الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَنَفِيّ بحماه نَائِبا عَن قاضيها جمال الدّين عبد الله بن العديم حَسْبَمَا تقدم ذكره.
كَانَ فَاضلا فِي النَّحْو وَالْعرُوض، وَله نظم حسن ولهج فِي آخر وقته بمدائح الرَّسُول صلى الله عليه وسلم َ -.
وَفِيه: ورد الْخَبَر إِلَى حلب أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَليّ بن السُّبْكِيّ تولى قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق المحروسة بعد أَن حدث الْخَطِيب بدر الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي جلال الدّين نَفسه بذلك وَجزم بِهِ وَقبل الهناء فَقَالَ فِيهِ بعض أهل دمشق:
(قد سبك السُّبْكِيّ قلب الْخَطِيب
…
فعيشه من بعْدهَا مَا يطيب)
وَفِيه " طلب القَاضِي جمال الدّين سُلَيْمَان بن رَيَّان عَليّ البردي من حلب إِلَى دمشق لمباشرة نظر الجيوش بِالشَّام وَاسْتمرّ بِدِمَشْق إِلَى أَن نكب تنكز كَمَا سَيَأْتِي فعزل بالتاج إِسْحَاق ثمَّ حضر إِلَى حلب وَأقَام بداره بالْمقَام.
وفيهَا: فِي شعْبَان قدم الْأَمِير الْفَاضِل صَلَاح الدّين يُوسُف الدواتدار شادا بالمملكة الحلبية.
وفيهَا: فِي رَمَضَان ورد الْخَبَر أَن الْأَمِير سيف الدّين أَبَا بكر البانيري بَاشر النِّيَابَة بقلعة الرحبة، وَهُوَ الَّذِي كَانَ تولى تَجْدِيد عمَارَة جعبر كَمَا تقدم فَقَالَ فِيهِ بعض النَّاس:
(يَا باذلاً فِي جعبر جهده
…
مَا خيب السُّلْطَان مسعاكاً)
(عوضك الرحبة عَن ضيق مَا
…
قاسيت قد أفرحنا ذاكاً)
(فضاجع البق وناموسها
…
لَوْلَا ضجيعاك لزرناكا)
وَفِيه: شرع نَائِب الشَّام تنكز فِي الرُّجُوع من متصيدة بالمملكة الحلبية وَكَانَ قد حضر إِلَيْهَا فِي شعْبَان وَمَعَهُ صَاحب حماه الْملك الْأَفْضَل وحريم وحظايا وحشم وحمام وَلحق الفلاحين والرعية بذلك كلفة وضرر كَبِير وَاجْتمعَ نَائِب الشَّام وَصَاحب حماه على إِعَادَة بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن الحمص رامي البندق الْمَشْهُور إِلَى مَنْزِلَته من الرماية بعد أَن كَانَ قد أسقط على عَادَتهم وأسقطوا من كَانَ أسْقطه، وَاجْتمعت أَنا بِابْن الحمص الْمَذْكُور بحلب فَسَأَلته أَن يريني شَيْئا من حذفة فِي البندق فَرمى إِلَى حَائِط فَكتب عَلَيْهِ بالبندق مَا صورته مُحَمَّد بن عَليّ بِخَط جيد ثمَّ أَمر غُلَامه فَصَارَ الْغُلَام يَرْمِي بندقاً إِلَى الجو وَهُوَ يتلقاه فَيُصِيبهُ فِي سرعَة على التوالي فجَاء من ذَلِك بالعجب العجيب.
وَفِيه: نَادَى مُنَاد فِي جَامع حلب وأسواقها وقدامه شاد الْوَقْف بدر الدّين يتليك الأسندمري من أُمَرَاء العشرات بِمَا صورته معاشر الْفُقَهَاء والمدرسين والمؤذنين وأرباب وظائف الدّين قد برز المرسوم العالي أَن كل من انْقَطع مِنْكُم عَن وظيفته وغمز عَلَيْهِ يستأهل مَا يجْرِي عَلَيْهِ، فَانْكَسَرت لذَلِك قُلُوب الْخَاص وَالْعَام وَعظم بِهِ تألم الْأَنَام وَظهر مشد الْوَقْف الْمَذْكُور عَن بغض وعناد لأهل الْعلم وَالدّين فَوَقع مِنْهُ يَوْم عيد الْفطر كلمة قبيحة أَقَامَت عَلَيْهِ النَّاس أَجْمَعِينَ وَعقد لَهُ بدار الْعدْل يَوْم الْعِيد مجْلِس مشهود وأفتينا بتجديد
إِسْلَامه وعزله وضربه وَهُوَ مَمْدُود وَنُودِيَ عَلَيْهِ فِي الْمَلأ جَزَاء وفَاقا، وقطعنا أَن لُحُوم الْعلمَاء مَسْمُومَة اتِّفَاقًا وَلَوْلَا شَفَاعَة الشَّافِعِي فِيهِ لدخل نَار مَالك بِمَا خرج من فِيهِ، وَلَو كَانَ برا لما خَاص هَذَا الْبَحْر ولجمع قلبه ومذبحه بَين الْفطر والنحر وَبِالْجُمْلَةِ فقد ذاق مرَارَة الْقَهْر والقسر فَإِن نداءه الَّذِي انْكَسَرَ بِهِ الْقلب بِهِ الْكسر.
وفيهَا: فِي تَاسِع شَوَّال وصل إِلَى حلب قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عمر بن شرف الدّين مُحَمَّد بن البلفيائي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي وباشر الحكم من يَوْمه وَخرج النَّائِب والأكابر لتلقيه وسر بِهِ النَّاس لما سمعُوا من ديانته بعد شغور المنصب نَحْو عشرَة أشهر من حَاكم شَافِعِيّ.
