الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - النظم السياسية والإدارية
كان تحول الخلافة من دمشق إلى بغداد على سواعد الجيوش الخراسانية إيذانا بغلبة الطوابع الفارسية على نظم الحكم السياسية والإدارية للدولة العباسية، فقد قامت فى المجال الفارسى وعاشت تتنفّس فيه. وقد بلغ الفرس قبل الفتوح الإسلامية مرتبة عالية فى تنظيم الحكم، حتى لنرى العرب بعد فتح ديارهم يسارعون إلى التأثر بهم فى هذا التنظيم، فقد روى الرواة أن عمر بن الخطاب اتخذ ديوان العطاء أو ديوان الجند، مقتديا فيه بصنيع الساسانيين، يقول ابن الطقطقى:«لما كانت سنة خمس عشرة من الهجرة، وهى خلافة عمر رضى الله عنه، رأى أن الفتوح قد توالت وأن كنوز الأكاسرة قد ملكت وأن الحمول من الذهب والفضة والجواهر النفيسة والثياب الفاخرة قد تتابعت، فرأى التوسيع على المسلمين وتفريق تلك الأموال فيهم، ولم يكن يعرف كيف يصنع وكيف يضبط ذلك، وكان بالمدينة بعض مرازبة الفرس فلما رأى حيرة عمر قال له: يا أمير المؤمنين إن للأكاسرة شيئا يسمونه ديوانا جميع دخلهم وخرجهم مضبوط فيه لا يشذ منه شئ، وأهل العطاء مرتبون فيه مراتب لا يتطرق عليها خلل. فتنبّه عمر رضى الله عنه، وقال: صفه، فوصفه المرزبان. ففطن عمر لذلك ودوّن الدواوين وفرض العطاء (1)» .
وكان هذا الديوان الأصل الذى تأسست عليه الأداة الحكومية للخلافة الإسلامية. وارتضى عمر لولاته فى الشرق أن يستعينوا فى جمع الخراج بنفس عمّال الفرس الذين كان يستعين بهم الساسانيون فى جمع الضرائب وهم المسمون بالدهاقين لخبراتهم التامة بكل الشئون المتصلة بهذا الجمع، وخاصة من حيث تقدير الخراج.
وبذلك استمرت فى أيدى هؤلاء الدهاقنة سجلاّت الخراج الإسلامى، وظلوا يكتبونها بالفارسية حتى أمر عبد الملك بن مروان بتعريبها فى العراق، كما أمر بتعريب الدواوين الرومية فى الشام ومصر. وصدع الحجاج واليه على العراق بأمره فعرّبها،
(1) ابن الطقطقى ص 60.
غير أنها ظلت لا تعرّب فى خراسان حتى سنة 124 وهى السنة التى أمر فيها نصر ابن سيار بتعريبها هناك.
وعلى هذا النحو استعان العرب منذ أوائل الفتوح فى العراق وخراسان بدهاقنة الفرس فى إدارة شئون الخراج وجبايته. ولم يتوسع عمر فى الاقتباس من نظام الحكم الساسانى، فإنه لم يتعدّ فى اقتباسه ديوان العطاء، أما نظام الحكم الوراثى الذى كان متبعا عند القوم فإنه لم يخطر بباله، إذ أبقى الخلافة على أساس شورى انتخابى تؤخذ فيه البيعة للخليفة، حتى إذا كان عهد معاوية رأيناه يتأثر هذا النظام، فيجعل الخلافة وراثية فى بيته، وتبعه على ذلك مروان بن الحكم وأبناؤه. وتوسع معاوية بجانب ذلك فى التأثر بنظم الدواوين الفارسية، فاتخذ ديوانا للخاتم وديوانا للرسائل محاكيا بذلك الدواوين الساسانية.
