الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيهَا: أُعِيد رميثة وحميضة ابْنا أبي نمى إِلَى ملك مَكَّة.
وفيهَا: توفّي جماز بن شيحة صَاحب الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وملكها بعده ابْنه مَنْصُور.
وفيهَا: وصل الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى حماه فِي عَاشر صفر من الْحَج بعد زِيَارَة الْقُدس الشريف والخليل صلى الله عليه وسلم َ -.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا أرسل قرا سنقر نَائِب حلب مَعَ مَمْلُوكه قشتمر عسكراً إِلَى سيس.
وَكَانَ قشتمر ضَعِيف الْعقل مشتغلاً بِالْخمرِ فاستهان بالعدو فَجمع صَاحب سيس سنباط من الأرمن والفرنج والتتر ووصلوا إِلَى غَزَّة وقاتلوهم قرب إِيَاس فَانْهَزَمَ
الحلبيون يبتدرون الطَّرِيق وَقتل مِنْهُم وَأسر غالبهم واختفى من سلم فِي تِلْكَ الْجبَال وَلم يصل إِلَى حلب مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل عُرَاة رجالة.
وفيهَا: قطع خبر بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح لكبره.
وفيهَا: أفرج عَن الْحَاج بهادر الظَّاهِرِيّ اعتقله لاجين.
قلت: وفيهَا فِي شَوَّال توفّي خطيب دمشق ومحدثها الشَّيْخ شرف الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن سِبَاع أَخُو الفركاح الْفَزارِيّ وَالله أعلم.
وفيهَا: عصى أهل كيلان فَسَار قطلوشاه نَائِب خربنده لقتالهم، فكبسوه وقتلوه وَجَمَاعَة من المغول.
وفيهَا: أحاطت عَسَاكِر الشَّام بجبال الظنينين المنيعة، وَكَانُوا عصاة مارقين، وترجلوا عَن الْخَيل وصعدوا فِي تِلْكَ الْجبَال من كل جَانب، وَقتلُوا وأسروا جَمِيع من بهَا من النصيرية والظنينين، وَأمنت الطّرق بعدهمْ وَكَانُوا يتخطفون الْمُسلمين ويبيعونهم من الْكفَّار، وَكَانَ الَّذِي أفتى بذلك ابْن تَيْمِية وَتوجه مَعَ الْعَسْكَر.
وفيهَا: استدعي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية من دمشق إِلَى مصر وَعقد لَهُ مجْلِس واعتقل بِمَا نسب إِلَيْهِ من التجسيم.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسَبْعمائة: ذكر من ملك فِيهَا من بني مرين، فِيهَا: قتل أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن حمامة المريني ملك الْمغرب وَهُوَ محاصر تلمسان من سِنِين كَثِيرَة فَلم يبْق عِنْدهم قوت شهر فَفرج الله عَنْهُم بقتْله، وَذَلِكَ أَنه اتهمَ وزيره بحرمه، واتهم زمامه عنبراً بمواطأة الْوَزير على ذَلِك وَأمر بِقَتْلِهِمَا، ومروا بعنبر على الخدام فَقَالَ لَهُم: قد أَمر بقتلي، وسيقتلكم كلكُمْ بعدِي، فهجم بعض الخدام بسكين على أبي يَعْقُوب وَقد خضب لحيته بحناء ونام على قَفاهُ فَضَربهُ فِي جَوْفه وهرب وأغلق الْبَاب عَلَيْهِ فصاحت إمرأة بخدمه فلحقوه وَبِه رَمق فأوصى إِلَى ابْنه أبي سَالم وَمَات.
وَلما جلس سَالم قَصده ابْن عَمه أَبُو ثَابت عَامر بن عبد الله بن يَعْقُوب بن عبد
الْحق، وَقيل أَن أَبَا ثَابت هُوَ عَامر بن عبد الله بن يُوسُف بن أبي يَعْقُوب فَيكون ابْن أخي أبي سَالم لَا ابْن عَمه.
وانضم مَعَ أبي ثَابت يحيى بن يَعْقُوب عَم أبي سَالم فهرب أَبُو سَالم مِنْهُمَا فأرسلا من تبعه وَقَتله وَجَاء بِرَأْسِهِ.
وَملك أَبُو ثَابت منتصف هَذِه السّنة وَأمر بقتل الْخَادِم قَاتل عَمه فَقتل ثمَّ قتل الخدام بأسرهم وألقوا فِي النَّار وأباد كل خَادِم فِي مَمْلَكَته.
ثمَّ وثب أَبُو ثَابت على عَمه يحيى فَقتله ثَانِي يَوْم استقراره ثمَّ سَار إِلَى فاس وَأرْسل مستحفظاً من بني عَمه اسْمه يُوسُف بن أبي عباد إِلَى مراكش ثمَّ خلع يُوسُف الْمَذْكُور طَاعَة أبي ثَابت عَامر الْمَذْكُور وَكَانَ مِنْهُ مَا سَيذكرُ.
وفيهَا: توفّي بدر الدّين بكتاش الفخري أَمِير سلَاح بَين قطع خَبره ووفاته أَرْبَعَة أشهر.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَسَبْعمائة: فِي أواخرها بطنجة توفّي أَبُو ثَابت عَامر بن عبد الله بن يُوسُف أبي يَعْقُوب بن يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو بن حمامة ملك الغرب وَملكه سنة وكسرا. وَملك بعده ابْن عَمه عَليّ بن يُوسُف ثمَّ خلعه الْوَزير وَجَمَاعَة بعد يَوْمَيْنِ، وملكوا سُلَيْمَان بن عبد الله بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق بن محيو، فَأعْطى وَأنْفق، وَأطلق المكوس واعتقل عَليّ بن يُوسُف المخلوع بطنجة، وَاسْتقر ملكه.
وفيهَا: قتل يرلغي أحد مقدمي المغول المقيمين بِبِلَاد الرّوم صَاحب سيس هيتوم بن ليفون بن هيتوم بعد أَن ذبح ابْن أَخِيه بروس الصَّغِير على صَدره وَملك بعده أوسين أَخُو هيتوم وَمضى الناق أَخُو هيتوم صُحْبَة يرلغي إِلَى خربنده وشكاه فَأمر خربنده يرلغي فَقتل بِالسَّيْفِ.
قلت: وفيهَا فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر جمادي الأولى توفّي شَيخنَا الْعَارِف الْقُدْرَة ذُو الكرامات عبس بن عِيسَى بن عَليّ بن علوان السرحاوي العليمي وفيهَا نزل كراي المنصوري عَن إقطاعه وَعَن الإمرة وَبَقِي بطالاً حَتَّى أقطعه السُّلْطَان فِيمَا بعد واستنابه بِدِمَشْق.
وفيهَا: توفّي ركن الدّين بيبرس العجمي الصَّالِحِي الجالق آخر البحرية وَقد أسن.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسَبْعمائة: فِيهَا يَوْم السبت الْخَامِس وَالْعِشْرين من رَمَضَان خرج السُّلْطَان من مصر مُتَوَجها إِلَى الْحجاز الشريف وَمَعَهُ أُمَرَاء مِنْهُم عز الدّين أيدمر الخطيري وحسام الدّين قرا لاجين وَسيف الدّين آل ملك وَعِيد بالصالحية، ثمَّ سَار وَوصل الكرك عَاشر شَوَّال ونائبها جمال الدّين أقوش الأشرفي، فاحتفل بسماط وَعبر السُّلْطَان على جسر القلعة والأمراء ماشون بَين يَدَيْهِ والمماليك حول فرسه وَخَلفه فَسقط بهم جسر القلعة
وَقد حصلت يَد فرس السُّلْطَان وَهُوَ رَاكِبه دَاخل عتبَة الْبَاب، وأحس الْفرس بِسُقُوط الجسر فأسرع حَتَّى كَاد يدوس الْأُمَرَاء بَين يَدَيْهِ وَسقط من مماليك السُّلْطَان خَمْسَة وَثَلَاثُونَ وَغَيرهم من أهل الكرك وَلم يهْلك غير مَمْلُوك وَاحِد لَيْسَ من الْخَواص، وَنزل فِي الْوَقْت السُّلْطَان عِنْد الْبَاب وأحضر الجنوبات والحبال وَرفعُوا الَّذين سقطوا وداووهم فصلحوا قَرِيبا وسعادة السُّلْطَان وَللَّه الْحَمد خارقة للعوائد فَإِن هَذَا الجسر يُقَارب ارتفاعه خمسين ذِرَاعا.
وَلما اسْتَقر السُّلْطَان بالكرك أَمر أقوش نائبها والأمراء الَّذين حَضَرُوا مَعَه بِالْمَسِيرِ إِلَى مصر واعلمهم إِنَّه جعل الْحجاز وَسِيلَة إِلَى الْمقَام بالكرك وَسَببه اسْتِيلَاء سلار وبيبرس الجاشنكير على المملكة وَالْأَمْوَال ومحاصرتهما لَهُ بالقلعة وَغير ذَلِك ووصلت الْأُمَرَاء مصر وأعلموا من بهَا بذلك فاتفقوا على سلطنة بيبرس ونيابة سلار كَمَا كَانَ وَركب بيبرس بشعار السلطنة إِلَى الإيوان الْكَبِير بقلة قلعة الْجَبَل وَجلسَ على سَرِير الْملك يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال مِنْهَا وتلقب بالمظفر ركن الدّين بيبرس المنصوري وَأرْسل إِلَى الشَّام خلف النواب.
وفيهَا: ملكت الاستبار جَزِيرَة رودس من الأشكري صَاحب قسطنطينية، فصعب على التُّجَّار الْوُصُول فِي الْبَحْر إِلَى هَذِه الْبِلَاد لمنع الاستبار من يصل بِلَاد الْإِسْلَام.
