الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - شعراء الوزراء والولاة والقواد
لا يكاد يوجد فى هذا العصر وزير ولا وال ولا قائد إلا وقد مدحه الشعراء طلبا لجوائزه السنية، ولن نستطيع أن نستقصى مدائحهم، ولذلك سنكتفى بأكثرهم تداولا على ألسنة الشعراء، ولعل أنبه وزير لعصر المنصور أكثر الشعراء من مديحه خالد بن برمك. وكان يعقوب بن داود وزير المهدى ومهجو بشار ممدّحا لكثير من الشعراء، وقد وجدوا عليه وجدا شديدا حين حبسه المهدى، وصوّروا ذلك فى أشعارهم من مثل قولى أبى حنش النّميرى (1):
يعقوب لا تبعد، وجنّبت الرّدى
…
فلنبكينّ زمانك الرّطب الثّرى
وقول أبى الشّيص مخاطبا المهدى (2):
أبلغ إمام الهدى أن لست مصطنعا
…
للنائبات كيعقوب بن داود
لو تبتغى مثله فى الناس كلّهم
…
طلبت ما ليس فى الدّنيا بموجود
واستوزر المهدى بعده الفيض بن أبى صالح، وكان غيثا مدرارا، وممن كان ينقطع إليه أبو الأسد الحمّانى التميمى وفيه يقول (3):
ولائمة لا متك-يا فيض-فى النّدى
…
فقلت لها لن يقدح اللّوم فى البحر
أرادت لتنهى الفيض عن عادة النّدى
…
ومن ذا الذى يثنى السحاب عن القطر
مواقع جود الفيض فى كل بلدة
…
مواقع ماء المزن فى البلد القفر
كأنّ وفود الفيض لما تحمّلوا
…
إلى الفيض لاقوا عنده ليلة القدر
ومرّت بنا مدائح الشعراء فى البرامكة، وكان الفضل بن الربيع يحجب الرشيد فى وزارتهم، ثم خلفهم على وزارته، ووزر من بعده للأمين، وقد مدحه ونوّه
(1) المرزوقى على الحماسة ص 946.
(2)
الوزراء والكتاب للجهشيارى ص 163.
(3)
الأغانى (طبعة دار الكتب) 14/ 134.
به كثيرون وفى مقدمتهم أبو نواس وأبو العتاهية، وفيه يقول (1):
إذا ما كنت متخذا خليلا
…
فمثل الفضل فاتّخذ الخليلا
يرى الشكر القليل له عظيما
…
ويعطى من مواهبه الجزيلا
أرانى حيثما يمّمت طرفى
…
وجدت على مكارمه دليلا
ولإسحق الموصلى أشعار فيه لحّنها وغنّى فيها، وممن يسلك فى مدّاحه أبو نخيلة، وسلم الخاسر، وأشجع السّلمى، ومنصور النّمرى، وفيه يقول (2):
هو الأوحد فى الفضل
…
فما يعرف ثانيه
ونلتقى بعده بالفضل والحسن ابنى سهل وزيرى المأمون، وكانا جوادين ممدّحين، وقد نوّه مسلم بن الوليد بالفضل طويلا، وفيه يقول مشيرا إلى تدبيره الأمر للمأمون حتى أسقط الأمين (3):
أقمت خلافة وأزلت أخرى
…
جليل ما أقمت وما أزلتا
وقد عاش الحسن بعد الفضل طويلا، فكثرت أمداح الشعراء فيه، وفى مقدمتهم أبو تمام وأبو العميثل وأبو فرعون الساسى ومحمد بن عبد الملك الزيات ومحمد بن وهيب، وفيه يقول (4):
به تجتدى النعمى وتستدرك المنى
…
وتستكمل الحسنى وترعى الأواصر
ولما رأى الله الخلافة قد وهت
…
دعاثمها والله بالأمر خابر
بنى بك أركانا عليها محيطة
…
فأنت لها دون الحوادث ساتر
ولعل وزيرا بعده لم يمدح كما مدح محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم والواثق، وللحسن بن وهب كاتبه فيه أشعار كثيرة ولعل شاعرا لم ينوّه به كما نوّه أبو تمام.
