الصَّبْر، وَملك بعده ابْنه الْملك القاهر عز الدّين مَسْعُود وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَدبره بدر الدّين لُؤْلُؤ مَمْلُوك أَبِيه وأستاذ دَاره، وَهُوَ الَّذِي ملك الْموصل، ولأرسلان شاه ولد آخر أَصْغَر من القاهر اسْمه زنكي ملكه أَبوهُ قلعتي الْعقر وسوس قرب الْموصل.
وفيهَا: وَردت رسل الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله إِلَى مُلُوك الْأَطْرَاف أَن يشْربُوا لَهُ كأس الفتوة، ويلبسوا لَهَا سراويلها وَأَن ينتسبوا إِلَيْهِ فِي رمي البندق ويجعلوه قدوتهم فِيهِ
قلت: وَكَانَ بعض الْفُضَلَاء قد استفتى فِي هَذِه الفتوة بِمصْر وَالشَّام، وَأخذ بتحريمها خطوط الْعلمَاء الْأَعْلَام، فَمنهمْ من أجَاب على جاري الْعَادة وَمِنْهُم من أجَاب بنثر أبدعه ونظم أجاده وأحضرها بعد ذَلِك إِلَيّ فامتنعت من الْكِتَابَة عَلَيْهَا لقصوري فألح عَليّ فَكتبت مَا صورته:
أما بعد: حمداً لله الَّذِي من اتبع مَا أنزلهُ قبل وَمن خَالف كِتَابه وَسنة نبيه خذل، وَالصَّلَاة على رَسُوله مُحَمَّد الَّذِي شَرِيعَته هِيَ الفتوة حَقًا، وطريقته هِيَ الْمُرُوءَة صدقا، وعَلى آله أهل الرأفة والإشفاق وَصَحبه الْمَأْخُوذ عَنْهُم مَكَارِم الْأَخْلَاق فقد غاضني حَتَّى هاضني وأحنقني حَتَّى خنقني مَا أحدثه أهل الْجَهْل والابتداع، وَسكت عَنهُ الْعلمَاء حَتَّى شاع فِي الرعاع وذاع، وَهِي الْبِدْعَة الَّتِي يجب إخفاء رسمها، والمنكرة الْمَعْرُوفَة بالفتوة وَهِي ضد اسْمهَا، وَكَيف لَا وَقد عكف عَلَيْهَا أَتبَاع الضَّلَالَة ودعا إِلَيْهَا الحمقى وَأهل البطالة يجمعُونَ لَهَا الجموع والأنباط، ويحضرها المرد وَأهل اللواط، فَمنهمْ من يتصابى على سنة وَمِنْهُم من يمشي على بَطْنه وَمِنْهُم قوم إِذا الشَّرّ أبدى ناجذيه طاروا إِلَيْهِ وَإِن تنحنح ذُو سطوة أجابوه بسكين وقرؤا التكاثر عَلَيْهِ إِن اضمرت كلمة الْحق ظَهَرُوا وَإِن بني علم الْإِيمَان على الْفَتْح استتروا مَا أحقهم بِنَفْي الْجِنْس وَمَا أولاهم بِالْكَسْرِ وجعلهم كأمس.
شعر:
(جنائز مَجْمُوعَة
…
بعهم كَبيع الْمُفلس)
(لَا قبض فِي صرفهم
…
مَا هم خِيَار الْمجْلس)
كَبِيرهمْ العَاصِي يزِيد تيها على ابْن الْفُرَات وَهُوَ عِنْد الشَّرِيعَة صَغِير ويتصدر - فيهم بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير يلْبِسهُمْ لِبَاس شَرّ ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير، ويشد التكة بِيَدِهِ وَرُبمَا حل بِهِ عقيدة الْغَيْر خُصُوصا إِذا كَانَ اللابس نقي خد فَتلك راية فَرح الْجَمَاعَة وَالطَّرِيق إِلَى مَا قد يُوجب الْحَد ويسقيهم مَاء لَهُ بالملح مزاج بئس الشَّرَاب، وَلَو كَانَ عذباً فراتاً فَكيف وَهُوَ ملح أجاج يشقيهم بِمَا يسقيهم ويطغيهم بِمَا يعطيهم فيضلون بالبدعة جمعا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا ويمد لَهُم خوانًا يجمع فَاسِقًا، وخواناً جمع ثمنه من الششم والأنزروت والقرعة والقمار وَضرب التخوت والزبل والكنس والحجامة والدبغ والحوك والنجامة، وَمن الزفورية والطرقية وَسَائِر الْحَرْف الدنية بعدا لَهَا من بِدعَة سفلى
وَطَرِيقَة غير مثلى جمعهَا لكَونه لَا يعقل غير سَالم، وفاعلها وَإِن كَانَ فَاعِلا مجرور على وَجهه بِالْأَمر الْجَازِم مَا سمعنَا بِمِثْلِهَا فِي أمة وَلَا ساعد عَلَيْهَا أحد من الْأَئِمَّة.