وفيهَا: مَاتَ الْأَمِير خضر بن الْملك الظَّاهِر بيبرس بِبَاب القنطرة جهزه الْأَشْرَف وأخاه إِلَى قسطنطينية فَبَقيَ مُدَّة وَتُوفِّي سلامش هُنَاكَ ثمَّ عَاد خضر وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى توفّي.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَسَبْعمائة: فِيهَا وصل من مصر جمال الدّين أقوش الْموصِلِي قتال السَّبع مَمْلُوك لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل ولاجين الجاشنكير الزيرتاج فِي ألفي فَارس من مصر وجرد قبجق الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى فِي جمَاعَة من عَسْكَر حماه فَدَخَلُوا حلب يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر ربيع الآخر الْخَامِس وَالْعِشْرين من أيلول، وَكَانَ النَّائِب بحلب قرا سنقر، وَوصل الْحَاج بهادر الظَّاهِرِيّ فِي جمَاعَة من عَسْكَر دمشق فاستمال قرا سنقر النَّاس إِلَى طَاعَة مَوْلَانَا السُّلْطَان بَاطِنا وَأخذ يقبح عِنْدهم طَاعَة الْملك المظفر بيبرس.
وفيهَا: سَار جمَاعَة من المماليك على حمية إِلَى الكرك وأعلموا السُّلْطَان بِمَا النَّاس عَلَيْهِ من طَاعَته ومحبته فَأَعَادَ خطبَته بالكرك، ووصلته مكاتبات عَسْكَر دمشق يستدعونه، وَكَذَلِكَ مكاتبات حلب فَسَار بِمن مَعَه من الكرك فِي جمادي الْآخِرَة مِنْهَا، وَوصل إِلَى حمان قَرْيَة قربية من رَأس المَال فَعمل أقوش الأفرم عَلَيْهِ وَأرْسل قرا بغا مَمْلُوك قرا سنقر إِلَيْهِ برسالة كذب عَن قرا سنقر وَكَانَ قرا بغا قد وصل إِلَى الأفرم بمكتابة تتَعَلَّق بِهِ خَاصَّة فَأرْسلهُ الأفرم إِلَى السُّلْطَان فَسَار من دمشق ولاقى السُّلْطَان بحماه وأنهى إِلَى السُّلْطَان مَا حمله الأفرم من الْكَذِب الْمُقْتَضِي رُجُوع السُّلْطَان فَظَنهُ السُّلْطَان حَقًا وَرجع إِلَى الكرك فاستدعته العساكر ثَانِيًا وانحلت دولة بيبرس وجوهر بِالْخِلَافِ، وَبلغ ذَلِك العساكر المقيمين بحلب فَسَارُوا بِغَيْر دستور.
وَسَار الْمُؤلف بِمن مَعَه من عَسْكَر حماه بعدهمْ وَلما تحقق السُّلْطَان صدق الطَّاعَة خرج من الكرك ثَانِيًا وسَاق وَخرجت عَسَاكِر دمشق لطاعته وَتَلَقَّتْهُ وهرب الأفرم نَائِب دمشق وَوصل السُّلْطَان دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر شعْبَان مِنْهَا الْمُوَافق لعشرين كانون وهيئت لَهُ قلعة دمشق فَلم ينزل بهَا وَنزل بِالْقصرِ الأبلق وَأرْسل الأفرم يطْلب الْأمان من السُّلْطَان فَأَمنهُ وَقدم إِلَى طَاعَته، وَسَار قبجق من حماه بالعسكر الْحَمَوِيّ واسندمر بعسكر السَّاحِل ووصلوا دمشق وَقدم الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى تقدمة مِنْهَا مَمْلُوكه طقز تمر فقبلها ووعده بحماه وَوصل قبلهم بكتمو أَمِير جندار من صفد، وَلما تكاملت العساكر الشامية عِنْد السُّلْطَان أحضر إِلَى دمشق حواصل الكرك وَأنْفق فِي الْعَسْكَر وَسَار بهم من دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع رَمَضَان عَاشر شباط، وَبلغ بيبرس نَائِبه سلار ذَلِك فجردا عسكراً ضخماً مَعَ برلغي وَغَيره فَسَارُوا إِلَى الصالحية واقاموا بهَا وبرلغي من أكبر أَصْحَاب بيبرس وَكَانَ الشَّاعِر أَرَادَهُ بقوله:
(فَكَانَ الَّذِي استنصحت أول خائن
…
وَكَانَ الَّذِي استصفيت من أعظم العدى)
وَسَار السُّلْطَان بالعساكر والفصل شتاء وَالْخَوْف شَدِيد من الأمطار والوحل فَقدر الله الصحو والدفء حَتَّى وصلوا غَزَّة يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر رَمَضَان فَقدم إِلَى طَاعَته عَسْكَر مصر شَيْئا فَشَيْئًا برلغي وَغَيره بعدة كَثِيرَة من الْعَسْكَر ثمَّ تَتَابَعَت الأطلاب من الْأُمَرَاء والمماليك والأجناد يقبلُونَ الأَرْض ويسيرون صحبته وَلما تحقق بيبرس ذَلِك خلع نَفسه من السلطنة، وَأرْسل بيبرس الدواتدارا وبهادر يطْلب الْأمان وَأَن يُعْطِيهِ أما الكرك أَو حماه أَو صهيون وَأَن يكون مَعَه من مماليكه ثَلَاثمِائَة فَأُجِيب إِلَى مائَة مَمْلُوك وَإِلَى صهيون، وهرب الجاشنكير من قلعة الْجَبَل إِلَى جِهَة الصَّعِيد، وَخرج سلار إِلَى طَاعَة السُّلْطَان، وتلقاه يَوْم الِاثْنَيْنِ التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان قَاطع بركَة الْحجَّاج وَقبل الأَرْض وَضرب للسُّلْطَان الدهليز بِالْبركَةِ فِي النَّهَار الْمَذْكُور، وَأقَام بهَا يَوْم الثُّلَاثَاء سلخ رَمَضَان وَعِيد يَوْم الْأَرْبَعَاء بِالْبركَةِ، ورحل السُّلْطَان فِي نَهَاره والعساكر المصرية والشامية فِي خدمته وعَلى رَأسه الجتر وَوصل وَصعد قلعة الْجَبَل وَاسْتقر على سَرِير ملكه بعد الْعَصْر من نَهَار الْأَرْبَعَاء مستهل شَوَّال مِنْهَا رَابِع آذار وَهِي سلطنته الثَّالِثَة.
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث شَوَّال الثَّالِث من وُصُول السُّلْطَان سَار سلار من قلعة الْجَبَل إِلَى الشوبك أنعم بهَا عَلَيْهِ وَقطع خَبره من الديار المصرية واستناب السُّلْطَان قبجق بحلب وارتجع مِنْهُ حماه، وَسَار قبجق من مصر يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شَوَّال، ورسم لعسكر حماه بِالْمَسِيرِ مَعَه، وَاعْتذر السُّلْطَان للمؤلف رحمه الله بِأَنَّهُ إِنَّمَا أخر تَمْلِيكه حماه لمهمات وإشغال تعوقه وَأَنه لَا بُد من إنجاز وعده فَعَاد مَعَ قبجق إِلَى الشَّام، ثمَّ رسم السُّلْطَان للافرم بصرخد فَسَار إِلَيْهَا واستناب قرا سنقر بِالشَّام وَالْحج بهادر الظَّاهِرِيّ بحماه، ثمَّ ارتجعها مِنْهُ وَقَررهُ بنيابة الفتوحات والحصون بعد عزل اسندمر عَنْهَا.
وَكَانَ قد حصل بَين الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى وَبَين اسندمر عَدَاوَة مستحكمة لميله إِلَى
أَخِيه الْأَمِير بدر الدّين حسن، وَقصد ان يعدل بحماه عَنهُ إِلَيْهِ فَلم يُوَافقهُ السُّلْطَان على ذَلِك، فَلَمَّا رأى أَن السُّلْطَان يُعْطي الْمُؤلف تغمده الله برحمته حماه طلبَهَا اسندمر لنَفسِهِ فَمَا أمكن السُّلْطَان مَنعه مِنْهَا، فرسم لَهُ بحماه، وَتَأَخر حُضُوره لأمور اقْتَضَت ذَلِك.
واستناب السُّلْطَان سيف الدّين بكتمر الجوكندار بالديار المصرية وَلما هرب بيبرس الجاشنكير أَخذ مَعَه أَمْوَالًا وخيولاً وَتوجه إِلَى جِهَة الصَّعِيد، وَلما اسْتَقر السُّلْطَان أرسل فارتجع مِنْهُ مَا أَخذ من الخزائن بِغَيْر حق.
ثمَّ قصد بيبرس الْمسير إِلَى صهيون فبرز من أطفيح إِلَى السويس وَسَار إِلَى الصالحية ثمَّ إِلَى العنصر قرب الداروم وَوصل إِلَى قرا سنقر وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى نِيَابَة الشَّام المرسوم بِالْقَبْضِ على بيبرس فَركب قرا سنقر وكبسه وَقبض عَلَيْهِ بِالْمَكَانِ الْمَذْكُور وَعَاد بِهِ إِلَى الحظارة فوصل من عِنْد السُّلْطَان اسندمر الكرجي وتسلمه وَعَاد قرا سنقر إِلَى الشَّام وأوصل اسندمر بيبرس إِلَى قلعة الْجَبَل واعتقل يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ذِي الْقعدَة مِنْهَا فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ وَمُدَّة ملكه أحد عشر شهرا.
