الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مارستاناً وحمامين متلاصقين وخان سَبِيل فَقَالَ أهل منبج عَنهُ: هتك الْحَرِيم وصان الْحمير، وَالله أعلم.
وفيهَا: وصل الْعَادِل حماه من دمشق فَقَامَ الْمَنْصُور بكلفه كلهَا وَبلغ الظَّاهِر بحلب أَن قَصده محاصرته فلاطفه وَأهْدى إِلَيْهِ، فَوَقع الصُّلْح وانتزعت مُفْردَة المعرة مِنْهُ وَهِي عشرُون ضَيْعَة مُعينَة من بلد المعرة، واستقرت للمنصور وَأخذت مِنْهُ أَيْضا قلعة نجم وسلمت إِلَى الْأَفْضَل، وَكَانَ لَهُ سروج وسميساط وَسلم الْعَادِل حران وَمَا مَعهَا لوَلَده الْأَشْرَف مُوسَى وسيره إِلَى الشرق، وَكَانَ بميافارقين الأوحد بن الْعَادِل، وبقلعة جعبر الْملك الْحَافِظ نور الدّين أرسلان شاه بن الْعَادِل، ثمَّ عَاد الْعَادِل وَأقَام بِدِمَشْق، وَقد انتظم لَهُ ملك الشَّام والشرق ومصر خطْبَة وسكة وَحكما.
وفيهَا: اسْترْجع خوارزم شاه مُحَمَّد بن تكش الْبِلَاد الَّتِي أَخذهَا الغورية من خُرَاسَان.
وفيهَا: توفّي هبة الله بن عَليّ بن مَسْعُود المنستيري - بِضَم الْمِيم وَفتح النُّون - ومنستير بليدَة بإفريقية وَلم يكن فِي عصره فِي دَرَجَته فِي علو الْإِسْنَاد ثمَّ إِبْرَاهِيم الْأَسدي وَقصد من الْآفَاق لعلو إِسْنَاده قدم جده من منستير إِلَى بوصير فَعرف هبة الله بالبوصيري ومولده سنة سِتّ وَخَمْسمِائة.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة: والعادل بِدِمَشْق.
وفيهَا: فِي الْمحرم توفّي ملك الدّين سُلْطَان أَخُو الْعَادِل لأمه وتنسب إِلَيْهِ الْمدرسَة الفلكية بِدِمَشْق.
الْحَوَادِث بِالْيمن
كَانَ قد تملك الْيمن الْمعز إِسْمَاعِيل سيف الْإِسْلَام بن طغتكين بن أَيُّوب، وَكَانَ مخبطاً فَادّعى أَنه قرشي أموي وَلبس الخضرة وخطب لنَفسِهِ بالخلافة فقاتلته جمَاعَة من مماليك أَبِيه فانتصر، ثمَّ قَتَلُوهُ وَأَقَامُوا أَخَاهُ النَّاصِر صَغِيرا وَقَامَ بأتابكيته سيف الدّين سنقر مَمْلُوك أَبِيه.
ثمَّ مَاتَ سنقر بعد أَربع سِنِين، وَتزَوج الْأَمِير غَازِي بن جِبْرِيل أم النَّاصِر وَقَامَ بأتابكيته، ثمَّ سم النَّاصِر فِي فقاع وتملك الْيمن، ثمَّ قَتله جمَاعَة من الْعَرَب لقَتله النَّاصِر وخلت الْيمن عَن سُلْطَان فتغلبت أم النَّاصِر على زبيد وجمعت الْأَمْوَال إنتظاراً لوصول بعض بني أَيُّوب لتتزوج بِهِ وتملكه الْبِلَاد.
