الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَعْبَة بإزائك فَنظر فَإِذا الْكَعْبَة لَيْسَ بَينه وَبَينهَا شَيْء يَحْجُبهُ فَخر مغشياً عَلَيْهِ.
وَمن كَلَامه: قيمَة القشور بلبابها وَقِيمَة الْقُصُور ببنائها وَقِيمَة الرِّجَال بألبابها، وَعز العبيد بأربابها وفخر الْأَحِبَّة بأحبابها.
وَمن إنشاده:
(وَإِذا الرِّيَاح مَعَ الْعشي تناوحت
…
نبهن حاسدة وهجن غيوراً)
(وأمتن ذَا بِوُجُود وجد دَائِم
…
وأقمن ذَا وكشفن عَنهُ ستوراً)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا أحضر السُّلْطَان ابْنه الْأَفْضَل من مصر وأقطعه دمشق، ثمَّ استدعى تَقِيّ الدّين من مصر وزاده على حماه منبج والمعرة وَكفر طَابَ وميارفارقين، وَجعل الْعَادِل والعزيز عُثْمَان ابْنه بِمصْر، وأقطع الْعَادِل عوض حلب حران والرها.
وفيهَا: فِي أَولهَا توفّي البهلوان مُحَمَّد بن إيلدكز صَاحب الْجَبَل وهمدان والري وأصبهان وأذربيجان وَغَيرهَا، وَكَانَ حسن السِّيرَة، وَملك بعده أَخُوهُ عُثْمَان قزل أرسلان، وَكَانَ السُّلْطَان طغرل بك السلجوقي مَعَ البهلوان، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْخطْبَة، فَتمكن بِمَوْتِهِ، وَاسْتولى على بعض الْبِلَاد، وَجَرت بَينه وَبَين قزل حروب.
وفيهَا: غدر الْبُرْنُس صَاحب الكرك وَأسر قافلة من الْمُسلمين فطلبهم السُّلْطَان بِحكم الْهُدْنَة فَأبى فَنَذر السُّلْطَان قَتله بِيَدِهِ.
وفيهَا: توفّي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي الْوَحْش بري بن عبد الْجَبَّار بن بري الْمصْرِيّ بِمصْر، إِمَام فِي اللُّغَة والنحو، قَرَأَ عَلَيْهِ الْجُزُولِيّ وَغَيره، ومولده بِمصْر سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا ضايق السُّلْطَان الكرك خوفًا على الْحجَّاج من الْبُرْنُس وأغار بعض عسكره على بلد عكا وغنموا، ثمَّ حصر مَدِينَة طبرية وَفتحهَا بِالسَّيْفِ وَكَانَت للقومس صَاحب طرابلس، وَكَانَ مهادن السُّلْطَان فَاجْتمع إِلَى الفرنج للحرب.
وقْعَة حطين
وَلما فتحت طبرية اجْتمعت مُلُوك الفرنج فَارِسًا وراجلاً وَسَارُوا إِلَى السُّلْطَان فَركب إِلَيْهِم من عِنْد طبرية لخمس بَقينَ من ربيع الآخر، والتقى الْجَمْعَانِ، وَرَأى القرمس شدَّة الْأَمر فَحمل على من قدامه، وَهُنَاكَ تَقِيّ الدّين صَاحب حماه فَفرج لَهُ وَعطف عَلَيْهِم، فنجى القومس إِلَى طرابلس وَمَات بعد قَلِيل غيظاً وَنصر الله الْمُسلمين، وَأَحْدَقُوا بالفرنج وأبادوهم قتلا وأسراً، وَأسر ملكهم الْكَبِير، والبرنس أرباط صَاحب الكرك وَصَاحب جبيل
وَابْن الهنفري ومقدم الداوية وَجَمَاعَة من الاسبتارية، وَمَا أصيبوا مُنْذُ خَرجُوا إِلَى الشَّام سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة بِمِثْلِهَا، وَلما انْقَضى المصاف جلس السُّلْطَان فِي خيمته وأجلس ملك الفرنج إِلَى جَانِبه وَقد اشْتَدَّ عطشه فَسَقَاهُ السُّلْطَان مَاء مثلوجاً، فسقى مِنْهُ الْبُرْنُس صَاحب الكرك، فَقَالَ السُّلْطَان: إِن هَذَا الملعون لم يشرب بإذني فَيكون أَمَانًا لَهُ ثمَّ ذكر السُّلْطَان الْبُرْنُس بِقَصْدِهِ الْحَرَمَيْنِ الشريفين، وَقَامَ السُّلْطَان بِنَفسِهِ فَضرب عُنُقه فارتعد ملك الفرنج فسكنه السُّلْطَان.