(تفاني الرِّجَال على حبها
…
وَمَا يحصلون على طائل)
(قلت) : وَأما سلار فَاشْتَدَّ خَوفه ووجله بالشوبك فنزح إِلَى الْبَريَّة ثمَّ خذل وَأرْسل يطْلب أَمَانًا ليقيم بالقدس فَأُجِيب وَسَاقه حتفه إِلَى الْقَاهِرَة فَأحْضرهُ السُّلْطَان وعاتبه ثمَّ اعتقل وَمنع من الزَّاد حَتَّى مَاتَ جوعا وَفِي أهرائه نَحْو مِائَتي ألف أردب، وَقيل وجد وَقد أكل خفه، وَكَانَ من التتار العويرامية وَمَات فِي جمادي الأولى سنة عشر وَسَبْعمائة، ووقفت على مسودة بِمَا وجد فِي دَاره من صناديق ضمنهَا جَوَاهِر وفصوص مَاس ولآلىء كبار ومصاغ وعقود وقناطير مقنطرة ذَهَبا وَفِضة وسروج مزركشة وأقمشة وَعدد وخيل وجمال وَغير ذَلِك مِمَّا يفوت الْحصْر وَالله أعلم.
وفيهَا: غلب بَيَان بن قبجي على مملكة أَخِيه كتلك وَاتفقَ موت كتلك عقيب ذَلِك فاستنجد ابْنه قشتمر وطرد عَمه ببان وَاسْتقر فِي ملك أَبِيه كتلك، وَقيل أَن الَّذِي طرد ببان هُوَ أَخُوهُ منغطاي بن قبجي.
وفيهَا: وَردت الْأَخْبَار أَن الفرنج قصدُوا نصر بن مُحَمَّد بن الْأَحْمَر ملك غرناطة بالأندلس فاستنجد بِسُلَيْمَان المريني صَاحب مراكش واقتتلوا قرب غرناطة فَقتل من الْفَرِيقَيْنِ عَالم عَظِيم ثمَّ هزم الله الفرنج.
وفيهَا: تزوج خربنده ملك التتر بنت الْملك الْمَنْصُور غَازِي بن قرا أرسلان صَاحب ماردين وحملت إِلَى الأردو.
قلت: وَهَذَا آخر مَا وقف عَلَيْهِ الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى فِيمَا علمت، وَمن هُنَا شرعت فِي التذييل عَلَيْهِ فَقلت: وفيهَا أعَاد السُّلْطَان قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن حَمْزَة
الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ إِلَى الْقَضَاء بِدِمَشْق وخلع عَلَيْهِ وَكَانَ قد عَزله الجاشنكير من نَحْو ثَلَاثَة أشهر بشهاب الدّين بن الْحَافِظ.
وفيهَا: هَاجَتْ القيسية واليمانية بحوران على عَادَتهم وحشدوا وَبَلغت المقتلة قرب السويدا نَحْو ألف نفس. وفيهَا: توفّي شمس الدّين سنقر الأعسر من أَعْيَان الْأُمَرَاء ذَوي السطوة ولي الشد بِالشَّام والوزارة بِمصْر.
ثمَّ دخلت سنة عشر وَسَبْعمائة: فِيهَا وصل أسندمر إِلَى حماه نَائِبا عَلَيْهَا وعَلى المعرة وَتعرض إِلَى أَمْوَال النَّاس.
وفيهَا: صرف ابْن جمَاعَة عَن قَضَاء الديار المصرية، وَولي مَكَانَهُ جمال الدّين الزرعي، وَصرف شمس الدّين السرُوجِي، وَطلب القَاضِي شمس الدّين بن الحريري فولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالديار المصرية فَتوفي السرُوجِي الْمَذْكُور بعد أَيَّام قَليلَة.
وفيهَا: مَاتَ بطرابلس نائبها الْحَاج بهادر الْحَمَوِيّ وَقد كبر وَمَات بحلب نائبها سيف الدّين قبجق المنصوري بالإسهال وَنقل إِلَى تربته بحماه ثمَّ نَاب بحلب أسندمر فَسَار فِي حلب بسترته فِي حماه.
وفيهَا: استناب السُّلْطَان بحماه عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْملك الْأَفْضَل عَليّ بن المظفر مَحْمُود صَاحب حماه.
قلت:
(وفاز الْمُؤَيد فِي يَوْمه
…
بِمَا كَانَ يرجوه فِي أمسه)
(وَكم قد شكى الحيف من دهره
…
فأنصفه الدَّهْر من نَفسه)
وفيهَا: تحول الأفرم من صرخد إِلَى نِيَابَة طرابلس.
وفيهَا: فِي رَمَضَان توفّي بتبريز الشَّيْخ قطب الدّين مَحْمُود بن مَسْعُود الشِّيرَازِيّ صَاحب التصانيف وَهُوَ فِي عشر الثَّمَانِينَ، كَانَ غزير الْعلم وَاسع الصَّدْر، حسن الْأَخْلَاق وجيهاً عِنْد التتر وَغَيرهم.
قلت:
(لقد عدم الْإِسْلَام حبرًا مبرزاً
…
كريم السجايا فِيهِ مَعَ بعده قرب)
(عجبت وَقد دارت رَحا الْعلم بعده
…
وَهل للرحا دور وَقد عدم القطب)
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى عشرَة وَسَبْعمائة: فِي أَولهَا نقل قرا سنقر من دمشق إِلَى نِيَابَة حلب وَولي نِيَابَة دمشق كراي المنصوري.
وَكَانَ شَيخنَا صدر الدّين بن الْوَكِيل قد انْتقل من دمشق إِلَى حلب خوفًا من قرا سنقر فَلَمَّا وصل قرا سنقر إِلَى الْعين الْمُبَارَكَة بِالْقربِ من حلب خرجنَا مَعَ الشَّيْخ للقاء قرا سنقر
فَأقبل عَلَيْهِ، وشكى إِلَى صدر الدّين من الدماشقة، فَقَالَ صدر الدّين: أَنا رجل لست من دمشق وَإِنَّمَا أَنا من أهل الْمغرب وهنأه الشَّيْخ صدر الدّين بقصيدة جَيِّدَة أَولهَا:
(هَب النسيم فَعَاشَ من نفحاته
…
وسرى سمير الْبَرْق فِي لمحاته)
(يطوي إِلَى حلب الفلا والشوق
…
كل رِدَائه والوجد بعض حداته)
(مَا لَاحَ برق بالعواصم سَاطِع
…
إِلَّا حَكَاهُ الْقلب فِي خفقاته)
(حَيا الحيا حَيا بمنعرج اللوى
…
بانوا فَبَان الصَّبْر عَن باناته)
(حيوا على الْوَادي فأحيوا مَيتا
…
مضنى قَتِيل ظبائه وظباته)
(يَا سعد ساعدني وَكن لي مخبرا
…
فَالْخَبَر عز عَن الكئيب بِذَاتِهِ)
(هاتيك للساري تشب على الغضا
…
أم ذَاك نور لَاحَ فِي مشكاته)
(أم هَذِه حلب بنائبها أشرقت
…
شمس الممالك من سما بصفاته)
(شمس سما فَوق السماك مَحَله
…
وسبى سناه الْبَدْر فِي هالاته)
(بِالسَّيْفِ والقلم ارْتقى فمضاء ذَا
…
لعداته وَمضى ذَا لعداته)
(مَا الْبَحْر من نظرائه وكفاته
…
بل ذَاك من وكفاته وكفاته)
(فالعلم بَين بَيَانه وبنانه
…
والحلم من أدواته ودواته)
(وَحَدِيث كل الْجُود عِنْد مُسْند
…
متواتر قد صَحَّ عِنْد وَرُوَاته)
(يروي فيروي كل ظمآن الحشا
…
فَالنَّاس بَين رُوَاته وَرُوَاته)
(يَا مَالك الْأُمَرَاء بل يَا شمسهم
…
يَا من أَضَاء الْكَوْن من بهجاته)
(قد كَانَ فِي حلب وَفِي سكانها
…
شَرق إِلَيْك يشب فِي لفحاته)
(يبكي لغيبتك السَّحَاب وروضها
…
يَرْجُو اللقا فافتر ثغر نَبَاته)
(وتمايلت أَغْصَانهَا طَربا وَقد
…
غنى الْحمام ورن فِي باناته)
(وأتيتها بِالْعَدْلِ تشرق ربعهَا
…
وتزيل ظلما زَاد فِي ظلماته)
(فتباشرت سكانها وربوعها
…
ودعوا لمَالِكهَا على عوداته)
(النَّاصِر الْمَالِك الَّذِي خجل الحيا
…
من جوده وَاللَّيْث من سطواته)
(إسكندر الدُّنْيَا وكسرى عصره
…
لَو عَاشَ تبع مَاتَ من تبعاته)
(من اطد الدُّنْيَا وَسكن بِيَدِهَا
…
أَو ضم بَيت الْملك بعد شتاته)
(تشتاقه بَغْدَاد وَهِي عروسه
…
خطبَته واشتاقت إِلَى خطباته)
(فَالله ينصره ويحرس ملكه
…
ويمتع الدُّنْيَا بطول حَيَاته)
وفيهَا: فِي ربيع الآخر أُعِيد ابْن جمَاعَة إِلَى قَضَاء الديار المصرية وتقرر المزرعي المصروف قَضَاء الْعَسْكَر.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى عزل كراي عَن نِيَابَة دمشق وَقيد وَحبس هُوَ وقطلو بك نَائِب صفد بالكرك وَقبض قبلهمَا على أسندمر من حلب، وسجن بالكرك وَفَرح النَّاس بنكبته فَرحا شَدِيدا ثمَّ نَاب بِدِمَشْق جمال الدّين أقوش الأشرفي الَّذِي يعرف بنائب الكرك.