وإذا انتقلنا إلى العصر العباسى وجدنا النظم الساسانية تنتقل بحذافيرها فى كل شئون الحكم، وكأنما أصبح الخليفة العباسى ملكا ساسانيّا، فهو يحكم حكما مطلقا وهو حكم ينتقل بالوراثة ويطبعه الدين كما كان يطبع الحكم الساسانى، إذ كان الساسانيون يعدون أنفسهم رؤساء للدين وحماة له وحرّاسا. وكان العباسيون من بيت النبوة، فكانوا يعدون أنفسهم ورثة الخلافة الشرعيين، واتخذوا من علماء الفقه والكلام سندا لهم فيما يزعمون، وهو زعم باطل، لأن الولاية العامة على المسلمين لا تورث، وإلا ورثها العباس عم الرسول بعده، ولم يرثها أبو بكر الصديق، وحتى الأموال والأعيان التى تركها الرسول لا تورث، لما صح فى الحديث النبوى من قوله عليه السلام:«إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة» .
وإذا كان هذا الإرث ممنوعا فى الأعيان والأموال فمنعه فى ولاية الأمة ألزم وأوجب، إذ ينبغى أن يتولاها الكفء الصالح على نحو ما تولاها أبو بكر وعمر.
ومهما يكن فقد أقام العباسيون خلافتهم على أنهم أحق الناس بإرث الرسول، ومضوا يحيطون أنفسهم بهالة كبيرة من التقديس كان لها أسوأ الأثر فى خنوع الناس وخضوعهم للظلم والفساد، ونعجب أن نرى الفقهاء والأتقياء الذين كانوا يعارضون بنى أمية ويعدونهم دنيويين ظالمين ينصاعون انصياعا أعمى للعباسيين ويعدّونهم رؤساء شرعيين للأمة من الناحيتين الزمنية والروحية.
وقد أخذ العباسيون يلقون-على شاكلة الساسانيين-فى وعى الناس أنهم أصحاب حق إلهى فى الحكم فهم «سلطان الله فى أرضه (1)» . وأحاطوا أنفسهم -على مثالهم-بنظام تشريفات معقد، مختفين عن أعين الناس وراء أستار صفيقة، ومتخذين كثيرين من الحجّاب أو رؤساء التشريفات. وبذلك لم يعد العرب يدخلون على الخلفاء كلما أرادوا كما كان الشأن فى عصر بنى أمية، بل لا بد لهم قبل الدخول عليهم من استئذان هؤلاء الحجاب، وكانت كثرتهم من الأعاجم الذين احتكروا لأنفسهم أكثر شئون الحكم. وكان الخليفة يستقبل من يدخل عليه وكبير حجّابه فى جانب، وفى جانب آخر كبير حراسه المعروف باسم الجلاد (2) والنّطع دائما أمامه، فمن غضب عليه أطاح برأسه توّا.
وبذلك أصبحنا إزاء حكم استبدادى أشد ما يكون الاستبداد، حكم لا يحسب فيه أى حساب للرعية، فهى أدوات مسخرة للحاكم، وليس لها من الأمر أى شئ، ففى يده كل الأمر وكل السلطان، يولى الولاة والقضاة والوزراء والقواد وأصحاب الشرطة والمحتسبين الذين يراقبون الأسواق، ويعزلهم جميعا، حسب مشيئته وهواه.
وكان يختار الوالى غالبا من أهل بيته أو من أكفاء حاشيته وخاصة الأعاجم، وكذلك كان يختار قواده. ومن البيوت العربية التى لمعت فى العصر بيت المهلبيين وبيت معن بن زائدة الشيبانى.
واتسع الخلفاء فى محاكاة الدواوين الساسانية، وكان فى كل ولاية ديوان للخراج يقوم عليه موظف كبير ينفق منه على الولاية ويرسل ما تبقى من الأموال إلى بغداد حيث كان بها لكل ولاية ديوان خاص، ويسمى مجموع هذه الدواوين باسم ديوان الزمام أو بيت المال، وقد ولّى عليه السفاح خالد بن برمك كما ولاه على ديوان الجند (3) الذى كان يعنى برواتبهم. وكان لدار الخلافة ديوان خاص يقوم على نفقاتها. ومن أهم الدواوين ديوان الرسائل الذى لعب دورا خطيرا فى نهضة النثر العربى، وكانت تصدر عنه رسائل الخلفاء. وكان بجواره ديوان الخاتم الذى تختم فيه تلك الرسائل بعد مراجعتها، وديوان التوقيع وهو خاص بالنظر
(1) طبرى 6/ 331.