ثمَّ عَاد وَفتح قلعة طبرية بالأمان وعكا بالأمان، وَفتح عسكره الناصرة، وقيسارية وهيفا وصفورية وفعليثا والغولة وَغَيرهَا بِالسَّيْفِ، ونابلس وقلعتها بالأمان، وَفتح الْعَادِل بعد ذَلِك يافا عنْوَة.
ثمَّ فتح السُّلْطَان تبنين بالأمان، وتسلم صيدا خَالِيَة، ثمَّ بيروت بعد حِصَار فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى بالأمان، وَكَانَ من جملَة الأسرى صَاحب جبيل، فبذل جبيلاً فَأطلق، وَكَانَ عدوا شَدِيدا على الْمُسلمين وَمَا حمدت عَاقِبَة إِطْلَاقه.
وفيهَا: حضر المركيس فِي سفينة إِلَى عكا وَهِي للْمُسلمين وَلم يعلم بذلك وَاتفقَ عدم هبوب الْهَوَاء فراسل الْملك الْأَفْضَل بعكا مرَارًا ينْتَظر هبوب الرّيح، إِلَى أَن هبت فأقلع إِلَى صور، وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الفرنج الَّذين بهَا، وَملك صور، وَكَانَ وُصُول المركيس إِلَى صور وَإِطْلَاق الفرنج الَّذين أَخذ السُّلْطَان بِلَادهمْ بالأمان وَحَملهمْ إِلَى صور من أعظم أَسبَاب الضَّرَر وَقُوَّة الفرنج ورواح عكا، ثمَّ حاصر السُّلْطَان عسقلان أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وتسلمها بالأمان سلخ جُمَادَى الْآخِرَة، ثمَّ فتح عسكره الرملة والداروم وغزة وَبَيت لحم وَبَيت جِبْرِيل والنطرون وَغَيرهَا، ثمَّ نَازل السُّلْطَان الْقُدس وَبِه من النَّصَارَى عدد لَا يُحْصى، وضايقه بالنقابين وَاشْتَدَّ الْقِتَال وعلق السُّور وَطلب الفرنج الْأمان، فَقَالَ: آخذها مثل مَا أخذت من الْمُسلمين بِالسَّيْفِ فعاودوه فَأجَاب بِشَرْط أَن يُؤَدِّي كل رجل عشرَة دَنَانِير، وكل امْرَأَة خَمْسَة، وكل طِفْل دينارين، وَمن عجز أسر، وتسلم الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب.
قلت: قَالَ ابْن خلكان وَلَيْلَته لَيْلَة الْمِعْرَاج الْمَنْصُوص عَلَيْهَا فِي الْقُرْآن وَشهد فَتحه كثير من أَرْبَاب الْخرق والزهد وَالْعُلَمَاء من مصر وَالشَّام بِحَيْثُ لم يتَخَلَّف مِنْهُم أحد، وَالله أعلم.
وَرفعت الْأَعْلَام الإسلامية على أسواره، ورتب على أبوابه من يقبض المَال الْمَشْرُوط، فخان المرتبون وَلم يحملوا مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل.
وَكَانَ على رَأس قبَّة الصَّخْرَة صَلِيب كَبِير مَذْهَب فَقلع فَضَجَّ الْمُسلمُونَ فَرحا وسروراً، وضج الْكفَّار حزنا وثبوراً.
وَكَانَ الفرنج قد عمِلُوا فِي غربي الْمَسْجِد الْأَقْصَى هرياً ومستراحاً فأزيل ذَلِك وأعيد إِلَى التبجيل والتعظيم.