وفيهَا: حج الْأَمِير سيف الدّين بشتك الناصري من مصر وَأنْفق فِي الْحَج أَمْوَالًا عَظِيمَة، وَكَانَ صحبته على مَا بلغنَا سِتّمائَة راوية وَتكلم النَّاس فِي الْقَبْض عَلَيْهِ عِنْد عوده بِمَدِينَة الكرك فَمَا أمكن ذَلِك وَدخل مصر وَصعد القلعة فَتَلقاهُ السُّلْطَان بِالْحُسْنَى.
ثمَّ دخلت سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي الْمحرم ورد الْخَبَر بوفاة الشَّيْخ علم الدّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف البرز إِلَى الْمُحدث الدِّمَشْقِي بخليص مرِيدا لِلْحَجِّ رَحمَه الله تَعَالَى.
كَانَ حسن الْأَخْلَاق كثير الموافاة للنَّاس محبوباً إِلَيْهِم، وَله تصانيف فِي الحَدِيث والتاريخ والشروط، وَكَانَ حسن الْأَدَاء كثير الْبكاء فِي حَال قِرَاءَة الحَدِيث فصيحاً رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي الْمحرم بلغنَا شنق ابْن الْمُؤَيد شرف الدّين أبي بكر الْوَاعِظ الْمُحْتَسب نَائِب الْوكَالَة باللاذقية خَافُوا بطرابلس من طول لِسَانه واتصاله بأعيان المصريين وَقَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بِأَلْفَاظ تَقْتَضِي إنحلال العقيدة، فحملوا عبد الْعَزِيز الْمَالِكِي قَاضِي القدموس على الحكم بقتْله، وشارك فِي واقعته القَاضِي جلال الدّين عبد الْحق الْمَالِكِي قَاضِي اللاذقية فتعب القاضيان بجريرته وقاسياً شَدَائِد.
وفيهَا: فِي صفر وَردت الْبشَارَة بِقَبض الْملك النَّاصِر على النشو شرف الدّين القبطي الأَصْل، وَإنَّهُ وأخاه رزق الله تَحت الْعقُوبَة، ثمَّ قتل أَخُوهُ نَفسه وَأوقدت لهلاكهما الشموع بِالْقَاهِرَةِ، كَانَ النشو قد قهر أهل الْقَاهِرَة وَبَالغ فِي الطرح والمصادرة، فعظمت بِهِ الْمُصِيبَة وَقتل خلقا تَحت الْعقُوبَة فَأتى النَّاس فِي هَلَاكه بيُوت الْمَسْأَلَة من أَبْوَابهَا، وَبنت الْأَوْتَاد نظم الدَّعْوَات على أَسبَابهَا وطلبوا لبحر ظلمه المديد من الله خبْنا وبتراً فدارت الدَّوَائِر عَلَيْهِ بِهَذِهِ الفاصلة الْكُبْرَى.
قلت:
(النشو لَا عدل وَلَا معرفَة
…
قد آن للأقدار أَن تصرفه)
(من أتلف النَّاس وَأَمْوَالهمْ
…
يحِق للسُّلْطَان أَن يتلفه)
وَفِيه: قدم الْأَمِير المكاص الغشوم المشوم (لُؤْلُؤ القندشي) إِلَى حلب منفياً من مصر بِلَا إقطاع.
وَفِيه: عزل قَاضِي الْقُضَاة بحلب زين الدّين عمر البلفيائي عَنْهَا لوحشه جرت بَينه وَبَين طرغاي نَائِب حلب فكاتب فِيهِ فعزل وَهُوَ فَقِيه كَبِير متقصد فِي المأكل والملبس.
قلت:
(كَانَ وَالله عفيفاً نزهاً
…
وَله عرض عريض مَا اتهمَ)
(وَهُوَ لَا يدْرِي مداراة الورى
…
ومداردا الورى أَمر مُهِمّ)
وفيهَا: فِي ربيع الأول عزل الْأَمِير صَلَاح الدّين يُوسُف بن الأسعد الدواتدار عَن الشد على المَال وَالْوَقْف بحلب وَنقل إِلَى طرابلس ضَاقَ طرغاي من جيرته فَعمل عَلَيْهِ، وَكَانَ قد عزم على تَحْرِير الْأَوْقَاف بحلب فَمَا قدر.
قلت:
(لقد قَالَت لنا حلب مقَالا
…
وَقد عزم المشد على الرواح)
(إِذا عَم الْفساد جَمِيع وقفي
…
فَكيف أكون قَابِلَة الصّلاح)
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة ولي القَاضِي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن خَلِيل بن إِبْرَاهِيم الرَّسْعَنِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب بذل لطوغاي نائبها مَالا، فكاتب فِي ولَايَته وَهُوَ أول من بذل فِي زَمَاننَا على الْقَضَاء بحلب، وَكَانَ الْقُضَاة قبله يخطبون ويعطون من بَيت المَال حَتَّى يلوا وَلذَلِك لم يُصَادف رَاحَة فِي ولَايَته.
ويعجبني قَول الْقَائِل:
(فلَان لَا تحزن إِذا
…
نكبت واعرف مَا السَّبَب)
(فَمَا تولى حَاكم
…
بِفِضَّة إِلَّا ذهب)
وفيهَا: توفّي طقتمر الخازن نَائِب قلعة حلب، كَانَت تصدر مِنْهُ فِي الدّين أَلْفَاظ مُنكرَة وَاشْترى قبل وَفَاته دَارا عِنْد مدرسة الشاذبخت وَعمل فِيهَا تصاوير وَكثر الطعْن عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا
قلت:
(مَا حل فِيهَا زحل
…
إِلَّا لنحس المُشْتَرِي)
(فانعدمت صورته
…
من شُؤْم تِلْكَ الصُّور)
وَخلف مَالا طائلاً.
وفيهَا: فِي شعْبَان توفّي الْخَلِيفَة أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان المستكفي بِاللَّه فِي قوص، وَقد تقدم إِنَّه أخرج إِلَى الصَّعِيد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وخلافته تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَللَّه قولي على لِسَانه مثلي يعِيش بِالْمَوْتِ ويبلغ المنى بالفوت إِلَى كم لَهُم العيشة الرّطبَة ولي مُجَرّد الْخطْبَة فَلهم الْملك الصَّرِيح ولسليمان الرّيح.
