الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنظر طرابلس وَغير ذَلِك، وَكَانَ وَاسع الصَّدْر كثير المكارم رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي رَجَب مَاتَ الشَّيْخ عبد الله أيبك الموله عَتيق الحريري فَجْأَة بِالْقَاهِرَةِ وشيعه خلائق كَانَ لَا يكلم أحدا وَلَا يستر عَوْرَته وَيَأْكُل فِي رَمَضَان.
وفيهَا: فِي شعْبَان مَاتَ حسام الدّين الْخَوَارِزْمِيّ حَاجِب الشَّام، وَكَانَ شَيخا مهيباً يُرْسل إِلَى الْمغرب وَدفن بتربته بالقبيبات.
وفيهَا: فِي شَوَّال توفّي قَاضِي الْقُضَاة شيخ الشُّيُوخ عَلَاء الدّين عَليّ بن يُوسُف التبريزي ثمَّ القونوي الشَّافِعِي وَدفن بسفح قاسيون كَانَ مَحْمُود السِّيرَة فِي قَضَائِهِ متفنناً ومحاسنة جمة وتواضعه وآدابه وافرة وطاب الثَّنَاء عَلَيْهِ وَشرح الْحَاوِي فِي مجلدات، وَلما بلغ السُّلْطَان وَفَاته تعجب وَقَالَ: سُبْحَانَ الله الْعَظِيم كَانَ القَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة عمره قَاضِيا وَمَات صوفياً وَكَانَ القونوي عمره صوفياً وَمَات قَاضِيا.
قلت:
(إِن رمت تذكر فِي زَمَانك عَالِيا
…
متواضعاً فابدأ بِذكر القونوي)
(ولي الْقَضَاء وَصَارَ شيخ شيوخهم
…
وَالْقلب مِنْهُ على التصوف منطوي)
(زادوه تَعْظِيمًا فَزَاد تواضعاً
…
الله أكبر هَكَذَا الْبشر السنوي)
وَفِيه: رسم ملك الْأُمَرَاء سيف الدّين تنكز بتوسعة الطّرق بِدِمَشْق كسوق السِّلَاح وَبَاب الْبَرِيد وسوق مَسْجِد الْقصب وخارج بَاب الْجَابِيَة وَأصْلح قنى دمشق وَخَربَتْ أَمْلَاك النَّاس وخسرت عَلَيْهَا أَمْوَال حَتَّى عَادَتْ.
قلت فَقيل فِي ذَلِك:
(يَا جلق الفيحاء لَا تفرحي
…
بِمَا جرى من سَعَة الطّرق)
(قد كَانَ فِي طرقك ضيق وَقد
…
أصبح مَنْقُولًا إِلَى الرزق)
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة مَاتَ الصاحب الْكَبِير عز الدّين حَمْزَة بن عَليّ بن القلانسي الدِّمَشْقِي وَدفن بتربتهم بالصالحية ولي الوزارة، وَكَانَ رَئِيس زَمَانه بِدِمَشْق.
وَفِيه: أخرجت كلاب دمشق وألقيت فِي الخَنْدَق وَفصل بَين الْإِنَاث والذكور بحائط لِئَلَّا تتوالد قيل كَانَت خَمْسَة آلَاف كلب.
قلت: لَا يغتر أحد بقول النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة يكره قتل الْكَلْب الَّذِي لَيْسَ بعقور كَرَاهَة تَنْزِيه فَإِن المصنفين مصرحون بِالتَّحْرِيمِ حَتَّى النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب قَالَ وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْأَمر بقتل الْكلاب مَنْسُوخ، وَقد صَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم َ -
أَمر بقتل الْكلاب مرّة، ثمَّ صَحَّ أَنه نهى عَن قَتلهَا، قَالَ: وَاسْتقر الشَّرْع عَلَيْهِ على التَّفْصِيل الْمَعْرُوف فَأمر بقتل الْأسود إِلَيْهِم، وَكَانَ هَذَا فِي الإبتداء وَهُوَ الْآن مَنْسُوخ، هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَا مزِيد على تَحْقِيقه وَالله أعلم
.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي الْمحرم توفّي القَاضِي عَلَاء الدّين عَليّ بن الْأَثِير كَانَ كَاتب السِّرّ بِمصْر ثمَّ فلج وَانْقطع فولي مَكَانَهُ القَاضِي مُحي الدّين بن فضل الله.
وَفِيه: مَاتَ الشَّيْخ فتح الدّين بن قرناص الْحَمَوِيّ ولي نظر جَامع حماه، وَله نظم.
وَفِيه: قدم قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الأخناني صُحْبَة نَائِب الشَّام عوضا عَن القونوي.
فِيهِ: توفّي الْوَزير الزَّاهِد الْعَالم أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن الْوَزير الْأَزْدِيّ الغرناطي بِالْقَاهِرَةِ قَافِلًا من الْحَج بلغ من الجاه بِبَلَدِهِ إِلَى أَنه كَانَ يولي فِي الْملك ويعزل، وَكَانَ ورعاً شرِيف النَّفس عَاقِلا أوصى أَن تبَاع ثِيَابه وَكتبه وَيتَصَدَّق بهَا.
وفيهَا: فِي صفر مَاتَ بِدِمَشْق سيف الدّين بهادر المنصوري بداره شيعه النَّائِب والأعيان.
وَفِيه: مَاتَ مُسْند الْعَصْر شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي طَالب الصَّالِحِي الحجار ابْن شحنة الصالحية توفّي بعد السماع عَلَيْهِ بِنَحْوِ من ساعتين كَانَ ذَا دين وهمة وعقل وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الثَّبَات وَعدم النعاس، وحصلت لَهُ للرواية خلع ودراهم وَذهب وإكرام، وشيعه الْخلق والقضاة وَنزل النَّاس بِمَوْتِهِ دَرَجَة.
وَفِيه: توفّي قَاضِي الْقُضَاة فَخر الدّين عُثْمَان بن كَمَال الدّين مُحَمَّد ابْن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ الْجُهَنِيّ قَاضِي حلب فَجْأَة بعد أَن تَوَضَّأ وَجلسَ بِمَجْلِس الحكم ينْتَظر إِقَامَة الْعَصْر، حج غير مرّة، وَكَانَ يعرف الْحَاوِي فِي الْفِقْه وَشَرحه فِي سِتّ مجلدات، وَكَانَ يعرف الحاجبية والتصريف، وَكَانَ فِيهِ دين وصداقة رَحمَه الله تَعَالَى.
وَفِيه فِي ربيع الآخر: تولى قَضَاء الْقَضَاء بحلب القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن النَّقِيب نقل من طرابلس وَولي طرابلس بعده شمس الدّين مُحَمَّد بن الْمجد عِيسَى البعلي سَار من دمشق إِلَيْهَا.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى أنشأ الْأَمِير الْعَالم سيف الدّين مغلطاي النَّاصِر مدرسة حنفية بِالْقَاهِرَةِ ومكتب أَيْتَام.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة مَاتَ الْأَمِير الْعَالم سيف الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين بن صَاحب الكرك بِالْجَبَلِ وَكَانَ فَاضلا شَاعِرًا.
وَفِيه: وصل الْخَبَر بعافية السُّلْطَان من كسر يَده فزينت دمشق وخلع على الْأُمَرَاء والأطباء.
وَفِيه: مَاتَ بِمَكَّة قاضيها الإِمَام نجم الدّين أَبُو حَامِد.
وَفِيه: مَاتَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الهدمة، وَله كرامات وشهرة.
وَفِيه: حضرت رسل الفرنج يطْلبُونَ بعض الْبِلَاد فَقَالَ السُّلْطَان: لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا يقتلُون أَعْنَاقكُم ثمَّ سفروا.
وفيهَا: فِي رَجَب مَاتَت زَوْجَة تنكز وَعمل لَهَا تربة حَسَنَة قرب بَاب الخوصين ورباطاً.
وفيهَا: فِي رَمَضَان مَاتَ قَاضِي طرابلس شمس الدّين مُحَمَّد بن مجد الدّين عِيسَى الشَّافِعِي البعلي، وَكَانَ صَاحب فنون.
قلت:
(لقد عَاشَ دهراً يخْدم الْعلم جهده
…
وَكَانَ قَلِيل الْمثل فِي الْعلم والود)
(فَلَمَّا تولى الحكم مَا عَاشَ طائلاً
…
فَمَا هنئ ابْن الْمجد وَالله بالمجد)
وَفِيه: أنشأ الْأَمِير سيف الدّين قوصون الناصري جَامعا عِنْد جَامع طولون عِنْد دَار قتال السَّبع، فَخَطب بِهِ أول يَوْم قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين بِحُضُور السُّلْطَان، وَقرر لخطابته القَاضِي فَخر الدّين مُحَمَّد بن شَاكر.
وفيهَا: فِي شَوَّال مَاتَ رَئِيس الكحالين نور الدّين عَليّ بِمصْر.
وَفِيه: احترقت الْكَنِيسَة الْمُعَلقَة بِمصْر وَبقيت كوماً.
وَفِيه: قدم رَسُول صَاحب الْيمن بهدية فقيد وسجن لِأَن صَاحب الْهِنْد بعث إِلَى السُّلْطَان بِهَدَايَا فَأَخذهَا صَاحب الْيمن وَقتل بعض من كَانَ مَعهَا وَحبس بَعضهم.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة مَاتَ الْأَمِير عَلَاء الدّين قلبرس بن الْأَمِير عَلَاء الدّين طبرس بِدِمَشْق بِالسَّهْمِ وَكَانَ مقدم ألف، وَله مَعْرُوف وَخلف أَمْوَالًا، وَمَات الْأَمِير سيف الدّين كوليجار بالمحمدي.
