الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَفْضَل، وَدخل دمشق قبل الْأَفْضَل بيومين، وَنزل عَلَيْهَا الْأَفْضَل ثَالِث عشر شعْبَان مِنْهَا، وزحف من الْغَد وهجمها بعض عسكره فوصل بَاب الْبَرِيد وَلم يمدهُمْ الْعَسْكَر فأخرجوا ثمَّ تجَادل الْعَسْكَر فَتَأَخر الْأَفْضَل إِلَى ذيل عقبَة الْكسْوَة ثمَّ وصل إِلَيْهِ أَخُوهُ الظَّاهِر فَعَاد وحاصرها، وَقل الْقُوت بِدِمَشْق وأشرف على ملك دمشق وعزم الْعَادِل على تَسْلِيمهَا لَوْلَا اخْتِلَاف الْأَفْضَل وَالظَّاهِر، وَخرجت السّنة وهم كَذَلِك، ثمَّ كَانَ مَا سَيذكرُ.
وفيهَا: حاصر الْمَنْصُور صَاحب حماه بارين وَبهَا نواب عز الدّين إِبْرَاهِيم بن شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْملك بن الْمُقدم.
وَكَانَ ابْن الْمُقدم محصوراً مَعَ الْعَادِل بِدِمَشْق، وَنصب الْمَنْصُور عَلَيْهَا المنجانيق، وجرح فِي الزَّحْف، وَفتحهَا فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة وَأَصْلَحهَا وَعَاد.
وفيهَا: توفّي أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن صَاحب الْمغرب والأندلس فِي سلا، وولايته خمس عشرَة سنة تظاهر بالظاهرية، وتلقب بالمنصور، وعاش ثمانياً وَأَرْبَعين سنة.
وَأقَام بعده ابْنه مُحَمَّد، وتلقب بالناصر، ومولد مُحَمَّد سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة، وَعبد الْمُؤمن وَبَنوهُ تسموا بأمير الْمُؤمنِينَ.
وفيهَا: رَحل عَسْكَر الْعَادِل مَعَ ابْنه الْكَامِل عَن حِصَار ماردين.
وفيهَا: كَانَت فتْنَة عَظِيمَة فِي عَسْكَر غياث الدّين ملك الغورية وَهُوَ بفيروزكوه سَببهَا أَن فخرالدين الرَّازِيّ كَانَ قدم إِلَى غياث الدّين فَبَالغ فِي إكرامه، وَبنى لَهُ مدرسة بهراة، فَعظم ذَلِك على الكرامية وهم كَثِيرُونَ بهراة وخم مجسمون مشبهون.
وَكَانَ الغورية كرامية فكرهوا فَخر الدّين لمناقضته مَذْهَبهم وَحَضَرت الكرامية من الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة بفيروزكوه عِنْد غياث الدّين للمناظرة وَحضر الرَّازِيّ وَالْقَاضِي عبد الْمجِيد بن عمر بن الْقدْوَة وَهُوَ من الكرامية الهيصمية، وَمحله عَظِيم لعلمه وزهده.
وَتكلم الرَّازِيّ فَاعْترضَ عَلَيْهِ ابْن الْقدْوَة، وَطَالَ الْكَلَام، فَقَامَ غياث الدّين فاستطال الرَّازِيّ على ابْن الْقدْوَة وَشَتمه، وَابْن الْقُدْرَة يَقُول لَا يفعل مَوْلَانَا لَا وأخذك الله، فصعب على الْملك ضِيَاء الدّين ابْن عَم غياث الدّين وصهره وشكى من الرَّازِيّ إِلَى غياث الدّين، وذمه وَنسبه إِلَى التفلسف والزندقة فَلم يصغ غياث الدّين إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَد وعظ النَّاس ابْن عَم ابْن الْقدْوَة بالجامع وَقَالَ بعد حمد الله وَالصَّلَاة على نبيه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم َ -:
رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول، أَيهَا النَّاس: إِنَّا لَا نقُول إِلَّا مَا صَحَّ عندنَا عَن رَسُول الله
صلى الله عليه وسلم َ -، وَأما علم أرسطو وكفريات ابْن سينا وفلسفة الفارابي فَلَا نعلمها فلأي حَال يشْتم بالْأَمْس شيخ من شُيُوخ الْإِسْلَام يذب عَن دين الله وَسنة نبيه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم َ -.