شعر:
(وَمَا كفى مَا أَتَوْهُ
…
من الضلال الْجَلِيّ)
(حَتَّى أضافوه جهلا
…
إِلَى الإِمَام عَليّ)
أقسم بِاللَّه أغْلظ يَمِين إِن مبيحها يكذب وَيَمِين، الشَّيْطَان بغروره دلاه فَاشْترط شُرُوطًا لَيست فِي كتاب الله، فوقوف كَبِيرهمْ لعِلَّة لَا لله، ودعوته إِلَى الْبَاطِل فِي الْجُمْلَة حَيا كميت كَاذِبًا على آل الْبَيْت.
شعر:
(لَيْسَ الْفَتى كل الْفَتى عندنَا
…
إِلَّا الَّذِي يُنْهِي عَن الْفُحْش)
(يَأْتِي إِلَى الْإِسْلَام من بَابه
…
وَيتبع الْحق بِلَا غش)
لَيْسَ الْفَتى من ضرب بالسكين وَالسيف، الْفَتى من أطْعم الْمِسْكِين والضيف، لَيْسَ الْفَتى من عصب لأَصْحَابه وعشرائه، الْفَتى من جعل الْحق بَين عَيْنَيْهِ وَالْبَاطِل من وَرَائه، لَيْسَ الْفَتى من أَقَامَ الشنائع وَشهر على الْأمة السِّلَاح، الْفَتى من دقق الذرائع وسهر فِي جمع الْكَلِمَة والإصلاح، لَيْسَ الْفَتى من كَانَ من أهل اللياط، الْفَتى من أَخذ بالورع وَالِاحْتِيَاط، لَيْسَ الْفَتى من قَالَ بِالشَّاهِدِ، الْفَتى من يُحَاسب نَفسه ويجاهد فَإِن قَالَ أحدهم أَنا أَقْْضِي دين الْمَدِين وأجبر المكسور وأعين الْمِسْكِين وأحمل الثّقل وَأطلق الْمَحْبُوس وأفك المعتقل قُلْنَا خصصت بِهِ رفاقك وعشائرك وَتركت بَقِيَّة النَّاس وَرَاءَك، وَلَو سلم فقد أهملت وَاجِب الْمَنْدُوب وَأَنت بكذبك على عَليّ بن أبي طَالب مَطْلُوب.
شعر:
(كذبت على آل النَّبِي بجرأة
…
ورحت لأفعال الْحَرَام موجها)
(وأبديت مَعْرُوفا تضمن مُنْكرا
…
كمطعمة الْأَيْتَام من كد فرجهَا)
فَإِن احْتج للفتوة بأخذها عَن الْخَلِيفَة قُلْنَا: إِن صَحَّ فبدعة أحدثت كتقبيل العتبة الشَّرِيفَة، وَإِنَّمَا يَصح الِاقْتِدَاء بالخلفاء الرَّاشِدين الَّذين أَخذ عَنْهُم أَئِمَّة الدّين فَلَا تحرم نَفسك الْجنَّة بمخالفة الْكتاب وَالسّنة، وَتب إِلَى رَبك من هَذِه الْجَهَالَة فَإِن كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة.
أتزعم أَن الْإِسْلَام نَاقص وَهَذِه تَتِمَّة وَالله سُبْحَانَهُ قد أكمل لنا ديننَا وَأتم علينا النِّعْمَة.
