الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر المتجددات بعد الكسرة
كَانَ قبجق وبكتمر السلحدار والبكي مَعَ قازان مُنْذُ هربوا فَلَمَّا استولى قازان على دمشق أَخذ قبجق لأَهْلهَا ولغيرهم الْأمان من قازان، وَأمر قازان فحوصرت قلعتها والنائب بهَا سيف الدّين أرحواش المنصوري فَصَبر واجتهد وأحرق الدّور والمدارس الَّتِي تَحت القلعة وَدَار السَّعَادَة وأماكن جليلة، وَلما وصل عَسْكَر مصر أنفقت فيهم أَمْوَال جليلة وتأبهوا بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاح.
وَأقَام قازان بمرج الزنبقية ثمَّ عَاد إِلَى الشرق، وَقرر فِي دمشق قبجق فِي عدَّة من المغول، فَلَمَّا بلغ العساكر بِمصْر عود قازان خَرجُوا من مصر فِي الْعشْر الأول من رَجَب مِنْهَا، وَخرج السُّلْطَان إِلَى الصالحية ثمَّ اتَّفقُوا على مقَام السُّلْطَان بالديار المصرية ومسير سلار بيبرس بالعساكر إِلَى الشَّام.
وَكَانَ قبجق وبكتمر السلحدار والألبكي قد كاتبوا الْمُسلمين فِي الْبَاطِن وصاروا مَعَهم، فَلَمَّا خرجت العساكر هرب قبجق وَمن مَعَه وفارقوا التتر إِلَى جِهَة مصر، وَبلغ ذَلِك التتر المجردين بِدِمَشْق فقصدوا الْبِلَاد الشرقية، وَوصل قبجق والألبكي وبكتمر السلحدار إِلَى السُّلْطَان بِمصْر فَأحْسن إِلَيْهِم وَوصل سلار والجاشنكير إِلَى دمشق ورتبا فِي نِيَابَة الشَّام الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأفرم على عَادَته ورتبا قرا سنقر بحلب بعد عزل بلبان الطباخي عَنْهَا وإعطائه إقطاعاً بِمصْر ورتباً قطلو بك فِي نِيَابَة السَّاحِل عوض سيف الدّين كرد فَإِنَّهُ اسْتشْهد فِي الْوَقْعَة، ورتبا فِي حماه زين الدّين كتبغا المخلوع الَّذِي كَانَ أعطي صرخد حَتَّى استولى قازان على الشَّام، ثمَّ سَار إِلَى مصر والتتر بِالشَّام.
ثمَّ سَار مَعَ سلار والجاشنكير إِلَى الشَّام فرتباه فِي نِيَابَة حماه فوصل كتبغا حماه فِي رَابِع وَعشْرين شعْبَان مِنْهَا وَأقَام بدار صَاحب حماه المظفر، وَعَاد سلار والجاشنكير إِلَى مصر. وفيهَا: والتتر بِالشَّام استولى على حماه عُثْمَان السبتاري من رجالة القلعة بهَا وَحكم فِي الْبَلَد والقلعة، واستباح الْحَرِيم وأموال أهل حماه وَسَفك دم جمَاعَة مِنْهُم الْفَارِس إرلند مشد حماه وَبَعض أهل الْبَاب الغربي وشارك عُثْمَان فِي الحكم رَفِيقه إِسْمَاعِيل ثمَّ غدر بِهِ فَقتله.
وَانْفَرَدَ عُثْمَان بِحكم حماه، وَقيل أَنه تلقب بِالْملكِ الرَّحِيم وَبَقِي إِلَى أَن طلعت العساكر الإسلامية من مصر وَأَرْسلُوا الصارم أزبك الْحَمَوِيّ إِلَى حماه يكون فِيهَا إِلَى أَن يصل كتبغا فعصى عُثْمَان بالقلعة ثمَّ تخلى عَنهُ أَصْحَابه وَأمْسك واعتقل، وَكَانَ من خزينة دارية قرا سنقر فَلَمَّا وصل قرا سنقر إِلَى حماه مُتَوَجها إِلَى حلب أطلق عُثْمَان وشكى إِلَيْهِ وَهُوَ بتل صفرون أهل حماه مَا فعل عُثْمَان فيهم، فارتشى قرا سنقر من عُثْمَان مَا حصله
وَصَحبه إِلَى حلب وَمَا مكن مِنْهُ أحدا بعد أَن حكم القَاضِي بسفك دم عُثْمَان، وَبَقِي عِنْد قرا سنقر مكرماً إِلَى أَن هرب قرا سنقر إِلَى التتر فاختفى عُثْمَان.