وفيهَا: بِدِمَشْق فِي ذِي الْحجَّة مَاتَ المعمر الْمسند زين الدّين أَيُّوب بن نعْمَة، وَكَانَت لحيته شَعرَات يسيرَة، وَكَانَ كحالاً وَمَات بهَا أَيْضا الصَّالح الزَّاهِد الشَّيْخ حسن الْمُؤَذّن بالمأذنة بالشرقية بالجامع، وَكَانَ مجاوراً بِهِ وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن الْمُوفق إِبْرَاهِيم بن دواد بن الْعَطَّار أَخُو الشَّيْخ عَلَاء الدّين ببستانه وَصَلَاح الدّين يُوسُف بن شيخ السلامية صهر الصاحب وشيعه الْخلق وفجع بِهِ أَبَوَاهُ، وَكَانَ شَابًّا متميزا من أَبنَاء الدُّنْيَا المتنعمين.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فِيهَا: وَردت كتب الْحجَّاج بِمَا جرى بِمَكَّة شرفها الله تَعَالَى حول الْبَيْت من ثورة عبيد مَكَّة سَاعَة الْجُمُعَة بالوفد من النهب والجراحة، وَقتل جمَاعَة من الْحجَّاج، وَقتل أَمِير مصري وَهُوَ أيدمر أَمِير جندار وَابْنه، وَلما بلغ السُّلْطَان ذَلِك غضب وجرد جَيْشًا من مصر وَالشَّام للانتقام من فاعلي ذَلِك.
وفيهَا: فِي الْمحرم أَيْضا مَاتَ الْأَمِير الْكَبِير شهَاب الدّين طغان بن مقدم الجيوش سنقر الْأَشْقَر وَدفن بالقرافة جَاوز السِّتين، وَكَانَ حسن الشكل، وَمَات الصَّالح كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ تَاج الدّين الْقُسْطَلَانِيّ بِمصْر سمع ابْن الدهان وَابْن علاق والنجيب وَحدث، وَكَانَ صوفياً.
وفيهَا: فِي صفر مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن حَمْزَة الْحَنْبَلِيّ بِدِمَشْق بالدير ومولده فِي ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ سمع من الشَّيْخ وَابْن النجارية وَأبي بكر الْهَرَوِيّ وَطَائِفَة، وَأَجَازَ لَهُ ابْن عبد الدَّائِم، وَكَانَ عَاقِلا ولي الْقَضَاء بعد ابْن مُسلم وَحج ثَلَاث مَرَّات.
وَمَاتَتْ: أم الْحسن فَاطِمَة بنت الشَّيْخ علم الدّين البرزالي سَمِعت الْكثير من خلق وَحدثت وكتبت ربعَة وَأَحْكَام ابْن تَيْمِية وَالصَّحِيح وحجت وَكَانَت تجتهد يَوْم الْحمام أَن لَا تدخل حَتَّى تصلي الظّهْر وتحرص فِي الْخُرُوج لإدراك الْعَصْر رَحمهَا الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي صفر أَيْضا وصل نهر الساجور إِلَى نهر قويق وانصبا إِلَى حلب بعد غَرَامَة أَمْوَال عَظِيمَة، وتعب من الْعَسْكَر والرعايا بتولية الْأَمِير فَخر الدّين طمان.
وفيهَا: فِي ربيع الأول مَاتَ بحلب الْأَمِير سيف الدّين أرغون الناصري نائبها، وَخرجت جنَازَته بِلَا تَابُوت وعَلى النعش كسَاء بالفقيري من غير ندب وَلَا نياحة وَلَا قطع شعر وَلَا لبس جلّ وَلَا تَحْويل سرج حَسْبَمَا أوصى بِهِ وَدفن بسوق الْخَيل تَحت القلعة وعملت عَلَيْهِ تربة حَسَنَة وَلم يَجْعَل على قَبره سقف وَلَا حجرَة بل التُّرَاب لَا غير.
وَكَانَ متقناً لحفظ الْقُرْآن مواظباً على التلاوت، عِنْده فقه وَعلم، وَيرد أَحْكَام النَّاس إِلَى الشَّرْع الشريف حَتَّى كَانَ بعض الْجُهَّال يُنكر عَلَيْهِ ذَلِك، وَكتب صَحِيح البُخَارِيّ بِخَطِّهِ بعد مَا سَمعه من الْحجاز، واقتنى كبتاً نفيسة وَكَانَ عَاقِلا وَفِيه ديانَة رحمه الله.
وفيهَا: فِي صفر أَيْضا ولي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق الشَّيْخ شرف الدّين بن الْحَافِظ واستناب ابْن أَخِيه القَاضِي تَقِيّ الدّين عبد الله بن أَحْمد وَمَات القَاضِي الْفَقِيه الأديب ضِيَاء الدّين عَليّ بن سليم بن ربيعَة الْأَذْرَعِيّ الشَّافِعِي بالرملة نَاب عَن القَاضِي عز الدّين بن الصَّائِغ وناب بِدِمَشْق عَن القونوي، ونظم التَّنْبِيه فِي الْفِقْه فِي سِتَّة عشر الف بَيت وشعره كثير.
وَمَات: الرئيس زين الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن النصيبي بحلب سمع من شيخ الشُّيُوخ عز الدّين مُسْند الْعشْرَة وَحدث قَارب الثَّمَانِينَ.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر مَاتَ الْأَمِير سيف الدّين طرشي الناصري بِمصْر أَمِير مائَة حج غير مرّة، وَفِيه ديانَة، وَمَات الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن صَاحب الجزيرة الْملك الْمُجَاهِد إِسْحَاق بن صَاحب الْموصل لُؤْلُؤ بِمصْر سمع جُزْء بن عَرَفَة من النجيب الوجمعة من ابْن علاق.
وَكَانَ جندياً لَهُ ميرة وَمَات بحلب نور الدّين حسن بن الشَّيْخ الْمقري جمال الدّين الفاضلي، روى عَن زَيْنَب بنت مكي، وَكَانَ كَاتبا بحلب، وَمَات الْأَمِير علم الدّين سنجر البرواني بِمصْر فَجْأَة، كَانَ أَمِير خمسين من الشجعان، وَمَات الصَّالح الْمسند شرف الدّين أَحْمد بن عبد المحسن بن الرّفْعَة الْعَدوي سمع وَحدث وَمَات لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع وَعشْرين
ربيع الآخر، وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن ناهض أَمَام الفردوس بحلب سمع عوالي الغيلانيات الْكَبِير على القطب ابْن عصرون وَحدث وَله نظم، وَمَات رَئِيس المؤذنين بِجَامِع الْحَاكِم نجم الدّين أَيُّوب بن عَليّ الصُّوفِي وَكَانَ بارعاً فِي فنه، لَهُ أوضاع عَجِيبَة وآلات غَرِيبَة.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى عَاد الْأَمِير عَلَاء الدّين الطنبغا إِلَى نِيَابَة حلب وَفَرح النَّاس بِهِ وأظهروا السرُور.
وفيهَا: حضر بِمَكَّة الْأَمِير رميثة بن أبي نمى الحسني وَقُرِئَ تَقْلِيده، وَلبس الخلعة بِولَايَة مَكَّة، وَحلف مقدم الْعَسْكَر الَّذين وصلوا إِلَيْهِ والأمراء لَهُ بِالْكَعْبَةِ الشَّرِيفَة، وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَكَانَ وُصُول الْجَيْش إِلَى مَكَّة سَابِع عشر ربيع الآخر.
وَفِيه: مَاتَ الإِمَام الْوَرع موفق الدّين أَبُو الْفَتْح الْجَعْفَرِي الْمَالِكِي وشيعه خلق إِلَى القرافة، وقارب السّبْعين وَلم يحدث، وَمَات الْعدْل المعمر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الْكَرِيم الْعَنْبَري، بَاشر الصَّدقَات والأيتام والمساجد، وَهُوَ خَال ابْن الزملكاني، وَمَات القَاضِي تَاج الدّين بن النظام الْمَالِكِي بِالْقَاهِرَةِ، وَمَات " أَبُو دبوس " المغربي بِمصْر قيل أَنه ولي مملكة قابس ثمَّ أخذت مِنْهُ فترح فَأعْطِي إقطاعاً فِي الْحلقَة.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة مَاتَ القَاضِي التَّاج أَبُو إِسْحَاق عبد الْوَهَّاب بن عبد الْكَرِيم وَكيل السُّلْطَان وناظر الْخَواص بِمصْر.
وَفِيه: وصل إِلَى دمشق الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى مَكَّة ومقدمهم الجي بغا غَابُوا خَمْسَة أشهر سوى أَرْبَعَة أَيَّام وَأَقَامُوا بِمَكَّة شهرا وَيَوْما وَحصل بهم الرعب فِي قُلُوب الْعَرَب وهرب من بَين أَيْديهم عظيفة والأشراف بأهلهم وثقلهم، وَعوض عَن عطيفة بأَخيه رميثة وَقرر مَكَانَهُ.
وَمَات الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي العادلي الدواتدار بِمصْر، وَكَانَ دينا وَله سَماع، وَمَات الْمجد بن اللفنية نَاظر الدَّوَاوِين بِالْقَاهِرَةِ، وَمَات الرئيس تَاج الدّين بن الدماملي كَبِير الكرامية بِمصْر قيل ترك مائَة ألف دِينَار وَوصل الْحَاج عمر بن جَامع السلَامِي إِلَى دمشق من إصْلَاح عين تَبُوك جمع لَهَا من التُّجَّار دون عشْرين ألفا وأحكمت.
وفيهَا: فِي رَجَب مَاتَ بِمصْر الْعَلامَة فَخر الدّين عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم التركماني سمع من الأبرقوهي وَشرح الْجَامِع الْكَبِير وألقاه فِي المنصورية دروساً، وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق.