(2)
البيان والتبيين (طبع مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر) 2/ 329.
(3)
كتاب الوزراء والكتاب للجهشيارى (طبعة الحلبى) ص 89.
فى المظالم ورقاع أصحاب الشكوى وكانوا يسمونها باسم القصص، وكان من عادة ملوك الفرس ووزرائهم أن يوقعوا عليها بعبارات موجزة بليغة، فجاراهم خلفاء بنى العباس ووزراؤهم فى هذا الصنيع.
وكان هناك ديوان كبير على رأسه صاحب الخبر، وكانت تأتيه أخبار الولايات بواسطة موظفين مهمتهم أن يوافوه بكل ما يجرى فى الولايات من أحداث وأسعار، وهم يشبهون-فى عصرنا-أدق الشبه مراسلى الصحف ومندوبيهم. وكانوا يحصون كل كبيرة وصغيرة للوالى ومن وراءه من قواد الجيش والقضاة وعمال الخراج والمحتسبين ورجال الشرطة ويبلغونها إلى صاحبهم، وهو بدوره يبلغها إلى الخليفة (1). وقد أحكم هذا النظام للبريد إحكاما دقيقا، فكان هناك رسل موقوفون على حمل تلك الأخبار فى سرعة شديدة على خيل مضمرات توجد فى عدة أماكن على الطرق الممتدة من الولايات إلى بغداد. وقد ألّفت من أجلهم كتب المسالك والممالك المشهورة لابن خرداذبة وغيره، وهى كتب تفيض بوصف الأحوال الجغرافية والاقتصادية لولايات الدولة وبلدانها المختلفة فى المشارق والمغارب.
وليس هذا كل ما أخذه العباسيون عن ملوك بنى ساسان من النظم الإدارية والسياسية، فقد أخذوا عنهم أيضا نظام الوزارة، وكلمة وزير عربية فقد وردت فى القرآن الكريم يقول جلّ شأنه على لسان موسى:(واجعل لى وزيرا من أهلى هرون أخى) ومعناها فى الآية الكريمة المؤازر والمساعد، غير أنها أخذت تطلق منذ فاتحة العصر العباسى على المستشار الأول للخليفة فى إدارة شئون دولته.
وهى وظيفة كانت معروفة فى الدولة الساسانية، إذ كانوا يقيمون-لاحتجابهم عن الرعية-وسطاء يصرّفون أمور الدولة ويرسمون سياستها ويعيّنون موظفيها، ومن أشهرهم بزرجمهر وزير أنوشروان الذى عرف بحكمته وحنكته. وكأن العباسيين رأوا أن يجاروهم فى هذا النظام، فاتخذوه لأول مرة فى تاريخ الخلافة العربية، وأطلقوا على صاحبه اسم الوزير، يقول ابن الطقطقى: «الوزير وسيط بين الملك ورعيته، فيجب أن يكون فى طباعه شطر يناسب طباع الملوك، وشطر يناسب طباع العوام، ليعامل كلا من الفريقين بما يوجب له القبول والمحبة والأمانة. . .
(1) انظر الطبرى 6/ 336.
والوزارة لم تتمهد قواعدها وتتقرر قوانينها إلا فى دولة بنى العباس، فأما قبل ذلك فلم تكن مقنّنة القواعد ولا مقررة القوانين، بل كان لكل واحد من الملوك أتباع وحاشية، فإذا حدث أمر استشار ذوى الحجى والآراء الصائبة، فكل منهم يجرى مجرى وزير. فلما ملك بنو العباس تقررت قوانين الوزارة وسمى الوزير وزيرا وكان قبل ذلك يسمّى كاتبا أو مشيرا» (1).
