المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - شعراء المجون والزندقة - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٣

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌العصر العباسى الأول

- ‌الفصل الأوّلالحياة السياسية

- ‌1 - الثورة العباسية

- ‌2 - بناء بغداد ثم سامرّاء

- ‌3 - النظم السياسية والإدارية

- ‌4 - العلويون والخوارج

- ‌5 - أحداث مختلفة

- ‌الفصل الثانىالحياة الاجتماعية

- ‌1 - الحضارة والثراء والترف

- ‌2 - الرقيق والجوارى والغناء

- ‌3 - المجون

- ‌4 - الشعوبية والزندقة

- ‌5 - الزهد

- ‌الفصل الثالثالحياة العقلية

- ‌1 - الامتزاج الجنسى واللغوى والثقافى

- ‌2 - الحركة العلمية

- ‌3 - علوم الأوائل: نقل ومشاركة

- ‌4 - العلوم اللغوية والتاريخ

- ‌5 - العلوم الدينية وعلم الكلام والاعتزال

- ‌الفصل الرابعازدهار الشعر

- ‌1 - ملكات الشعراء اللغوية

- ‌2 - طوابع عقلية دقيقة

- ‌3 - التجديد فى الموضوعات القديمة

- ‌4 - موضوعات جديدة

- ‌[5 - ]التجديد فى الأوزان والقوافى

- ‌الفصل الخامسأعلام الشعراء

- ‌1 - بشار

- ‌2 - أبو نواس

- ‌3 - أبو العتاهية

- ‌5 - أبو تمام

- ‌الفصل السادسشعراء السياسة والمديح والهجاء

- ‌1 - شعراء الدعوة العباسية

- ‌ أبو دلامة

- ‌[2 - ]شعراء الشيعة

- ‌ السيد الحميرى

- ‌دعبل

- ‌ ديك الجن

- ‌3 - شعراء البرامكة

- ‌ أبان بن عبد الحميد اللاحقى

- ‌4 - شعراء الوزراء والولاة والقواد

- ‌أبو الشيّص

- ‌ على بن جبلة

- ‌الخريمىّ

- ‌5 - شعراء الهجاء

- ‌ أبو عيينة المهلّبى

- ‌الفصل السّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌ العباس بن الأحنف

- ‌ربيعة الرّقى

- ‌2 - شعراء المجون والزندقة

- ‌ حماد عجرد

- ‌3 - شعراء الزهد

- ‌ عبد الله بن المبارك

- ‌4 - شعراء الاعتزال

- ‌ العتابى

- ‌ بشر بن المعتمر

- ‌النظام

- ‌5 - شعراء النزعات الشعبية

- ‌ أبو الشمقمق

- ‌الفصل الثامنتطور النثر وفنونه

- ‌1 - تطور النثر

- ‌2 - الخطب والوعظ والقصص

- ‌3 - المناظرات

- ‌4 - الرسائل الديوانية والعهود والوصايا والتوقيعات

- ‌5 - الرسائل الإخوانية والأدبية

- ‌الفصل التاسعأعلام الكتّاب

- ‌خاتمة

- ‌كتب للمؤلف مطبوعة بالدار

الفصل: ‌2 - شعراء المجون والزندقة

عليها، فقد حدث بعض العباسيين أنه رأى فى دور بساط قديم من بسط دار الخلافة هذه الأبيات:

وتزعم أنى قد تبدّلت خلّة

سواها وهذا الباطل المتقوّل

لحا الله من باع الصديق بغيره

فقالت نعم حاشاك إن كنت تفعل

ستصرم إنسانا إذا ما صرمتنى

يحبك فانظر بعده من تبدّل

وشعر ربيعة كله على هذا النحو المصقول، الذى يروع بسلاسته وجمال ديباجته ونصاعة ألفاظه، مع الطبع المتدفق والمعانى اللطيفة. ويقال إنه توفى سنة 198 للهجرة.

‌2 - شعراء المجون والزندقة

كثر شعراء المجون وما يرتبط به من وصف الخمر فى هذا العصر كثرة مفرطة، وقد عملت على ذلك أسباب مختلفة، فإن كثرة الشعراء كانت من الفرس، وكان كثير منهم يظهر الإسلام ويبطن الزندقة والإلحاد، وساعد على اضطراب النفوس وتسلط الشك على العقول كثرة المقالات والنحل الدينية وشيوع المذاهب الفلسفية مما جعل كثيرين يستهترون بقيم المجتمع الإسلامية، بل لقد كان من بينهم من يريد تحطيمها تحطيما. وسبب ثان يرجع إلى كثرة الرقيق ودور النخاسة التى كأنما كانت أسواقا للعبث. وهو عبث صحبه غير قليل من الفجور، حتى ليمتد إلى الغزل بالغلمان غزلا يصور-عند أبى نواس وأضرابه-انحطاطا خلقيّا شنيعا.

