الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفَاة ملك الْمغرب وَمَا كَانَ بعده
فِيهَا خلع الْعَادِل عبد الله بن يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَفِي أَيَّامه كَانَت الْوَقْعَة مَعَ الفرنج الَّتِي هدت قَوَاعِد الْإِسْلَام بالأندلس، وَبعد خلعه خنق وَنهب المصموديون قصره بمراكش، واستباحوا حرمه.
وَملك بعده يحيى بن مُحَمَّد النَّاصِر بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بن عبد الْمُؤمن وَمَا خطّ عذاره، فَبلغ يحيى أَن إِدْرِيس بن يَعْقُوب الْمَنْصُور أَخا الْعَادِل عبد الله أَقَامَ بأشبيلية وتلقب بالمأمون، فثارت جمَاعَة من مراكش وانضم إِلَيْهِم الْعَرَب ووثبوا على يحيى بن النَّاصِر فهرب إِلَى الْجَبَل ثمَّ قتل.
وخطب لِلْمَأْمُونِ إِدْرِيس بمراكش وَاسْتقر فِي الْخلَافَة ببر الأندلس وبر العدوة ثمَّ خرج عَلَيْهِ بشرق الأندلس المتَوَكل بن هود، وَاسْتولى على الأندلس فَسَار إِدْرِيس من أشبيلية وَعبر الْبَحْر إِلَى مراكش، وَخرجت الأندلس حِينَئِذٍ عَن بني عبد الْمُؤمن.
ثمَّ تتبع إِدْرِيس الخارجين على من تقدمه، فسفك دِمَاءَهُمْ حَتَّى سمي حجاج الْمغرب.
وَكَانَ أصولياً فروعياً ناظماً ناثراً، عمل رِسَالَة طَوِيلَة أفْصح فِيهَا بتكذيب مهديهم ابْن تومرت وضلاله وَأسْقط اسْمه من على المنابر.
ثمَّ ثار على إِدْرِيس أَخُوهُ بسبته فَسَار وحصره بهَا ثمَّ بلغه أَن بعض أَوْلَاد النصار بن يَعْقُوب الْمَنْصُور دخل مراكش فَرَحل إِلَى مراكش فَمَاتَ إِدْرِيس بَين سبتة ومراكش. وَملك بعده ابْنه عبد الْوَاحِد وتلقب بالرشيد، ثمَّ توفّي غريقاً فِي صهريج بستانه بِحَضْرَة مراكش سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة، وَكَانَ قد أعَاد اسْم الْمهْدي.
وَملك بعده أَخُوهُ عَليّ بن إِدْرِيس وتلقب بالمعتضد، وَكَانَ أسود مدحوضاً عِنْد أَبِيه سجنه وقتا وَقدم عَلَيْهِ أَخَاهُ الصَّغِير عبد الْوَاحِد وَاسْتمرّ المعتضد إِلَى أَن قتل فِي صفر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة.
وَملك بعده أَبُو حَفْص عمر بن أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف فِي ربيع الآخر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة، وتلقب بالمرتضى فِي الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَدخل الواثق أَبُو الْعَلَاء إِدْرِيس الْمَعْرُوف بِأبي دبوس مراكش وهرب المرتضى إِلَى أزمور من نواحي مراكش، فَقبض وَقتل فِي الْعشْر الآخر من ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي مَوضِع يُسمى كتامة عَن مراكش ثَلَاثَة أَيَّام، وَأقَام أَبُو دبوس ثَلَاث سِنِين، وَقتل فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي الحروب بَينه وَبَين مُلُوك تلمسان بني مرين.
وانقرضت دولة بني عبد الْمُؤمن وَاسْتولى بَنو مرين على ملكهم وَاخْتلف فِي أبي دبوس فَقيل هُوَ إِدْرِيس نَفسه بن عبد الله بن يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن، وَقيل هُوَ ابْن إِدْرِيس الْمَأْمُون.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة: فِيهَا عاود التتر بِلَاد جلال الدّين خوارزم شاه وَجَرت بَينهم حروب ظفر التتر فِي أَكْثَرهَا.