فصيحاً ودرس بهَا بعده ابْنه.
وَمَات: بِمصْر القَاضِي جمال الدّين بن عمر البوزنجي الْمَالِكِي معيد المنصورية.
وفيهَا: فِي شعْبَان كَانَ بِدِمَشْق ريح عَاصِفَة حطمت الْأَشْجَار، ثمَّ وَقع فِي تاسعه برد عَظِيم قدر البندق.
وَفِيه: جَاءَ من الكرك الْملك أَحْمد بن مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك النَّاصِر وختن بعد ذَلِك بأيام وأنفذ إِلَى الكرك أَخ لَهُ اسْمه إِبْرَاهِيم.
وَمَات سيف الدّين قشتمر الطباخي الناصري بِمصْر كهلاً تفقه لأبي حنيفَة، وَكَانَ دينا، وأحدثت بِالْمَدْرَسَةِ المعزية على شاطئ النّيل الْخطْبَة وخطب عز الدّين عبد الرَّحِيم بن الْفُرَات حَنَفِيّ رتب ذَلِك سيف الدّين طقز دمر أَمِير الْجَيْش.
وفيهَا: فِي رَمَضَان قدم دمشق الْعَلامَة تَاج الدّين عمر بن عَليّ اللَّخْمِيّ بن الْفَاكِهَانِيّ الْمَالِكِي من الْإسْكَنْدَريَّة لزيارة الْقُدس وَالْحج فَحدث بِبَعْض تصانيفه، وَسمع الشِّفَاء وجامع التِّرْمِذِيّ من ابْن طرخان وصنف جُزْءا فِي أَن عمل المولد فِي ربيع الأول بِدعَة.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة مَاتَ الصاحب تَقِيّ الدّين بن السلعوس بِالْقَاهِرَةِ فَجْأَة حج وَسمع من القارون.
وَمَات القَاضِي جمال الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن القلانسي التَّمِيمِي، ودرس بالأمينية والظاهرية وَعمل الْإِنْشَاء بِدِمَشْق.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة مَاتَ الْأَمِير نجم الدّين البطاحي ولي أستاذ دارية السلطنة، وَمَات أَمِين الدّين بن البض، أنْفق أَمْوَالًا فِي بِنَاء خَان المزيرب وَفِي بِنَاء مَسْجِد الذُّبَاب والمأذنة قيل أنْفق فِي وُجُوه الْبر مِائَتي ألف وَخمسين ألفا وَمَات بِدِمَشْق الْأَمِير ركن الدّين عمر بن بهادر، وَكَانَ مليح الشكل وَجَاء التَّقْلِيد بمناصب جمال الدّين بن القلانسي لِأَخِيهِ.
ثمَّ دخلت سنة إثنتين وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا توفّي الشَّيْخ الْكَبِير العابد الْمقري أَبُو عبد الرَّحْمَن بن أبي مُحَمَّد بن سُلْطَان القرامزي الْحَنْبَلِيّ بجوبر وَدفن بتربة لَهُ جوَار قبَّة القلندرية بِدِمَشْق.
وَكَانَ مَشْهُورا بالمشيخة يتَرَدَّد إِلَيْهِ النَّاس سمع من ابْن أبي الْيُسْر وَابْن عَسَاكِر وَحدث بِدِمَشْق ومصر، وَقَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ حسن الصّقليّ.
وَمَات الْأَمِير الْكَبِير علم الدّين الدميثري ولي نِيَابَة قلعة دمشق مُدَّة وَحصل بحمص سيل عَظِيم هلك بِهِ خلائق وَمَات بحمام تنكز بهَا نَحْو مِائَتي إمرأة وصغير وصغيرة وَجَمَاعَة رجال دخلُوا ليخلصوا النِّسَاء وَهلك بعض المتفرجين بالجزيرة وانهدمت دَار المستوفي وَهلك ابْنه وصاروا يخرجُون الْمَوْتَى من بواليع الْحمام والقمين وَكَانَ بالحمام عروس فَلهَذَا كثر النِّسَاء بالحمام، وَمَات بِمصْر الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي وزر بِمصْر وَحج بالمصريين.
وَمَات: السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد إِسْمَاعِيل بن الْملك الْأَفْضَل على صَاحب حماه، وَله تصانيف حَسَنَة مَشْهُورَة مِنْهَا أصل هَذَا الْكتاب ونظم الْحَاوِي وَشَرحه شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين بن الْبَارِزِيّ شرحاً حسنا، وَله كتاب تَقْوِيم الْبلدَانِ وَهُوَ حسن فِي بَابه، تسلطن بحماه فِي أول سنة عشْرين بعد نيابتها رَحمَه الله تَعَالَى.
وَكَانَ سخياً محباً للْعلم وَالْعُلَمَاء، متقناً يعرف علوماً، وَلَقَد رَأَيْت جمَاعَة من ذَوي الْفضل يَزْعمُونَ أَنه لَيْسَ فِي الْمُلُوك بعد الْمَأْمُون أفضل مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي صفر مَاتَ قَاضِي الجزيرة شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن نصر الشَّافِعِي، وَكَانَ لَهُ تعالق بالدولة ومكاتبة من بَلَده، ثمَّ تحول إِلَى دمشق.
وَفِيه: تملك حماه " السُّلْطَان الْملك الْأَفْضَل " نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْملك الْمُؤَيد على قَاعِدَة أَبِيه وَهُوَ ابْن عشْرين سنة.
وفيهَا فِي ربيع الأول مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ القَاضِي الإِمَام الْمُحدث تَاج الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الْغفار بن مُحَمَّد بن عبد الْكَافِي بن عوض السَّعْدِيّ سعد خدام الشَّافِعِي، ولد سنة خمسين وسِتمِائَة تفقه وَقَرَأَ النَّحْر على الْأمين الْمحلي وَسمع من ابْن عزوة وَابْن عَلان وَجَمَاعَة وارتحل فلقي بالثغر عُثْمَان بن عَوْف وَعمل مُعْجَمه فِي ثَلَاث مجلدات، وَأَجَازَ لَهُ ابْن عبد الدَّائِم، وروى الْكثير وَخرج أَرْبَعِينَ تساعيات وَأَرْبَعين مسلسلات.
وَكَانَ حسن الْخط والضبط متقناً، ولي مشيخة الحَدِيث بالصاحبية وَأفْتى، وَذكر أَنه كتب بِخَطِّهِ أَزِيد من خَمْسمِائَة مُجَلد، وَمَات بِدِمَشْق الْعَلامَة رَضِي الدّين إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان الرُّومِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالمنطقي بِدِمَشْق بالنورية، وَكَانَ دينا متواضعاً محسناً إِلَى تلامذته حج سبع مَرَّات، وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين طنبغا السلحدار عمل نِيَابَة حمص ثمَّ نِيَابَة غَزَّة وَبهَا مَاتَ وَحج بالشاميين سنة إِحْدَى عشرَة وَسَبْعمائة.
وَمَات بِمَكَّة خطيبها الإِمَام بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْخَطِيب تَقِيّ الدّين عبد الله بن الشَّيْخ الْمُحب الطَّبَرِيّ لَهُ نظم ونثر وخطب، وَفِيه كرم ومروءة وفصاحة وخطب بعده أَخُوهُ التَّاج عَليّ.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر ركب بشعار السلطنة الْملك الْأَفْضَل الْحَمَوِيّ بِالْقَاهِرَةِ وَبَين يَدَيْهِ الغاشية، ونشرت العصائب السُّلْطَانِيَّة والخليفية على رَأسه وَبَين يَدَيْهِ الْحجاب وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء وفرسه بِالرَّقَبَةِ بالشبابة وَصعد القلعة هَكَذَا.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الإِمَام شرف الدّين حسن بن الْحَافِظ أبي مُوسَى بن الْحَافِظ الْكَبِير عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ فَجْأَة، كَانَ شَيخا مُبَارَكًا.
وَمَات فَخر الدّين عَليّ بن سُلَيْمَان طَالب بن كثيرات بِدِمَشْق وَمَات بالإسكندرية الصَّالح الْقدْوَة الشَّيْخ ياقوت الحبشي الإسكندري الشاذلي، وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة، وَقد جَاوز الثَّمَانِينَ، كَانَ من أَصْحَاب أبي الْعَبَّاس المرسي.
وفيهَا: فِي رَجَب مَاتَ الإِمَام الصَّالح عز الدّين عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ الْعِزّ إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي عمر الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ سمع أَبَاهُ وَابْن عبد الدَّائِم وَجَمَاعَة، وَكَانَ خيرا بشوشاً رَأْسا فِي الْفَرَائِض.
وَمَات بِدِمَشْق الناصح مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن قَاسم الدِّمَشْقِي النَّقِيب الجنائزي، كَانَ خَبِيرا بألقاب النَّاس يحصل الدَّرَاهِم وَالْخلْع ويتقيه النَّاس عفى الله عَنهُ.
وَمَات بِمصْر فَخر الدّين بن مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب المماليك نَاظر الجيوش المصرية، كَانَ لَهُ بر وَعَدَمه النَّاس وَعرفُوا قدره بوفاته فَإِنَّهُ كَانَ يُشِير على السُّلْطَان بالخيرات وَيرد عَن النَّاس أموراً معظمات.
قلت:
(وَكم أُمُور حدثت بعده
…
حَتَّى بَكت حزنا عَلَيْهِ الرتوت)
(لَو لم يمت مَا عرفُوا قدره
…
مَا يعرف الْإِنْسَان حَتَّى يَمُوت)
سمع من ابْن الأبرقوهي واحتيط على حواصله وَمَات شيخ الْقُرَّاء شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحي بن أبي الحزم سبط السلعوس النابلسي ثمَّ الدِّمَشْقِي ببستانه بِبَيْت لهيا، وَكَانَ سَاكِنا وقوراً.