وسبب ثالث هو كثرة اتخاذهم للجوارى والإماء، مما أدّى إلى انحلال الروابط الاجتماعية لتسلطهن على الحياة المنزلية، إذ أخذن مكان المرأة العربية الحرة، وكن مختلفات الأجناس، وكثيرات منهن كنّ قد نشّئن على اللهو والمجون والابتذال والخلاعة تنشئة لم تكن تعرفها المرأة العربية المحصنة.

وطبيعى لذلك كله أن تنتشر موجة حادة من المجون، ومن غير شك تعد الدولة

ص: 382

مسئولة منذ المهدى عن انتشار هذه الموجة، ومعروف أنه اتخذ ديوانا للزنادقة وكان حريّا به أن يتخذ ديوانا آخر للمجون، ولكنه لم يصنع. وأخذت الموجة تبلغ حدتها العنيفة منذ عصر الرشيد ولكنه لم يحرك ساكنا لا هو ولا من تلاه من الخلفاء، بل لقد أسهم فيها ابنه الأمين إسهاما واسعا، حتى غدا القصر كأنه حانة، إن صح ما يرويه الرواة. ونفس الفقهاء والمتكلمين مسئولون إلى أبعد حد عن شيوع هذا الفسق والفساد وقد مضوا يشغلون عن المجتمع بمباحثهم الخاصة مهملين ما يدعو إليه الدين من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ومضى الشعراء من حولهم فى الكوفة والبصرة وبغداد يمعنون فى المجون والفجور، وحقّا صرخ شيوخ البصرة من أمثال واصل ومالك بن دينار فى وجه بشار وغزله المادى الصريح الذى يفسد به نساء البصرة وشبانها، وارتفع صياحهم إلى سمع المهدى، فنهاه عن هذا الغزل، وانتهى على كره ومضض، غير أن شيوخ الكوفة وبغداد لم يرتفع لهما صوت. ونفس شيوخ البصرة بعد عصر بشار لزموا الصمت الطويل، مع اشتداد الفسق والغزل المفحش بالإماء والغلمان، فقد كان لا يعرف الغزل الأخير، وكان لا يبلغ من الإفحاش فى غزل الإماء ما بلغه الجيل التالى له.

والذى لا شك فيه أن الكوفة سبقت البصرة وبغداد جميعا لهذا العصر فى الفسق والمجون، إذ غرقت فيهما إلى أذنيها، وكان مما أعدّ لذلك دار نخاسة كبيرة قامت بها منذ أواخر عصر بنى أمية، وهى دار ابن رامين، وكان قد جلب إليها كثيرات من قيان الحجاز وإمائه المغنيات أمثال سعدة وربيحة وسلامة الزرقاء، وتولع بهن كثير من شباب الكوفة وغيرهم أمثال إسماعيل بن عمار ومحمد بن الأشعث وشراعة بن الزّندبوذ، ونظموا فيهن كثيرا من الأشعار المادية التى لا تخلو أحيانا من الفحش (1). ولم تلبث أن ظهرت جماعة كبيرة من المجان الخلعاء أمثال والبة ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد.

وكان والبة شيطانا مريدا، فهو يسرف فى المجون والخلاعة والغزل الشاذ بالغلمان وكان ينتسب فى قبيلة أسد (2)، وهى والعرب جميعا برآء منه ومن فحشه

(1) أغانى (طبعة دار الكتب) 11/ 364 وما بعدها و 15/ 56 وما بعدها.

(2)

أغانى (طبعة الساسى) 16/ 142 وانظر فى والبة ابن المعتز ص 87 وتاريخ بغداد 13/ 518.

ص: 383

وشذوذه، وقد أعفاهم منه أبو العتاهية، إذ نسبه فى الروم (1)، وهو الذى أدّب أبا نواس وأفسده فيما يقول الرواة، ويقول أبو الفرج إنه كان خبيث الدين. وقد ذهب شعره إلا أطرافا رواها أبو الفرج وابن المعتز، وهى تصور كيف كان يجاهر بالفسق والمعصية. وممن خلفوا أبانا وجماعته على هذه المجاهرة بكر بن خارجة مولى بنى أسد، وكان ورّاقا ضيق العيش مقتصرا على التكسب من الوراقة وصرف أكثر ما يكسبه إلى النبيذ، وكان معاقرا للشراب فى منازل الخمارين وحاناتهم وتعشق غلاما نصرانيّا يقال له عيسى بن البراء العبادى الصيرفى، وله فيه قصيدة مزدوجة ذكر فيها النصارى وشرائعهم وأعيادهم وأديرتهم، وفيه يقول (2):