وقلما نجد للعباسيين وزيرا غير فارسى، وهو شئ طبيعى، إذ كانوا هم الذين يستأثرون بشئون الخلافة ويرقون إلى أعلى المناصب، وقد أحكموا للعباسيين هذا النظام وصاغوه صياغة على قوانينه الساسانية. وأول من اتخذه العباسيون وزيرا منهم أبو سلمة الخلاّل حتى إذا قضى نحبه اتخذ السفاح بعده خالد بن برمك، وكان قد جلّى تحت لواء أبى مسلم فى حروبه ضد بنى أمية، وأظهر بسالة وحنكة حربية. وهو ينحدر من أسرة كانت تقوم على سدانة معبد النوبهار البوذى فى بلخ. واتصلت وزارته فى عهد المنصور وناط به حكم بعض الولايات وقيادة بعض الجيوش فأظهر كفاءة نادرة، وولى ابنه يحيى أذربيجان فنهض بولايتها خير نهوض. وولى المهدى بعد أبيه المنصور، فاستدعى يحيى إلى بغداد ووصله بابنه هرون كاتبا له ومستشارا، وتوفّى المهدى وولى بعده ابنه الهادى، فحاول أن يخلع أخاه هارون عن ولاية العهد، غير أن يحيى البرمكى عرف بسعة حيلته كيف يصرفه عن فكرته، وكان لذلك وقع حسن فى نفس الرشيد، حتى إذا صارت الخلافة إليه خاطبه بالأبوة إجلالا له قائلا:«يا أبت أنت أجلستنى هذا المجلس ببركة رأيك وحسن تدبيرك وقد قلّدتك أمر الرعية وأخرجته من عنقى إليك فاحكم بما ترى واستعمل من شئت واعزل من رأيت، وافرض (اعط راتبا) لمن رأيت، وأسقط من رأيت، فإنى غير ناظر معك فى شئ» (2) ودفع إليه خاتم الخلافة، فصار بيده الحلّ والعقد، فقلّد ابنه الفضل المشرق كله من النّهروان إلى أقصى بلاد الترك، وقلّد ابنه جعفرا المغرب كله من الأنبار إلى إفريقية (3). وشخص الفضل إلى عمله فأزال ما وقع على الناس من ظلم وبنى الحياض
(1) ابن الطقطقى ص 110 وما بعدها.
(2)
الجهشيارى ص 177 والمسعودى 3/ 257.
(3)
الجهشيارى ص 190.
والمساجد وزاد فى عطاء القواد والجند، أما جعفر فأقام بحضرة الرشيد وأرسل نوّابا عنه إلى أقاليم ولايته، إذ كان الرشيد لا يطيق صبرا على بعده عنه.
وظل يحيى البرمكى وابناه جعفر والفضل يلون أمور الدولة سبعة عشر عاما كانوا هم المتصرفين أثناءها فى جميع شئونها، وأتاح ذلك لهم أن يصبغوها بصبغة فارسية خالصة، حتى إذا كانت سنة سبع وثمانين ومائة نكبهم الرشيد نكبتهم المشهورة، إذ أمر بقتل جعفر وحبس أبيه وإخوته ما عدا محمدا، ومات يحيى والفضل ابنه محبوس. واختلف المؤرخون وأصحاب السير فى هذه النكبة، فرّدها بعضهم إلى أسباب شخصية، وردّها ثانون إلى أنهم جردوا الرشيد من كل سلطان وكل أمر ونهى، وردّها ثالثون إلى أن الرشيد وقف على ما كانوا يبطنونه من الزندقة، ويظهر أن سببها الحقيقى يرجع إلى إطلاق جعفر لعلوى ثائر من محبسه، هو يحيى ابن عبد الله، كان قد استأمنه الرشيد عليه، فلم يوفّ أمانته (1).