وَمَات بِمصْر الْأَمِير سيف الدّين إيجية الدواتدار الناصرية الْفَقِيه الْحَنَفِيّ كهلاً، وَولي المنصب بعده الْأَمِير صَلَاح الدّين يُوسُف بن الأسعد، ثمَّ عزل بعد مُدَّة.
وفيهَا: فِي شعْبَان كَانَ عرس الْملك مُحَمَّد بن السُّلْطَان على زَوجته بنت بكتمر الساقي وسوارها ألف ألف دِينَار مصرية، وَذبح خيل وجمال وبقر وغنم وأوز ودجاج فَوق عشْرين ألف رَأس وَحمل لَهُ ألف قِنْطَار شمع وَعقد لَهُ ثَمَانِيَة عشر ألف قِنْطَار حلوى سكرية وَأنْفق على هَذَا الْعرس أَشْيَاء لَا تحصى.
وَمَات: بِالْقَاهِرَةِ جمال الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين مُحَمَّد بن مَالك الطَّائِي الجياني بلغ الْخمسين، وَسمع من ابْن النجاري جرأ خرجه لَهُ عَمه، وَله نظم جيد وَله يحدث.
وَمَات الْأَمِير سيف الدّين ساطي صهر سلار من الْعُقَلَاء وَفِيه ديانَة وَله حُرْمَة وافرة وَمَات بِدِمَشْق أَمِين الدّين سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّبِيب تلميذ الْعِمَاد الدنيسري كَانَ سعيداً فِي علاجه وَحصل أَمْوَالًا.
قلت:
(مَاتَ سُلَيْمَان الطَّبِيب الَّذِي
…
أعده النَّاس لسوء المزاج)
(لم يفده طب وَلم يغنه
…
علم وَلم يَنْفَعهُ حسن العلاج)
كَانَ مقدما على المداواة ودرس بالدخوارية مُدَّة وعاش نَحْو سبعين سنة.
وَفِيه: طَغى مَاء الْفُرَات وارتفع وَوصل إِلَى الرحبة وَتَلفت زروع، وانكسر السكر بدير بسير كسرا ذرعه اثْنَان وَسَبْعُونَ ذِرَاعا وَحصل تألم عَظِيم وَعمِلُوا السكر فَلَمَّا قَارب الْفَرَاغ انْكَسَرَ مِنْهُ جَانب وغلت الأسعار بِهَذَا السَّبَب وتعب النَّاس بصعوبة هَذَا الْعَمَل.
وفيهَا: فِي رَمَضَان أَمر بِدِمَشْق الْأَمِير عَليّ بن نَائِب دمشق سيف الدّين تنكز وَلبس الخلعة عِنْد قبر نور الدّين الشَّهِيد الْمَشْهُور بإجابة الدُّعَاء عِنْده، وَمَشى الْأُمَرَاء فِي خدمته إِلَى العتبة السُّلْطَانِيَّة فقبلها.
وَفِيه: نقل من دمشق إِلَى كِتَابَة السِّرّ بالأبواب السُّلْطَانِيَّة القَاضِي شرف الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ شهَاب الدّين مَحْمُود، وَنقل إِلَى دمشق القَاضِي محيي الدّين بن فضل الله وَولده وَمَات بِدِمَشْق فَجْأَة الْأَمِير سيف الدّين بلبان العنقاوي الزراق السَّاكِن بالسبعة، وَقد جَاوز السّبْعين من أُمَرَاء الْأَرْبَعين وَمَات شيخ الْقُرَّاء ذُو الْفُنُون برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عمر الجعبري الشَّافِعِي بالخليل ومولده سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة، وتصانيفه كَثِيرَة إشتغل بِبَغْدَاد، وَقَرَأَ التَّعْجِيز على مُصَنفه بالموصل وَأقَام شَيخا أَرْبَعِينَ سنة.
وَمَات: بِمصْر الْأَمِير سيف الدّين سلامش الظَّاهِرِيّ أَمِير خمسين وَقد قَارب التسعين، وَكَانَ دينا صَالحا.
وفيهَا: فِي شَوَّال توجه السُّلْطَان لِلْحَجِّ بأَهْله ومعظم أمرائه فِي حشمة عَظِيمَة، وَمَات الإِمَام شهَاب الدّين أَبُو أَحْمد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَسْكَر الْمَالِكِي مدرس المستنصرية بِبَغْدَاد وَله مصنفات فِي الْفِقْه، وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق ولد فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين بِبَاب الأزج.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران السَّعْدِيّ الْمصْرِيّ بن الأخنائي بالعادلية بِدِمَشْق وَدفن بسفح قاسيون، كَانَ من شُهُود الخزانة بِمصْر ثمَّ جعل حَاكما بالإسكندرية ثمَّ بِدِمَشْق وَكتب الحكم لِابْنِ دَقِيق الْعِيد ولازم الدمياطي مُدَّة وَسمع من أبي بكر بن الْأنمَاطِي وَجَمَاعَة ومولده عَاشر رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة.
وَكَانَ عفيفاً فَاضلا عَاقِلا نزهاً متديناً محباً للْحَدِيث وَالْعلم، شرح بعض كتاب البُخَارِيّ.
وَفِيه: وَفِي النّيل قبل النيروز بِثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا وَبلغ أحد عشر من تِسْعَة عشر وَهَذَا لم يعْهَد من سِتِّينَ سنة وغرق أَمَاكِن وأتلف للنَّاس من الْقصب مَا يزِيد على ألف ألف دِينَار وَثَبت على الْبِلَاد أَرْبَعَة أشهر.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة مَاتَ قطب الدّين مُوسَى بن أَحْمد بن حسان ابْن الشَّيْخ السلامية.
وَكَانَ نَاظر الْجَيْش الشَّامي وَمرَّة الْمصْرِيّ، وَدفن بتربة أَنْشَأَهَا بِجنب جَامع الأفرم وعاش اثْنَتَيْنِ وَسبعين ورثاه عَلَاء الدّين بن غَانِم.
وَمَات الشَّيْخ الصَّالح الْمقري شمس الدّين مُحَمَّد بن النَّجْم أبي تغلب بن أَحْمد بن أبي تغلب الفاروثي وَيعرف بالمربي، جَاوز الثَّمَانِينَ، كَانَ معلما فِي صَنْعَة الأقباع ويقرئ
صبيانه وَيَتْلُو كثيرا، قَرَأَ بالسبع على الْكَمَال الْمحلي قَدِيما، وَمَات الْعَلامَة الْخَطِيب جمال الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن مظفر بن حَمَّاد الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي خطيب جَامع حماه كَانَ عَالما دينا سمع جُزْء الْأنْصَارِيّ من مؤهل البالسي والمقدار الْقَيْسِي وَحدث واشتغل وَأفْتى، وَكَانَ على قدم من الْعَادة والإفادة رَحمَه الله تَعَالَى.
وَمَات الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن قَاضِي الْقُضَاة الْحَافِظ سعد الدّين مَسْعُود بن أَحْمد الْحَارِثِيّ بِالْقَاهِرَةِ تصدر للأقراء وَحج مَرَّات وجاور وَسمع من الْعِزّ الْحَرَّانِي وَجَمَاعَة.
وَكَانَ ذَا تعبد وتصون وجلالة، قَرَأَ النَّحْو على ابْن النّحاس وَالْأُصُول على ابْن دَقِيق الْعِيد، ومولده سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة، وَولي بعده تدريس المنصورية قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين.
وَمَات كَبِير الْأُمَرَاء سيف الدّين بكتمر الناصري الساقي بعد قَضَاء حجه وَابْنه الْأَمِير أَحْمد أَيْضا وَخلف مَا لَا يُحْصى كَثْرَة، مَاتَا بعيون الْقصب بطرِيق مَكَّة ونقلا إِلَى تربَتهَا بالقرافة.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي الْمحرم أطلق الصاحب شمس الدّين غبريال بعد مصادرة كَثِيرَة.
وَمَات بِدِمَشْق نقيب الْأَشْرَاف شرف الدّين عدنان الْحُسَيْنِي ولي النقابة على الْأَشْرَاف بعد موت أَبِيه وَاسْتمرّ بهَا تسع عشرَة سنة وهم بَيت تشيع.
وفيهَا: فِي صفر وصل الْخَبَر بِمَوْت مُحدث بَغْدَاد تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن عَليّ بن مَحْمُود بن مقبل الدقوقي كَانَ يحضر مَجْلِسه خلق كثير لفصاحته وَحسن آدابه، وَله نظم وَولى مشيخة المستنصرية وَحدث عَن الشَّيْخ عبد الصَّمد وَجَمَاعَة وَكَانَ يعظ وَحمل نعشه على الرؤس وَمَا خلف درهما.
وَفِيه: قدم أَمِين الْملك عبد الله الصاحب على نظر دمشق وَهُوَ سبط السديد الشَّاعِر.
وَمَات: بِدِمَشْق الشَّيْخ كَمَال الدّين عمر بن إلْيَاس المراغي، كَانَ عَالما عابداً سمع منهاج الْبَيْضَاوِيّ من مُصَنفه.
وفيهَا: فِي ربيع الأول ولي الْقَضَاء بِدِمَشْق الْعَلامَة جمال الدّين يُوسُف بن جملَة بعد الأخنائي.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر توجه القَاضِي محيي الدّين بن فضل الله وَابْنه إِلَى الْبَاب الشريف وتحول إِلَى مَوْضِعه بِدِمَشْق القَاضِي شرف الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود وَولي نقابة الْأَشْرَاف بِدِمَشْق عماد الدّين مُوسَى بن عدنان، وَفِي خَامِس عشر شعْبَان من سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة دخل الْأَمِير بدر الدّين لُؤْلُؤ القندشي إِلَى حلب شاداً على المملكة وعَلى يَده تَذَاكر وصادر المباشرين وَغَيرهم.