وَكَانَ للمظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب ولد اسْمه سعد الدّين شاهنشاه، وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه تمتكين فَخرج سُلَيْمَان بن شاهنشاه بن عمر فَقِيرا وَأرْسلت أم النَّاصِر بعض غلمانها إِلَى مَكَّة فِي موسم الْحَاج ليأتيها بأخبار مصر وَالشَّام فَوجدَ سُلَيْمَان فَأحْضرهُ إِلَى الْيمن فخلعت عَلَيْهِ، وملكته الْيمن، فَمَلَأ الْيمن جوراً وأطرحها وَلم يرعها، وَكتب إِلَى
السُّلْطَان الْعَادِل عَم جده كتابا أَوله: إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فاستقل عقله، ثمَّ كَانَ مِنْهُ مَا سَيذكرُ.
وفيهَا: حاصر الْملك الْأَشْرَف صَاحب ماردين بِأَمْر أَبِيه الْعَادِل ثمَّ صَالح الظَّاهِر بَينهمَا على أَن يحمل صَاحب ماردين مائَة ألف وَخمسين ألف دِينَار وعَلى السِّكَّة وَالْخطْبَة لَهُ ويجيبه مَتى طلبه.
وفيهَا: سَار الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْعَزِيز من مصر بِوَالِديهِ وَأَهله فَأَقَامَ بحلب عَنهُ عَمه الظَّاهِر بعد أَن أخرجه الْعَادِل من مصر.
وفيهَا: رابط الْمَنْصُور ببارين الفرنج وأنجده صَاحب بعلبك وَصَاحب حمص، وَاتَّفَقُوا فِي ثَالِث رَمَضَان فَانْهَزَمَ الفرنج فَقتل فيهم وَأسر، وَفِيه يَقُول بهاء الدّين أسعد بن يحيى السنجاري:
(مَا لَذَّة الْعَيْش إِلَّا صَوت معمعة
…
ينَال فِيهَا المنى بالبيض والأسل)
(يَا أَيهَا الْملك الْمَنْصُور نصح فَتى
…
لم يلوه عَن وَفَاء كَثْرَة العذل)
(اعزم فَلَا تتْرك الدُّنْيَا بِلَا ملك
…
وجد فالملك مُحْتَاج إِلَى رجل)
ثمَّ اجْتمع الفرنج من حصن الأكراد والمرقب والسواحل والتقوا مَعَ الْملك الْمَنْصُور ببارين أَيْضا ثَانِيًا فانهزمت الفرنج هزيمَة شنيعة وَأسر فيهم وَقتل، وَفِيه يَقُول سَالم بن سَعَادَة الْحِمصِي:
(أَمر اللواحظ أَن تفوق أسهماً
…
ريم برامة مَا رنا حَتَّى رما)
(فتانة بِالسحرِ بل قتالة
…
مَا جَار قاضيهن حَتَّى حكما)
(أَصبَحت فِيهَا مغرماً بِمُحَمد
…
لما غَدا بالأريحية مغرما)
وَمِنْهَا:
(وشننت منتقماً بساحل بحرها
…
جَيْشًا حكى الْبَحْر الخضم عرمرما)
(أسدلت فِي الأفاق من هبواته
…
لَيْلًا وأطلعت الأسنة أنجماً)
وفيهَا: ولد الْملك المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد صَاحب حماه من ملكة خاتون بنت الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَسمي عمر ثمَّ سمي مَحْمُودًا، ولد بقلعة حماه ظهر الثُّلَاثَاء رَابِع عشر رَمَضَان.
قلت: وفيهَا ماجت النُّجُوم بِبَغْدَاد، وتطايرت شبه الْجَرَاد، ودام ذَلِك إِلَى الْفجْر، وضج الْخلق بالابتهال إِلَى الله تَعَالَى؛ ذكره الذَّهَبِيّ، وَالله أعلم.