وفيهَا: توفّي الْحَافِظ البارع قَاضِي الْقَضَاء سعد الدّين مَسْعُود بن أَحْمد الْحَارِثِيّ الْحَنْبَلِيّ بِمصْر.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْ وَعشرَة وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي أَولهَا تسحب من دمشق عز الدّين الزردكاش وبلبان الدِّمَشْقِي وأمير ثَالِث إِلَى الأفرم نَائِب طرابلس ثمَّ ساقوا بمماليكهم إِلَى قرا سنقر المنصوري وَكَانَ قد سبقهمْ وَأقَام بالبرية فِي ذمام مهنا بن عِيسَى ملك الْعَرَب فاحتيط على أَمْوَالهم وأملاكم ثمَّ عبروا الْفُرَات إِلَى خربنده ملك التتر فاحترمهم وَأَقْبل عَلَيْهِم.
وفيهَا: مَاتَ صَاحب ماردين الْملك الْمَنْصُور غَازِي بن المظفر قرا أرسلان الأرتقي فِي عشر السّبْعين ودولته نَحْو عشْرين سنة.
ملك بعده ابْنه عَليّ، فَعَاشَ بعده سَبْعَة عشرَة يَوْمًا وَمَات، فَملك أَخُوهُ الْملك الصَّالح.
وفيهَا: أمسك من حمص نائبها بيبرس العلائي، وَمن دمشق بيبرس الْمَجْنُون وبيبرس التاجي وطوغان وَسيف الدّين كشلي والبرواني وحبسوا بالكرك وَأمْسك بِمصْر جمَاعَة.
وفيهَا: فِي ربيع الأول طلب إِلَى مصر أقوش الكركي نَائِب دمشق.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر قدم ملك أُمَرَاء سيف الدّين تنكز الناصري نَائِبا بِالشَّام وَحضر يَوْم الْجُمُعَة بالجامع الْأمَوِي وأوقد لَهُ الشمع، وَولي نِيَابَة مصر بعده سيف الدّين أرغون الدواتدار الناصري.
وفيهَا: فِي أَوَائِل رَمَضَان قويت أراجيف مَجِيء التتر وأجفل النَّاس ونازل خربنده بجيوشه الرحبة فحاصروها ثَلَاثُونَ يَوْمًا ورموها بالمجانيق وَأخذُوا فِي النقوب، ثمَّ أَشَارَ رشيد الدولة على خربنده بِالْعَفو عَن أَهلهَا وَأَشَارَ عَلَيْهِم بالنزول إِلَى خدمَة الْملك فَنزل قاضيها وَجَمَاعَة وأهدوا لخربنده خَمْسَة أَفْرَاس وَعشرَة أباليج سكر، فحلفهم على الطَّاعَة لَهُ ورحل عَنْهُم.
واما أهل الشَّام فجفلوا من كل جَانب لتأخر الجيوش المنصورة عَنْهُم يَسِيرا لأجل ربيع خيلهم، ثمَّ جَاءَت الْأَخْبَار فِي آخر رَمَضَان برحيل التتر وَحصل الْأَمْن وَضربت البشائر وَأما السُّلْطَان فَأَنَّهُ عيد سَار فوصل دمشق فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال، وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَنزل بالقلعة ثمَّ بِالْقصرِ وَصلى الْجُمُعَة وَعمل دَار الْعدْل بِحُضُور الْقُضَاة وَكثر الدُّعَاء لَهُ، وَفِي ذِي الْعقْدَة توجه السُّلْطَان إِلَى الْحَج.
وفيهَا: مَاتَ طقطقاي ملك القفجاق وَله ثَلَاثُونَ سنة وَجلسَ على السرير وَهُوَ ابْن سبع سِنِين مَاتَ كَافِرًا يعبد الْأَصْنَام، وَكَانَ يحب أهل الْخَيْر من كل مِلَّة ويرجح الْمُسلمين وَيُحب الْحُكَمَاء وجيوشه كَثِيرَة جدا وَقع بَينه وَبَين أَعدَاء لَهُ حَرْب فَجرد من كل عشرَة وأحداً فبلغت عدَّة المجردين مِائَتي ألف فَارس وَخمسين ألف فَارس.
وَكَانَ لَهُ ابْن بديع الْحسن، وَنوى إِن ملك الْبِلَاد أَن لَا يتْرك فِي مَمْلَكَته غير الْإِسْلَام فَمَاتَ فِي حَيَاة وَالِده وَترك ولدا وعهد إِلَيْهِ جده فَلم يتم أمره، وَملك بعده أزبك خَان ابْن أَخِيه وَهُوَ شَاب مُسلم شُجَاع متسع المملكة مسيرتها سِتَّة أشهر لَكِن مدائنها قَليلَة.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة: فِيهَا وصل السُّلْطَان من الْحجاز فِي حادي عشر الْمحرم وَصلى بِجَامِع دمشق جمعتين ثمَّ سَار إِلَى مصر.
وفيهَا: كَانَ روك اقطاعات الجيوش المنصورة.
وفيهَا: توفّي بحلب المعمر عَلَاء الدّين بيبرس التركي العديمي، وَقد نَيف على السّبْعين.
ثمَّ دخلت سنة أَربع عشرَة وَسَبْعمائة: فِي رَجَب مِنْهَا توفّي بحلب نائبها سيف الدّين سودى، وَكَانَ مشكور السِّيرَة وَدفن بالْمقَام وبنيت عَلَيْهِ تربة ورتب عَلَيْهِ قراء وَمَا يَلِيق بِهِ.
وَفِيه: توفّي بهاء الدّين عَليّ بن أبي سوَادَة صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء بحلب وَله نظم ونثر متوسط وينسب إِلَى التَّشَيُّع.
وَفِيه: توفّي محيي الدّين مُحَمَّد بن أبي حَامِد بن الْمُهَذّب المعري نَاظر بَيت المَال بحلب فَجْأَة وبيتهم بالمعرة بَيت كَبِير خرج مِنْهُم فضلاء وقراء وعلماء ومؤرخون وشعراء، وَكَانَ جدهم الْمُهَذّب بن مُحَمَّد بَدَلا من الأبدال فِيمَا يذكر.
وفيهَا: ولى بحلب بعد سودى الْأَمِير عَلَاء الدّين الطنبغا الصَّالِحِي الْحَاجِب، فانتفعت بِهِ حلب وبلادها، وَعمر جَامعه بالميدان الْأسود، وَنقل إِلَيْهِ أعمدة عَظِيمَة من قورس، وعمرت بِسَبَب هَذَا الْجَامِع أَمَاكِن كَثِيرَة حوله.
وفيهَا: فِي رَجَب مَاتَ بِمصْر شيخ الْحَنَفِيَّة رشيد الدّين إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان بن الْمعلم وَقد كَانَ عرض عَلَيْهِ قَضَاء دمشق فَامْتنعَ. قلت:
(أَقْسَمت بِاللَّه لقد كَانَ فِي
…
ترك الرشيد الحكم رَأس سديد)
(ففاز من حجر عَظِيم وَهل
…
يرضى بِضَرْب الْحجر وَهُوَ الرشيد)
وفيهَا: قدم سُلْطَان جيلان شمس الدّين دوباح ليحج فَمَاتَ بقباقب من نَاحيَة تدمر وَنقل فَدفن بقاسيون، وعملت لَهُ تربة حَسَنَة وعاش أَرْبعا وَخمسين سنة، وَهُوَ الَّذِي رمى خطلو شاهبسهم فَقتله وَانْهَزَمَ التتر وَهلك خطلو شاه على كفره وَهُوَ مقدم الْعَدو فِي ملحمة شقحب.
ثمَّ دخلت سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي أَولهَا سَار ملك الْأُمَرَاء سيف الدّين تنكز بِجَيْش دمشق وتقدمه سِتَّة آلَاف من عَسْكَر مصر إِلَى حلب ثمَّ سَار من حلب لغزو ملطية فصبحوها يَوْم الْحَادِي وَالْعِشْرين من الْمحرم وَإِذا أهل ملطية قد تهيؤا للحصار وَالدَّفْع
عَن أنفسهم فَلَمَّا عاينوا كَثْرَة الجيوش المحمدية خرج القَاضِي والوالي فِي جمَاعَة يطْلبُونَ الْأمان على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فَأَمنَهُمْ ملك الْأُمَرَاء دون النَّصَارَى.
ثمَّ دخل الْعَسْكَر ملطية، وَقتلُوا بهَا خلقا من النَّصَارَى، وَسبوا ونهبوا، وتعدى الْأَذَى من أوباش الْجَيْش إِلَى الْمُسلمين، ثمَّ إلقيت فِيهَا النَّار وَخرب من سورها، ثمَّ سَارُوا بعد ثَلَاث بالغنائم، وَقَطعُوا الدربند، وَضربت البشائر وزينت الْبِلَاد.
وفيهَا: فِي الْمحرم مَاتَ بالموصل عَالم تِلْكَ الأَرْض السَّيِّد ركن الدّين حسن بن مُحَمَّد بن شرفشاه الْحُسَيْنِي الإستراباذي صَاحب التصانيف وَكَانَ ابْن سبعين سنة.