وفيهَا: قدم الإمبراطور فردريك إِلَى عكا بجموعه أرسل الْكَامِل فَخر الدّين بن الشَّيْخ يستدعيه إِلَى الشَّام بِسَبَب أَخِيه الْمُعظم فوصل وَقد مَاتَ الْمُعظم فنشب بِهِ الْكَامِل، وَاسْتولى على صيدا وَكَانَت مُنَاصَفَة، وَعمر سورها الخراب وَمعنى الإمبراطور بالفرنجية ملك الْأُمَرَاء
وَكَانَ صَاحب جَزِيرَة صقلية وَمن الْبر الطَّوِيل بِلَاد انبولية والأنبردية، وَكَانَ إفرنجياً فَاضلا محباً للحكمة والمنطق مائلاً إِلَى الْمُسلمين لِأَن منشأه بِجَزِيرَة صقلية وغالبها مُسلمُونَ.
وجاءه القَاضِي جمال الدّين بن وَاصل رَسُولا من الْملك الظَّاهِر بيبرس وَرَأى تِلْكَ الْبِلَاد، وَمَا زَالَت الرُّسُل بَين الْكَامِل والإمبراطور حَتَّى خرجت السّنة.
وفيهَا: بعد فرَاغ جلال الدّين من التتر نهب بِلَاد خلاط وَقتل وَخرب.
وفيهَا: خَافَ غياث الدّين تير شاه أَخَاهُ جلال الدّين ففارقه إِلَى الإسماعيلية.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة: فِيهَا بلغ النَّاصِر دَاوُد وَهُوَ مُقيم بنابلس اتِّفَاق أَخَوَيْهِ الْكَامِل والأشرف على أَخذ دمشق مِنْهُ، وَكَانَ قد أخرجه الْأَشْرَف إِلَى نابلس ليشفع فِيهِ عِنْد الْكَامِل، فَرَحل النَّاصِر دَاوُد إِلَى دمشق وَكَانَ قد لحقه عَمه الْأَشْرَف بالغور ووصاه بِطَاعَة الْكَامِل فَلم يلْتَفت النَّاصِر دَاوُد إِلَى ذَلِك، وَسَار الْأَشْرَف فِي أَثَره وحصره بِدِمَشْق والكامل مشتغل بمراسلة الإمبراطور، وَلما لم يجد الْكَامِل بدا من المهادنة سلم الْقُدس إِلَى الإمبراطور على أَن يسْتَمر سوره خراباً، وَلَا يتَعَرَّض إِلَى قبَّة الصَّخْرَة وَلَا الْجَامِع الْأَقْصَى وَيكون الْحَاكِم فِي الرساتيق إِلَى وَالِي الْمُسلمين، وَتَكون لَهُم الْقرى على الطَّرِيق من عكا إِلَى الْقُدس فَقَط.
فَأخذ النَّاصِر دَاوُد وَهُوَ بِدِمَشْق محصوراً فِي التشنيع على عَمه بذلك وَكَانَ بِدِمَشْق شمس الدّين يُوسُف سبط أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ، وَكَانَ واعظاً وَله قبُول فَأمره النَّاصِر فَعمل مجْلِس وعظ ذكر فِيهِ فضل بَيت الْمُقَدّس ومصيبة الْمُسلمين بِتَسْلِيمِهِ إِلَى الفرنج.
وَأنْشد قصيدة دعبل الْخُزَاعِيّ مِنْهَا:
(مدارس آيَات خلت من تِلَاوَة
…
ومنزل وَحي مقفر العرصات)
فارتفع بكاء النَّاس وضجيجهم، وَسلم الْكَامِل الْقُدس إِلَى الفرنج وَسَار إِلَى دمشق يحاصر ابْن أَخِيه فِي جُمَادَى الأولى مِنْهَا، وَاشْتَدَّ الْحصار على دمشق وَوصل رَسُول الْملك الْعَزِيز صَاحب حلب يخْطب بنت الْكَامِل فَزَوجهُ ابْنَته فَاطِمَة خاتون من السَّوْدَاء أم وَلَده أبي بكر الْعَادِل بن الْكَامِل.