وفيهَا: انتزع الْعَادِل من الْأَفْضَل رَأس عين وسروج وقلعة نجم وَترك لَهُ سميساط فَقَط، فتوجهت أم الْأَفْضَل؛ وَمن حماه توجه مَعهَا القَاضِي زين الدّين بن هندي لتشفع فِي الْأَفْضَل عِنْد الْعَادِل فَعَادَت خائبة. قَالَ فِي الْكَامِل: عُوقِبَ الْبَيْت الصلاحي بِمَا فعله صَلَاح الدّين لما خرجت إِلَيْهِ نسَاء بَيت الأتابك وفيهن بنت نور الدّين يشفعن فِي إبْقَاء الْموصل
على عز الدّين مَسْعُود فخيبهن ثمَّ نَدم، فَجرى للأفضل بن صَلَاح الدّين مَعَ عَمه مثله، وَهَذِه بِتِلْكَ فَأَقَامَ الْأَفْضَل بسميساط، وَقطع خطْبَة عَمه الْعَادِل، وخطب للسُّلْطَان سُلَيْمَان بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب الرّوم.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى توفّي غياث الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن سَام بن الْحُسَيْن الغوري صَاحب غزنة وَغَيرهَا.
وَكَانَ أَخُوهُ شهَاب الدّين بطوس عَازِمًا على قصد خوارزم، وَلم يحسن شهَاب الدّين الْخلَافَة على مَحْمُود ابْن أَخِيه الَّذِي تلقب غياث الدّين بلقب أَبِيه وَلَا على غَيره من أَهله وَقبض على زَوْجَة أَخِيه غياث الدّين، وَكَانَت مغنية وضربها وصادرها وَلم تنهزم لغياث الدّين راية قطّ مَعَ الدهاء وَحسن العقيدة والخط، وَنسخ مصاحف بِخَطِّهِ لمدارسه وَصَارَ شافعياً.
وفيهَا: استولى الكرج على دوين من أذربيجان نهباً وقتلاً فوبخت الْأُمَرَاء أَبَا بكر بن البهلوان صَاحب أذربيجان على تَشَاغُله عَنْهَا بالشرب فَلم يلْتَفت.
وفيهَا: توفيت زمرد أم الإِمَام النَّاصِر وَكَانَت كَثِيرَة الْمَعْرُوف.
قلت: وفيهَا توفّي الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْقرشِي فِي السَّادِس من ذِي الْحجَّة وَدفن بجبانة ماملا ظَاهر بَيت الْمُقَدّس ومولده قريب من سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بالأندلس، وَله كرامات خارقة وأنفاس صَادِقَة.
وَمن كَلَامه: من لم يراع حُقُوق الإخوان بترك حُقُوقه حرم بركَة الصُّحْبَة.
وَمِنْه: من لم يكن لَهُ مقَام فِي التَّوَكُّل كَانَ نَاقِصا فِي توحيده.
وَمِنْه: من ملك الْأَشْيَاء وَلم تملكه تصرف فِيهَا بالخلافة واسترقها بِالْحُرِّيَّةِ.
وَمِنْه: من عَلامَة الْوَلِيّ إِذا طَال عمره كثر عمله، وَإِذا كثر فقره زَاد سخاؤه، وَإِذا زَاد علمه كثر تواضعه.
وَمِنْه: الْفقر سر لَا يُعلمهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاء وَبَعض الصديقين.
وَمِنْه: من صدق بِهَذَا الْأَمر فَهُوَ ولي، وَمن أدْرك مِنْهُ مقَاما أَو نَالَ مِنْهُ حَالا فَهُوَ بدل.
عبر يَوْمًا على عَرصَة الْعِنَب فاتصل بِهِ أَنِين بعض الْأَحْمَال فَوقف وزايد فِي الْحمل وَدفع فِيهِ إِنْسَان أَكثر من قِيمَته، وَكَانَ يعصر الْخمر فَاشْتَرَاهُ الشَّيْخ وَدفع ثَوْبه فِي قِيمَته فسكن أنينه ومناقبه مَجْمُوعَة مَشْهُورَة، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة سِتّمائَة: والعادل بِدِمَشْق.
وفيهَا: هادن صَاحب حماه الفرنج.
وفيهَا: نَازل ابْن الأون ملك الأرمن أنطاكية فَتحَرك الظَّاهِر بحلب إِلَى حارم فَرَحل اللعين على عقبه.