فَالْوَاجِب علينا أَن تزجر وتهجر وَالْمُنكر عَلَيْك يُؤجر، والراضي بِهَذِهِ الْبِدْعَة كفاعلها أعاننا الله على إِزَالَة أزلها وَإِبْطَال باطلها، فَإِنَّهَا طَريقَة مذمومة وفعلة مُحرمَة مَسْمُومَة، كم أفتى بتحريمها عَالم، وكما قَالَ بضعفها ولي، وَلَو صحت عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ لكَانَتْ فِي الْقُوَّة كجلمود صَخْر حطه السَّيْل من علا وَلَوْلَا خوف التَّطْوِيل لذكرت مَا عَلَيْهَا من دَلِيل
سَمَّاهَا بعض شياطين الْإِنْس فتوة قصر الله عمره فَلَا حول وأضعفه فَلَا قُوَّة، وَالله أعلم.
وفيهَا: سَار الْعَادِل من مقَامه بِدِمَشْق إِلَى مصر.
وفيهَا: توفّي فَخر الدّين جهاركس كَبِير الصلاحية.
وفيهَا: توفّي الْملك الأوحد أَيُّوب بن الْعَادِل فَسَار أَخُوهُ الْأَشْرَف وَملك خلاط على مَا بِيَدِهِ من الشرق فَعظم ولقب شاهرمن.
وفيهَا: وَقتل غياث الدّين كيخسرو صَاحب الرّوم قَتله ملك الأشكري وَملك بعده ابْنه كيكاوس كَمَا مر.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وسِتمِائَة: فِيهَا قبض الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل على عز الدّين أُسَامَة صَاحب قلعتي كَوْكَب وعجلون بِأَمْر أَبِيه وحبسه فِي الكرك إِلَى أَن مَاتَ بهَا، وتسلم الحصنين من غلْمَان أُسَامَة بحصار، وَخَربَتْ كَوْكَب، وَعفى أَثَرهَا، وانقرضت الصلاحية بأسامة هَذَا، وَملك الْمُعظم بِلَاد جهاركس وَهِي بانياس وَمَا مَعهَا لِأَخِيهِ شقيقه الْعَزِيز بن الْعَادِل، وَأعْطى صرخد مَمْلُوكه أيبك المعظمي.
وفيهَا: عَاد الْعَادِل إِلَى الشَّام وَأعْطى ابْنه المظفر غَازِي الرها مَعَ ميافارقين.
وفيهَا: أرسل الظَّاهِر القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد فاستعطف الْعَادِل وخطب ابْنَته ضيفة خاتون للظَّاهِر فَزَوجهَا مِنْهُ وتصافيا.
وفيهَا أظهر الكيا جلال الدّين حسن صَاحب الألموت من ولد الصَّباح شَعَائِر الْإِسْلَام وَكتب بِهِ إِلَى قلاع الإسماعيلية بالعجم وَالشَّام.
وفيهَا: توفّي أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن يُونُس بن مَنْعَة الْفَقِيه الشَّافِعِي بالموصل وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا حسن الْأَخْلَاق.
قلت: وَله الْمُحِيط فِي الْجمع بَين الْمُهَذّب والوسيط وَشرح الْوَجِيز، وعقيدة وتعليقة فِي الْخلاف لم تتمّ، وَولي خطابة الْموصل مَعَ تدريس العزية والنورية والزينية والنقشية والعلائية، وَولي قَضَاء الْموصل ثمَّ انْفَصل عَنهُ وَتقدم عِنْد نور الدّين أرسلان شاه، وَسَار عَنهُ رَسُولا إِلَى بَغْدَاد مَرَّات وَإِلَى الْعَادِل، وناظر فِي ديوَان الْخلَافَة فِي شِرَاء الْكَافِر العَبْد الْمُسلم سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة، وَنقل نور الدّين الْمَذْكُور من مَذْهَب أبي حنيفَة إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَلَيْسَ فِي بَيت أتابك شَافِعِيّ سواهُ مَعَ كثرتهم وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي القَاضِي السعيد هبة الله بن جَعْفَر بن سنا الْملك السَّعْدِيّ الْمصْرِيّ فَاضل متنعم وافر السَّعَادَة، وَله نظم فائق مدح توران شاه أَخا السُّلْطَان صَلَاح الدّين بقصيدة مطْلعهَا:
(تقنعت لَكِن بالحبيب المعمم
…
وَفَارَقت لَكِن كل عَيْش مذمم)
فهجن هَذَا المطلع وعيب.