(أَحْمد الله الَّذِي جنبني
…
كلف الْملك وأمراً صعباً)
(لم أجد للْملك مَاء صافياً
…
فَتَيَمَّمت صَعِيدا طيبا)
وفيهَا: بعد موت المستكفي بوبع بالخلافة أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن أَخ المستكفي.
وفيهَا: كَانَ الْحَرِيق بِدِمَشْق وَذَهَبت فِيهِ أَمْوَال ونفوس واحترقت المنارة الشرقية والدهشة وقيسارية القواسين وتكرر وأقرت طَائِفَة من النَّصَارَى بِدِمَشْق بِفِعْلِهِ فصلب تنكز مِنْهُم أحد عشر رجلا ثمَّ وسطوا بعد أَن أَخذ مِنْهُم ألف ألف دِرْهَم وَأسلم نَاس مِنْهُم وبيعت بنت الملين بِمَال كثير فاشتراها تنكز وعملت المقامة الدمشقية فِي هَذَا الْمَعْنى، وسميتها صفو الرَّحِيق فِي وصف الْحَرِيق، وختمتها بِقَوْلِي:
(وعادت دمشق فَوق مَا كَانَ حسنها
…
وأمست عروساً فِي جمال مُجَدد)
(وَقَالَت لأهل الْكفْر موتوا بغيطكم
…
فَمَا أَنا إِلَّا للنَّبِي مُحَمَّد)
(وَلَا تَذكرُوا عِنْدِي معابد دينكُمْ
…
فَمَا قصبات السَّبق إِلَّا لمعبد)
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة بَاشر القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب شرف الدّين يَعْقُوب كِتَابَة السِّرّ بحلب وسررنا بِهِ.
وَفِيه قبض على تنكز نَائِب الشَّام وَأهْلك بِمصْر رسم السُّلْطَان لطشتمر حمص أَخْضَر وَكَانَ نَائِبا بصفد أَن يَأْتِيهِ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَيقبض عَلَيْهِ وَمَا أشبه تمكنه عِنْد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر إِلَّا بِجَعْفَر عِنْد الرشيد والرشيد أضمر إهلاك جَعْفَر سِتّ سِنِين حَتَّى قَتله وَالْملك النَّاصِر أضمر إهلاك تنكز عشر سِنِين وَهُوَ يخوله ويعظمه وينعم عَلَيْهِ وَفِي قلبه لَهُ مَا فِيهِ حَتَّى قبض عَلَيْهِ.
وَكَانَ تنكز عَظِيم السطو شَدِيد الْغَضَب قتل خلقا مِنْهُم عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مزروع الفوعي نَائِب فحليس بِدِمَشْق وَعلي بن مقلد حَاجِب الْعَرَب والأمير حَمْزَة رَمَاه بالبندق ثمَّ أهلكه سرا وَغَيرهم.
وَله بِدِمَشْق والقدس وَغَيرهمَا آثَار حَسَنَة وأوقاف، وَقتل أَكثر الْكلاب بِدِمَشْق ثمَّ حبس الْبَاقِي، وَحَال بَين أناثها وذكورها، وَلما استوحش من السُّلْطَان عزم على نكثه من جِهَة التتر وَأخذ السُّلْطَان من أَمْوَاله مَا يفوت الْحصْر، زعم بَعضهم أَنه يُقَارب مَال قَارون وَكَانَ قبل ذَلِك قد تبرم من نقيق الضفادع فأخرجها من المَاء، فَقَالَ بعض النَّاس فِيهِ:
(تنكر تنكز بِدِمَشْق تيهاً
…
وَذَلِكَ قد يدل على الذّهاب)
(وَقَالُوا للضفادع ألف بشرى
…
بميتته فَقلت وللكلاب)
" تولى دمشق بعده الطنبغا " الْحَاجِب الصَّالِحِي، كَانَ تنكز قد سعى عَلَيْهِ حَتَّى نقل من نِيَابَة حلب إِلَى نِيَابَة غَزَّة فأورثه الله أرضه ودياره.
وفيهَا: بعد حاديثة تنكز عُوقِبَ أَمِين الْملك عبد الله الصاحب بِدِمَشْق، واستصفى مَاله وَمَات تَحت الْعقُوبَة، قبْطِي الأَصْل، وَكَانَ فِيهِ خير وَشر ووزر بِمصْر ثَلَاث مَرَّات.
وَفِيه يَقُول صاحبنا الشَّيْخ جمال الدّين بن نباتة الْمصْرِيّ:
(لله كم حَال أمرئ مقتر
…
قضيت فِي الْقُدس بتنفيسه)
(كم دِرْهَم ولي وَلكنه
…
قد أَخذ الْأجر على كيسه)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا:
(رَوَت عَنْك أَخْبَار الْمَعَالِي محَاسِن
…
كفت بِلِسَان الْحَال عَن لسن الْحَمد)
(فوجهك عَن بشر وكفك عَن عطا
…
وخلقك عَن سهل ورأيك عَن سعد)
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي الْمحرم وسط بِدِمَشْق (طغية وجنغية) من أَصْحَاب تنكز وَكَانَا ظالمين.
وفيهَا: عزل طرغاي، عَن حلب وَكَانَ على طمعه يُصَلِّي وَيَتْلُو كثيرا.
وفيهَا: توفّي الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد بن تَمام زاهد الْوَقْت بِدِمَشْق.
وَتُوفِّي الْملك أنوك بن الْملك النَّاصِر وَكَانَ عَظِيم الشكل.
وفيهَا: ضربت رَقَبَة عُثْمَان الزنديق بِدِمَشْق على الألحاد والباجر بَقِيَّة سمع مِنْهُ من الزندقة مَا لم يسمع من غَيره لَعنه الله.