وَكَانَ السُّلْطَان نور الدّين مَحْمُود قد عمل منبراً بحلب وتعب عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا لأجل الْقُدس فأحضر السُّلْطَان الْمِنْبَر للجامع الْأَقْصَى، وَأقَام بعد فَتحه بِظَاهِرِهِ إِلَى الْخَامِس وَالْعِشْرين من شعْبَان ورتب أَحْوَاله وَتقدم بِعَمَل الرَّبْط والمدارس الشَّافِعِيَّة.
قلت: وَصليت فِيهِ الْجُمُعَة يَوْم فَتحه، وخطب يَوْمئِذٍ بِالنَّاسِ القَاضِي محيي الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز عَليّ بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن عبد الْعَزِيز بن أبان بن عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنهم الْقرشِي الْمَعْرُوف بِابْن الزكي قَاضِي دمشق، خطب بِالْخطْبَةِ البديعة من تصنيفه الْمَعْرُوفَة بالقدسية.
وَكتب لَهُ القَاضِي الْفَاضِل إِلَى الإِمَام النَّاصِر لدين الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن المستضيء رِسَالَة تَتَضَمَّن الْفتُوح طَوِيلَة.
مِنْهَا: وَقد صَارَت أُمُور الْإِسْلَام إِلَى أحسن مصائرها، وأسست عقائد أَهله على أحسن بصائرها، وتقلص ظلّ الْكَافِر الْمَبْسُوط وَصدق الله أهل دينه، فَلَمَّا وَقع الشَّرْط وَقع الْمَشْرُوط وَكَانَ الدّين غَرِيبا فَهُوَ الْآن فِي وَطنه، والفوز معروضاً، فقد بذلت الْأَنْفس فِي ثمنه، واسترد الْمُسلمُونَ تراثاً كَانَ عَنْهُم آبقاً وظفروا يقظة بِمَا لم يصدقُوا أَنهم يظفرون بِهِ طبقًا على النأي طَارِقًا واستقرت على الْأَعْلَى أَقْدَامهم، وخفقت على الْأَقْصَى أعلامهم وتلاقت على الصَّخْرَة قبلهم وشفيت بهَا وَإِن كَانَت صَخْرَة كَمَا يشفى بِالْمَاءِ غليلهم.
وَلما قدم الدّين عَلَيْهَا عرف سويداء قلبه، وهنى كفؤها الْحجر الْأسود بَيت عصمتها من الْكَافِر بحزبه.
وَكَانَ الْخَادِم لَا يسْعَى سَعْيه إِلَّا لهَذِهِ العظمة، وَلَا يقاسي تِلْكَ الْبُؤْس إِلَّا رَجَاء هَذِه النِّعْمَة.
وأقيمت الْخطْبَة يَوْم الْجمع فَكَادَتْ السَّمَوَات يتفطرن للسُّجُود لَا للوجوم وَالْكَوَاكِب مِنْهَا تنثر للطرب لَا للرجوم، وَرفعت إِلَى الله كلمة التَّوْحِيد وَكَانَت طريقها مسدودة، وطهرت قُبُور الْأَنْبِيَاء، وَكَانَت بالنجاسات مكدودة، وأقيمت الْخمس، وَكَانَ التَّثْلِيث يقعدها، وجهرت الْأَلْسِنَة بِاللَّه أكبر، وَكَانَ سحر الْكفْر يعقدها وَالله أعلم.
ثمَّ أَن السُّلْطَان رحمه الله حاصر صور تَاسِع رَمَضَان وَطلب الأسطول فوصل إِلَيْهِ فِي عشر شوان، فكبسهم الفرنج فِي الشواني، وَأخذُوا خمس شوان وَلم يسلم من الْمُسلمين إِلَّا من سبح وَطَالَ حصارها، فَرَحل عَنْهَا فِي آخر شَوَّال أول كانون وَأقَام بعكا، وَأعْطى العساكر الدستور فقصدوا أوطانهم، وَبَقِي بحلقته فِي عكا وَأرْسل فَفتح هونين بالأمان.