وَله:
(لَا الْغُصْن يحكيك وَلَا الجؤذر
…
حسنك مِمَّا أَكْثرُوا أَكثر)
(يَا باسماً أهْدى لنا ثغره
…
عقدا وَلَكِن كُله جَوْهَر)
(قَالَ لي اللاحي أما تستمع
…
فَقلت يَا لاحي أما تبصر)
قلت: وَأخذ الحَدِيث عَن السلَفِي، وَاخْتصرَ كتاب الْحَيَوَان للجاحظ وَسَماهُ روح الْحَيَوَان، وَله ديوَان شعر، وديوان موشحات سَمَّاهُ دَار الطّراز ورسائل. وَمَا أحسن قَوْله:
(وَلَو أبْصر النظام جَوْهَر ثغرها
…
لما شكّ فِيهَا أَنه الْجَوْهَر الْفَرد)
(وَمن قَالَ أَن الخيزرانة قدها
…
فَقولُوا لَهُ إياك أَن يسمع الْقد)
وَله من رِسَالَة فِي نقص النّيل بديعة: وَأما أَمر المَاء فَإِنَّهُ نضبت مشارعه وتقطعت أَصَابِعه وَتيَمّم العمود لصَلَاة الاسْتِسْقَاء، وهم المقياس من الضعْف بالاستلقاء، وَبلغ القَاضِي السعيد عَن أبي المكارم هبة الله بن وَزِير بن مقلد الْكَاتِب الشَّاعِر أَنه هجاه فَأحْضرهُ وأدبه وَشَتمه، فَكتب إِلَيْهِ نشو الْملك أَبُو الْحسن عَليّ بن مفرج المعري الأَصْل، الْمصْرِيّ الدَّار والوفاة، الْمَعْرُوف بِابْن المنجم الشَّاعِر الْمَشْهُور:
(قل للسعيد أدام الله نعْمَته
…
صديقنا ابْن وَزِير كَيفَ تظلمه)
(صفعته إِذْ غَدا يهجوك منتقماً
…
فَكيف من بعد هَذَا ظللت تشتمه)
(هجو بهجو وَهَذَا الصفع فِيهِ رَبًّا
…
وَالشَّرْع مَا يَقْتَضِيهِ بل يحرمه)
(فَإِن تقل مَا لهجو عِنْده ألم
…
فالصفع وَالله أَيْضا لَيْسَ يؤلمه)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وسِتمِائَة: فِيهَا فِي الْمحرم عقد الْملك الظَّاهِر على ضيفة خاتون بنت الْعَادِل، وَالصَّدَاق خَمْسُونَ ألف دِينَار، واحتفل الظَّاهِر لملتقاها بالنفائس. وفيهَا: عمر الْعَادِل قلعة الطّور
وفيهَا: حاصر طغرل بك شاه صَاحب أرزن ابْن أَخِيه سُلْطَان الرّوم كيكاوس بسيواس فاستنجد بالأشرف فخاف طغرل بك ورحل عَنهُ.
ثمَّ دخلت سنة عشر وسِتمِائَة: فِيهَا قتل كيكاوس عَمه طغرل بك شاه وَأخذ بِلَاده، وَذبح أَكثر أمرائه، وَقصد أَخِيه عَلَاء الدّين كيقباد فشفعوا فِيهِ فعفى عَنهُ.
وفيهَا: فِي رَمَضَان توفّي بحلب فَارس الدّين مَيْمُون القصري آخر الْأُمَرَاء الصلاحية، ينتسب إِلَى قصر الْخُلَفَاء بِمصْر أَخذه مِنْهُ صَلَاح الدّين.
وفيهَا: ولد للظَّاهِر من ضيفة خاتون بنت الْعَادِل ابْنه الْعَزِيز غياث الدّين مُحَمَّد.