وَتُوفِّي الْأَمِير صَلَاح الدّين يُوسُف بن الْملك الأوحد، وَكَانَ من أكَابِر أُمَرَاء دمشق وَمن بقايا أجواد بني شيركوه، وَكَانَ تنكز على شممه بِدِمَشْق ينزل إِلَى ضيافته كل سنة فينفق على ضِيَافَة تنكز نَحْو سِتِّينَ ألف دِرْهَم.
وفيهَا توفّي السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن الْملك الْمَنْصُور قلاوون الصَّالِحِي رَحمَه الله تَعَالَى وَله سِتُّونَ سنة بعد أَن خطب لَهُ بِبَغْدَاد وَالْعراق وديار بكر والموصل وَالروم، وَضرب الدِّينَار وَالدِّرْهَم هُنَاكَ باسمه كَمَا يضْرب لَهُ بِالشَّام ومصر، وَحج مَرَّات وَحصل لقلوب النَّاس بوفاته ألم عَظِيم فَإِنَّهُ أبطل مكوساً، وَكَانَ يستحيي أَن يخيب قاصديه، وأيامه أَمن وسكينة وَبنى جَوَامِع وَغَيرهَا لَوْلَا تسليط لُؤْلُؤ والنشو على النَّاس فِي آخر وقته وعهد لوَلَده السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور أبي بكر فَجَلَسَ على الْكُرْسِيّ قبل موت وَالِده، وَضربت لَهُ البشائر فِي الْبِلَاد.
ولي من تهنئة وتعزية فِي ذَلِك.
(مَا أَسَاءَ الدَّهْر حَتَّى أحسنا
…
رق فاستدرك حزنا بهنا)
(بَيْنَمَا البأساء غمت من هُنَا
…
وَإِذا النعماء عَمت من هُنَا)
(فَبِحَق أَن يُسمى محزنا
…
وبصدق حِين يدعى محسنا)
(فلئن أوحشنا بدر السما
…
فَلَقَد آنسنا شمس السنا)
(علما أبدله من علم
…
ظَاهر الْأَعْرَاب مَرْفُوع الْبَنَّا)
(فجزى الله بِخَير من نأى
…
وَوُقِيَ من كل ضير من دنا)
أجل وَالله لقد الدَّهْر وَأحسن وأهزل وأسمن وأحزن وسر وعق وبر إِذْ أصبح الْملك وَبَاعه بفقد النَّاصِر قَاصِر قد ضعف أَرْكَانه وَمَات سُلْطَانه فَمَا لَهُ من قُوَّة وَلَا نَاصِر فأمسى
بِحَمْد الله وَقد مَلأ الْقُصُور بالمنصور سُرُورًا وأطاعه الدَّهْر وَأَهله فَلَا يسرف فِي الْقَتْل إِنَّه كَانَ منصوراً.
وفيهَا: ورد إِلَى حلب زَائِرًا صاحبنا (التَّاج الْيَمَانِيّ) عبد الْبَاقِي بن عبد الْمجِيد بن عبد الله النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ الْكَاتِب الْعَرُوضِي الشَّاعِر المنشي وَجَرت مَعَه بحوث مِنْهَا مَسْأَلَة نفيسة وَهِي مَا لَو قَالَ لَهُ عِنْدِي اثنى عشر درهما وسدساً كم يلْزمه؟ فاستبهمت هَذِه الْمَسْأَلَة على الْجَمَاعَة فيسر الله لي حلهَا فَقلت: يلْزمه سَبْعَة دَرَاهِم إِذْ الْمَعْنى اثنى عشر درهما وأسداساً فَيكون النّصْف دَرَاهِم وَهِي سِتَّة دَرَاهِم وَالنّصف أسداساً وَهِي سِتَّة أَسْدَاس بدرهم فَهَذِهِ سَبْعَة، وَلَو قَالَ اثْنَي عشر درهما وربعاً لزمَه سَبْعَة وَنصف، وَلَو قَالَ اثْنَي عشر درهما وَثلثا لزمَه ثَمَانِيَة أَو وَنصفا فتسعة وَهَكَذَا.
وَمِمَّا أَنْشدني لنَفسِهِ قَوْله:
(تجنب أَن تذم بك اللَّيَالِي
…
وحاول أَن يذم لَك الزَّمَان)
(وَلَا تحفل إِذا كلمت ذاتاً
…
أصبت الْعِزّ أم حصل الهوان)
وَقَوله:
(بخلت لواحظ من أَتَانَا مُقبلا
…
بسلامها ورموزهن سَلام)
(فعذرت نرجس مقليته لِأَنَّهَا
…
تخشى العذار فَإِنَّهُ نمام)
وفيهَا: نقل طشتمر حمص أَخْضَر من نِيَابَة صفد إِلَى نِيَابَة حلب.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة وصل إِلَى حلب الْفِيل والزرافة جهزهما الْملك النَّاصِر قبل وَفَاته لصَاحب ماردين.
وفيهَا: فتح الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الزراق وَمَعَهُ بعض عَسْكَر حلب قلعة خندروس من الرّوم كَانَت عاصية وَبهَا أرمن وتتر يقطعون الطرقات.
وفيهَا: صليت بحلب صَلَاة الْغَائِب على الشَّيْخ عز الدّين عبد الْمُؤمن بن قطب الدّين عبد الرَّحْمَن بن العجمي الْحلَبِي توفّي بِمصْر، وَكَانَ عِنْده تزهد وَكتب الْمَنْسُوب.
وفيهَا: توفّي بأياس نائبها الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الغزى، تقدّمت لَهُ نكاية فِي الأرمن وَنقل إِلَى تربته بحلب.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا بَايع السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور أَبُو بكر بن الْملك النَّاصِر (الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله) أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان، كَانَ قد عهد إِلَيْهِ وَالِده بالخلافة فَلم يُبَايع فِي حَيَاة الْملك النَّاصِر فَلَمَّا ولى الْمَنْصُور بَايعه وَجلسَ مَعَه على كرْسِي الْملك وَبَايَعَهُ الْقُضَاة وَغَيرهم.
