الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن طغرل بحماة مكابداً للفقر، وَله سلوان المطاع، وَكتاب نجباء الْأَبْنَاء، وَشرح مقامات الحريري، ومولده بصقلية، قلت: وَله ينبوع الْحَيَاة فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم، وَله خير الْبشر بِخَير الْبشر وَغير ذَلِك وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا فِي تَاسِع ربيع الآخر توفّي المستنجد بِاللَّه أَبُو المظفر يُوسُف بن المقتفي بن المستظهر بِاللَّه، ومولده مستهل ربيع الآخر سنة عشر وَخَمْسمِائة.
كَانَ أسمر، تَامّ الْقَامَة، طَوِيل اللِّحْيَة، مرض وخشية أستاذ دَاره عضد الدولة أَبُو الْفرج ابْن رَئِيس الرؤساء، وقطب الدّين قيماز، فوصف لَهُ الطَّبِيب دُخُول الْحمام بإشارتهما ليهلك، فَدَخلَهَا وأغلق الْبَاب فَمَاتَ وأحضر عضد الدولة وقطب الدّين.
المستضيء بِأَمْر الله: وَهُوَ الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ مِنْهُم ابْن المستنجد، وشرطا عَلَيْهِ أَن يكون عضد الدولة وزيراً، وَابْنه كَمَال الدّين أستاذ الدَّار وقطب الدّين أَمِير الْعَسْكَر فأجابهم فَبَايعُوهُ يَوْم موت أَبِيه بيعَة خَاصَّة وَفِي غده بيعَة عَامَّة وَكَانَ حسن السِّيرَة أطلق كثيرا من المكوس وشدد على المفسدين، واسْمه الْحسن وكنيته أَبُو مُحَمَّد وَلم ينل الْخلَافَة من اسْمه الْحسن غير الْحسن بن عَليّ والمستضيء.
وفيهَا: انتزع نور الدّين الْموصل من غَازِي ابْن أَخِيه وقررها وَأطلق مكوسها ثمَّ وَهبهَا لسيف الدّين غَازِي وَأعْطى زنكي بن مودود سنجار.
وفيهَا: غزا صَلَاح الدّين الفرنج قرب عسقلان وَعَاد إِلَى مصر ثمَّ حصر أيله بحراً وَبرا وَهِي على سَاحل الْبَحْر الشَّرْقِي، وَفتحهَا من الفرنج فِي ربيع الآخر، واستباح أَهلهَا وَمَا فِيهَا.
وَعَاد صَلَاح الدّين وَهدم دَار الشّحْنَة وَتسَمى دَار المعونة بِمصْر وبناها مدرسة للشَّافِعِيَّة، وَبنى دَار الْعدْل مدرسة للشَّافِعِيَّة، وعزل الْقُضَاة الشِّيعَة، ورتب قَضَاء شافعية، وَذَلِكَ فِي الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة.
وَكَذَلِكَ اشْترى تَقِيّ الدّين عمر ابْن أخي صَلَاح الدّين منَازِل الْعِزّ وبناها مدرسة للشَّافِعِيَّة.
وفيهَا: توفّي القَاضِي ابْن الْجلَال من أَعْيَان كتاب المصريين صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء بهَا.
ذكر الْخطْبَة العباسية بِمصْر وانقراض الدولة العلوية
ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ خَمْسمِائَة: وفيهَا فِي ثَانِي جُمُعَة من الْمحرم قطعت خطْبَة العاضد لدين الله أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْأَمِير يُوسُف بن الْحَافِظ لدين الله أبي الميمون عبد الْمجِيد بن أبي الْقَاسِم مُحَمَّد بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي تَمِيم معد بن الظَّاهِر لإعزاز دين الله
أبي الْحسن عَليّ بن الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي عَليّ مَنْصُور بن الْعَزِيز بِاللَّه أبي مَنْصُور نزار بن الْمعز لدين الله أبي تَمِيم بن الْمَنْصُور بِاللَّه أبي الظَّاهِر إِسْمَاعِيل بن الْقَائِم بِأَمْر الله أبي الْقَاسِم مُحَمَّد بن الْمهْدي بِاللَّه أبي مُحَمَّد عبيد الله أول الْخُلَفَاء العلويين من هَذَا الْبَيْت.