وفيهَا: قتل منكلي من البهلوانية أيدغمش الْغَالِب على مملكة هَمدَان وَالْجِبَال، مَمْلُوك البهلوان أَيْضا هرب مِنْهُ أيدغمش إِلَى الْخَلِيفَة ثمَّ عَاد فَقتله وَملك مَكَانَهُ.
وفيهَا: فِي شعْبَان توفّي ملك الْمغرب النَّاصِر بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وتملكه نَحْو سِتّ عشرَة سنة.
كَانَ أسيل الخد دَائِم الإطراق كثير الصمت للثغة لِسَانه، وَملك بعده ابْنه الْمُسْتَنْصر أَبُو يَعْقُوب يُوسُف.
وفيهَا: وَقيل فِي الَّتِي قبلهَا توفّي عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن خروف النَّحْوِيّ الأندلسي الأشبيلي شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ وجمل الزجاجي فأجاد.
قلت: وَتخرج على أبي طَاهِر النَّحْوِيّ الأندلسي، الْمَعْرُوف بالخدر، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي عِيسَى بن عبد الْعَزِيز الْجُزُولِيّ بمراكش إِمَام فِي النَّحْو لَهُ فِيهِ مُقَدّمَة القانون أَتَى فِيهَا بالعجائب، واعتنى بهَا فضلاء، وَكلهَا رموز، يعْتَرف أَكثر الْفُضَلَاء بالقصور عَنْهَا، قدم مصر على ابْن بري النَّحْوِيّ، ثمَّ عَاد إِلَى الْمغرب، ونسبته إِلَى جزولة بِضَم الْجِيم بطن من البربر وَتسَمى كزولة أَيْضا، وَشرح مقدمته فأغرب وَأفَاد.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى عشرَة وسِتمِائَة: فِيهَا توفّي دلدرم بن ياروق صَاحب تل بَاشر فوليها ابْنه فتح الدّين.
وفيهَا: توفّي الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر الْهَرَوِيّ وتربته مَعْرُوفَة بحلب، كَانَ لَهُ يَد فِي الشعبذة والسيمياء والحيل، وَتقدم عِنْد الظَّاهِر وَدَار أَكثر المعمورة.
قلت: وَله كتاب الإشارات فِي معرفَة الزيارات والخطب الهروية، وَبنى تربته على قدر الْكَعْبَة شرفها الله تَعَالَى وَهِي فِي مدرسة بناها لَهُ الظَّاهِر وَقد كتب الشَّيْخ على بَاب كل بَيت مِنْهَا مَا يَلِيق بِهِ حَتَّى كتب على بَاب الميضأة بَيت المَال فِي بَيت المَاء، وَالله أعلم.
وفيهَا: أسرت التركمان ملك الأشكري قَاتل غياث الدّين كيخسرو فَحمل إِلَى ابْنه كيكاوس فبذل فِي نَفسه أَمْوَالًا وَسلم إِلَى كيكاوس قلاعاً وبلاداً لم تَملكهَا الْمُسلمُونَ قطّ.
وفيهَا: عَاد الْعَادِل من الشَّام إِلَى مصر.
وفيهَا: توفّي ركن الدّين عبد السَّلَام بن عبد الْوَهَّاب بن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلي بِبَغْدَاد، وَكَانَ قد أتهم بالفلسفة فاعتقل ثمَّ شفع فِيهِ وَالِده فَأخْرج وَعَاد إِلَى ولاياته حَتَّى مَاتَ.
وفيهَا: فِي شَوَّال توفّي عبد الْعَزِيز بن مَحْمُود بن الأخصر وَله سبع وَثَمَانُونَ سنة من فضلاء الْمُحدثين.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة: فِيهَا بعث الْكَامِل بن الْعَادِل ابْنه الْملك المسعود يُوسُف الْمَعْرُوف بأقسيس إِلَى الْيمن فِي جَيش فاستولى على الْيمن وظفر بِسُلَيْمَان الَّذِي أطرح زَوجته الَّتِي ملكته وَبعث بِهِ إِلَى مصر فَأجرى لَهُ الْكَامِل مَا يقوم بِهِ إِلَى أَن خرج فَقتل شَهِيدا فِي المنصورة.