وفيهَا: فِي صفر توفّي شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ جمال الدّين يُوسُف بن الزكي عبد
الرَّحْمَن بن الْمزي الدِّمَشْقِي بهَا مُنْقَطع القرين فِي معرفَة أَسمَاء الرِّجَال مشاركاً فِي عُلُوم، وَتَوَلَّى مشيخة دَار الحَدِيث بعده قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ.
وفيهَا: فِي صفر خلع السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور أَبُو بكر بن الْملك احْتج عَلَيْهِ قوصون الناصري ولي نعْمَة أَبِيه بحجج وَنسب إِلَيْهِ أموراً وَأخرجه إِلَى قوص إِلَى الدَّار الَّتِي أخرج الْملك النَّاصِر وَالِده الْخَلِيفَة المستكفي إِلَيْهَا جَزَاء وفَاقا، ثمَّ أَمر قوصون وَالِي قوص بهَا وَأقَام فِي الْملك أَخَاهُ الْملك الْأَشْرَف كجك وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين.
فَقلت فِي ذَلِك:
(سلطاننا الْيَوْم طِفْل والأكابر فِي
…
خلف وَبينهمْ الشَّيْطَان قد نزغا)
(وَكَيف يطْمع من مسته مظْلمَة
…
أَن يبلغ السؤل وَالسُّلْطَان مَا بلغا)
وفيهَا: فِي جُمَادَى الآخر جهز قوصون مَعَ الْأَمِير قطلبغا الفخري والناصري عسكراً لحصار السُّلْطَان أَحْمد بن الْملك النَّاصِر بالكرك، وَسَار الطنبغا نَائِب دمشق والحاج أرقطاي نَائِب طرابلس باشارة قوصون إِلَى قتال طشتمر بحلب لكَون طشتمر أنكر على قوصون مَا اعْتَمدهُ فِي حق أَخِيه الْمَنْصُور أبي بكر وَنهب الطنبغا بحلب مَال طشتمر وهرب طشتمر إِلَى الرّوم وأجتمع بِصَاحِب الرّوم ارتنا ثمَّ أَن الفخري عَاد عَن الكرك إِلَى دمشق بعد محاصرة أَحْمد بهَا أَيَّامًا وَبعد أَن استمال النَّاصِر أَحْمد الفخري فَبَايعهُ وَلما وصل الفخري إِلَى دمشق بَايع للناصر من بَقِي من عَسْكَر دمشق الْمُتَأَخِّرين عَن الْمُضِيّ إِلَى حلب صُحْبَة الطنبغا هَذَا كُله والطنبغا وَمن مَعَه بالمملكة الحلبية، ثمَّ سَار الفخري إِلَى ثنية الْعقَاب وَأخذ من مخزن الْأَيْتَام بِدِمَشْق أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم، وَكَانَ الطنبغا قد اسْتَدَانَ مِنْهُ مِائَتي ألف دِرْهَم، وَهُوَ الَّذِي فتح هَذَا الْبَاب.
وَلما بلغ الطنبغا مَا جرى بِدِمَشْق رَجَعَ على عقبه فَلَمَّا قرب من دمشق أرسل الفخري إِلَيْهِ الْقُضَاة وَطلب الْكَفّ عَن الْقِتَال فِي رَجَب فَقَوِيت نفس الطنبغا وَأبي ذَلِك وَطَالَ الْأَمر على الْعَسْكَر فَلَمَّا تقاربوا بَعضهم من بعض لحقت ميسرَة الطنبغا بالفخري ثمَّ الميمنة وَبَقِي الطنبغا والحاج أرقطاي والمرقبي وَابْن الأبي بكر فِي قَلِيل من الْعَسْكَر فهرب الطنبغا وَهَؤُلَاء إِلَى جِهَة مصر فَجهز الفخري وَأعلم النَّاصِر بالكرك، وخطب للناصر أَحْمد بِدِمَشْق وغزة والقدس فَلَمَّا وصل الطنبغا مصر وَهُوَ قوي النَّفس بقوصون قدر الله سُبْحَانَهُ تغير أَمر قوصون وَكَانَ قد غلب على الْأَمر لصِغَر الْأَشْرَف.
فاتفق إيدغمش الناصري أَمِير آخور ويلبغا الناصري وَغَيرهمَا وقبضوا على قوصون ونهبت دياره واختطفت الحرافيش وَغَيرهم من دياره وخزائنه من الذَّهَب وَالْفِضَّة والجواهر والزركش والحشر والسروج والآلات مَا لَا يُحْصى لِأَن قوصون كَانَ قد انتقى عُيُون ذخائر بَيت المَال وَاسْتغْنى من دَار قوصون خلق كثير وَقتل على ذَلِك خلق وَأَرْسلُوا قوصون إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَأهْلك بهَا وقضوا على الطنبغا وحبسوه بِمصْر وَلما بلغ طشتمر بالروم مَا جرى
رَجَعَ من الرّوم إِلَى دمشق فَتَلقاهُ الفخري والقضاة ثمَّ رَحل الفخري وطشتمر إِلَى مصر بِمن مَعَهُمَا.
وفيهَا: فِي شهر رَمَضَان سَافر الْملك النَّاصِر أَحْمد من الكرك فوصل مصر وَعمل أعزية لوالده وأخيه وَأمر بتسمير وَالِي قوص لقَتله الْمَنْصُور.
وخلع الْأَشْرَف كجك الصَّغِير وَجلسَ النَّاصِر على الْكُرْسِيّ هُوَ والخليفة، وَعقد بيعَته قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ، ثمَّ أعدم الطنبغا والمرقبي؟
وفيهَا: كسر حسن بن تمرتاش بن جوبان من التتر طغاي بن سوتاي فِي الشرق وَتَبعهُ إِلَى بلد قلعة الرّوم فاستشعر النَّاس لذَلِك.