فَلَمَّا ملك الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى حماه تتبع عُثْمَان وَطَلَبه من نَائِب الشَّام الْمقر السيفي يُنكر فأمسكه من بِلَاد عجلون وَأَصله من بلد الشوبك وأرسله إِلَيْهِ معتقلاً فَضرب عُنُقه فِي سوق الْخَيل بِحَضْرَة الْعَسْكَر رَابِع عشر شعْبَان سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة.
وفيهَا: لما وصل قازان إِلَى الشَّام طمع الأرمن فِي الْبِلَاد الَّتِي فتحهَا الْمُسلمُونَ مِنْهُم، وَعجز الْمُسلمُونَ عَن حفظهَا فاحتلها الرجالة والعسكر فارتجعها الأرمن وَهِي حموص وتل حمدون وكويرة وسرفند كار والنقير وَغَيرهَا وَلم يسلم مِنْهَا للْمُسلمين غير حجر شغلان.
وفيهَا: أَو الَّتِي قبلهَا لما ملك دندين بلد الأرمن أفرج عَن أَخِيه هيتوم وَجعله الْملك وَهُوَ بَين يَدَيْهِ، وهيتوم أَعور من حِين سمله أَخُوهُ سنباط وَبعد مُدَّة غدر هيتوم بدندين وجازاه أقبح جَزَاء وَقصد إِمْسَاكه فهرب إِلَى قسطنطينية، وَلما اسْتَقر هيتوم فِي مملكة سيس كَانَ لِأَخِيهِ تروس الَّذِي قَتله سنباط ابْن صَغِير فَأَقَامَ هيتوم هَذَا الصَّغِير ابْن تروس ملكا وَصَارَ أتابكا للصَّغِير وبقيا كَذَلِك حَتَّى قَتلهمَا يرلغي مقدم المغول بالروم.
ثمَّ دخلت سنة سَبْعمِائة فِيهَا: عَادَتْ التتر إِلَى الشَّام وعبروا الْفُرَات فِي ربيع الآخر، وخلت بِلَاد حلب وَسَار قرا سنقر بعسكر حلب إِلَى حماه، وبرز كتبغا وعسكر حماه إِلَى ظَاهر حماه فِي ثَانِي وَعشْرين ربيع الآخر مِنْهَا سادس كانون الأول ووصلت العساكر من دمشق واجتمعوا بحماه وأقامت التتر بِبِلَاد يبرين وسرمين والمعرة وَغَيرهَا ينهبون وَيقْتلُونَ.
وَوصل السُّلْطَان بالعساكر إِلَى العوجاء واشتدت الأمطار والوحل حَتَّى انْقَطَعت الطرقات وتعذرت الأقوات وعجزت العساكرعن الْمقَام على تِلْكَ الْحَال فَعَاد السُّلْطَان إِلَى الديار المصرية، وتنقلت التتر بِبِلَاد حلب نَحْو ثَلَاثَة أشهر ورد الله التتر على أَعْقَابهم بقدرته إِلَى بِلَادهمْ، وعدوا الْفُرَات فِي أَوَاخِر جمادي الْآخِرَة مِنْهَا الْمُوَافق لأوائل آذار، وَعَاد قرا سنقر بعسكر حلب إِلَيْهَا وتراجعت الجفال.
وفيهَا: لما وَردت الْأَخْبَار بِعُود التتر إِلَى الشَّام إستخرج من غَالب الإغنياء بِمصْر وَالشَّام ثلث أَمْوَالهم لاستخدام الْمُقَاتلَة.
وفيهَا: لما خرجت العساكر من مصر توفّي سيف الدّين بلبان الطباخي وَدفن بِأَرْض الرملة وَورثه السُّلْطَان بِالْوَلَاءِ.
وَقلت: وَكَانَ شهماً وأنكى فِي التتر لما انْكَسَرَ الْمُسلمُونَ سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَالله أعلم.
