الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِيه يَقُول الْعِمَاد الْكَاتِب من قصيدة أرسلها من الشَّام إِلَيْهِ:
(بالجد أدْركْت مَا أدْركْت لَا اللّعب
…
كم رَاحَة جنيت من دوحة التَّعَب)
(يَا شيركوه بن شاذي الْملك دَعْوَة من
…
نَادَى فَعرف خير ابْن بِخَير أَب)
(تمل من ملك مصر رُتْبَة قصرت
…
عَنْهَا الْمُلُوك فطالت سَائِر الرتب)
وَفِي شيركوه وَقتل شاور يَقُول عرقلة الدِّمَشْقِي:
(لقد فَازَ بِالْملكِ الْعَقِيم خَليفَة
…
لَهُ شيركوه العاضدي وَزِير)
(هُوَ الْأسد الضاري الَّذِي جلّ خطبه
…
وشاور كلب للرِّجَال عقور)
(طَغى وبغى حَتَّى لقد قَالَ صَحبه
…
على مثلهَا كَانَ العنيز يَدُور)
(فَلَا رحم الرَّحْمَن تربة قَبره
…
وَلَا زَالَ فِيهَا مُنكر وَنَكِير)
وَأما الْكَامِل بن شاور فَلَمَّا قتل أَبوهُ دخل الْقصر فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ وَلما بلغ شيركوه الأمنية أَتَتْهُ الْمنية فَتوفي يَوْم السبت الثَّانِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا، فولايته شَهْرَان وَخَمْسَة أَيَّام.
شيركوه وَأَيوب
ابْنا شاذي من بلد دوين من الأكراد الروادية قصدا الْعرَاق وخدما بهروز شحنة السلجوقية بِبَغْدَاد.
وَكَانَ أَيُّوب أكبر من شيركوه فَجعله بهروز مستحفظاً على قلعة تكريت وَلما كسر عَسْكَر الْخَلِيفَة زنكي وَمر على تكريت خدماه، ثمَّ قتل شيركوه إنْسَانا بتكريت فأخرجهما بهروز من تكريت فلحقا بزنكي فأقطعهما إقطاعات جليلة ثمَّ جعل أَيُّوب مستحفظاً لقلعة بعلبك لما فتحهَا، وَلما حاصره عَسْكَر دمشق بعد موت زنكي سلمهَا إِلَيْهِم على إقطاع كثير شرطوه لَهُ، وَبَقِي أَيُّوب من أكبر أُمَرَاء دمشق وَبَقِي شيركوه بعد زنكي مَعَ نور الدّين، وأقطعه حمص والرحبة وَقدمه على الْعَسْكَر لشجاعته.
وَلما أَرَادَ نور الدّين ملك دمشق أَمر شيركوه فكاتب أَخَاهُ أَيُّوب فساعد على ذَلِك، وبقيا مَعَ نور الدّين إِلَى أَن أرسل شيركوه إِلَى مصر مرّة بعد أُخْرَى حَتَّى ملكهَا.
وَلما توفّي شيركوه طلب جمَاعَة من الْأُمَرَاء النورية التَّقَدُّم على الْعَسْكَر، وَولَايَة الوزارة العاضدية مِنْهُم عز الدولة الياروقي، وقطب الدّين نيال بن حسان المنبجي، وَسيف الدّين عَليّ بن أَحْمد المشطوب الهكاري، وشهاب الدّين مَحْمُود الحارمي خَال صَلَاح الدّين فأحضر العاضد صَلَاح الدّين وولاه الوزارة، ولقبه بِالْملكِ النَّاصِر فَلم يطعه المذكورون.
وَكَانَ مَعَ صَلَاح الدّين الْفَقِيه عِيسَى الهكاري فاستمال إِلَى صَلَاح الدّين المشطوب والحارمي، وَقَالَ للحارمي: هَذَا ابْن أختك وَملكه لَك، وَكَذَا فعل بالباقين فمالوا إِلَيْهِ إِلَّا
الياروقي قَالَ: أَنا لَا أخدم يُوسُف وَعَاد إِلَى نور الدّين بِالشَّام وَثَبت قدم صَلَاح الدّين على أَنه نَائِب نور الدّين.