وفيهَا: عزل الْملك الْأَفْضَل مُحَمَّد بن السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماه والمعرة وبارين وبلادهن وَنقل إِلَى دمشق من جهلة أمرائها تَغَيَّرت سيرة الْأَفْضَل حَتَّى مَاتَ وَقطعت أَشجَار بستانه وَظهر فِي اللَّيْل من بعض أعقاب أَشجَار الْبُسْتَان الَّتِي قطعت نور فَمَا أَفْلح بعد ذَلِك.
" وَتَوَلَّى نِيَابَة حماه " بعده مَمْلُوك أَبِيه سيف الدّين طقز تمر.
وفيهَا: عزل عَن قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحماه القَاضِي جمال الدّين عبد الله بن القَاضِي نجم الدّين العديم، وَتَوَلَّى مَكَانَهُ القَاضِي تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن الحكم.
وفيهَا: أهلك طاجار الدواتدار وَكَانَ مُسْرِفًا على نَفسه.
وفيهَا: توفّي الْأَفْضَل صَاحب حماه معزولا، وَنقل إِلَى تربته بحماه فَخرج نائبها للقاء تابوته وحزن عَلَيْهِ وَحلف أَنه مَا تولى حماه إِلَّا رَجَاء أَن يردهَا إِلَى الْأَفْضَل مُكَافَأَة لاحسان أَبِيه.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى (توفّي القَاضِي برهَان الدّين) إِبْرَاهِيم الرَّسْعَنِي قَاضِي الشَّافِعِيَّة بحلب، وَكَانَ متعففاً وَيعرف فَرَائض رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى أَيْضا (عُوقِبَ لُؤْلُؤ القندشي) بدار الْعدْل بحلب حَتَّى مَاتَ واستصفى مَاله وشمت بِهِ النَّاس.
قلت:
(ألؤلؤ قد طلمت النَّاس لَكِن
…
بِقدر طلوعك اتّفق النُّزُول)
(كَبرت فَكنت فِي تَاج فَلَمَّا
…
صغرت سحقت سنة كل لولو)
وفيهَا: توفّي الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن الْحَاج أبي بكر أحد الإمراء بحلب، كَانَ من رجال الدِّينَا، وَله مارستان بطرابلس وأرتفع بِهِ الدَّهْر وانخفض وَدفن بتربة فِي جَامع أنشأه بحلب بِبَاب اتطاكية.
وفيهَا: توفّي الْخَطِيب بدر الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي جلال الدّين الْقزْوِينِي خطيب دمشق، وَتَوَلَّى السُّبْكِيّ الخطابة وَجرى بَينه وَبَين تَاج الدّين عبد الرَّحِيم أخي الْخَطِيب المتوفي.
وقائع، وَفِي آخر الْأَمر تعصبت الدماشقة مَعَ تَاج الدّين فاستمر خَطِيبًا.
وفيهَا: فِي شهر رَمَضَان وصل القَاضِي عَلَاء الدّين عَليّ بن عُثْمَان الزرعي الْمَعْرُوف بالقرع إِلَى حلب قَاضِي الْقُضَاة ولاه الطاغية الفخري بالبذل فَاجْتمع النَّاس وحملوا الْمُصحف وتضرروا من ولَايَة مثله فَرفعت يَده عَن الحكم فسافر أَيَّامًا ثمَّ عَاد بكتب فَمَا التفتوا إِلَيْهَا فسافر إِلَى مصر وحلب خَالِيَة عَن قَاض شَافِعِيّ.
وفيهَا: فِي شَوَّال عَم الشَّام ومصر جَراد عَظِيم وَكَانَ أَذَاهُ قَلِيلا.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة وصل إيدغمش الناصري إِلَى حلب نَائِبا بهَا فِي حشمة عَظِيمَة وَأحسن وَعدل وخلع كثير من النَّاس وَأقَام بحلب إِلَى صفر ثمَّ نقل إِلَى نِيَابَة دمشق وتأسف الحلبيون لانتقاله عَنْهُم.
قلت:
(يعرف من تقبله أَرْضنَا
…
من لزم الْأَوْسَط من فعله)
(لَا تقبل المسرف فِي جوره
…
كلا وَلَا المسرف فِي عدله)
وَنقل: طقزتمر من حماه إِلَى حلب مَكَان إيدغمش ودخلها فِي عشرى صفر، وَتَوَلَّى نِيَابَة حماه مَكَانَهُ الْأَمِير الْعَالم علم الدّين الجاولي، ثمَّ نقل الجاولي إِلَى نِيَابَة غَزَّة، وَولي نِيَابَة حماه مَكَان آل ملك، ثمَّ بعد الطنبغا المارداني كل هَذَا فِي مُدَّة يسيرَة وَجرى فِي هَذِه السّنة من تقلبات الْمُلُوك والنواب واضطرابهم مَا لم يجر فِي مئات من السنين.
قلت:
…
(عجائب عامنا عظمت وجلت
…
أعاماً كَانَ أم مِائَتَيْنِ عَاما)
(تصول على الْمُلُوك صيال قَاض
…
قَلِيل الدّين فِي مَال الْيَتَامَى)
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة وصل إِلَى حلب القَاضِي حسام الدّين الغوري قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِمصْر الْوَافِد إِلَيْهَا من قَضَاء بَغْدَاد منفياً من الْقَاهِرَة لما اعتقده فِي الْأَحْكَام ولمعاضدته لقوصون ولسوء سيرته فَإِنَّهُ قَاضِي تتر.