وفيهَا: فِي شعْبَان سَار شطر جَيش حلب لحصار قلعة عرقينة من أَعمال آمد فتسلموها بالأمان بِلَا كلفة، وَقتلُوا بهَا طَائِفَة، وسلخ أَخُو مندوه وعلق على القلعة وأغار الْعَسْكَر على قوى الأرمن والأكراد وَرَجَعُوا سَالِمين بالمكاسب.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة وَكنت مُقيما بِدِمَشْق توفّي فَجْأَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن حَمْزَة الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ وَله ثَمَان وَثَمَانُونَ سنة، وَكَانَ مُسْند الشَّام فِي وقته، حسن الْوَجْه مَحْبُوب الشكل طيب الأَصْل رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي سادس جمادي الْآخِرَة توفّي بهاء الدّين عبد السَّيِّد كَانَ ديان الْيَهُود بِدِمَشْق فَأسلم هُوَ وَأَوْلَاده وَحسن إِسْلَامه.
قلت:
(وَعمر إِسْلَامه بَيته
…
وَخرب أَبْيَات أخصامه)
(وأحزن ذَلِك حزانهم
…
وأفرح مُوسَى باسلامه)
ثمَّ دخلت سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا تكملت تَفْرِقَة المثالات بالإقطاعات بعد الروك وأبطل السُّلْطَان بعض المكوس بالديار المصرية.
وفيهَا: فِي ثَانِي عشر الْمحرم توفّي الشَّيْخ نَاصِر الدّين أَبُو بكر الْمَعْرُوف بِابْن السلار فَاضل شَاعِر حسن الْعبارَة من بَيت إِمَارَة.
وفيهَا: فِي سادس عشر صفر قرئَ تَقْلِيد الإِمَام الزَّاهِد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُسلم بِقَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق بعد وَفَاة القَاضِي تَقِيّ الدّين بِنصْف شهر واستناب شرف الدّين بن الْحَافِظ الْمَقْدِسِي.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر قدم الْأَمِير فضل بن عِيسَى أَخُو مهنا إِلَى دمشق وَمَعَهُ مرسوم ان يكون عوضا عَن أَخِيه مهنا فِي إمرة الْعَرَب بِسَبَب دُخُول مهنا مَعَ قرا سنقر إِلَى بِلَاد التتر.
وفيهَا: فِي آخر ربيع الآخر بَاشر قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين بن صصري مشيخة الشُّيُوخ بِدِمَشْق عِنْد الصُّوفِيَّة بالسميساطية اخْتَارَهُ الصُّوفِيَّة وسألوا تَوليته عَلَيْهِم.
وفيهَا: فِي رَمَضَان توفّي الشَّيْخ الإِمَام محب الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن تَقِيّ الدّين أبي الْفَتْح مُحَمَّد بن مجد الدّين عَليّ بن وهب الْمَعْرُوف بِابْن دَقِيق الْعِيد بِالْقَاهِرَةِ، وَدفن عِنْد وَالِده بالقرافة وَهُوَ زوج ابْنه الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي شَوَّال توفيت وَالِدَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية، وَهِي سِتّ النعم بنت عَبدُوس الحرانية، ولدت تِسْعَة بَنِينَ وَلم ترزق بِنْتا وَكَانَت صَالِحَة خيرة.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة وصل بكتمر الْحَاجِب منعماً عَلَيْهِ بعد السجْن وَتوجه إِلَى نِيَابَة صفد وَنقل قَاضِي صفد حسام الدّين القرمي إِلَى قَضَاء طرابلس وَتَوَلَّى قَضَاء صفد شرف الدّين بن جلال الدّين النهاوندي.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة وصلت الْأَخْبَار " بِمَوْت خربنده " واسْمه خربنده مُحَمَّد بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، ملك الْعرَاق وخراسان وعراق الْعَجم وَالروم وأذربيجان والبلاد الأراثية وديار بكر، وَجَاوَزَ الثَّلَاثِينَ من الْعُمر، وَكَانَ مغرى بالهو وَالْكَرم والعمارة، أَقَامَ سنة فِي أول ملكه سنياً ثمَّ ترفض إِلَى أَن مَاتَ وَجَرت فتن فِي بِلَاده بِسَبَب ذَلِك وَدفن فِي مدينته الَّتِي أَنْشَأَهَا السُّلْطَانِيَّة الغياثية.
وفيهَا: فِي ذِي الْعقْدَة أَيْضا توفّي بِدِمَشْق نجم الدّين بن البصيص الْمُقدم فِي الْكِتَابَة كتب النَّاس نَحْو خمسين سنة وَله شهر وأخلاق حميدة.
وفيهَا: وصلت الْأَخْبَار باستقرار أبي سعيد بن خربنده فِي مملكة وَالِده وعمره إِحْدَى عشرَة سنة ران أَرْبَاب دولتهم مصادرون مطلوبون بالأموال، وَأَن خربنده سم وَقتل جمَاعَة مِمَّن اتهمَ بذلك من الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَتَوَلَّى تَدْبِير الدولة والجيوش الْأَمِير جوبان، وَاسْتمرّ فِي الوزارة عَليّ شاه التبريزي وَوصل الْخَبَر فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور أَن الْأَمِير حميضة بن أبي نمى الحسني الْمَكِّيّ كَانَ قد لحق بخربنده وَأقَام فِي بِلَاده أشهراً وَطلب مِنْهُ جَيْشًا يَغْزُو بهم مَكَّة وساعده جمَاعَة من الرافضة على ذَلِك فجهزوا لَهُ جَيْشًا من خُرَاسَان واهتموا بذلك فَقدر الله موت خربنده وَبَطل ذَلِك وَفَرح الْمُسلمُونَ بِمَوْتِهِ وبإهانة
…
فِي بِلَاده، وعادت الْخطب يذكر الشَّيْخَيْنِ
…
فَلَقَد كَانَ أهل السّنة بِهِ فِي غم شَدِيد، وَجَرت فتن وحروب بِسَبَب ذَلِك بأصفهان وبغداد وإربل وَغَيرهَا.
ثمَّ أَن مُحَمَّد بن عِيسَى أَخا مهنا وَقع على حميضة فقهره وَأخذ مَا مَعَه من الْأَمْوَال والأغنام وَغَيرهَا، ودشر حميضة وَمن كَانَ مَعَه من أَعْيَان دولة التتر وَكَانَ مُحَمَّد بن عِيسَى بِبِلَاد التتر خَارِجا عَن طَاعَة السُّلْطَان فابيض وَجهه بِهَذِهِ الْوَاقِعَة وَحضر فَأكْرمه السُّلْطَان.
وفيهَا: فِي أواخرها توفّي شَيخنَا صدر الدّين مُحَمَّد بن زين الدّين عُثْمَان وَكيل بَيت المَال العثماني بِالْقَاهِرَةِ شيخ الْفُنُون والعلوم وبحر المنثور والمنظوم كَانَ حسن الشكل وافر الْفضل وَمَعَ فضائله التَّامَّة قَرِيبا إِلَى الْعَامَّة، إِن تكلم فِي الْفِقْه فبحر زاخر أَو فِي الطِّبّ فطبيب ماهر أَو فِي النَّحْو أَحْيَا سِيبَوَيْهٍ، أَو فِي الحَدِيث فالمعول عَلَيْهِ أَو فِي الْأُصُول فَهُوَ
الإِمَام أَو فِي الْأَدَب فالحارث بن همام، أَو فِي الْجد أسَال المدامع أَو الْهزْل أذهل السَّامع حفظ المقامات فِي مُدَّة قَصِيرَة وديوان المتنبي فِي أَيَّام يسيرَة، وحرص على الْعلم وتعب وخلط جدا بلعب، ثمَّ هجر الأوطان واتصل بالسلطان وأكب فِي آخر عمره على تَحْقِيق الْعُلُوم وَتَعْلِيمهَا والأعمال بخواتيمهما، وَله موشحات مأثورة وأشعار مَشْهُورَة.
مِنْهَا:
(أَعنِي على مَا دهاني أَعنِي
…
فَإِنِّي بليت بِظَبْيٍ أغن)
(جنى إِذْ جنيت جنا وجنتيه
…
فباللحظ يجني وباللحظ أجني)
(إِذا قلت ثغرك صن باللثام
…
يَقُول سيحميه صارم جفني)
(وَإِن قلت قد عَاد سيف الجفون
…
كليلاً يَقُول عِذَارَيْ مني)
ثمَّ دخلت سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا توفّي الشَّيْخ عَليّ الختني الشَّافِعِي الْمُحدث الصَّالح، كَانَ كثير الِاشْتِغَال والفضيلة رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي صفر شرع فِي عمَارَة جَامع ظَاهر دمشق خَارج بَاب النَّصْر قبالة حكر السماق بمرسوم السُّلْطَان وَحضر الْقُضَاة لتحرير قبلته.
وفيهَا: فِي صفر كَانَ سيل ببعلبك خرب سور الْبَلَد وحائط الْجَامِع وَذَلِكَ مَعَ رعد عَظِيم، وَخرب فَوق ثلث الْبَلَد وَعدم تَحت الرَّدْم خلق كثير وَعظم النّدب والعويل فِي أقطار الْبَلَد وَمن لطف الله تَعَالَى مَجِيئه نَهَارا، وَوجد الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ عَليّ الحريري غريقاً فِي الْجَامِع مَعَ خلق وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما وَلَقَد أخبر الثقاة أَنه نزل من السَّمَاء عَمُود عَظِيم من نَار أَوَائِل السَّيْل ورؤي من الدُّخان وَسمع من الصرخان فِي الأكوان أَمر عَظِيم كَاد يشق الْقُلُوب.