وَكَانَ نور الدّين يُكَاتب صَلَاح الدّين بالأمير الأسفهسلار وعلامته على رَأس الْكتاب تَعَظُّمًا عَن أَن يكْتب اسْمه.
وَكَانَ لَا يفرده بِكِتَاب بل إِلَى الْأَمِير صَلَاح الدّين وكافة الْأُمَرَاء بالديار المصرية يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا.
ثمَّ أرسل صَلَاح الدّين يطْلب من نور الدّين أَبَاهُ أَيُّوب وَأَهله فأرسلهم فَأَعْطَاهُمْ بِمصْر الإقطاعات وَتمكن من الْبِلَاد وَضعف أَمر العاضد وهجر صَلَاح الدّين الشّرْب وَاللَّهْو، وتقمص الْجد.
قَالَ ابْن الْأَثِير: رَأَيْت كثيرا مِمَّن ابْتَدَأَ الْملك يتنقل الْملك إِلَى غير عقبه، تغلب مُعَاوِيَة وَملك فانتقل إِلَى بني مَرْوَان بعده وَملك السفاح فانتقل إِلَى عقب أَخِيه الْمَنْصُور وَملك نصر بن أَحْمد الساماني فانتقل إِلَى أَخِيه إِسْمَاعِيل وعقبه، ثمَّ ملك عماد الدولة بن بويه فانتقل إِلَى عقب أَخِيه ركن الدولة.
ثمَّ ملك طغرل بك السلجوقي فانتقل إِلَى عقب أَخِيه دَاوُد، ثمَّ ملك شيركوه فانتقل إِلَى ابْن أَخِيه، ثمَّ لم يبْق فِي عقب صَلَاح الدّين بل انْتقل إِلَى أَخِيه الْعَادِل وعقبه، وَلم يبْق لأَوْلَاد صَلَاح الدّين غير حلب وَسبب ذَلِك كَثْرَة قتل من يتَوَلَّى أَولا، وَأَخذه الْملك وعيون أَهله وَقُلُوبهمْ مُتَعَلقَة بِهِ فَيحرم عقبه، ثمَّ أَن صَلَاح الدّين قتل مؤتمن الْخلَافَة، وَكَانَ مقدم السودَان حفاظ الْقصر فَجرى بَينه وَبينهمْ بَين القصرين وقْعَة عَظِيمَة انهزم فِيهَا السودَان وتبعهم صَلَاح الدّين فأجلاهم قتلا وتشريداً، وَحكم على الْقصر وَأقَام فِيهِ بهاء الدّين قُرَّة قوش الْأَسدي الْخصي الْأَبْيَض وَبَقِي لَا يجْرِي فِي الْقصر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا بِأَمْر صَلَاح الدّين.
وفيهَا: كسر إيلدكز إينانج صَاحب الرّيّ، وأطمع إيلدكز غلْمَان إينانج فِي الإقطاعات إِن قَتَلُوهُ فَقَتَلُوهُ فَلم يَفِ لَهُم وَلحق بَعضهم وَهُوَ الْقَائِل بخوارزم شاه فصلبه لخيانته أستاذه.
وفيهَا: توفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الفارقي أحد الزهاد ذَوي الكرامات الْمُتَكَلِّمين على الخواطر وَكَلَامه مَجْمُوع مَشْهُور.
وفيهَا: توفّي ياروق أرسلان مقدم كَبِير تركماني عَظِيم الْخلقَة سكن بِظَاهِر حلب وعمائر أَتْبَاعه بِظَاهِر قونق يعرف بالياروقية.
قلت وفيهَا: توفّي الشَّيْخ أَبُو عمر وَعُثْمَان بن مَرْزُوق بن حميد بن سَلامَة الْقرشِي الْحَنْبَلِيّ بِمصْر، وَدفن بالقرافة شَرْقي قبر الشَّافِعِي وقبره مَعْرُوف أفتى بِمصْر، ودرس وناظر وَخرج وأملى وقصده الطّلبَة.