ولي بيتان فِي ذمّ حمام هما:
(حمامكم فِي كل أَوْصَافه
…
يشبه شخصا غير مَذْكُور)
(شَدِيد برد وسخ موحش
…
قَلِيل مَاء فَاقِد النُّور)
فغيرهما بعض النَّاس فَجعل الْبَيْت الأول كَذَا:
(حمامكم فِي كل أَوْصَافه
…
يشبه وَجه الْحَاكِم الغوري)
وتمته بِالْبَيْتِ الثَّانِي على حَاله.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة سَافر السُّلْطَان النَّاصِر أَحْمد إِلَى الكرك وَأخذ من ذخائر بَيت المَال بِمصْر مَا لَا يُحْصى وَصَحب طشتمر والفخري مقيدين فَقَتَلَهُمَا بالكرك قتلة شنيعة
وَيطول الشَّرْح فِي وصف جرْأَة الفخري وإقدامه على الْفَوَاحِش حَتَّى فِي رَمَضَان ومصادرته للنَّاس حَتَّى أَنه جهز من صادر أهل حلب فأراح الله الْعَالم مِنْهُ، وحصن النَّاصِر الكرك وأتخذها مقَاما لَهُ.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي الْمحرم انْقَلب عَسْكَر الشَّام على الْملك النَّاصِر أَحْمد وَهُوَ بالكرك وكاتبوا إِلَى مصر (فَخلع النَّاصِر وأجلس أَخُوهُ السُّلْطَان الْملك إِسْمَاعِيل) على الْكُرْسِيّ بقلعة الْجَبَل واستناب إِلَى ملك.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر حوصر السُّلْطَان أَحْمد بالكرك، وَاحْتج عَلَيْهِ أَخُوهُ الصَّالح بِمَا أَخذ من أَمْوَال بَيت المَال وَحصل بنواحي الكرك غلاء لذَلِك.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة توفّي نَائِب دمشق إيدغمش وَدفن بالقبيبات، وَيُقَال أَن دمشق لم يمت بهَا من قديم الزَّمَان إِلَى الْآن نَائِب سواهُ، وتولاها مَكَانَهُ طقز تمر نَائِب حلب.
وفيهَا: فِي رَجَب وصل الْأَمِير عَلَاء الدّين الطنبغا المارداني نَائِبا إِلَى حلب.
وفيهَا: فِي شهر رَمَضَان توفّي الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْبَاقِي الْيَمَانِيّ الأديب وَقد أناف على السِّتين وَتقدم ذكر وفوده إِلَى حلب رَحمَه الله تَعَالَى وزر بِالْيمن وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال، وَله نظم ونثر كثير وتصانيف.
وفيهَا: فِي شَوَّال خرج الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الأحمدي من مصر بعسكر لحصار الكرك وَكَذَلِكَ من دمشق فحاصروا النَّاصِر بهَا بالنفظ والمجانيق وَبلغ الْخَبَر أُوقِيَّة بدرهم وغلت دمشق لذَلِك حَتَّى أكلُوا خبز الشّعير.
وفيهَا: وصل عَلَاء الدّين القرع إِلَى حلب قَاضِيا للشَّافِعِيَّة وَأول درس أَلْقَاهُ بِالْمَدْرَسَةِ قَالَ فِيهِ: كتاب الطَّهَارَة بَاب الميات فأبدل الْهَاء بِالتَّاءِ فَقلت أَنا للحاضرين: لَو كَانَ بَاب الميات لما وصل القرع إِلَيْهِ وَلكنه بَاب الألوف ثمَّ قَالَ: قَالَ الله تَعَالَى وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عُنُقه مَكَان فِي عقبه فَقلت أَنا: لَا وَالله وَلكنهَا فِي عنق الَّذِي ولاه، فاشتهرت عني هَاتَانِ التنديدتان فِي الْآفَاق.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر عزل الْأَمِير سُلَيْمَان بن مهنا بن عِيسَى عَن إِمَارَة الْعَرَب وولاها مَكَانَهُ الْأَمِير عِيسَى بن فضل بن عِيسَى وَذَلِكَ بعد الْقَبْض على فياض بن مهنا بِمصْر، وَكَانَ سُلَيْمَان قد ظلم وصادر أهل سرمين وربط بعض النِّسَاء فِي الزناجير وهجم عبيده على المخدرات فأغاثهم الله فِي وسط الشدَّة ثمَّ أُعِيد بعد مُدَّة قريبَة إِلَى الْإِمَارَة.
وفيهَا: توفّي بحلب الْأَمِير الطاعن خَفِي السن سيف الدّين يلبصطي التركماني الأَصْل رَأس الميمنة بهَا، وَكَانَ قَلِيل الْأَذَى مَجْمُوع الخاطر.
وفيهَا: توفّي بحلب طنبغا حجى كَانَ جهزه الفخري إِلَيْهَا نَائِبا عَنهُ فِي أَيَّام خُرُوجه
بِدِمَشْق، وَهُوَ الَّذِي جبى أَمْوَالًا من أهل حلب وَحملهَا إِلَى الفخري وَأخذ لنَفسِهِ بَعْضهَا وباء بإثم ذَلِك.
وفيهَا: توفّي بحلب الشَّيْخ كَمَال الدّين المهمازي، كَانَ لَهُ قبُول عِنْد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ووقف عَلَيْهِ حمام السُّلْطَان بحلب وَسلم إِلَيْهِ تربة ابْن قرا سنقر بهَا، وَكَانَ عِنْده تصون ومروءة.
قلت:
(لوفاة الْكَمَال فِي الْعَجم وَهن
…
فَلَقَد أَكْثرُوا عَلَيْهِ التعازي)
(قل لَهُم لَو يكون فِيكُم جواد
…
كَانَ فِي غنية عَن المهمازي)
وفيهَا: فِي رَجَب اعتقل القرع بقلعة حلب معزولا، ثمَّ فك عَنهُ الترسيم وسافر إِلَى جِهَة مصر. وفيهَا: فِي رَجَب توفّي بطرابلس نائبها ملك تمر الْحِجَازِي ووليها مَكَانَهُ طرغاي وَفِيه تولى نِيَابَة حماه يلبغا التجباوي.
وفيهَا: فِي شعْبَان وصل القَاضِي بدر الدّين إِبْرَاهِيم بن الخشاب على قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب فَأحْسن السِّيرَة.