وإذا تركنا الوزراء إلى الولاة وجدنا بينهم كثيرين من الأجواد الممدّحين
(1) أغانى 4/ 67.
(2)
أغانى 13/ 150.
(3)
ديوان مسلم ص 307.
(4)
أغانى (ساسى) 17/ 144.
وفى طليعتهم معن بن زائدة الشيبانى والى اليمن للمنصور هم سجستان، وهو ممدوح مروان بن أبى حفصة كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، ومن مدّاحه مطيع بن إياس والحسين بن مطير، وله فيه حين توفى مرثية بديعة أنشدنا قطعة منها فى غير هذا الموضع. وطبيعى أن يكثر فى هذا العصر مديح ولاة البصرة والكوفة. ويتردّد مديح الأولين فى ديوان بشار حتى وفاته، كما يتردّد الثانون فى أشعار الكوفيين ترددا أوسع من أن يحصى ويستقصى. وكان فى كل ولاية شعراء من أهلها لا يزالون يمدحون ولاتها، وكان كثير من شعراء العراق يفدون عليهم لأخذ جوائزهم، ويكفى لتصوير ذلك أن نرجع إلى مصر فسنرى بها شعراء من الطبقة الثانية لا يزالون يمدحون من يتولى عليها على نحو ما يصور لنا ذلك كتاب الولاة والقضاة للكندى. وقد رحل إليها غير شاعر مقدّما مدائحه لولاتها الذين اشتهروا بجودهم، ظافرا منهم بالصلات السنية، ومن ولاتها الأجواد لعهد المنصور يزيد بن حاتم بن قبيصة المهلبى ممدوح بشار وربيعة الرّقّى، وقد قدم عليه فى ولايته ابن المولى ومدحه بقصائد كثيرة من مثل قوله:
يا واحد العرب الذى
…
أضحى وليس له نظير
لو كان مثلك آخر
…
ما كان فى الدنيا فقير
ويقال إنه أعطاه فى هذه القصيدة عشرين ألف دينار (1). غير ما أعطاه فى قصائده الأخرى. وقد عرضنا فى حديثنا عن أبى نواس لرحلته إلى الخصيب صاحب خراجها وما أغدق عليه من برّه، كما عرضنا فى حديثنا عن أبى تمام لرحلته إلى عياش بن لهيعة الحضرمى. وما كان من اتصاله بولاتها المختلفين، وصوّرنا من بعض الوجوه مدائحه لبعض ولاة دمشق والموصل وديار ربيعة وأذربيجان والثغور.
ومرّت بنا أيضا مدائح دعبل للمطلب الخزاعى حين ولى مصر وكيف أشاد به أولا ثم هجاه.
وليس من شك فى أن طاهر بن الحسين وابنه عبد الله هما أهم ولاة تغنّى بهما الشعراء، إذ جذبا إلى ولايتهما فى خراسان غير شاعر، ومن مدّاح طاهر الرقاشى وأبو العميثل والشاعر الملقب بالصينى، على نحو ما يصوّر لنا ذلك ابن المعتز،
(1) أغانى (دار الكتب) 3/ 289 وما بعدها.