وَسبب ذَلِك: أَن نور الدّين أرسل إِلَى صَلَاح الدّين يَأْمُرهُ حتما جزما بِقطع الْخطْبَة العلوية وَإِقَامَة الْخطْبَة العباسية فَرَاجعه خوف الْفِتْنَة، فأصر نور الدّين وَمرض العاضد فَأمر صَلَاح الدّين بِالْخطْبَةِ للمستضيء وَقطع خطْبَة العاضد فَلم ينتطح فِيهِ عنزان، فَاشْتَدَّ مرض العاضد وَلم يُعلمهُ بذلك أحد من أَهله فَتوفي فِي يَوْم عَاشُورَاء وَلم يعلم بِقطع خطبَته، فَجَلَسَ صَلَاح الدّين للعزاء وَاسْتولى على قصر الْخلَافَة وعَلى نفائسه وتحفه وَكتبه وَمَا لَا يُحْصى، فَمِنْهُ جبل باقوت وَزنه سَبْعَة عشر درهما، وَكَانَ بِالْقصرِ طبل للقولنج إِذا ضرب بِهِ الْإِنْسَان حبق فَكسر بِلَا علم، وَنقل أهل العاضد إِلَى مَوضِع من الْقصر ووكل بهم من يحفظهم وَتصرف فِي العبيد وَالْإِمَاء بيعا وعتقا وَهبة. وَكَانَ العاضد فِي الْمَرَض قد طلب صَلَاح الدّين فظنها خديعة فَلم يمض إِلَيْهِ، فَلَمَّا توفّي نَدم لتخلفه عَنهُ وَجَمِيع من خطب لَهُ بالخلافة مِنْهُم أَرْبَعَة عشر الْمهْدي والقائم والمنصور والمعز والعزيز وَالْحَاكِم وَالظَّاهِر والمستنصر والمستعلي والآمر والحافظ والظافر والفائز والعاضد، ومدتهم من ظُهُور الْمهْدي بسجلماسة فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ إِلَى أَن توفّي العاضد فِي هَذِه السّنة مِائَتَان وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سنة تَقْرِيبًا. وَلما وصل خبر الْخطْبَة العباسية بِمصْر إِلَى بَغْدَاد ضربت البشائر أَيَّامًا وسيرت الْخلْع مَعَ عماد الدّين صندل من خَواص الدولة المقتفوية إِلَى نور الدّين وَصَلَاح الدّين والخطباء، ووسيرت الْأَعْلَام السود.
وَكَانَ العاضد قد رأى فِي مَنَامه أَن عقرباً خرجت من مَسْجِد بِمصْر مَعْرُوف بالعاضد ولدغته فَاسْتَيْقَظَ واستدعى معبراً فَعبر لَهُ بأذى يصله من شخص بِالْمَسْجِدِ فَتقدم بإحضار من فِيهِ فأحضر شخص صوفي اسْمه نجم الدّين الخوبشاني فاستخبره العاضد عَن مُقَدّمَة وَسبب مقَامه بِالْمَسْجِدِ فَأخْبرهُ بِالصَّحِيحِ فِي ذَلِك، وَرَآهُ العاضد أَضْعَف من أَن يَنَالهُ بمكروه فوصله بِمَال وَقَالَ لَهُ: ادْع لنا يَا شيخ وَأمره بالإنصراف، فَلَمَّا أَرَادَ صَلَاح الدّين إِزَالَة الدولة العلوية وَالْقَبْض عَلَيْهِم كَانَ نجم الدّين الخوبشاني من جملَة من بَالغ بالإفتاء بمساويهم وسلب الْإِيمَان عَنْهُم فَصحت الرُّؤْيَا.