وفيهَا: توفّي بحلب الْحَاج عَليّ بن معتوق الدبيسري وَهُوَ الَّذِي عمر الْجَامِع بِطرف بانقوسا وَدفن بتربته بِجَانِب الْجَامِع.
وفيهَا: توفّي بهادر التُّمُرْتَاشِيّ بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ بعد وَفَاة الْملك النَّاصِر من الْأُمَرَاء الغالبين على الْأَمر.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة: فِيهَا أغارت التركمان مَرَّات على بِلَاد سيس فَقتلُوا ونهبوا وأسروا وشفوا الغليل بِمَا فتكت الأرمن بِبِلَاد قرمان.
وفيهَا: فِي شهر صفر توفّي الْأَمِير عَلَاء الدّين الطنبغا المارداني نَائِب حلب، وَدفن خَارج بَاب الْمقَام، وَله بِمصْر جَامع عَظِيم، وَكَانَ شَابًّا حسنا عَاقِلا ذَا سكينَة.
وفيهَا: مزقنا كتاب فصوص الحكم بِالْمَدْرَسَةِ العصروينة بحلب عقيب الدَّرْس وغسلناه وَهُوَ من تصانيف ابْن عَرَبِيّ تَنْبِيها على تَحْرِيم قنيته ومطالعته.
قلت فِيهِ:
(هذي فصوص لم تكن
…
بنفيسة فِي نَفسهَا)
(أَنا قد قَرَأت نقوشها
…
فصوابها فِي عكسها)
وفيهَا: توفّي بحلب الْأَمِير سيف الدّين بهادر الْمَعْرُوف بحلاوة أحد الْأُمَرَاء بهَا، وَله أثر عَظِيم فِي الْقَبْض على تنكز، وَكَانَ عِنْده ظلم وتوعد أهل حلب بشر كَبِير فأراحهم الله مِنْهُ.
قلت:
(حلاوة مر فَمَا
…
أملحه أَن يدفنا)
(إِلَى البلى مسيرًا
…
وَفِي الثرى مكفنا)
وفيهَا: فِي صفر بلغنَا أَنه توفّي الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن المرحل النَّحْوِيّ الْحَرَّانِي الأَصْل الْمصْرِيّ الدَّار والوفاة، كَانَ متضلعاً من الْعَرَبيَّة وَعِنْده تواضع وديانة، نقلت لَهُ مرّة وَهُوَ بحلب أَن أَبَا الْعَبَّاس ثعلباً أجَاز الضَّم فِي الْمُنَادِي الْمُضَاف والشبيه بِهِ الصَّالِحين للألف وَاللَّام فاستغرب ذَلِك وَأنْكرهُ جدا، ثمَّ طالع كتبه فَرَآهُ كَمَا نقلت، فاستحيا من إِنْكَار ذَلِك مَعَ دَعْوَاهُ كَثْرَة الِاطِّلَاع.
فَقلت:
(من بعد يَوْمك هَذَا
…
لَا تنقل النَّقْل تغلب)
(لَو أَنَّك ابْن خروف
…
مَا كنت عِنْدِي كثعلب)
وفيهَا: فِي ربيع الأول وصل يلبغا التجباوي إِلَى حلب نَائِبا وَهُوَ شَاب حسن، كَانَ الْملك النَّاصِر يمِيل إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مرّة أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم، وَمرَّة مائَة فرس مسومة وغالب مَال تنكز، وَتَوَلَّى نِيَابَة حماه مَكَانَهُ سيف الدّين طقز تمر الأحمدي وَعِنْده عقل وَعدل وَعند يلبغا عفاف عَن مَال الرّعية وسطوة وَحسن أَخْلَاق فِي الْخلْوَة.
وَفِيه: سَافر قَاضِي الْقُضَاة بحلب بدر الدّين إِبْرَاهِيم بن الخشاب إِلَى مصر ذَاهِبًا بِنَفسِهِ عَن مُسَاوَاة القرع وَذَلِكَ حِين بلغه تطلب القرع بحلب، ولاين الخشاب يَد طولى فِي الْأَحْكَام وفن الْقَضَاء متوسط الْفِقْه.
وَفِيه: توفّي سُلَيْمَان بن مهنا أَمِير الْعَرَب، وَفَرح أهل إقطاعه بوفاته وَالْقَاضِي شرف الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود الْحلَبِي كَانَت السِّرّ وَكيل بَيت المَال بِدِمَشْق توفّي بالقدس الشريف، كتب السِّرّ بِالْقَاهِرَةِ للْملك النَّاصِر مُحَمَّد أَولا.
وَفِيه: وصل عسكران من حماه وطرابلس للدخول إِلَى بِلَاد سيس لتمرد صَاحبهَا كندا صطبل الفرنجي ولمنعه الْحمل ومقدم عَسْكَر طرابلس الْأَمِير صَلَاح الدّين يُوسُف الداوندار أَنْشدني بحلب فِي سفرته هَذِه الْبَيْتَيْنِ للْإِمَام الشَّافِعِي قيل أَنَّهُمَا تنفعان لحفظ الْبَصَر:
(يَا ناظري بِيَعْقُوب أُعِيذكُمَا
…
بِمَا استعاذ بِهِ إِذْ خانه الْبَصَر)
(قَمِيص يُوسُف أَلْقَاهُ على بَصرِي
…
بشير يُوسُف فَاذْهَبْ أَيهَا الضَّرَر)
فأنشدت بَيْتَيْنِ لي ينفعان إِن شَاءَ الله تَعَالَى لحفظ النَّفس وَالدّين والأهل وَالْمَال، وهما:
(أمررت كفا سبحت فِيهَا الْحَصَى
…
وروت الركب بِمَاء طَاهِر)
(على معاشي ومعادي وعَلى
…
ذريتي وباطني وظاهري)
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى عَاد الْعَسْكَر المجهز إِلَى بلد سيس وَمَا ظفروا بطائل وَكَانُوا