قلت:
(سيل طَغى فِي بعلبك وراعد
…
ولهيب نَار ثار للتعذيب)
(فلئن تركب ثمَّ مازج سورها
…
فلبعلبك المزج فِي التَّرْكِيب)
وفيهَا: فِي ربيع الأول توفّي الْفَقِيه الْمقري شهَاب الدّين أَحْمد الرُّومِي أَمَام الْحَنَفِيَّة بِجَامِع دمشق بنى على الشّرف زَاوِيَة حَسَنَة نزهة، وَكَانَ فِيهِ حسن تلقي وأعانة للضعيف.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة خلص بهادر من سجن الكرك وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة مكرماً ففرح النَّاس بِهِ فَإِنَّهُ كثير الصَّدقَات وافر الْعقل.
وَفِيه: توفّي بدر الدّين أَبُو الْقَاسِم أَخُو الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية، وَكَانَ فَقِيها سَاكِنا قَلِيل الشَّرّ رَحمَه الله تَعَالَى.
وَفِيه: توفّي قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق جمال الدّين أَبُو عبد الله الزواوي الْمَالِكِي.
وفيهَا: أبطلت الْخُمُور وَالْفَوَاحِش بالسواحل وأبطلت مكوس كَثِيرَة ففرح الْمُسلمُونَ بذلك وتوفرت الْأَدْعِيَة للسُّلْطَان أعز الله نَصره.
وفيهَا: رسم السُّلْطَان أَن يعمر بِبِلَاد النصيرية فِي كل قَرْيَة مَسْجِدا ويمنعوا من الْخطاب.
وفيهَا: اجْتمع إِلَى ماردين قفل كَبِير تجار وجفال من الغلا وقصدوا الشَّام فَلَمَّا وصلوا إِلَى خَان التَّاجِر أدركتهم فرقة من التتر من أُمَرَاء سوتاي النَّائِب بديار بكر إِلَى حُدُود الْعرَاق وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِم بحجج وصاروا كلما أَمْسكُوا مِنْهُم جمَاعَة أبعدوا بهم وقتلوهم فَأكْثر الْبَاقُونَ الصُّرَاخ فَمَال التتر عَلَيْهِم بالنشاب حَتَّى قتلوا الْجَمِيع وَبَقِي من أَوْلَاد الجفال نَحْو سبعين صَبيا فَقَالُوا: من يقتل هَؤُلَاءِ منا فَقَتلهُمْ تترى وَأَعْطوهُ عَن كل صبي دِينَارا وَبلغ الْقَتْلَى تِسْعمائَة رجال وَنسَاء وصبيان وتألم النَّاس لذَلِك، ثمَّ أَن سوتاي أمسك من الحرامية وحبسهم وأوصل بعض المَال إِلَى مستحقيه بعد غَرَامَة مَا بَين النّصْف إِلَى الثُّلُث.
وفيهَا: خرج جمَاعَة من النصيرية عَن الطَّاعَة وَأَقَامُوا شخصا زَعَمُوا أَنه الْمهْدي وقاتلوا الْمُسلمين وَادعوا أَنهم كفرة فكسرهم عَسْكَر الْمُسلمين وَقتل مقدمهم وخلقاً مِنْهُم ومزقهم الله كل ممزق فَللَّه الْحَمد.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان عشرَة وَسَبْعمائة: فِيهَا كَانَ بديار بكر والموصل وإربل وماردين والجزيرة وميافارقين غلاء وجلاء حَتَّى بِيعَتْ الْأَوْلَاد وأكلت الْميتَة، وَكَانَ الشَّخْص إِذا امْتنع من شِرَاء أَوْلَاد الْمُسلمين تجْعَل الْمَرْأَة نَفسهَا نَصْرَانِيَّة ليرغب فِي الشِّرَاء نسْأَل الله الْعَافِيَة ونعوذ بِاللَّه من الْجُوع فَإِنَّهُ بئس الضجيع ونزح من إربل جمَاعَة إِلَى جِهَة مراغة فأهلكهم الثَّلج فِي الطَّرِيق وَكَانَ سَبَب الغلاء جَرَادًا وَعدم الْمَطَر سنتَيْن وجور التتر لمَوْت خربنده وَتغَير الدول والغارات، فسبحان الفعال لما يُرِيد.
وفيهَا: فِي صفر وصل كريم الدّين إِلَى دمشق وَأمر بِبِنَاء جَامع بالقبيبات وَتوجه إِلَى الْقُدس وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَشرع فِي بِنَاء الْجَامِع.
فِيهِ: ثارت ريح عَاصِفَة من جِهَة الْبَحْر على بيُوت التركمان عِنْد قَرْيَة المعيصرة من الجون من عمر طرابلس فتكونت عموداً أغبر صُورَة تنين مُتَّصِل بالسحاب فَمَا تركت شَيْئا من الْبيُوت والأثاث وأهلكت جمَاعَة وخطفت جملين وَارْتَفَعت بهما فِي الجو مِقْدَار عشرَة أرماح وطوت الرّيح قدور النّحاس والصاجات وَصَارَت قطعا، وَكَانَ إِلَى جانبهم عرب فخطفت لَهُم أَرْبَعَة أجمال إِلَى الجو فتقطعت الْجمال قطعا، وأهلكت دَوَاب كَثِيرَة، وَوَقع بعْدهَا مطر برد كبار الْبردَة ثَلَاث أَوَاقٍ ودونها كأشطاف الْحِجَارَة مِنْهَا مثلث ومربع وَأصَاب ذَلِك أَرْبعا وَعشْرين قَوِيَّة، وَكتب بذلك محْضر وَثَبت عِنْد قَاضِي طرابلس فنسأل الله الْعَافِيَة.
وَفِيه: توفّي الشَّيْخ الْقدْوَة الْعَالم بَقِيَّة السّلف مُحَمَّد بن أبي بكر بن قوام البالسي بزاويته بالصالحية.
قلت: وَمن الله عَليّ بزيارته حَيا ثمَّ بعد وَفَاته أَخْبرنِي الشَّيْخ الْمقري الصَّالح مُحَمَّد بن شامة السَّاكِن بِالْبَابِ قَالَ: صَحِبت الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَذْكُور من دمشق قَاصِدين بَاب
بزاعا فَلَمَّا كُنَّا تَحت جبل لبنان وَقد انقطعنا عَن الرّفْقَة قَلِيلا قلت للشَّيْخ: يَا سَيِّدي يَقُولُونَ إِن فِي هَذَا الْجَبَل أَوْلِيَاء لله تَعَالَى؟ فَقَالَ: نعم فَقلت يَا سَيِّدي لَو أريتني مِنْهُم أحدا؟ وَإِذا رجل فِي الْهَوَاء أسمع صَوته وَلَا أرى شخصه يَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا شيخ مُحَمَّد فَرد الشَّيْخ عليه السلام، ثمَّ نظر إِلَيّ وَقَالَ: سَمِعت فَقلت: نعم ثمَّ سَأَلته عَن شكله؟ فَقَالَ: قد خطّ عذاره وَأَخْبرنِي غير وَاحِد من أهل الْبَاب مِمَّن أصدقه أَن الشَّيْخ لما قدم إِلَى الْبَاب وَدخل على الْجَبانَة قَالَ لمن مَعَه هَذَا رجل قد قَامَ إِلَيّ من قَبره وَعَلِيهِ جُبَّة صوف وَله سِتّ أَصَابِع على كل كف فَسَأَلته الْجَمَاعَة أَن يُرِيهم قَبره فَمَال بهم إِلَى قبر وَقَالَ: هَذَا ففحصوا عَن صَاحب الْقَبْر فَإِذا هُوَ كَمَا وصف، وَأخْبر من رَآهُ حَيا أَنه كَانَ لَهُ سِتّ أَصَابِع على كل كف.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة ورد مرسوم السُّلْطَان بِمَنْع الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية من الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الْحلف بِالطَّلَاق وَعقد لذَلِك مجْلِس وَنُودِيَ بِهِ فِي الْبَلَد.
قلت: وَبعد هَذَا الْمَنْع والنداء أحضر إِلَيّ رجل فَتْوَى من مضمونها إِنَّه إِذا طلق الرجل امْرَأَته ثَلَاثًا جملَة بِكَلِمَة أَو بِكَلِمَات فِي طهر أَو أطهار قبل أَن يرتجعها أَو تقضي الْعدة فَهَذَا فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء أظهرهمَا أَنه لَا يلْزمه إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة وَلَو طَلقهَا الطَّلقَة بعد أَن يرجعها أَو يَتَزَوَّجهَا بِعقد جَدِيد وَكَانَ الطَّلَاق مُبَاحا فَإِنَّهُ يلْزمه، وَكَذَلِكَ الطَّلقَة الثَّالِثَة إِذا كَانَت بعد رَجْعَة أَو عقد جَدِيد وَهِي مُبَاحَة فَأَنَّهَا تلْزمهُ وَلَا تحل لَهُ بعد ذَلِك إِلَّا بِنِكَاح شَرْعِي لَا بِنِكَاح تَحْلِيل وَالله أعلم. وَقد كتب الشَّيْخ بِخَطِّهِ تَحت ذَلِك مَا صورته: هَذَا مَنْقُول من كَلَامي، كتبه أَحْمد بن تَيْمِية، وَله فِي الطَّلَاق رخص غير هَذِه أَيْضا لَا يلْتَفت الْعلمَاء إِلَيْهَا وَلَا يعرجون عَلَيْهَا.
وفيهَا: قتل رشيد الدولة طَبِيب خربنده اتهمه جوبان بِأَنَّهُ غش خربنده فِي المداواة وَقطع رَأسه إِلَى تبريز وأحرقت جثته واستأصلوا أملاكه وأمواله وجواهره، وَاخْتلف فِي طويته فَقَالَ الشَّيْخ تَاج الدّين الأفضلي التريزي: قتل الرشيد أعظم من قتل مائَة ألف من النَّصَارَى، وَقَالَ قَاضِي الرحبة رَأَيْت مِنْهُ شَفَقَة على أهل الرحبة: وسعياً فِي حقن دِمَائِهِمْ يَعْنِي أَيَّام حصارها وَإِنَّمَا كَانَ يتبع أعداءه صالحين كَانُوا أَو فسقة.