وَبكى وَبكى الكرامية، فثار النَّاس
وامتلأ الْبَلَد فتْنَة فسكنوا ووعدوا بِإِخْرَاج الرَّازِيّ فَأَعَادَ السُّلْطَان الرَّازِيّ إِلَى هراة.
وفيهَا: فِي ربيع الأول توفّي مُجَاهِد الدّين قيماز بالموصل، وَكَانَ إِلَيْهِ الْأَمر فِي دولة أرسلان صَاحب الْموصل، وَكَانَ عَاقِلا، أديباً حنفياً فَاضلا بني جَوَامِع وربطاً ومدارس.
وفيهَا: صَار غياث الدّين ملك الغورية شافعياً وَكَانَ كرامياً.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن عبد الْملك بن زهر الأشبيلي طَبِيب أديب جده زهر - بِضَم الزَّاي - وَزِير فيلسوف، وَتُوفِّي زهر بقرطبة سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة، وَقيل فِي ابْن زهر:
(قل للوبا أَنْت وَابْن زهر
…
قد جزتما الْحَد فِي النكاية)
(ترفقا بالورى قَلِيلا
…
فِي وَاحِد مِنْكُمَا كِفَايَة)
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة: وَالْأَفْضَل وَالظَّاهِر محاصران لدمشق وَاتفقَ وُقُوع الْخلف بَينهمَا بِسَبَب مَمْلُوك للظَّاهِر اسْمه أيبك يُحِبهُ ففقد فَأرْسل الْعَادِل يَقُول للظَّاهِر: إِن مَحْمُود بن السكرِي أفسد مملوكك وَحمله إِلَى أَخِيك الْأَفْضَل فَظهر الْمَمْلُوك عِنْد ابْن السكرِي فَتغير على أَخِيه الْأَفْضَل وَترك الْقِتَال وَظهر فشل الْعَسْكَر فَتَأَخر الْأَفْضَل وَالظَّاهِر عَن دمشق إِلَى مرج الصفر، ثمَّ سَار الْأَفْضَل إِلَى مصر وَالظَّاهِر إِلَى حلب، فتبع الْعَادِل من دمشق أثر الْأَفْضَل إِلَى مصر فَخرج الْأَفْضَل إِلَيْهِ وَقد تفرق أَكثر عسكره فِي الْبِلَاد للربيع، واقتتلا فَانْهَزَمَ الْأَفْضَل إِلَى الْقَاهِرَة، ونازله ثَمَانِيَة أَيَّام فسلمها الْأَفْضَل على أَن يعوض عَنْهَا ميافارقين وحانى وسميساط فَأَجَابَهُ وَلم يَفِ لَهُ بذلك، وَدخل الْعَادِل الْقَاهِرَة فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من ربيع الآخر مِنْهَا.
ثمَّ سَافر الْأَفْضَل إِلَى صرخد، وَأقَام الْعَادِل بِمصْر على أَنه أتابك الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْعَزِيز مديدة، ثمَّ اسْتَقل بالسلطنة فَأرْسل إِلَيْهِ الْمَنْصُور صَاحب حماه يعْتَذر عَمَّا وَقع مِنْهُ بِسَبَب أَخذ بارين من ابْن الْمُقدم وَنزل لِابْنِ الْمُقدم عَن منبج، وقلعة نجم عوضا عَن بارين. وَكَاتب الظَّاهِر عَمه الْعَادِل وَصَالَحَهُ، وخطب لَهُ بحلب وَضرب السِّكَّة باسمه وَالْتزم الظَّاهِر بِخَمْسِمِائَة فَارس فِي خدمَة الْعَادِل كلما خرج إِلَى البيكار.
وفيهَا: قصر النّيل فَلم يبلغ أَرْبَعَة عشر ذِرَاعا.
وفيهَا: توفّي القَاضِي الْفَاضِل عبد الرَّحِيم فِي سَابِع عشر ربيع الآخر، وَقيل أَن مولده سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة.