ونمضى إلى عصر المأمون فنجد أسرة بنى سهل الفارسية تتقلد منصب الوزارة له، وتمكّن بدورها للتقاليد الفارسية فى الحكم، وكان أول من وليها منهم الفضل ابن سهل الملقب بذى الرياستين: رياسة السيف والقلم، وكان قهرمانا ليحيى بن خالد البرمكى يلى شئون بيته، أما أبوه سهل فكان مجوسيّا وأسلم. وقد لزم المأمون منذ حياة أبيه الرشيد ودبّر أموره حتى أفضت الخلافة إليه فاستوزره، ويروى الرواة أنه كان إذا دخل عليه وهو لا يزال بمرو «يجلس على كرسى مجنّح ويحمل فيه، فلا يزال يحمل حتى تقع عين المأمون عليه، فإذا وقعت وضع الكرسى ونزل عنه، فمشى. وحمل الكرسى حتى يوضع بين يدى المأمون، ثم يسلّم، ويعود فيقعد على الكرسى. وإنما ذهب ذو الرياستين فى ذلك إلى مذهب الأكاسرة فإن وزيرا من وزرائها كان يحمل فى مثل ذلك الكرسى ويقعد بين أيديها عليه» . (2)
فحتى تقاليد وزراء الساسانيين فى دخولهم على الأكاسرة وجلوسهم بين أيديهم كانت تحاكى محاكاة دقيقة. وكان من رسم ملوك الفرس أن يلبس أهل كل طبقة ممن فى خدمتهم لبسة لا يلبسها أحد ممن فى غير تلك الطبقة، فإذا وصل الرجل
(1) انظر الطبرى 6/ 484 وما بعدها والمسعودى 3/ 284 والجهشيارى ص 206، 213، 224، 243، 254 وابن الطقطقى ص 156.
(2)
الجهشيارى ص 316.
إلى الملك عرف بلبسته صناعته والطبقة التى هو فيها» (1). وطبّق العباسيون هذا الرسم على موظفيهم تطبيقا دقيقا حكاه الحاحظ إذ يقول: «ولكل قوم زىّ، فللقضاة زىّ، ولأصحاب القضاة زىّ وللشرط زىّ، وللكتّاب زىّ، وللكتّاب الجند زىّ. . . وأصحاب السلطان ومن دخل الدار على مراتب، فمنهم من يلبس المبطّنة، ومنهم من يلبس الدّرّاعة (2)، ومنهم من يلبس القباء (3)، ومنهم من يلبس البازيكند (4) ويعلق الخنجر ويأخذ الجرز (5) ويتخذ الجمّة» (6) وكان الفقهاء يلبسون المبطّنة والطيلسان (7) والقلانس (8)
فتقاليد الساسانيين حوكيت حتى فى أزياء رجال الحاشية والموظفين وطبقاتهم، وكان ما دخل منها فى شئون الحكم أقوى قوة، مما دفع كثيرين من الفرس إلى ترجمة الكتب التى تصورها عن لغتهم، وعمل ابن المقفع فى هذا الميدان ذائع مستفيض، فقد نقل إلى العربية طائفة من الكتب والرسائل التى تتصل بالحكم الساسانى ورسومه من مثل كتاب «آيين نامه» ومعنى آيين النظم والتقاليد. ولم يقف عمله فى هذا الصدد عند الترجمة، فقد نقل فى رسائله القصيرة والطويلة كثيرا من وصايا الفرس فى السياسة والحكم على نحو ما يلقانا فى رسائله المعروفة باسم «الأدب الصغير» و «الأدب الكبير» و «رسالة الصحابة» وهو يريد بهم صحابة السلطان وحاشيته. وقد بعث البرامكة وبنو سهل-بعد ابن المقفع-المترجمين على نقل كثير من الكتب والرسائل التى تحمل تقاليد الساسانيين فى الحكم والسلطان وحقّا فقدت الكثرة الكثيرة من هذه الكتب، ولكن بقيت منها نصوص وفيرة تلقانا فى حديث الطبرى عن الفرس فى أوائل تاريخه الكبير وفى مقدمة كتاب الوزراء والكتاب للجهشيارى وفى عيون الأخبار لابن قتيبة. ولعلنا لا نغلو بعد ذلك كله إذا قلنا إن النظم السياسية والإدارية فى الدولة العباسية طبعت بطوابع فارسية
(1) الجهشيارى ص 3.
(2)
الدراعة: جبة فارسية.
(3)
القباء: ثوب فارسى قصير.
(4)
البازيكند: كساء يلقى على الكتف.
(5)
الجرز: آلة من حديد يضرب بها.
(6)
البيان والتبيين 3/ 114 والجمة: ما يسقط على المنكبين من الشعر.
(7)
أغانى (طبع دار الكتب) 5/ 360. والطيلسان: ثوب فارسى.
(8)
أغانى 6/ 291 والقلانس: جمع قلنسوة وهى غطاء فارسى للرأس.