زنّاره فى خصره معقود

كأنه من كبدى مقدود

ولم يلبث كثير من شعراء البصرة أن أمعنوا وراء شعراء الكوفة فى هذا الفساد الخلقى، يقودهم الخاركىّ، وفيه يقول أبو نواس:«ما مجنت ولا خلعت العذار حتى عاشرت الخاركى فجاهر بذلك ولم يحتشم فامتثلنا نحن ما أتى به وسلكنا مسلكه، ونحن ومن يذهب مذهبنا عيال عليه» (3). وكان طبيعيّا أن ينقل شعراء البصرة والكوفة هذا الفساد والتحلل الخلقى إلى بغداد منذ أخذوا يفدون عليها ويقيمون بها فى عهد المهدى ومن تلاه من الخلفاء، يتقدمهم أبو نواس. ومن مجّانها المشهورين الرّقاشى، يقول أبو الفرج: «كان ماجنا متهاونا بمروءته ودينه، وقصيدته التى يوصى فيها بالخلاعة والمجون مشهورة سائرة فى الناس، مبتذلة فى أيدى الخاصة والعامة وهى التى أولها:

أوصى الرقاشىّ إلى إخوانه

وصيّة المحمود فى ندمانه» (4)

ويقول ابن المعتز إنها كانت فى الغلمان وشرب الخمر والقمار والهراش بين الديكة والكلاب (5). وقد اتسعوا فى الحديث عن الخمر ورائحتها ونفحتها ودنانها وسقاتها وحاناتها وأديرنها. وتعرضوا طويلا للرهبان والراهبات وزنانيرهم.

ونرى أبا الفرج حينما يتحدث عن كثير من هؤلاء الخلعاء الماجنين ينصّ على

(1) أغانى 16/ 143. . بعدها.

(2)

أغانى (طبعة الساسى 20/ 87.

(3)

ابن المعتز ص 6.

(4)

أغانى (طبعة دار الكتب) 16/ 246.

(5)

ابن المعتز ص 226.

ص: 384

حبت دينهم أو على زندقتهم ومروقهم من الإسلام وشريعته الغرّاء على نحو ما نرى فى حديثه عن حماد الرواية وحماد عجرد ومطيع بن إياس، وكأنهم كانوا على مذهب مزدك الذى يدعو إلى اللذات واقتراف الكبائر. وكان من الزنادقة نفر أشربوا حبّ مذهب مانى وما فيه من الزهد والانصراف عن متع الحياة وخير من بمثلهم صالح بن عبد القدوس الأزدى.

على أنه ينبغى أن نلاحظ أن كثيرين ممن تورطوا حينئذ فى الخمر والمجون لأوائل حياتهم عادوا وتابوا إلى ربهم وأنابوا، ومن خير من يمثل هذا الفريق آدم ابن عبد العزيز حفيد عمر بن عبد العزيز، يقول أبو الفرج:«كان فى أول أمره خليعا ماجا منهمكا فى الشراب، ثم نسك بعد ما عمّر ومات على طريقة محمودة» ويروى أن المهدى شهد على أنه زنديق، فأمر بضربه ثلاثمائة سوط على أن يقرّ بالزندقة، فقال: والله ما أشركت بالله طرفة عين، فقال له المهدى: فأين قولك:

اسقنى واسق خليلى

فى مدى الليل الطويل

قهوة فى ظل كرم

سبيت من نهر بيل (1)

فى لسان المرء منها

مثل طعم الزّنجبيل

قل لمن يلحاك فيها

من فقيه أو نبيل (2)

أنت دعها وارج أخرى

من رحيق السّلسبيل (3)

تعطش اليوم وتسقى

فى غد نعت الطّلول

فقال للمهدى: كنت فتى من فتيان قريش، أشرب النبيذ، وأقول ما قلت على سبيل المجون. والله ما كفرت بالله قط، ولا شككت فيه، فخلّى سبيله ورقّ له (4). وأمثال آدم كانوا كثيرين. ونحن نقف عند ثلاثة من أبرز شعراء الزندقة والمجون وهم حماد عجرد ومطيع بن إياس وصالح بن عبد القدوس.

(1) بيل: من نهيرات سواد العراق. سبى الخمر: حملها من بلد إلى بلد.

(2)

يلحاك: يلومك ويشتمك.

(3)

يشير إلى رحيق الفردوس.

(4)

أغانى 15/ 285 وما بعدها.

ص: 385