وَمِنْهُم النَّقِيب بدر الدّين مُحَمَّد بن زهرَة الْحُسَيْنِي وَالْقَاضِي جمال الدّين سُلَيْمَان بن رَيَّان نَاظر الْجَيْش وناظر الدّين مُحَمَّد بن قرناص عَامل الْجَيْش وَعَمه المحبي عبد الْقَادِر عَامل المحلولات والحاج وَإِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن العزازي والحاج عَليّ بن السقا وَغَيرهم، وَاشْتَدَّ بِهِ الْخطب وانزعج بِهِ النَّاس كلهم حَتَّى البريؤن وقنت النَّاس فِي الصَّلَوَات وَقلت فِي ذَلِك:
(قلبِي لعمر الله مَعْلُول
…
بِمَا جرى للنَّاس مَعَ لولو)
(يَا رب قد شرد عَنَّا الْكرَى
…
سيف على الْعَالم مسلول)
(وَمَا لهَذَا السَّيْف من مغمد
…
سواك يَا من لطفه السول)
كَانَ لُؤْلُؤ هَذَا مَمْلُوكا لقندش ضَامِن المكوس بحلب ثمَّ ضمن هُوَ بعد أستاذه الْمَذْكُور ثمَّ صَار ضَامِن الْعداد ثمَّ صَار أَمِير عشرَة، ثمَّ أَمِير طبلخانات ثمَّ صَار مِنْهُ مَا صَار ثمَّ أَنه عزل وَنقل إِلَى مصر وأراح الله أهل حلب مِنْهُ فَعمل بِمصْر أقبح من عمله بحلب وَتمكن وعاقب حَتَّى نسَاء مخدرات وصادر خلقا.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى مَاتَ عز الْقُضَاة فَخر الدّين بن الْمُنِير الْمَالِكِي من الْعلمَاء ذَوي النّظم والنثر، وَألف تَفْسِيرا وأرجوزة فِي السَّبع، وَمَات قَاضِي المجدل بدر الدّين مُحَمَّد بن تَاج الدّين الجعبري.
وَمَات قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة الْكِنَانِي الْحَمَوِيّ بِمصْر لَهُ معرفَة بفنون وعدة مصنفات حسن الْمَجْمُوع كَانَ ينطوي على دين وَتعبد وتصون وتصوف وعقل ووقار وجلالة وتواضع، درس بِدِمَشْق ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس ثمَّ قَضَاء الديار المصرية ثمَّ قَضَاء الشَّام ثمَّ قَضَاء مصر، وَولي مشيخة الحَدِيث بالكاملية ومشيخة الشُّيُوخ وحمدت سيرته ورزق الْقبُول من الْخَاص وَالْعَام وَحج مَرَّات وتنزه عَن مَعْلُوم الْقَضَاء لغناه مُدَّة وَقل سَمعه فِي الآخر قَلِيلا فعزل نَفسه ومحاسنه كَثِيرَة.
وَمن شعره:
(لم أطلب الْعلم للدنيا الَّتِي ابْتَغَيْت
…
من المناصب أَو للجاه وَالْمَال)
(لَكِن مُتَابعَة الأسلاف فِيهِ كَمَا
…
كَانُوا فَقدر مَا قد كَانَ من حَالي)
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة مَاتَ الرئيس تَاج الدّين طالوت بن نصير الدّين بن الْوَجِيه بن سُوَيْد بِدِمَشْق حدث عَن عمر القواس، وعاش خمسين سنة وَهُوَ سبط الصاحب جمال الدّين بن صصرى، وَكَانَ فِيهِ دين وبر وَله أَمْوَال، وَمَات الْعَلامَة مفتي الْمُسلمين شهَاب بن أَحْمد بن جهبل الشَّافِعِي بِدِمَشْق، درس بالصلاحية، وَولي مشيخة الظَّاهِرِيَّة ثمَّ تدريس الباذرانية، وَله محَاسِن وفضائل وَمَات الْأَمِير علم الدّين طرقشي المشد بِدِمَشْق.
وفيهَا: فِي رَجَب مَاتَ الشَّيْخ الإِمَام الْقدْوَة تَاج الدّين بن مَحْمُود الفارقي بِدِمَشْق عَاشَ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سنة، وَكَانَ عابداً عَاقِلا فَقِيها عفيف النَّفس كَبِير الْقدر، ملازماً للجامع
عالج الصّرْف مُدَّة، ثمَّ ترك وأتجر فِي البضائع وَحدث عَن عمر بن القواس وَغَيره، وَمَات صاحبنا الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن بدر حسن بن المرواني إِلَى نَائِب بعلبك، ثمَّ وَالِي الْبر بِدِمَشْق، وَكَانَ فِيهِ دين كثير التِّلَاوَة محباً للفضل والفضلاء، ولي وَالِده النِّيَابَة بقصير أنطاكية طَويلا وَبهَا مَاتَ.
وفيهَا: فِي شعْبَان مَاتَ الْخَطِيب بالجامع الْأَزْهَر عَلَاء الدّين بن عبد المحسن بن قَاضِي الْعَسْكَر الْمدرس بالظاهرية والأشرفية بالديار المصرية.
وَفِيه: دخل القَاضِي تَاج الدّين مُحَمَّد بن الزين حلب مُتَوَلِّيًا كِتَابَة السِّرّ وَلبس الخلعة وباشر وَأَبَان عَن تعفف عَن هَدَايَا النَّاس.
وفيهَا: فِي رَمَضَان مَاتَ بِدِمَشْق الْأَمِير عَلَاء الدّين أوران الْحَاجِب وَكَانَ ينطوي على ظلم من أَوْلَاد الأكراد.
وَمَات: بحماه زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن الْبَارِزِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْوَلِيّ، كَانَ وَكيل بَيت المَال بهَا، وَبنى بهَا جَامعا وَكَانَت لَهُ مكانة مُرُوءَة ومنزلة عِنْد صَاحب حماه.
وَمَات مُسْند الشَّام المعمر تَاج الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْمُحدث تَقِيّ الدّين إِدْرِيس، كَانَ فِيهِ خير وديانة.
وَمَات: بحماه شيخ الشُّيُوخ فَخر الدّين عبد الله بن التَّاج كَانَ صواماً عابداً ذَا سكينَة سمع من وَالِده.
وَمَات الإِمَام المؤرخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ، وَله تَارِيخ فِي ثَلَاثِينَ مجلداً كَانَ ينْسَخ فِي الْيَوْم ثَلَاثَة كراريس وفضيلته تَامَّة عَاشَ خمسين سنة.
وَمَات الإِمَام جمال الدّين حُسَيْن بن مَحْمُود الربعِي البالسي بِالْقَاهِرَةِ قَرَأَ بالروايات، وَكَانَ شيخ الْقُرَّاء، وَله وظائف كَثِيرَة أَو بالشجاعي ثمَّ أم بالسلطان نيفاً وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ عَالما كثير التَّهَجُّد.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة أَخذ حَاجِب الْعَرَب بِدِمَشْق عَليّ بن مقلد فَضرب وَحبس وَأخذ مَاله وَقطع لِسَانه وعزل نَاصِر الدّين الدواتدار وَضرب وصودر وأخد مِنْهُ مَال جزيل وَأبْعد إِلَى الْقُدس ثمَّ قطع لِسَان ابْن مقلد مرّة ثَانِيَة فَمَاتَ آخر الْيَوْم.
قلت:
(أوصيك فَإِن قبلت مني
…
أفلحت ونلت مَا تحب)
(لَا تدن من الْمُلُوك يَوْمًا
…
فالبعد من الْمُلُوك قرب)
وَمَات: بحلب أَمِين الدّين عبد الرَّحْمَن الْفَقِيه الشَّافِعِي المواقيتي سبط الْأَبْهَرِيّ، وَكَانَ لَهُ يَد طولى فِي الرياضي وَالْوَقْت والعمليات ومشاركة فِي فنون، وَكَانَ عِنْده لعب فنفق عِنْد
الْملك الْمُؤَيد بحماه، وَتقدم ثمَّ بعده تَأَخّر وتحول إِلَى حلب وَمَات بهَا.
قلت: وَأهل حماه يطعنون فِي عقيدته ويعجبني بيتان الثَّانِي مِنْهُمَا مضمن لَا لِكَوْنِهِمَا فِيهِ فَإِن سَرِيرَته عِنْد الله بل لحسن صناعتهما وهما:
(إِلَى حلب خُذ عَن حماه رِسَالَة
…
أَرَاك قبلت الْأَبْهَرِيّ المنجما)
(فَقولِي لَهُ ارحل لَا تقيمن عندنَا
…
وَإِلَّا فَكُن فِي السِّرّ والجهر مُسلما)
وَمَات: الزَّاهِد الْوَلِيّ أَبُو الْحسن الوسطي العابد محرما ببدر قيل أَنه حج، وَله ثَمَان عشرَة سنة، ثمَّ لَازم الْحَج، وجاور مَرَّات، وَكَانَ عَظِيم الْقدر منقبضاً عَن النَّاس.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة مَاتَ الْأَمِير الْكَبِير مغلطاي، كَانَ مقدم ألف بِدِمَشْق وَمَاتَتْ الشيخة المسندة الجليلة أم مُحَمَّد أَسمَاء بنت مُحَمَّد بن صصري أُخْت قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين سَمِعت وَحدثت وَكَانَت مباركة كَثِيرَة الْبر وحجت مَرَّات، وَكَانَت تتلو فِي الْمُصحف وتتعبد.