وفيهَا: خطب قطب الدّين مُحَمَّد بن زنكي بن مودود صَاحب سنجار للعادل ببلاده فصعب على ابْن عَمه أرسلان شاه بن مَسْعُود صَاحب الْموصل فاستولى على نَصِيبين وَهِي لقطب الدّين، فاسنتجد بالأشرف بن الْعَادِل فَسَار إِلَيْهِ وَاجْتمعَ مَعَه أَخُوهُ الْملك الأوحد صَاحب ميافارقين، والتقوا ببوشره، فَانْهَزَمَ صَاحب الْموصل وَدخل الْموصل بأَرْبعَة أنفس فَقَط، وَهَذِه الْوَقْعَة أول سَعَادَة الْأَشْرَف بن الْعَادِل فَلم تنهزم راية لَهُ بعْدهَا، واستقرت بِلَاد قطب الدّين عَلَيْهِ واصطلحوا أول سنة إِحْدَى وسِتمِائَة.
وفيهَا: قصد الفرنج بَيت الْمُقَدّس فَأَقَامَ الْعَادِل قبالتهم بِالطورِ إِلَى آخر السّنة.
وفيهَا: استولت الفرنج على قسطنطينية وَكَانَت بيد الرّوم من قديم ثمَّ استعادتها الرّوم من الفرنج سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة.
وفيهَا: توفّي السُّلْطَان ركن الدّين سُلَيْمَان بن قلج أرسلان بن مَسْعُود السلجوقي سُلْطَان الرّوم وغدر بأَخيه صَاحب أنكورية - وَهِي أنقرة - قبل مَرضه بِخَمْسَة أَيَّام، وَكَانَ يحسن إِلَى الفلاسفة ويقدمهم، وَملك بعده ابْنه قلج أرسلان صَغِيرا فَم يستثبت أمره فَكَانَ مَا سَيذكرُ.
وفيهَا: كسر ملك الغورية شهَاب الدّين خوارزم شاه بن تكش فأنجدته الخطا فَهزمَ شهَاب الدّين، وشاع قتل شهَاب الدّين فاختلفت مَمْلَكَته ثمَّ ظهر وَوصل غزنة، فاستقرت الْأَحْوَال.
وفيهَا: قتل ككجا مَمْلُوك البهلوان ملك الرّيّ وهمدان والجبل، قَتله خوشداشه أيدغمش مَمْلُوكا لبهلوان وتملك مَوْضِعه وَأقَام أيدغمش ابْن استاذه أزبك بن البهلوان فِي الْملك صُورَة، وَالْحكم لأيدغمش.
وفيهَا: استولى رجل اسْمه مَحْمُود بن مُحَمَّد الْحِمْيَرِي على ظفار ومرباط وَغَيرهمَا من حضر موت.
وفيهَا: استولى أسطول الفرنج على فوة من ديار مصر فنهبوها خَمْسَة أَيَّام.
وفيهَا: زلزلت مصر وَالشَّام والجزيرة وَالروم وصقلية وقبرس وَالْعراق وَخَربَتْ صور.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وسِتمِائَة: فِيهَا هادن الْعَادِل الفرنج وَسلم إِلَيْهِم يافا، وَنزل عَن مناصفات لد والرملة، وَأعْطى العساكر دستوراً وَسَار إِلَى مصر وَأقَام بدار الوزارة.
وفيهَا: أغارت الفرنج ووصلوا إِلَى الرقيطا قرب حماه فامتلأوا كسباً وأسروا شهَاب الدّين بن البلاغي، وَكَانَ فَقِيها شجاعاً تولى بر حماه مرّة وسلمية أُخْرَى فهرب من طرابلس وَتعلق بجبال بعلبك وَوصل إِلَى حماه ثمَّ وَقعت الْهُدْنَة بَين الْمَنْصُور صَاحب حماه وَبَين الفرنج.
وفيهَا: بعد الْهُدْنَة توجه الْمَنْصُور إِلَى مصر مستشعراً من الْعَادِل فَأكْرمه شهوراً وخلع عَلَيْهِ وَعَاد.