وفيهَا: عزل كراي المنصوري عَن السواحل وَصَارَ بِدِمَشْق أكبر الْأُمَرَاء وَولى السواحل أسندمر الكرجي.
وفيهَا: ألزمت الْيَهُود بِلبْس العمائم الصفر، وَالنَّصَارَى العمائم الزرق، والسامرة الْحمر.
وفيهَا: وصلت رسل قازان برسالة مضمونها الْوَعيد والتهديد فَأَعَادُوا الْجَواب كَذَلِك.
وفيهَا: ولي البكي الظَّاهِرِيّ الَّذِي عَاد من تقفيزه نِيَابَة حمص، وَأعْطِي قبجق الشوبك إقطاعاً وَأقَام بهَا.
وفيهَا: قتل جكا بن بغنة أَخَاهُ تكا.
وفيهَا: جرى بَين جكا ونائبه طيفور قتال، فانتصر طيفور ثمَّ استنجد طيفور بطقطغا فهرب جكا إِلَى الأولاق قوم بِتِلْكَ الْبِلَاد لصهر بَينه وَبينهمْ فغدر بِهِ ملك الأولاق واعتقله بقلعة طربو ثمَّ قَتله وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى القرم وَصَارَت مملكة بغنة لطقطغا.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة: فِيهَا توفّي " الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله " أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد، " قلت ": وَدفن عِنْد السيدة نفيسة، وَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة مَشْهُودَة حضرها عَامَّة الدولة وَالنَّاس، وَلم يركب أحد، وخلافته أَرْبَعُونَ سنة وَأشهر وَالله أعلم، وَقرر فِي الْخلَافَة بعده ابْنه أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان المستكفي بِاللَّه.
وفيهَا: جرد من مصر بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح وأيبك الخزينة دَار بالعساكر فوصلوا حماه وَورد الْأَمر إِلَى كتبغا نَائِب حماه أَن يسير بهم إِلَى بِلَاد سيس فَخرج فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من شَوَّال والعساكر صحبته ودخلوا حلب مستهل ذِي الْقعدَة، ورحلوا ثَالِثَة ودخلوا دربند بغراس سَابِع ذِي الْقعدَة، وانتشروا فِي بِلَاد سيس فأحرقوا الزَّرْع ونهبوا ونزلوا على سيس وزحفوا عَلَيْهَا. قَالَ الْمُؤلف رحمه الله: وأخذنا من سفح قلعتها شَيْئا كثيرا من جفال الأرمن وعدنا ووصلنا حلب تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة مِنْهَا وَدخل زين الدّين كتبغا حماه فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر وَقد ابْتَدَأَ بِهِ الْمَرَض.
وفيهَا: مَاتَ قبجي بن اردنو بن دوشي خَان بن جنكيز خَان صَاحب غزنة وباميان وَغَيرهمَا، وَترك بنيه بَيَان وكبلك وطقتمر وبغاتمر ومنغطاي وحاصي، فَاخْتَلَفُوا بعده واقتتلوا، ثمَّ انتصر بَيَان بن قبجي، وَاسْتقر فِي ملك غزنة.
وفيهَا: توفّي صَاحب مَكَّة أَبُو نمى مُحَمَّد بن أبي سعد بن عَليّ بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن عِيسَى بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهم، وَاخْتلف بنوه وهم رميثة وحميضة وَأَبُو الْغَيْث وعطيفة، فتغلب رميثة وحميضة على مَكَّة شرفها الله تَعَالَى.