وفيهَا: فِي رَجَب توفّي الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد بَقِيَّة السّلف أَبُو الْوَلِيد إِمَام الْمَالِكِيَّة، وَفِي آخر الشَّهْر ورد الْخَبَر أَنه كَانَ بِظَاهِر حمص سيل خرب حَائِط الميدان وَبَعض خَان السَّبِيل.
وفيهَا: فِي شعْبَان شرع فِي بِنَاء الْجَامِع ظَاهر بَاب الشَّرْقِي أَمر بعمارته الصاحب شمس الدّين غبريال نَاظر دمشق.
وَفِيه: أُقِيمَت الْجُمُعَة بالجامع الَّذِي أَمر نَائِب الشَّام ببنائه خَارج بَاب النَّصْر وخطب فِيهِ الشَّيْخ كريم الدّين الفجقيري.
وَفِيه: أَيْضا كمل بِنَاء الْجَامِع بالقبيات، وخطب فِيهِ الشَّيْخ شمس الدّين بن الرزين.
وَفِيه: توفّي الشَّيْخ مجد الدّين التّونسِيّ الأصولي الْمقري النَّحْوِيّ بِدِمَشْق.
وفيهَا: نهي المنجمون بِدِمَشْق أَن يكتبوا على التقاويم النجومية أحاكماً.
ثمَّ دخلت سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة فِيهَا فِي صفر استسقى بِالنَّاسِ وخطبهم القَاضِي الصَّالح صدر الدّين سُلَيْمَان الْجَعْفَرِي وَخرج النَّائِب والأمراء والعالم خاضعين وتبركوا بِهِ فسقوا ثَانِي يَوْم.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر توفّي الشَّيْخ الْقدْوَة نصر المنبجي بالحسينية، وَكَانَت لَهُ عبادات كَثِيرَة وَصَلَاة ذكر وَحج ومجاورة وأوقات مُعينَة نَحْو نصف السّنة لَا يجْتَمع فِيهَا بِأحد، وَكَانَ لَا يخرج من زاويته إِلَّا لصَلَاة الْجُمُعَة خَاصَّة، وَسمع الحَدِيث وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات وتفقه وقصده الْعلمَاء والوزراء والأمراء رحمه الله.
وفيهَا: فِي رَجَب اخْتلف التتر وَقتل مِنْهُم نَحْو ثَلَاثِينَ ألفا وَأكْثر حَتَّى كَاد يَزُول ملكهم واستحالوا على مقدم جيوشهم جوبان نَائِب السلطنة لأبي سعيد وكرهوا نيابته.
ثمَّ دخلت سنة عشْرين وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي أَولهَا ركب الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماه بشعار السُّلْطَان على حماه وبلادها وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً.
وفيهَا: فِي ثَالِث الْمحرم توفيت والدتي رَحمهَا الله تَعَالَى وَكَانَت من الصَّالِحَات، جدها ولي الله الشَّيْخ نصير من رجال شط الْفُرَات وينتسب إِلَى أويس الْقَرنِي رضي الله عنه.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر عقد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر على بنت الْملك الَّتِي حملت إِلَيْهِ من بِلَاد القفجاق، وفيهَا عانت عَسَاكِر الْمُسلمين فِي بِلَاد سيس سَبْعَة عشر يَوْمًا، وَقَطعُوا الْأَشْجَار وحرقوا وغرق من عَسْكَر الشَّام فِي نهر جهان نَحْو ألف فَارس.
وفيهَا: نفي فحليس الْعَرَب مهنا وَأَوْلَاده وَمن مَعَهم من الشَّام، وَمنعُوا الْميرَة.
وفيهَا: فِي جمادي الأولى توفّي جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن حرز الله الإربدي، وَوَقع عقب الْجِنَازَة مطر كثير فِي وسط حزيران.
وفيهَا: فِي جمادي الْآخِرَة قتل الْأَمِير عز الدّين حميضة بن الْأَمِير الشريف أبي نمى صَاحب مَكَّة، وَكَانَ قد خرج عَن طَاعَة السُّلْطَان، وَولى السُّلْطَان بِمَكَّة أَخَاهُ سيف الدّين عطيفة.
وفيهَا: توجه قرطاي نَائِب طرابلس وعسكر من مصر إِلَى بِلَاد الأرمن وَكَانُوا فَوق عشْرين ألفا وغرق جمَاعَة بجهان وَأَرْبَعَة أُمَرَاء وحاصروا سيس وأحرقوا دَار الْملك وَقَطعُوا الْأَشْجَار وعاثوا بِالْمصِّيصَةِ وخربوا أسوار أدنة، وعاثوا بطرسوس وأخرقوا الزروع وَرَجَعُوا فَلم يعْدم مِنْهُم بجهان سوى شخص وَاحِد، وَعند جهان بَلغهُمْ موت صَاحب سيس وَهُوَ الَّذِي تملك بعد وَالِده الَّذِي حضر إِلَى دمشق سنة قازان ووصلوا حلب وَسَاقُوا خلف مهنا وَأَوْلَاده وَأَتْبَاعه وأمرائه وعدتهم اثْنَان وَسَبْعُونَ أَمِيرا ووصلوا إِلَى عانة والحديثة وعادوا،
وَبعد ذَلِك دخل الحلبيون إِلَى بلد الأرمن مَرَّات وغنموا، وَفِي الْمرة الرَّابِعَة كمن لَهُم الفرنج والأرمن وَخَرجُوا عَلَيْهِم فَقتلُوا من الْمُسلمين وأسروا.
وفيهَا: وصل كتاب إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ إِلَى دمشق بغزوة عَظِيمَة وَقعت فِي الْمغرب فِي الْعَام الْمَاضِي وَذَلِكَ أَن جَيْشًا من الرّوم يعسر إحصاؤه وَيبعد استقصاؤه حشد عَلَيْهِم وَأَقْبل إِلَيْهِم، وناهيك من جَيش اشْتَمَل على خَمْسَة وَعشْرين سُلْطَانا ووصلوا إِلَى غرناطة قَرِيبا من جبل البيرة فملأوا الْبَسِيط وَالله من ورائهم مُحِيط، وَلما استقروا هُنَاكَ أَيقَن الْمُسلمُونَ بِالْهَلَاكِ، ثمَّ أغارت سَرِيَّة من الْجَيْش على ضَيْعَة فَخرج إِلَيْهِم جملَة من فرسَان الأندلس الرُّمَاة ومنعوهم وتبعوهم اللَّيْل كُله فاستأصلوهم بِالْقَتْلِ والأسر، وَكَانَ ذَلِك أول النَّصْر، وَأصْبح النَّاس يَوْم الِاثْنَيْنِ الْمُبَارك على الْمُسلمين وعزموا على الْخُرُوج لأعداء الله يَوْم عيدهم وَكَانَ الرَّابِع وَالْعِشْرين من حزيران فَلَو علم وَزِير سلطانهم بذلك حذرهم غضب السُّلْطَان عَلَيْهِم بالتشعيث عَلَيْهِ فِي عيده فَنزل الْمُسلمُونَ عَن خيلهم متضرعين إِلَى الله عالية أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ والضجيج.
وَعند ذَلِك ركب الرّوم جمعا ومالوا على الْمُسلمين مَيْلَة شنعاء فَمَا رَاع الْمُسلمين بِحَمْد الله حَالهم {وَإِذ يوحي رَبك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعكُمْ فثبتوا الَّذين آمنُوا سألقي فِي قُلُوب الَّذين كفرُوا الرعب} فَلَمَّا رأى أَعدَاء الله الْمُسلمين قد ثبتوا توقفوا وبهتوا وَخرج من الْفَرِيقَيْنِ فرسَان ثمَّ مَال الْمُسلمُونَ على أَعدَاء الله يقتلُون فيهم كَيفَ شاؤا من السَّاعَة السَّابِعَة إِلَى الْغُرُوب، وَفِي اللَّيْل ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض وهرب بَعضهم من بعض وَغَابَ الْمُسلمُونَ فِي تقتيلهم ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ داموا شهرا ينتهبونهم بِالْقَتْلِ والأسر، وَخرج أهل غرناطة إِلَيْهِم فغنموا مَا لَا يُحْصى وأسروا الجم الْغَفِير من رجال وَنسَاء وَأَوْلَاد وَبَقِي الْمُسلمُونَ يجيؤن مَوَاضِع الْجَيْش نَحوا من عشرَة أَيَّام ويحمدون الله على هَذَا النَّصْر الَّذِي مَا طمعوا بِبَعْضِه وحزر الحذاق عدَّة الْقَتْلَى بِخَمْسِينَ ألفا أَو سِتِّينَ ألفا، ووقعوا فِي وَاد فَقتل مِنْهُم مثل ذَلِك ومزقوا كل ممزق، وَوجد الْمُلُوك الْخَمْسَة وَالْعشْرُونَ وَمِنْهُم الْملك الْكَبِير مقتولين بالمحلة فلعب النَّاس بجيفهم وعلقوا على بَاب غرناطة، وَكَانَ قوت الأسرى الَّذين أَسرُّوا مِنْهُم كل يَوْم بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم، وَزعم النَّاس أَن الْفَيْء من الذَّهَب وَالْفِضَّة كَانَ سبعين قِنْطَارًا، وَأما الدَّوَابّ وَالْعدَد فشيء لَا يُوصف، وَبَقِي البيع فِي الْأُسَارَى وَالدَّوَاب سِتَّة أشهر ومل النَّاس من طول البيع وَجُمْلَة فرسَان الْمُسلمين فِي ذَلِك الْيَوْم أَلفَانِ وَخَمْسمِائة فَارس لم يستشهد مِنْهُم سوى أحد عشر رجلا فَلَا يجزع جَيش من قلَّة وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله.