قلت:
(كَذَلِك فلتكن أُخْت ابْن صصري
…
تفوق على النِّسَاء صبي وشيبا)
(طراز الْقَوْم انثى مثل هذي
…
وَمَا التَّأْنِيث لاسم الشَّمْس عَيْبا)
وَمَات أَيْضا بِدِمَشْق عز الدّين إِبْرَاهِيم بن القواس بالعقيبة، ووقف دَاره مدرسة وَأمْسك حَاجِب مصر سيف الدّين الماس أَخُوهُ قُرَّة تمر وَوجد لَهما مَال عَظِيم.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة: فِي أول الْمحرم مِنْهَا أفرج عَن الْأَمِير بدر الدّين القرماني والأمير سيف الدّين إِسْلَام وأخيه وخلع عَلَيْهِم.
وَتُوفِّي بالقدس خَطِيبه وقاضيه الشَّيْخ عماد الدّين عمر النابلسي.
وفيهَا: فِي صفر مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان الْأَذْرَعِيّ الشَّافِعِي، ويكنى أَبَا دَاوُد أَيْضا بالسكتة، ولي الْقَضَاء بِمصْر ثمَّ بِالشَّام مُدَّة، وَكَانَ عَلَيْهِ سكينَة ووقار، وأحضر نَاصِر الدّين الدواتدار إِلَى مخدومه سيف الدّين تنكز فَضرب وأهين وكمل عَلَيْهِ مَال يقوم بِهِ وحصلت صعقة أتلفت الكروم والخضروات بغوطة دمشق.
وَمَات الْأَمِير سيف الدّين صلعنة الناصري، وَكَانَ دينا يبْدَأ النَّاس بِالسَّلَامِ فِي الطرقات.
وَمَات بطرابلس نائبها الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي المنصوري من كبار الْأُمَرَاء، حج وَأنْفق كثيرا فِي سبل الْخَيْر رَحمَه الله تَعَالَى.
وَمَات: بحماه قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَبُو الْقَاسِم عمر بن الصاحب كَمَال الدّين الْعقيلِيّ الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن العديم، وَكَانَ لَهُ فنون وأدب وَخط وَشعر ومروءة غزيرة، وعصبية لم تحفظ عَلَيْهِ أَنه شتم أحدا مُدَّة ولَايَته وَلَا خيب قاصده.
قلت:
(قد كَانَ نجم الدّين شمساً أشرقت
…
بحماه للداني بهَا وَالْقَاضِي)
(عدمت ضِيَاء ابْن العديم فأنشدت
…
مَاتَ الْمُطِيع فيا هَلَاك العَاصِي)
وفيهَا: فِي ربيع الأول توفّي الْأَمِير سيف الدّين طرنا الناصري أَمِير مائَة ألف مقدم بِدِمَشْق.
وَمَات: جمال الدّين فرج بن شمس الدّين قرا سنقر المنصوري ورسم تنكز نَائِب السلطنة بعمارة بَاب توما وإصلاحه فعمر عمَارَة حَسَنَة وَرفع نَحْو عشرَة أَذْرع ووسع وجدد بَابه.
وفيهَا: فِي ربيع الآخر وصل جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك إِلَى طرابلس نَائِبا بهَا عوضا عَن طرطاي رَحمَه الله تَعَالَى، وَوصل سيل إِلَى ظَاهر دمشق هدم بعض المساكن وَخَافَ النَّاس مِنْهُ، ثمَّ نقص يَوْمه ولطف الله تَعَالَى.
وَتوفيت أم الْخَيْر خَدِيجَة المدعوة ضوء الصَّباح، وَكَانَت تكْتب تخطها فِي الإجازات ودفنت بالقرافة.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى توفّي الْفَاضِل بدر الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين أبي بكر الْحَمَوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن السمين بحماه، وَكَانَ أَبوهُ من فصحاء الْقُرَّاء رحمهمَا الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة توفّي بحلب شرف الدّين أَبُو طَالب عبد الرَّحْمَن بن القَاضِي عماد الدّين بن العجمي سمع الشمايل على وَالِده وَحدث وَأقَام مَعَ وَالِده بِمَكَّة فِي صباه أَربع سِنِين.
وَكَانَ شَيخا مُحْتَرما من أَعْيَان الْعُدُول وَعِنْده سَلامَة صدر رَحمَه الله تَعَالَى. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن الصَّيْمَرِيّ بن وَاقِف المارستان بالصالحية.
وفيهَا: فِي رَجَب وصل كتاب من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة يذكر فِيهِ أَن وَادي العقيق سَالَ من صفر وَإِلَى الْآن، وَدخل السَّيْل قبَّة حَمْزَة رضي الله عنه وَبَقِي النَّاس عشْرين يَوْمًا مَا يصلونَ إِلَى الْقبَّة وَأخذ نخلا كثيرا وَخرب أَمَاكِن، وَمَات الْأَمِير عز الدّين نقيب العساكر المصرية وَدفن بالقرافة، وَمَات الْأمين نَاصِر الدّين بن سُوَيْد التكريتي سمع على جمَاعَة من أَصْحَاب ابْن طبرزد وَحدث وَكَانَ لَهُ بر وصدقات وَحج مَرَّات وجاور بِمَكَّة، وَمَات الشَّيْخ الْعَالم الرباني الزَّاهِد بَقِيَّة السّلف نجم الدّين اللَّخْمِيّ (القبائي) الْحَنْبَلِيّ بحماه وَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة وَحمل على الرؤوس سمع مُسْند الدَّارمِيّ وَحدث.
وَكَانَ فَاضلا فَقِيها فرضياً جليل الْقدر وفضائله وتقلله من الدُّنْيَا وزهده مَعْرُوف نفعنا الله ببركته والقباب الْمَنْسُوب إِلَيْهَا قَرْيَة من قرى أشوم الرُّمَّان مُتَّصِلَة بثغر دمياط.
قلت: وَقدم مرّة إِلَى الفوعة وأنابها فَسَأَلَنِي عَن الأكدرية إِذا كَانَ بدل الْأُخْت خُنْثَى
فأجبت أَنَّهَا بِتَقْدِير الْأُنُوثَة تصح من سَبْعَة وَعشْرين وَبِتَقْدِير الذُّكُورَة تصح من سِتّ وَالْأُنُوثَة تضر الزَّوْج وَالأُم، والذكورة تضر الْجد وَالْأُخْت وَبَين الْمَسْأَلَتَيْنِ مُوَافقَة بِالثُّلثِ فَيضْرب ثلث السَّبْعَة وَالْعِشْرين وَهُوَ تِسْعَة فِي السِّتَّة تبلغ أَرْبَعَة وَخمسين وَمِنْهَا تصح المسألتان المزوج ثَمَانِيَة عشر وَالأُم اثْنَي عشر وللجد تِسْعَة وَلَا يصرف إِلَى الْخُنْثَى شَيْء وَالْمَوْقُوف خَمْسَة عشر وَفِي طريقها طول لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه فأعجب الشَّيْخ رَحمَه الله تَعَالَى ذَلِك.
وفيهَا: فِي شعْبَان مَاتَ فَجْأَة الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي أَخذ علم الحَدِيث عَن ابْن دَقِيق الْعِيد والدمياطي وَكَانَ أحد الأذكياء الْحفاظ لَهُ النّظم والنثر والبلاغة والتصانيف المتقنة وَكَانَ شيخ الظَّاهِرِيَّة وخطيب جَامع الخَنْدَق.
وفيهَا: يَوْم الْجُمُعَة التَّاسِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان انْفَصل القَاضِي جمال الدّين يُوسُف بن جملَة الحجي الشَّافِعِي من قَضَاء دمشق وَعقد لَهُ مجْلِس عِنْد نَائِب السلطنة تنكز وَحكم بعزله لكَونه غزر الشَّيْخ الظهير الرُّومِي فجاوز فِي تعزيره الْحَد ورسم على القَاضِي الْمَذْكُور بالعذراوية، ثمَّ نقل إِلَى القلعة فَأن القَاضِي الْمَالِكِي حكم بحبسه وطولع السُّلْطَان بذلك فَأمر بتنفيذه.
قلت: وأعجب بعض النَّاس حَبسه أَولا، ثمَّ رَجَعَ النَّاس إِلَى أنفسهم فأكبروا مثل ذَلِك.
وَمِمَّا (قلت) فِيهِ:
(دمشق لَا زَالَ ربعهَا خضر
…
بعدلها الْيَوْم يضْرب الْمثل)
(فضا من المكس مُطلق فَرح
…
فِيهَا وقاضي الْقُضَاة معتقل)
وَنفي الشَّيْخ الظهير إِلَى بِلَاد الْمشرق، وَكَانَت مُدَّة ولَايَة القَاضِي الْمَذْكُور سنة وَنصفا سوى أَيَّام فَكَانَ النَّاس يرَوْنَ أَن حادثه القَاضِي وحبسه بالقلعة بقيامه على ابْن تَيْمِية جَزَاء وفَاقا.
وَمَات الشَّيْخ سيف الدّين يحيى بن أَحْمد بن أبي نصر مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلي بحماه.
وَكَانَ شهماً سخياً رَحمَه الله تَعَالَى، وَفِي منتصف الشَّهْر وجد بِالْقَاهِرَةِ يَهُودِيّ مَعَ مسلمة من بَنَات التّرْك فرجم الْيَهُودِيّ وَأحرقهُ وَأخذ مَاله كُله، وَكَانَ متمولاً وحبست الْمَرْأَة.
قلت:
(هَذَا تعدى طوره
…
فناله مَا ناله)
(فأعدموه عرضه
…
وروحه وَمَاله)
وَحكى لي عدل أَنه أَخذ مِنْهُ ألف ألف دِرْهَم وَثَلَاث صواني زمرد.
وعزل الْأَمِير سيف الدّين بلبان عَن ثغر دمياط وَأخذ مِنْهُ مَال وَحبس.