ثمَّ قبض بيبرس الجاشنكير على رميثة وحميضة فِي هَذِه السّنة لما حج وتولاها أَبُو الْغَيْث، وَبعد سِنِين أطلق رميثة وحميضة فغلبا على مَكَّة وهرب عَنْهَا أَبُو الْغَيْث، ثمَّ اقتتل رميثة وحميضة، فانتصر حميضة وَاسْتقر فِي مَكَّة، ثمَّ كَانَ مِنْهُ مَا سَيذكرُ.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا (فتحت جَزِيرَة أرواد) فِي بَحر الرّوم قبالة أنظرسوس قَرِيبا من السَّاحِل اجْتمع فِيهَا كثير من الفرنج وبنوا فِيهَا سوراً تحَصَّنُوا وصاروا يطلعون مِنْهَا ويقطعون الطَّرِيق على المترددين فِي ذَلِك السَّاحِل والنائب بالسَّاحل إِذْ ذَاك استدمر الكرجي فَسَأَلَهُ إرْسَال أسطول إِلَيْهَا فعمرت الشواني وسارت إِلَيْهَا من الديار المصرية فِي بَحر الرّوم ووصلتها فِي الْمحرم، وَجرى قتال شَدِيد وَنصر الله الْمُسلمين وملكوا الجزيرة وَقتلُوا وأسروا جَمِيع أَهلهَا وخربوا أسوارها وعادوا بالأسرى والمغنم.
وفيهَا: عَادَتْ التتر إِلَى قصد الشَّام ونزلوا أزوار الْفُرَات مُدَّة وَسَار مِنْهُم نَحْو عشرَة آلَاف وأغاروا على القرينين ونواحيها، وَكَانَت العساكر قد اجْتمعت بحماه عِنْد كتبغا نائبها وَهُوَ مَرِيض من عوده من سيس مسترخى الْأَعْضَاء فَأرْسل كتبغا جمَاعَة من الْعَسْكَر إِلَى التتر الَّذين أَغَارُوا على القرينين وَمِنْهُم اسندمر نَائِب السَّاحِل وَجَمَاعَة من عَسْكَر حلب وحماه، وَمِنْهُم الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى، وَذَلِكَ فِي سَابِع شعْبَان مِنْهَا.
وَاتَّفَقُوا مَعَ التتر على الكوم قريب عرض يَوْم السبت عَاشر شعْبَان سلخ آذار وصبر الْفَرِيقَانِ ثمَّ انهزم التتر وترجل مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرَة وأحاط الْمُسلمُونَ بهم بعد فرَاغ الْوَقْعَة وبذلوا لَهُم الْأمان فَلم يقبلُوا وقاتلوا بالنشاب وَعمِلُوا السُّرُوج ستائر وناوشهم الْعَسْكَر الْقِتَال من الضُّحَى إِلَى انفراك الظّهْر ثمَّ حملُوا فَقَتَلُوهُمْ عَن آخِرهم وَكَانَ هَذَا عنوان النَّصْر الثَّانِي، وعادوا منصورين فوصلوا حماه يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شعْبَان ثَانِي نيسان.
وفيهَا: بعد كسرة التتر على الكوم سَارَتْ جموع التتر الْعَظِيمَة صُحْبَة قطلو شاه نَائِب قازان ووصلوا حماه واندفع كتبغا فِي محفة والعساكر الَّذين كَانُوا بحماه بَين أَيْديهم، وَأخر الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى لكشف التتر فوصل التتر حماه يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من شعْبَان وشاهدهم الْمُؤلف بِظَاهِر حماه فَسَار وَأعلم كتبغا على القطيفة بِالْحَال، فسارت العساكر الإسلامية إِلَى دمشق ووصلت أَوَائِل المصريين صُحْبَة بيبرس الجاشنكير وَاجْتمعت بمرج الزنبقية ظَاهر دمشق ثمَّ سَارُوا إِلَى مرج الصفر لما قاربهم التتر، وَانْتَظرُوا وُصُول السُّلْطَان وَعبر التتر على دمشق طَالِبين للعسكر ووصلوا إِلَيْهِم عِنْد شقحب بِطرف مرج الصفر وَسَاعَة وُصُول التتر إِلَى الْجَيْش وصل السُّلْطَان بباقي العساكر والتقى الْجَمْعَانِ بعد الْعَصْر نَهَار السبت ثَانِي رَمَضَان مِنْهَا فِي الْعشْرين من نيسان وَاشْتَدَّ الْقِتَال وتكردست التتر على الميمنة اسْتشْهد من الْمُسلمين خلق مِنْهُم رَأس الميمنة الحسام أستاذ الدَّار، وَكَانَ بِرَأْس الميمنة أَيْضا قبجق فَانْدفع هُوَ وَبَاقِي الميمنة بَين أَيدي التتر وَأنزل الله نَصره على الْقلب والميسرة، فهزموا التتر وَكثر الْقَتْل فيهم فولى بعض التتر مَعَ توليه منهزمين، وَتَأَخر بَعضهم مَعَ جوبان، وَحَال اللَّيْل بَين الْفَرِيقَيْنِ فَنزل التتر على جبل بِطرف مرج الصفر وأوقدوا النيرَان وأحاط الْمُسلمُونَ بهم.