وفيهَا: وَقع بالديار المصرية مرض كثير قل أَن سلمت مِنْهُ دَار وغلت الْأَدْوِيَة وَكَانَ الْمَوْت قَلِيلا.
وفيهَا: فِي رَجَب عقد لِابْنِ تَيْمِية بِدِمَشْق مجْلِس بدار السَّعَادَة وعاتبوه بِمَسْأَلَة الطَّلَاق وحبسوه بالقلعة.
وفيهَا: فِي شعْبَان توفّي الشَّيْخ الأديب شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سِبَاع الصَّائِغ، كَانَ فَاضلا يقرى الْأَدَب فِي دكانة، شرح الدريدية جيدا وَشرح ملحمة الْإِعْرَاب وقصيدة ابْن الْحَاجِب فِي الْعرُوض، وَله قصيدة تائية ألفا بَيت ذكر فِيهَا الْعُلُوم والصنائع.
وَمَا أحسن قَوْله:
(يَا ذَا الَّذِي لولاه مَا حركت
…
يَد الْهوى من باطني سَاكِنا)
(رفقا بقلب لم يزل خافقاً
…
وَأَنت مَا زلت بِهِ سَاكِنا)
وفيهَا: أمسك علم الدّين الجاولي بغزة وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَ قد تهَيَّأ لِلْحَجِّ وهيأ طَعَاما كثيرا وَغَيره.
وَفِيه: أريقت الْخُمُور فِي خَنْدَق قلعة الْمَدِينَة السُّلْطَانِيَّة وأحرقت الظروف وَذَلِكَ أَنه وَقع ثمَّ برد كبار وزن الْبردَة ثَمَانِيَة عشرَة درهما مواشي وأعقبه سيل مخوف فَسَأَلَ أَبُو سعيد الْفُقَهَاء عَن سَببه فَقَالُوا من الظُّلم وَالْفَوَاحِش فَأبْطل الحانات فِي مَمْلَكَته وأبطل مسك الْغلَّة.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة توفّي قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين عمر بن العديم وَدفن بالْمقَام، وَنقل ابْنه قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد من قَضَاء حماه إِلَى حلب عوضا عَنهُ.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة: فِيهَا أهْدى أَبُو سعيد إِلَى السُّلْطَان صناديق ودقيقاً وجمالاً وتحفاً.
وفيهَا: أخرج الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية من القلعة بعد الْعَصْر بمرسوم السُّلْطَان وَمُدَّة إِقَامَته فِي القلعة خَمْسَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا.
وفيهَا: فِي شهر ربيع الآخر حفر السُّلْطَان حفيراً قرب بَحر النّيل، وَكَانَ جواره كَنِيسَة فَأَرَادَ هدمها فَلَمَّا شرعوا فِي هدمها قَامَ الصَّوْت فِي الْقَاهِرَة ومصر بهدم الْكَنَائِس فَلم يبْق بِمصْر والقاهرة كَنِيسَة حَتَّى حاصروها، مِنْهَا مَا هدم، وَمِنْهَا مَا نهب وَمِنْهَا مَا لم يصلوا إِلَيْهِ فَغَضب السُّلْطَان، واستفتى الْقُضَاة فأفتوه بتعزيزهم فَأخذ جمَاعَة من الْحَبْس فشنق وَقطع أيديا وخزم حَتَّى سكنوا، واختفى النَّصَارَى أَيَّامًا، وَجرى ذَلِك فِي الفيوم وأحرقوا الْأَمْوَات المدفونين فِي كنائسها.
وَفِيه: أمسك سيف الدّين جوبان أحد أُمَرَاء دمشق وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة لسوء مُرَاجعَته للنائب وَعُوتِبَ بِالْقَاهِرَةِ وَأعْطِي خَبرا يَلِيق بِهِ.
وَفِيه: وَقع بِالْقَاهِرَةِ حريق عَظِيم أتلف أملاكاً وأتعب النَّاس حَتَّى أطفئ ثمَّ فِي الْغَد وَقع حريق أعظم مِنْهُ فِي وضع آخر وَقرب من دَار كريم الدّين فَنزل الْأُمَرَاء والنائب من القلعة خوفًا على دَار كريم الدّين لكَونهَا خزانَة الْمُسلمين وأحرقوا بهَا حَتَّى أطفئت وتوالى الْحَرِيق بِالْقَاهِرَةِ وتحير السُّلْطَان والرعية لَهُ، وتتبع ذَلِك فَقيل: أَنه وجد بعض النَّصَارَى وَمَعَهُ آلَة الْحَرِيق كالنفط وَغَيره، فَأخذُوا وعرضوا على السُّلْطَان فَذكر بَعضهم أَن القسيسين
اتَّفقُوا على هَذَا بِسَبَب مَا حصل من التَّعَرُّض إِلَى كنائسهم وَأَنَّهُمْ رتبوا أَرْبَعِينَ نفسا من النَّصَارَى يلقون النَّار فِي بيُوت المسليمن ومساجدهم فَحرق بَعضهم.
ثمَّ أَن جمعا قصدُوا كريم الدّين وهجموا عَلَيْهِ بِالْحِجَارَةِ فهرب مِنْهُم فَأمْسك السُّلْطَان جمَاعَة من الْمُسلمين وَقطع أَيدي أَرْبَعَة وَقيد جمَاعَة، ثمَّ نُودي على النَّصَارَى أَن يخرجُوا بالثياب الزرق والعمائم الزرق وَأَن يَجْعَل الجرس فِي أَعْنَاقهم فِي الْحمام ويركبوا عرضا وَلَا يستخدموا فِي ديوَان، فَعِنْدَ ذَلِك خف الإحراق بعد أَن كَانَ أمرا عَظِيما، وَكم سقط بِهِ دَار وَكم خرج مِنْهُ حَرِيم مكشفات حَتَّى قنت النَّاس لَهُ فِي الصَّلَوَات، وَأَعدُّوا الدنان مملؤءة مَاء فِي الْأَسْوَاق فَالله يهْلك أَعدَاء الْإِسْلَام.
وَأخْبر ابْن الأيدمري أَن لَهُ ربعا وَقعت فِيهِ النَّار تسعا وَعشْرين مرّة، وَنسب ذَلِك إِلَى النَّصَارَى فَأمْسك مِنْهُم جمَاعَة فأقروا بذلك فَأحرق مِنْهُم خَمْسَة وَضرب عنق سادس وَأسلم مِنْهُم جمَاعَة، وَسَار كل نَصْرَانِيّ يظْهر بِالْقَاهِرَةِ يضْرب وَرُبمَا قتل والحريق لم يَنْقَطِع بِالْكُلِّيَّةِ.
وَفِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة أمسك نصرانيان من الْغُرَمَاء وصلباً وسمرا وطيف بهما على جملين بِالْقَاهِرَةِ ومصر.
قلت:
(عدمتكم نَصَارَى مصر كفوا
…
فكم آذيتمونا من طَرِيق)
(حريق النَّار قد عجلتموه
…
فأجلنا لكم نَار الْحَرِيق)
وفيهَا: فِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة ورد كتاب من بَغْدَاد مؤرخ بالحادي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة، وَفِيه إِنَّه جرى بِبَغْدَاد شَيْء مَا جرى من زمَان الْخَلِيفَة إِلَى الْآن وَذَلِكَ أَنهم خربوا البازار من أَوله إِلَى آخِره وَمَا يعلم مَا غرموا عَلَيْهِ إِلَّا الله تَعَالَى مَا تركُوا بِالْبَلَدِ خاطئة إِلَّا توبوها وزوجوها وارقوا الشَّرَاب وَمنعُوا النَّاس من الْعصير وَنُودِيَ أَن من تخلف عِنْده شَيْء من الشَّرَاب حل مَاله وَدَمه للسُّلْطَان فطلع بعد ذَلِك عِنْد شخص جرة فَقَتَلُوهُ، وَعند آخر جرتان فَقطعُوا رَأسه وَعَلمُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بالعلائم وَأسلم جمَاعَة، وَفِي كل يَوْم جُمُعَة يسلم جمع وَللَّه الْحَمد.
وفيهَا: فِي تَاسِع عشْرين رَجَب خربَتْ الْكَنِيسَة الْمَعْرُوفَة بالقرايين من الْيَهُود بِدِمَشْق، واجتهد الْمُسلمُونَ فِي هدمها وَالْيَهُود فِي إبقائها، وَأثبت الْيَهُود عِنْد بعض الْقُضَاة أَنَّهَا قديمَة، وَأثبت الْمُسلمُونَ أَنَّهَا محدثة وتألم الْمُسلمُونَ فَأَعَانَ الله وَأذن بهدمها، وَكَانَ مبدؤها بَيْتا صَغِيرا فوسعت وَكَانَت فِي دَاخل درب الفواخير غَالب أهل الْيَهُود.
وفيهَا: فِي رَمَضَان أُقِيمَت الْجُمُعَة بالجامع الكريمي بالقابون، وحضرها الْقُضَاة الْأَرْبَعَة.
وفيهَا: أغار نَائِب الرّوم تمرتاش بن جوبان على بِلَاد سيس فخرب وَحرق وَنهب