وفيهَا: سَار شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْملك بن الْمُقدم أَمِيرا على الْحَج ليجمع بَين الْغُزَاة وزيارة الْقُدس والخليل وَالْحج فِي سنة فَوقف بِعَرَفَات، أَرَادَ طاشتكين أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ مَنعه من الْإِفَاضَة قبله، فاتفقوا مَعَ الشاميين فَقتل بَينهم جمَاعَة وَابْن الْمُقدم يمْنَع جماعته من الْقِتَال وَلَو مكنهم لَا نتصفوا فجرح وَمَات شَهِيدا وَدفن بمقبرة الْمُعَلَّى رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: ملك السُّلْطَان طغرل بك بن أرسلان شاه السلجوقي كثيرا من الْبِلَاد، وَأرْسل قزل بن إيلدكز إِلَى الْخَلِيفَة يستنجده ويخوفه عَاقِبَة أَمر طغرل بك.
وفيهَا: غزا شهَاب الدّين الغوري الْهِنْد.
وفيهَا: قتل الْخَلِيفَة النَّاصِر أستاذ دَاره مجد الدّين أَبَا الْفضل بن الصاحب وَلم يكن للخليفة مَعَه حكم، وَظهر لَهُ أَمْوَال عَظِيمَة أخذت كلهَا.
وفيهَا: استوزر الْخَلِيفَة النَّاصِر أَبَا المطهر عبيد الله بن يُونُس ولقبه جلال الدّين، وَمَشى أَرْبَاب الدولة فِي ركابه حَتَّى قَاضِي الْقُضَاة، وَكَانَ يمشي وَيَقُول: لعن الله طول الْعُمر.
وفيهَا: توفّي قَاضِي الْقُضَاة الدَّامغَانِي ولي الْقَضَاء للمقتفي.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا شَتَّى السُّلْطَان بعكا، ثمَّ سَار وَجعل قيماز النجمي يحاصر كَوْكَب، وَدخل دمشق ففرح النَّاس بِهِ وَسَار فِي نصف ربيع الأول وَنزل على بحيرة قدس، وَثمّ نزل تَحت حصن الأكراد ثمَّ أنطرسوس فَوَجَدَهَا خَالِيَة ثمَّ مرقية كَذَلِك، ثمَّ نزل تَحت المرقب فَوَجَدَهُ لَا يرام فوصل جبلة فِي ثامن جُمَادَى الأولى، وتسلمها جعل فِيهَا سَابق الدّين عُثْمَان بن الداية يحفظها، ثمَّ حصر قلعتي اللاذقية وملكها وَسلمهَا إِلَى ابْن أَخِيه المظفر تَقِيّ الدّين عمر فحصنها ثمَّ حاصر صهيون وتسلمها بالأمان وَسلمهَا إِلَى الْأَمِير منكورس صَاحب أبي قبيس من أَصْحَابه.
ثمَّ ملك عسكره بلاطنس خَالِيا من الفرنج وحصن الْعِيد وحصن الجماهرتين ثمَّ سَار السُّلْطَان عَن صهيون ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة وَحصر الشغر وبكاس خَالِيَة.
وتسلم الشغر بالأمان سادس جُمَادَى الْآخِرَة، وَحصر ابْنه الظَّاهِر غَازِي سرمينية وَأنزل أَهلهَا على قطيعة، وَهدم الْحصن فعفى أَثَره، واطلق من هَذِه الْحُصُون أسرى الْمُسلمين وَأَعْطَاهُمْ كسْوَة وَنَفَقَة.
ثمَّ ملك السُّلْطَان برزية زحفاً بِالسَّيْفِ فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى وسبى وَأسر وَقتل، وَحكى ابْن الْأَثِير هَذَا كُله عَن مُشَاهدَة، ثمَّ نزل السُّلْطَان جسر الْحَدِيد أَيَّامًا.
ثمَّ حاصر دير بساك وأمنهم بثيابهم فَقَط، وتسلمها تَاسِع عشر رَجَب ثمَّ تسلم بغراس بالأمان مثل دير بساك، وَأرْسل بيمند صَاحب أنطاكية يطْلب مِنْهُ الْهُدْنَة وَيُطلق كل أَسِير عِنْده