وفيهَا: فِي شَوَّال توفّي الصاحب شمس الدّين غبريال وَكَانَ قد أَخذ مِنْهُ ألفا ألف دِرْهَم، وَكَانَ حسن التَّدْبِير فِي الدنيويات وَأسلم سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة هُوَ وَأمين الْملك مَعًا.
وَفِيه: بِالْقَاهِرَةِ خصي عبد أسود كَانَ يتَعَرَّض إِلَى أَوْلَاد النَّاس فَمَاتَ.
قلت:
(يُعجبنِي وَفَاة من
…
فِيهِ فَسَاد وأذى)
(لَا حبذا حَيَاته
…
وَإِن يمت فحبذا)
وَمَات الإِمَام شمس الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الْأَصْفَهَانِي الْمَعْرُوف بِابْن العجمي الْحَنَفِيّ، كَانَ مدرساً بالإقبالية وَحدث بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة، ودرس أَيْضا بِالْمَدْرَسَةِ الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وَحدث بِدِمَشْق وَكَانَ فَاضلا وَجمع منسكاً على الْمذَاهب.
وَمَات الشَّيْخ الزَّاهِد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشّرف صَالح بحماه أَقَامَ أَكثر من ثَلَاثِينَ سنة لَا يَأْكُل الْفَاكِهَة وَلَا اللَّحْم، وَكَانَ ملازماً للصَّوْم لَا يقبل من أحد شَيْئا.
قلت:
(زرته مرَّتَيْنِ وَالْحَمْد لله
…
فعاينت خير تِلْكَ الزِّيَارَة)
(كَانَ فِيهِ تواضع وَسُكُون
…
وَصَلَاح باد وَحسن عبارَة)
وَفِيه: كتب بِدِمَشْق محْضر بِأَن الصاحب غبريال كَانَ احتاط على بَيت المَال وَاشْترى أملاكاً ووقفها وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك فَشهد بذلك جمَاعَة مِنْهُم ابْن الشِّيرَازِيّ وَابْن أَخِيه عماد الدّين وَابْن مراجل وَأثبت عِنْد برهَان الدّين الرزمي ونفذه وَامْتنع الْمُحْتَسب عز الدّين بن القلانسي من الشَّهَادَة بذلك فرسم عَلَيْهِ وعزل من الْحِسْبَة.
قلت:
(فديت أمرا قد راقب الله ربه
…
وأفسد دُنْيَاهُ لإِصْلَاح دينه)
(وعزل الْفَتى فِي الله أكبر منصب
…
يَقِيه الَّذِي يخْشَى بِحسن يقينه)
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة تولى قَضَاء قُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق شهَاب الدّين مُحَمَّد بن الْمجد عبد الله بن الْحُسَيْن، درس وَأفْتى قَدِيما وضاهى الْكِبَار وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال وَهُوَ على مَا فِيهِ غزير الْمُرُوءَة سخي النَّفس متطلع إِلَى قَضَاء حوائج النَّاس، وَاسْتمرّ قَاضِيا إِلَى أَن كَانَ مَا سَيذكرُ.
توجه مهنا بن عِيسَى أَمِير الْعَرَب إِلَى طَاعَة السُّلْطَان بعد النفرة الْعَظِيمَة عَنهُ سِنِين وَمَعَهُ صَاحب حماه الْملك الْأَفْضَل فَأقبل السُّلْطَان على مهنا وخلع عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه مائَة وَسِتِّينَ خلعة ورسم لَهُ بِمَال كثير من الذَّهَب وَالْفِضَّة والقماش وأقطعه عدَّة قرى وَعَاد إِلَى أَهله مكرماً.
وفيهَا مَاتَ: المجود الأديب بدر الدّين حسن بن عَليّ بن عدنان الحمداني ابْن الْمُحدث.
وفيهَا: أَظن فِي ذِي الْحجَّة مَاتَ القَاضِي مجد الدّين حرمي بن قَاسم الفاقوسي لشافعي وَكيل بَيت المَال ومدرس قبَّة الشَّافِعِي.
وَكَانَ معمراً وألزمت النَّصَارَى وَالْيَهُود بِبَغْدَاد بالغيار ثمَّ نقضت كنائسهم ودياراتهم وَأسلم مِنْهُم وَمن أعيانهم خلق كثير مِنْهُم سديد الدولة وَكَانَ ركنا للْيَهُود عمر فِي زمن يَهُودِيَّته مدفناً لَهُ خسر عَلَيْهِ مَالا طائلاً فخرب مَعَ الْكَنَائِس وَجعل بعض الْكَنَائِس معبدًا للْمُسلمين، وَشرع فِي عمَارَة جَامع بدرب دِينَار، وَكَانَت بيعَة كَبِيرَة جدا واشتهر عَن جمَاعَة من الْعَوام فِي قَرْيَة بتي بالعراق أَنهم دخلُوا على مَرِيض مِنْهُم فَجعل يَصِيح أَخَذَنِي المغول خلصوني مِنْهُم وَكرر ذَلِك فاختلس من بَينهم حَيا فَكَانَ آخر عَهدهم بِهِ.
وَكَانَ الرجل من فُقَهَاء الْقرْيَة يتَوَلَّى عُقُود أنكحتهم إِن فِي ذَلِك لعبرة، وَأطلق بِبَغْدَاد مكس الْغَزل وَضَمان الْخمر والفاحشة وَأعْطيت الْمَوَارِيث لِذَوي الْأَرْحَام دون بَيت المَال وخفف كثير من المكوس وَللَّه الْحَمد.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا رجح حسام الدّين مهنا من مصر مكرماً.
وَمَات الْأَمِير بدر الدّين كيكلدي عَتيق شمس الدّين الأعسر بِدِمَشْق وَخلف أَوْلَادًا وأملاكاً.
وَمَات الْأَمِير بكتمر الحسامي بِمصْر، جدد جَامع قلعة مصر.
وَمَات الْملك الْعَزِيز بن الْملك المغيث بن السُّلْطَان الْملك الْعَادِل بن الْكَامِل كتب الْكثير وَعمر.
وفيهَا: فِي صفر وصل إِلَى دمشق كَاتب السِّرّ القَاضِي جمال الدّين عبد الله بن القَاضِي كَمَال الدّين بن الْأَثِير صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء بَدَلا عَن شرف الدّين حفيد الشهَاب مَحْمُود.
وَمَات شيخ المؤذنين وأنداهم صَوتا برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الواني سمع من ابْن عبد الدَّائِم وَجَمَاعَة وَحدث.
وَمَات: بِدِمَشْق الْمسند المعمر بدر الدّين عبد الله بن أبي الْعَيْش الشَّاهِد وَقد جَاوز التسعين سمع من مسكي بن قيس بن عَلان، وَكَانَ يطْلب على السماع وَتفرد بأَشْيَاء.
وَمَات: بِدِمَشْق تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن الفويرة الْحَنَفِيّ.
وفيهَا: فِي صفر أَمر السُّلْطَان بتسمير رجل سَاحر اسْمه إِبْرَاهِيم.
وفيهَا: فِي ربيع الأول مَاتَ الشَّيْخ أَبُو بكر بن غَانِم بالقدس، وَكَانَ لَهُ مَكَارِم، ونظم
وَمَات الْمُحدث أَمِين الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الواني روى عَن الشّرف ابْن عَسَاكِر وَغَيره، وَكَانَ ذَا همة ورحلة وَحج ومجاورة وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة وطاب الثَّنَاء عَلَيْهِ.
وَمَات نظام الدّين حسن ابْن عَم الْعَلامَة كَمَال الدّين بن الزملكاني وَقد جَاوز الْخمسين، وَكَانَ مليح الشكل لطيف الْكَلَام نَاظرا بديوان الْبر.
وَمَات كَبِير المجودين وَدين الْخَطِيب بهاء الدّين مَحْمُود بن خطيب بعلبك السّلمِيّ بِالْعقبَةِ، وتأسف النَّاس عَلَيْهِ لدينِهِ وتواضعه وَحسن شكله وبراعة خطه وعفته وتصونه كتب عَلَيْهِ خلق، وَكتب صَحِيح البُخَارِيّ بِخَطِّهِ. وَعمر الْأَمِير حَمْزَة بِدِمَشْق حَماما عِنْد القنوات وأدير فِيهِ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ جزناً وأوجر كل يَوْم بِأَرْبَعِينَ درهما، وَعظم حَمْزَة وَأَقْبل عَلَيْهِ تنكز بعد الدواتدار، ثمَّ طَغى وتجبر وظلم وَعظم الْخطب بِهِ فَضَربهُ تنكز وحبسه، وَنقل إِلَى القلعة ثمَّ حبس بِحَبْس بَاب الصَّغِير، ثمَّ أطلق أَيَّامًا وصودر، ثمَّ أهلك سرا بالبقاع قيل غرق وَقطع لِسَانه من أَصله وَهُوَ الَّذِي أتلف أَمر الدواتدار وَابْن مقلد وَابْن جملَة، وَله حكايات فِي ظلمه وَرفع فِيهِ يَوْم أمسك تِسْعمائَة قصَّة وبولغ فِي ضربه وَرمي بالبندق فِي جسده وَمَا رق عَلَيْهِ أحد.
قلت:
(لَو تفطن العاتي الْمَظْلُوم لحاله
…
لبكى عَلَيْهَا فَهِيَ بئس الْحَال)
(يَكْفِيهِ شُؤْم وَفَاته وقبيح مَا
…
يثنى عَلَيْهِ وَبعد ذَا أهوال)
وفيهَا: فِي ربيع الآخر توفّي الْفَقِير الصَّالح اللَّازِم لمجالس الحَدِيث أَبُو بكر بن هَارُون الشَّيْبَانِيّ الْجَزرِي، روى عَن ابْن النخاري.