قلت: وَهُوَ مجير الدّين عبد الرَّحِيم بن القَاضِي الْأَشْرَف بهاء الدّين أبي الْمجد عَليّ ابْن القَاضِي السعيد أبي مُحَمَّد الْحسن الْعَسْقَلَانِي المولده؛ ذُو الْعلم وَالْبَيَان واللسن وَاللِّسَان والقريحة الوقادة والبصيرة النفاذة والبديهة المعجزة والبديعة المطرزة، كَانَ وَزِير صَلَاح
الدّين وتمسكن عِنْده، وَله من رِسَالَة فِي قلعة: هَذِه القلعة عِقَاب فِي عِقَاب، وَنجم فِي سَحَاب، وَهَامة لَهَا الغمامة عِمَامَة، وأنملة إِذا خضبها الْأَصِيل كَانَ الْهلَال لَهَا قلامة.
وَله رِسَالَة لَطِيفَة يشفع لخطيب عيذاب فِي تَوليته خطابة الكرك وَهِي: أدام الله سُلْطَان الْملك النَّاصِر، وثبته وَتقبل عمله بِقبُول صَالح وأثبته، وَأخذ عدوة قَائِلا أَو يبته، وأرغم أَنفه بِسَيْفِهِ، وكبته خدمَة الْمَمْلُوك هَذِه وَارِدَة على يَد خطيب عيذاب.
وَلما نبا بِهِ الْمنزل عَنْهَا وَقل عَلَيْهِ الْمرْفق فِيهَا وَمِنْهَا وَسمع بِهَذِهِ الفتوحات الَّتِي طبق الأَرْض ذكرهَا، وَوَجَب على أَهلهَا شكرها، هَاجر من هجير عيذاب وملحها سارياً فِي لَيْلَة أمل كلهَا نَهَار فَلَا يسْأَل عَن صبحها.
وَقد رغب فِي خطابة الكرك وَهُوَ خطيب، وتوسل بالمملوك فِي هَذَا الملتمس وَهُوَ قريب، وَنزع من مصر إِلَى الشَّام، وَمن عيذاب إِلَى الكرك وَهَذَا عَجِيب والفقر سائق عنيف وَالْمَذْكُور عائل ضَعِيف ولطف الله بالخلق مَوْجُود ومولانا لطيف وَمن شعره عِنْد الْفُرَات مَعَ صَلَاح الدّين:
(بِاللَّه قل للنيل عَن أنني
…
لم أَرض عَنهُ بالفرات بديلاً)
(وسل الْفُؤَاد فَإِنَّهُ لي شَاهد
…
إِن كَانَ جفني بالدموع بَخِيلًا)
(يَا قلب كم خلقت ثمَّ بثينة
…
فأعيذ صبرك أَن يكون جميلاً)
وَالله أعلم.
وفيهَا: فِي رَمَضَان توفّي خوارزم شاه تكش بن أرسلان بن أتسز بن مُحَمَّد بن أنوش تكين صَاحب خوارزم وَبَعض خُرَاسَان والري وَغَيرهَا من الْبِلَاد الجبلية بشهرستان، وَولي بعده ابْنه مُحَمَّد، وتقلب بعلاء الدّين بعد قطب الدّين.
وَكَانَ تكش عادلاً فَقِيها حنفياً أصولياً، وَبلغ غياث الدّين الغوري مَوته، فَترك ضرب النّوبَة ثَلَاثَة أَيَّام وَجلسَ للعزاء مَعَ مَا كَانَ بَينهمَا من الْعَدَاوَة بِخِلَاف مَا فعل بكتمر من الشماتة بصلاح الدّين، وهرب ابْن أخي مُحَمَّد هندوخان بن ملك شاه إِلَى غياث الدّين ملك الغورية يستنصره على عَمه، فَأكْرمه ووعده النَّصْر.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة: وبمصر الْعَادِل وَابْنه الْكَامِل نَائِبه بهَا.
وَقد وجد الْملك الظَّاهِر فِي تحصين حلب خوفًا من عَمه الْعَادِل وبدمشق الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل نَائِب أَبِيه بهَا وبالشرف الفائز إِبْرَاهِيم بن الْعَادِل، وبميافارقين الأوحد نجم الدّين أَيُّوب بن الْعَادِل.