وَله كرامات ظَاهِرَة، وَمن كَلَامه الطَّرِيق إِلَى معرفَة الله تَعَالَى وَصِفَاته الْفِكر وَالِاعْتِبَار
بِحكمِهِ وآياته، وَلَا سَبِيل للألباب إِلَى معرفَة كنه ذَاته وَلَو تناهت الحكم الإلهية فِي حد الْعُقُول، أَو انحصرت الْقُدْرَة الربانية فِي دَرك الْعُلُوم لَكَانَ ذَلِك تقصيراً فِي الْحِكْمَة ونقصاً فِي الْقُدْرَة وَلَكِن احْتَجَبت أسرار الْأَزَل عَن الْعُقُول كَمَا استنرت سبحات الْجلَال عَن الْأَبْصَار، فقد رَجَعَ معنى الْوَصْف فِي الْوَصْف، وعمى الْفَهم عَن الدَّرك، وَدَار الْملك فِي الْملك، وانْتهى الْمَخْلُوق إِلَى مثله وَأسْندَ الطّلب إِلَى شكله، وخشعت الْأَصْوَات للرحمن، فَلَا تسمع إِلَّا همسا، فَجَمِيع الْمَخْلُوقَات من الذّرة إِلَى الْعَرْش سبل مُتَّصِلَة إِلَى مَعْرفَته، وحجج بَالِغَة على أزليته، والكون جَمِيعه ألسن ناطقة بوحدانيته، وَالْعلم كُله كتاب يقْرَأ حُرُوف أشخاصه المتبصرون على قدر بصائرهم.
قيل: أَنه كَانَ من أوتاد مصر، وَزَاد النّيل سنة زِيَادَة عَظِيمَة وَخيف الْغَرق فاستغاث النَّاس بِهِ فَأتى إِلَى شاطئ النّيل وَتَوَضَّأ مِنْهُ فنقص فِي الْحَال نَحْو ذراعين وَنزل حَتَّى زرع النَّاس فِي الْيَوْم الثَّانِي، وَلم يطلع النّيل سنة وغلا السّعر وَفَاتَ أَكثر وَقت الزَّرْع وَخيف الْهَلَاك فَتَوَضَّأ فِي شاطئ النّيل بإبريق كَانَ مَعَ خادمه فَزَاد النّيل فِي ذَلِك الْيَوْم، وَتَتَابَعَتْ زِيَادَته حَتَّى انْتهى إِلَى حَده وبورك فِي زرع تِلْكَ السّنة ببركة الشَّيْخ.
وَكَانَ يطوى لَهُ الْبعيد، وكراماته مَجْمُوعَة وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا حصر الفرنج دمياط، وَكَانَت مشحونة بِالرِّجَالِ والذخائر من جِهَة صَلَاح الدّين خمسين يَوْمًا، وأغار نور الدّين على بِلَادهمْ فرحلوا وَمَا ظفروا بهَا، قَالَ صَلَاح الدّين: مَا رَأَيْت أكْرم من العاضد أرسل إِلَيّ مُدَّة مقَام الفرنج على دمياط ألف ألف دِينَار مصرية سوى الثِّيَاب وَغَيرهَا.
وفيهَا: حاصر نور الدّين الكرك ثمَّ رَحل عَنْهَا.
وفيهَا: زلزل الشَّام عَظِيما فاشتغل كل من الْمُسلمين والفرنج بعمارة مَا خرب عَن الْحَرْب.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة مَاتَ قطب الدّين مودود بن زنكي صَاحب الْموصل بالحمى المحرقة وعمره أَرْبَعُونَ تَقْرِيبًا، وَملكه إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وَخَمْسَة أشهر وَنصف.
وَكَانَ حسن السِّيرَة، وَصرف أَرْبَاب الدولة الْملك عَن ابْنه عماد الدّين زنكي بن مودود إِلَى سيف الدّين غَازِي بن مودود وَهُوَ الْأَصْغَر فَسَار زنكي إِلَى عَمه نور الدّين مستنصراً بِهِ.
وفيهَا: توفّي طغرل بك بن قاروت بك صَاحب كرمان، وَملك بعده ابْنه بهْرَام شاه ونزعه أَخُوهُ أرسلان شاه فاتفق موت أرسلان شاه.
وفيهَا: توفّي مجد الدّين أَبُو بكر بن الداية رَضِيع نور الدّين مقطع حلب وحارم وقلعة جعبر فَأقر نور الدّين أَخَاهُ عليا على ذَلِك.