وَقدم عَليّ نِيَابَة طرابلس سيف الدّين طينال الناصري عوضا عَن أقوش الكركي، وَحبس الكركي بقلعة دمشق ثمَّ نقل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى مَاتَ عَلَاء الدّين عَليّ بن السلعوس التنوخي وَقد بَاشر صحابة الدِّيوَان بِدِمَشْق، ثمَّ ترك واحتيط بِمصْر على دَار الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب الحسامي ونبشت فَأخذ مِنْهَا شَيْء عَظِيم. وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة مَاتَ مشد دَار الطّراز سيف الدّين عَليّ بن عمر بن قزل سبط الْملك الْحَافِظ ووقف على كرْسِي وسيع بالجامع.
وَمَات: ببعلبك الْفَقِيه أَبُو طَاهِر سمع من التَّاج عبد الْخَالِق وعدة وَكتب وَحدث وَعمل ستر ديباج منقوش على الْمُصحف العثماني بِدِمَشْق بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم وَخَمْسمِائة.
قلت:
(ستروا المكرم بالحرير وستره
…
بالدر والياقوت غير كثير)
(ستروه وَهُوَ من الغواية سترنا
…
عجي لهَذَا السَّاتِر المستور)
وَمَات فَجْأَة التَّاجِر عَلَاء الدّين عَليّ السنجاري بِالْقَاهِرَةِ، وَهُوَ الَّذِي أنشأ دَار الْقُرْآن بياب الناطفانيين.
قلت:
(مَا مَاتَ من هذي صِفَاته
…
فوفاة ذَا عِنْدِي حَيَاته)
(إِن مَاتَ هَذَا صُورَة
…
أحيته معنى سالفاته)
وَمَات بِمصْر الْوَاعِظ شمس الدّين حُسَيْن وَهُوَ آخر أَصْحَاب الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ سمع من جمَاعَة، وَكَانَ عَالما حسن الشكل.
وَمَات الْفَاضِل الأديب زكي الدّين الْمَأْمُون الْحِمْيَرِي الْمصْرِيّ الْمَالِكِي بِمصْر ولي نظر الكرك والشوبك وَعمر نَحْو تسعين سنة. وفيهَا: فِي رَجَب مَاتَ الْفَقِيه مُحَمَّد بن محيي الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي شمس الدّين بن الزكي العثماني شَابًّا درس مُدَّة بِدِمَشْق.
وَمَات الْحَافِظ قطب الدّين الْكَلْبِيّ بالحسينية حفظ الألفية والشاطبية وَسمع من القَاضِي شمس الدّين بن الْعِمَاد وَغَيره، وَحج مَرَّات وصنف وَكَانَ كيساً حسن الْأَخْلَاق مطرحاً للتكلف طَاهِر اللِّسَان مضبوط الْأَوْقَات شرح مُعظم البُخَارِيّ وَعمل تَارِيخا لمصر لم يتمه، ودرس الحَدِيث بِجَامِع الْحَاكِم، وَخلف تِسْعَة أَوْلَاد، وَدفن عِنْد خَاله الشَّيْخ نصر المنبجي
وَفِيه: أخرج السُّلْطَان من حبس الْإسْكَنْدَريَّة ثَلَاثَة عشر نَفرا مِنْهُم تمر الساقي الَّذِي نَاب طرابلس وبيبرس الْحَاجِب وخلع على الْجَمِيع.
وَفِيه: طلب قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة فَخر الدّين بن سكين وعزل بِسَبَب إفرنجي.
وفيهَا: فِي شعْبَان مَاتَ الْمُفْتِي بدر الدّين مُحَمَّد بن الفويرة الْحَنَفِيّ سمع وَحدث.
وَمَات: القَاضِي زين الدّين عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام روى عَن الْأنمَاطِي وَأخذ عَنهُ ابْن رَافع وَغَيره.
وَمَات عز الدّين يُوسُف الْحَنَفِيّ بِمصْر حدث عَن إِبْرَاهِيم وناب فِي الحكم.
وفيهَا: فِي رَمَضَان مَاتَ صاحبنا شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف التدمري خطيب حمص، كَانَ يُفْتِي ويدرس، وَتَوَلَّى قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة الْعِمَاد مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصُّوفِي.
وفيهَا: فِي شَوَّال قدم عَسْكَر حلب والنائب من غزَاة بلد سيس، وَقد خربوا فِي بلد أدنة وطرسوس وأحرقوا الزروع واستقاوا الْمَوَاشِي وَأتوا بمائتين وَأَرْبَعين أَسِيرًا، وَمَا عدم من الْمُسلمين سوى شخص وَاحِد غرق فِي النَّهر وَكَانَ الْعَسْكَر عشرَة آلَاف سوى من تَبِعَهُمْ فَلَمَّا علم أهل أياس بذلك أحاطوا بِمن عِنْدهم من الْمُسلمين التُّجَّار وَغَيرهم وحبسوهم فِي خَان ثمَّ أحرقوه فَقل من نجى فعلوا ذَلِك بِنَحْوِ ألفي رجل من التُّجَّار البغاددة وَغَيرهم فِي يَوْم عيد الْفطر فَللَّه الْأَمر، وَاحْتَرَقَ فِي حماه مِائَتَان وَخَمْسُونَ حانوتاً، وَذَهَبت الْأَمْوَال واهتم الْملك بعمارة ذَلِك، وَكَانَ الْحَرِيق عِنْد الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس.
وَذكر أَن شخصا رأى مَلَائِكَة يسوقون النَّار فَجعل يُنَادي أَمْسكُوا يَا عباد الله لَا تُرْسِلُوا فَقَالُوا: بِهَذَا أمرنَا، ثمَّ أَن الرجل توفّي لساعته، وناب بِدِمَشْق فِي الْقَضَاء شهَاب الدّين أَحْمد بن شرف الزرعي الشَّافِعِي قَاضِي حصن الأكراد، وَورد الْخَبَر بحريق أنطاكية قبل رُجُوع الْعَسْكَر فَلم يبْق بهَا إِلَّا قَلِيل وَلم يعلم سَبَب ذَلِك.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة توفيت زَيْنَب بنت الْخَطِيب يحيى بن الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام السّلمِيّ سَمِعت من جمَاعَة، وَكَانَ فِيهَا عبَادَة وَخير وَحدثت.
وَمَات الطَّبِيب جمال الدّين عبد الله بن عبد السَّيِّد وَدفن فِي قبر أعده لنَفسِهِ، وَكَانَ من أطباء المارستان النوري بِدِمَشْق، وَأسلم مَعَ وَالِده الذبان سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة.
وَمَات حسام الدّين مهنا بن عِيسَى أَمِير الْعَرَب وحزن عَلَيْهِ آله وَأَقَامُوا مأتماً بليغاً ولبسوا السوَاد أناف على الثَّمَانِينَ، وَله مَعْرُوف من ذَلِك مارستان جيد بسرمين وَلَقَد أحسن بِرُجُوعِهِ إِلَى طَاعَة سُلْطَان الْإِسْلَام قبل وَفَاته، وَكَانَت وَفَاته بِالْقربِ من سلمية.
وَمَات الْمُحدث الرئيس الْعَام شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن طرخان الْحَنْبَلِيّ سمع من ابْن عبد الدَّائِم وَغَيره، وَكَانَ بديع الْخط وَكتب الطباق، وَله نظم.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة مَاتَ الْفَقِيه الزَّاهِد شرف الدّين فضل بن عِيسَى بن قنديل العجلوني الْحَنْبَلِيّ بالمسمارية، كَانَ لَهُ اشْتِغَال وَفهم وَيَد فِي التَّعْبِير، وتعفف وَقُوَّة نفس، عرض عَلَيْهِ حزن الْمُصحف العثماني فَامْتنعَ رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: وصل الْأَمِير سيف الدّين أَبُو بكر الباشري إِلَى حلب وَصَحب مَعَه مِنْهَا الرِّجَال والصناع وَتوجه إِلَى قلعة جعبر وَشرع فِي عمارتها وَكَانَت خراباً من زمن هولاكو وَهِي من أمنح القلاع تسبب فِي عمارتها الْأَمِير سيف الدّين تنكز نَائِب الشَّام وَلحق المملكة الحلبية وَغَيرهَا بِسَبَب عمارتها ونفوذ مَاء الْفُرَات إِلَى أَسْفَل مِنْهَا كلفة كَثِيرَة.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة: فِيهَا فِي الْمحرم بَاشر السَّيِّد النَّقِيب الشريف بدر الدّين مُحَمَّد بن السَّيِّد شمس الدّين بن زهرَة الْحُسَيْنِي وكَالَة بَيت المَال بحلب مَكَان شَيخنَا القَاضِي فَخر الدّين أبي عمر وَعُثْمَان بن الْخَطِيب زين الدّين عَليّ الجبريني.
وفيهَا: فِي الْمحرم نزل نَائِب الشَّام الْأَمِير سيف الدّين تنكز بعسكر الشَّام إِلَى قلعة جعبر وتفقدها وَقرر قواعدها وتصيد حولهَا، ثمَّ رَحل فَنزل بمرج بزاعا، وَمد لَهُ نَائِب حلب الْأَمِير عَلَاء الدّين الطنبغا بِهِ سماطاً ثمَّ سَافر إِلَى جِهَة دمشق.
وفيهَا: فِي صفر طلب من الْبِلَاد الحلبية رجال للْعَمَل فِي نهر قلعة جعبر ورسم أَن يخرج من كل قَرْيَة نصف أَهلهَا وجلا كثير من الضّيَاع بِسَبَب ذَلِك ثمَّ طلب من أسواق حلب أَيْضا رجال واستخرجت أَمْوَال وَتوجه النَّائِب بحلب إِلَى قلعة جعبر بِمن حصل من الرِّجَال وهم نَحْو عشْرين ألفا.