وفيهَا: جرى بَين نور الدّين وَصَلَاح الدّين الوحشة بَاطِنا فَإِن صَلَاح الدّين نَازل الشوبك وَهِي للفرنج، ثمَّ رَحل خوفًا أَن يَأْخُذهُ فَلم يبْق لنُور الدّين مَا يعوقه عَن مصر، وَبلغ ذَلِك نور الدّين فكتمه وَجمع صَلَاح الدّين بِمصْر أَقَاربه وأكابره، وَقَالَ: بَلغنِي أَن نور الدّين يقصدنا فَمَا الرَّأْي؟ فَقَالَ تَقِيّ الدّين عمر ابْن أَخِيه: نقاتله، فَأنْكر نجم الدّين أَيُّوب أبوهم ذَلِك، وَقَالَ: أَنا والدكم لَو رَأَيْت نور الدّين نزلت وَقبلت الأَرْض بَين يَدَيْهِ أكتب إِلَيْهِ
لَو جَاءَنِي من عنْدك إِنْسَان وَاحِد وربط المنديل فِي عنقِي وجرني إِلَيْك سارعت إِلَى ذَلِك وانفضوا، ثمَّ خلا أَيُّوب بِأَبِيهِ وَقَالَ: لَو قصدنا نور الدّين أَنا كنت أول من يمنعهُ ويقاتله، وَلَكِن إِذا أظهرنَا ذَلِك يتْرك نور الدّين جَمِيع مَا هُوَ فِيهِ ويقصدنا وَلَا نَدْرِي مَا يكون من ذَلِك، وَإِذا أظهرنَا لَهُ الطَّاعَة تَمَادى الْوَقْت بِمَا يحصل بِهِ الْكِفَايَة من عِنْد الله فَكَانَ كَمَا قَالَ.
وفيهَا: توفّي الْأَمِير مُحَمَّد بن مردبيس صَاحب شَرْقي الأندلس: مرسيه وبلنسيه وَغَيرهمَا، فَسلم أَوْلَاده بِلَاده ليوسف بن عبد الْمُؤمن فسر بذلك وَتزَوج أختهم وأجزل لَهُم وَكَانَ قد قصدهم فِي مائَة ألف فكفي الْقِتَال.
وفيهَا: عبر الخطا نهر جيحون، فَسَار خوارزم شاه أرسلان بن أتسز بن مُحَمَّد بن أنوشتكين إِلَى لِقَائِه، فَرجع خوارزم شاه لمرضه، وَأرْسل عسكراً فَقَاتلُوا الخطا فَانْهَزَمَ عَسْكَر خوارزم شاه وَأسر مقدمهم وَرجع الخطا إِلَى بِلَادهمْ.
وفيهَا: اتخذ نور الدّين الْحمام الهوادي المناسيب لتصل الْأَخْبَار إِلَيْهِ فِي يَوْمه.
وفيهَا: عزل المستضئ وزيره عضد الدولة ابْن رَئِيس الرؤوساء مكْرها من جِهَة قيماز.
وفيهَا: مَاتَ يحيى بن سعدون الْأَزْدِيّ الأندلسي الْقُرْطُبِيّ إِمَام فِي الْقِرَاءَة والنحو وَغَيره بالموصل.
وفيهَا: توفّي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن أَحْمد بن أَحْمد بن الخشاب الْبَغْدَادِيّ، تضلع من الْأَدَب والنحو وَالتَّفْسِير والْحَدِيث قَلِيل الاكتراث بالمأكل والملبس.
وفيهَا: توفّي نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن عَليّ بن عبد النُّور ابْن قلاقس الشَّاعِر الإسكندري فِي مدح القَاضِي الْفَاضِل وَفِي كَثْرَة أَسْفَاره يَقُول:
(وَالنَّاس كثر وَلَكِن لَا يقدر لي
…
الْأَمر افقة الملاح وَالْحَادِي)
قلت: وَمَا أحسن قَول ابْن عنين فِي كَثْرَة أَسْفَاره فِي الْمشرق:
(أشقق قلب الشرق حَتَّى كأنني
…
أفتش فِي سودائه عَن سنا الْفجْر)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا توفّي خوارزم شاه أرسلان بن أتسز بن مُحَمَّد أنوشتكين، وَقد عَاد من قتال الخطا مَرِيضا.
وَملك بعده ابْنه الصَّغِير سُلْطَان شاه مَحْمُود بتدبير والدته، وَلما بلغ ابْنه الْكَبِير عَلَاء الدّين تكش وَهُوَ مُقيم فِي اقطاعه خبر ذَلِك استنجد بالخطا وطرد سُلْطَان شاه، واستنجد سُلْطَان شاه بملوك الْأَطْرَاف، وطرد تكش، وَكَانَ الْحَرْب بَينهم سجالا حَتَّى مَاتَ سُلْطَان شاه سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة، وَاسْتقر تكش فِي ملك خوارزم.