ويقول فى ترجمة عوف بن محلّم الخزاعى: «كان معدودا من الشعراء الظرفاء المحدّثين وكان طاهر بن الحسين قد استخصّه واختاره لمنادمته، فكان لا يفارقه فى سفر ولا حضر. . ومما سار له فى الدنيا قوله له إذ وقف على الجسر فى حرّاقة (1) ينحدر إلى دار الخليفة، فقال رافعا صوته:
عجبت لحرّاقة ابن الحس
…
ين كيف تسير ولا تغرق
وبحران: من تحتها واحد
…
وآخر من فوقها مطبق
وأعجب من ذاك عيدانها
…
وقد مسّها كيف لا تورق
وكان ابنه عبد الله على مثاله جودا وشجاعة وسماحة، ويقال إنه لما ولاه المأمون مصر لسنة 211 أعطاه مالها لعام: خراجها وضياعها، فوهبه كله وفرّقه فى الناس، وقد لهج الشعراء فيها بمديحه وفى مقدّمتهم معلّى الطائى وله يقول (2):
لو أصبح النّيل يجرى ماؤه ذهبا
…
لما أشرت إلى خزن بمثقال
تفكّ باليسر كفّ العسر من زمن
…
إذا استطال على قوم بإقلال
وما بثثت رعيل الخيل فى بلد
…
إلا عصفن بأرزاق وآجال
وقد لزمه فى ولايته على خراسان كثير من الشعراء أمثال أبى العميثل وعوف بن محلم الخزاعى شاعرى أبيه، وله يقول عوف من قصيدة طويلة (3):
يا بن الذى دان له المشرقان
…
وألبس الأمن به المغربان
وهو ممدوح على بن جبلة وأبى تمام والعتّابى، وله يقول (4):
ودّك يكفينيك فى حاجتى
…
ورؤيتى كافية عن سؤال
وكيف أخشى الفقر ما عشت لى
…
وإنما كفّاك لى بيت مال
وعلى نحو ما مدح الشعراء الولاة ونوّهوا بهم طويلا مدحوا القواد أمداحا رائعة، ومدائح بشار وأبى العتاهية فى عمر بن العلاء الذى قضى على المحمرة بجرجان لعهد المهدى
(1) الحراقة: ضرب من السفن.
(2)
أغانى (دار الكتب) 12/ 102.
(3)
ابن المعتز ص 188.
(4)
أغانى 13/ 117.
مشهورة. ولعل قائدا لم يمدح فى عصر الرشيد كما مدح يزيد بن مزيد الشيبانى ممدوح مسلم بن الوليد، وفيه يقول منصور النمرىّ (1):
لا تقربنّ يزيدا عند صولته
…
لكن إذا ما احتبى للجود فاقترب
ومن مداحه على بن الخليل وعبد الله بن أيوب التيمى. ومن كبار القواد لعهد المأمون والمعتصم أبود لف العجلى، يقول أبو الفرج فى ترجمته له:«محله فى الشجاعة وعلوّ المحل عند الخلفاء وعظم الغناء فى المشاهد وحسن الأدب وجودة الشعر محل ليس لكبير آخر من نظرائه (2)» وكانت غيوث كرمه لا نزال تنهلّ على الشعراء، مما جعل ألسنتهم تلهج بمديحه، وممن كان ينقطع إليه على بن جبلة وأبو الأسد الحمّانى التميمى وبكر بن النطاح، وفيه يقول مصوّرا شجاعته (3):
قالوا وينظم فارسين بطعنة
…
يوم اللقاء ولا يراه جليلا
لا تعجبوا لو أن طول قناته
…
ميل إذن نظم الفوارس ملا
وله يقول (4):
فكفّك قوس والنّدى وتر لها
…
وسهمك فيه اليسر على به عسرى
ويقول أيضا فيه:
ولقد طلبنا فى البلاد فلم نجد
…
أحدا سواك إلى المكارم يسب
وهو من مدّاح أبى تمام ومحمد بن وهيب وغيرهما. وقد جلّى فى حروب المأمون والمعتصم مع بابك والروم قواد كثيرون فى مقدمتهم الأفشين وخالد ابن يزيد بن مزيد وأبو سعيد محمد بن يوسف الثغرى ولأبى تمام فيهم أمداح رائعة صوّرنا أطرافا منها فى ترجمته. ونحن نقف قليلا عند أربعة من شعراء هؤلاء القواد ومن سبقهم من الولاة والوزراء وهم: أبو الشيص وعبد الله بن أيوب التّيمى وعلى ابن جبلة والخريمى.
(1) أغانى 13/ 155.
(2)
أغانى 8/ 248.
(3)
أغانى (طبعة الساسى) 17/ 155.
(4)
ابن المعتز ص 219.