وفيهَا: توفّي الْأَمِير عَليّ بن الإِمَام النَّاصِر فأحزن أَبَاهُ ورثته الشُّعَرَاء.
وفيهَا: قصدت العساكر من بَغْدَاد وَغَيرهَا منكلي صَاحب هَمدَان وأصبهان والري فَانْهَزَمَ وَقتل فِي ساوه، وَتَوَلَّى بعده أغملش أحد المماليك البهلوانية أَيْضا.
وفيهَا: فِي شعْبَان ملك خوارزم شاه بن تكش غزنة من يلدز الْمُقدم ذكره فهرب يلدز إِلَى لهاوور من الْهِنْد وَاسْتولى عَلَيْهَا، ثمَّ سَار عَن لهاوور ليستولي على بعض الْهِنْد الدَّاخِل تَحت حكم قطب الدّين أيبك خشداشه فاقتتلا فَقتل يلدز، وَكَانَ محسنا إِلَى الرّعية. وفيهَا: توفّي الْوَجِيه الْمُبَارك بن أبي الْأَزْهَر سعيد بن الدهان النَّحْوِيّ الضَّرِير قَرَأَ على ابْن الْأَنْبَارِي وَغَيره، كَانَ حنبلياً فَصَارَ حنفياً ثمَّ شافعياً فَقَالَ فِيهِ أَبُو البركات زيد التكريتي:
(أَلا مبلغ عني الْوَجِيه رِسَالَة
…
وَإِن كَانَ لَا تجدي إِلَيْهِ الرسائل)
(تمذهبت للنعمان بعد ابْن حَنْبَل
…
وفارقته إِذْ أعوزتك المآكل)
(وَمَا اخْتَرْت رَأْي الشَّافِعِي تديناً
…
ولكنما تهوى الَّذِي هُوَ حَاصِل)
(وَعَما قَلِيل أَنْت لَا شكّ صائر
…
إِلَى مَالك فافطن لما أَنا قَائِل)
قلت: وَهَذَا غير ابْن الدهان الْمَعْرُوف بالحمصي، فَذَلِك أَبُو الْفرج عبد الله بن أسعد بن عَليّ بن عِيسَى المنعوت بالمهذب بن الدهان الْفَقِيه الشَّاعِر الَّذِي من شعره السائر:
(يضحى يجانبني مجانبة العدا
…
ويبيت وَهُوَ إِلَى الصَّباح نديم)
(ويمر بِي يخْشَى الوشاة وَلَفظه
…
شتم وملء جفونه تَسْلِيم)
وَتُوفِّي بحمص سنة إِحْدَى وَهُوَ الْأَصَح، وَقيل: اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة: فِيهَا فِي ثَالِث عشر جمادي الْآخِرَة توفّي الْملك الظَّاهِر غَازِي، وعمره أَربع وَأَرْبَعُونَ سنة وَكسر، وَملكه لحلب من حِين وَهبهَا لَهُ أَبوهُ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة، كَانَ مقدما على سفك الدِّمَاء، ثمَّ أقصر عَنهُ.
وَملك بعده ابْنه الصَّغِير الْملك الْعَزِيز بِعَهْد من أَبِيه وعمره سنتَانِ وَأشهر ودبر أُمُوره شهَاب الدّين طغرل بك الْخَادِم فَأحْسن السياسة، وَكَانَ عمره الصَّالح أَحْمد أخي الْعَزِيز اثْنَتَيْ عشرَة سنة، وَأوصى الظَّاهِر لَهُ بِالْملكِ بعد الْعَزِيز وَأخرج الظافر المشمر قبل مَوته إِلَى إقطاعه كفر سود، وَعلم الدّين قَيْصر الظَّاهِرِيّ إِلَى حارم نَائِبا.
وفيهَا: توفّي تَاج الدّين زيد بن الْحسن بن زيد الْكِنْدِيّ النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ، وَله الْإِسْنَاد العالي فِي الحَدِيث والفنون، انْتقل إِلَى دمشق وَهُوَ بغدادي المولد والمنشأ.
قلت: كتب إِلَيْهِ أَبُو شُجَاع الدهان الفرضي:
(يَا زيد زادك رَبِّي من مواهبه
…
نعمى يقصر عَن إِدْرَاكهَا الأمل)