وفيهَا: توفّي عز الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمُقدم، وَصَارَت منبج وقلعة نجم وأفامية وكفرطاب بعده لِأَخِيهِ شمس الدّين عبد الْملك فحصر الظَّاهِر منبج، وملكها وَأنزل عبد
الْملك من قلعتها بالأمان واعتقله، ثمَّ حضر قلعة نجم وملكها فِي آخر رَجَب مِنْهَا، وَأرْسل إِلَى الْمَنْصُور بحماه يبْذل لَهُ منبج، وقلعة نجم على أَن يصير مَعَه على الْعَادِل فَاعْتَذر بحلفه للعادل، فَسَار الظَّاهِر إِلَى المعرة وأقطع بلادها وَاسْتولى على كفر طَابَ وأفامية، وَكَانَت لِابْنِ الْمُقدم وأحضر عبد الْملك بن الْمُقدم وضربه قُدَّام نَائِبه قراقوش بافامية ليسلمها فَضرب قراقوش النقارات بالقلعة لِئَلَّا يسمع أهل الْبَلَد صراخه، وخاب الظَّاهِر فَرَحل عَنْهَا إِلَى حماه وحاصرها وجرح ثمَّ صَالح الْمَنْصُور على ثَلَاثِينَ ألف دِينَار صورية وَسَار فنازل دمشق وَبهَا الْمُعظم بن الْعَادِل وَمَعَ الظَّاهِر أَخُوهُ الْأَفْضَل وَمَيْمُون القصري صَاحب نابلس وَغَيره، فَخرج الْعَادِل بعساكر مصر وَأقَام بنابلس وَلم يَجْسُر على قتالهما وَتعلق النقابون بسور دمشق فَاخْتلف الظَّاهِر وَالْأَفْضَل على من يملك دمشق مِنْهَا وتخلى الْأَفْضَل عَن الْقِتَال فتخلت الْأُمَرَاء لتخليه فَرَحل الظَّاهِر عَن دمشق فِي أول محرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَار الْأَفْضَل إِلَى حمص.
وفيهَا: أَي سنة سبع وَتِسْعين توفّي عماد الدّين الْكَاتِب مُحَمَّد بن عبد الله بن حَامِد الاصفهاني فَاضل فِي الْفِقْه وَالْأَدب والتاريخ وَالنّظم والنثر كتب لنُور الدّين ولصلاح الدّين، وَله الْبَرْق الشَّامي وخريدة الْقصر وَغَيرهمَا، ومولده سنة تسع عشرَة وَخَمْسمِائة، فعمره نَيف وَسَبْعُونَ سنة.
قلت: وَبَينه وَبَين القَاضِي الْفَاضِل محاورات، لقِيه يَوْمًا رَاكِبًا فَقَالَ لَهُ: سر فَلَا كبا بك الْفرس. فَقَالَ الْفَاضِل: دَامَ علا الْعِمَاد - وَهَذَا يقْرَأ طرداً وعكساً - واجتمعا يَوْمًا فِي موكب السُّلْطَان وَقد سد الْغُبَار الفضاء فَأَنْشد الْعِمَاد:
(أما الْغُبَار فَإِنَّهُ
…
مِمَّا أثارته السنابك)
(والجو مِنْهُ مظلم
…
لَكِن أنارته السنابك)
(يَا دهر لي عبد الرَّحِيم
…
فلست أخْشَى مس نابك)
وَتُوفِّي بِدِمَشْق وَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ عَائِد ينشد:
(أَنا ضيف بربعكم
…
أَيْن أَيْن المضيف)
(أنكرتني وُجُوهكُم
…
مَاتَ من كنت أعرف)
وَالله أعلم.
وفيهَا: استولى غياث الدّين ملك الغورية على مَا كَانَ لخوارزم شاه بخراسان وَلما ملك غياث الدّين مرو سلمهَا إِلَى هندوخان بن ملك شاه بن خوارزم شاه تكش الَّذِي هرب من عَمه إِلَيْهِ وَلما اسْتَقَرَّتْ سرخس وطوس ونيسابور وَغَيرهَا لغياث الدّين عَاد إِلَى بِلَاده، وَكَانَ مَعَه أَخُوهُ شهَاب الدّين فَعَاد إِلَى الْهِنْد فَفتح وغنم وَفتح نهر والة الْعَظِيمَة.
وفيهَا: فِي رَمَضَان ملك ركن الدّين سُلَيْمَان بن قلج أرسلان ملطية وَكَانَت لِأَخِيهِ معز الدّين قَيْصر شاه، ثمَّ سَار ركن الدّين إِلَى أرزن الرّوم وَكَانَت لمُحَمد بن صلتق وَهُوَ