وَعند الصَّباح ابتدر التتر الْهَرَب من الْجَبَل وتبعهم الْمُسلمُونَ فَقتلُوا مِنْهُم مقتلة
عَظِيمَة، وتوحل فِي موحلة فِي طريقهم عَالم عَظِيم مِنْهُم، فَأسر بَعضهم وَقتل بَعضهم، وسَاق سلار فِي جمع كثير فِي أسرهم إِلَى القرينين، ووصلوا الْفُرَات وَهُوَ فِي غَايَة الزِّيَادَة فَالَّذِي عبر هلك، وَسَارُوا على جَانب الْفُرَات إِلَى جِهَة بَغْدَاد فَانْقَطع أَكْثَرهم وَمَات جوعا على شاطئ الْفُرَات وَأخذت الْعَرَب مِنْهُم خلقا وَهَذِه بِتِلْكَ وعادت العساكر إِلَى أماكنها.
وفيهَا: لَيْلَة الْجُمُعَة عَاشر ذِي الْحجَّة توفّي زين الدّين " كتبغا " نَائِب حماه من مماليك السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون الصَّالِحِي رقي حَتَّى تسلطن وتلقب بالعادل وَملك مصر وَالشَّام سنة أَربع وَتِسْعين، ثمَّ خلع وَأعْطِي صرخد سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَجرى لَهُ مَا قدمْنَاهُ عَاد من مرج الصفر إِلَى حماه وَتُوفِّي بعد مُدَّة يسيرَة.
وجهز الْمُؤلف رحمه الله يلْتَمس من السُّلْطَان ملك حماه كأهله فَوجدَ قاصده الْأَمر قد فَاتَ وقررت لقبجق الْمُقِيم بالشوبك ووعد الْمُؤلف بحماه وَحصل الِاعْتِذَار بوصول قاصده بعد انْفِصَال الْأَمر فِيهَا.
وفيهَا: توفّي فَارس الدّين البلي الظَّاهِرِيّ النَّائِب بحمص.
وفيهَا: توفّي القَاضِي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بالديار المصرية إِمَام فَاضل زاهد متقشف، وَولي مَوْضِعه القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة الْحَمَوِيّ.
قلت: وَمَا أحسن قَول ابْن دَقِيق الْعِيد:
(أَتعبت نَفسك بَين ذلة كَادِح
…
طلب الْحَيَاة وَبَين حرص مُؤَمل)
(وأضعت عمرك لَا مَسَرَّة ماجن
…
حصلت فِيهِ وَلَا وقار مُجمل)
(وَتركت حَظّ النَّفس فِي الدُّنْيَا وَفِي
…
الْأُخْرَى ورحت عَن الْجَمِيع بمعزل)
وَقَوله:
(كم لَيْلَة فِيك وصلنا السرى
…
لَا نَعْرِف الغمض وَلَا نستريح)
(وَاخْتلف الْأَصْحَاب مَاذَا الَّذِي
…
يزِيل عَنْهُم تعباً أَو يرِيح)
(فَقيل تعريسهم سَاعَة
…
وَقيل بل ذكراك وَهُوَ الصَّحِيح)
وَقَوله:
(وكافات الشتَاء تعد سبعا
…
وَمَالِي طَاقَة بلقاء سبع)
(إِذا ظَفرت بكاف الْكيس كفى
…
فَذَلِك مُفْرد يَأْتِي بِجمع)
وَالله أعلم.
وفيهَا: زلزلت الْبِلَاد فانهدم بعض سور قلعة حماه وَغَيرهَا، وَمَات تَحت ردمها بالديار المصرية خلق كثير، وَخَربَتْ من أسوار الْإسْكَنْدَريَّة سِتا وَأَرْبَعين بَدَنَة.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة: فِيهَا توفّي " قازان " بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن