الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوعُ الثالثُ: في غرض التَّشبيه
[و](1) يعودُ غالبًا إلى المُشَبَّه؛ وهو:
لبيانِ حاله؛ أَيْ: المُشبَّه؛ كسَواده أَوْ بيَاضِه؛ كما إذا قيل لك: ما لونُ عمامتك؟ [وقلتَ: كلون هذه](2) وأشرتَ إلى عمامةٍ لديك (3).
أَوْ مقْدارِ حالهِ؛ كمَا إذا قُلْتَ: هو في سَوادِه كحَلَكِ (4) الغُرابِ.
أَوْ لإمكانِ وجُودِه، عطفٌ على قوله:(لبيانِ)؛ فهو قَسِيمٌ له.
وعبارةُ المفتاح تُشعرُ بأَنّه قسمٌ من البَيان؛ لأنَّه قال (5): "أَوْ لبيانِ إمكانِ وجوده"؛ وذلك إِنَّما يكونُ إذا كان المدَّعِي يدَّعي شيئًا لا يكونُ إمكانُه ظاهرًا؛ فيحتاج إلى التَّشبيهِ لبيانِ إمكانه؛ كما في قوله (6):
فإنْ تَفُقِ الأَنامَ وأَنْتَ مِنْهُم
…
فإِنَّ المِسْكَ بَعْضُ دَمِ الغَزَالِ
(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل. ومثبت من أ، ب، ف.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل. ومثبت من أ، ب، المفتاح.
(3)
في ب: "كذلك".
(4)
الحَلَكُ: شدَّةُ السّواد. اللِّسان: (حلك): (10/ 415).
(5)
ص: (341).
(6)
البيت من الوافر. وقائله المتنبّي. قاله ضمن قصيدة طويلة يُعزِّي فيها سيفَ الدَّولة بعد وفاةِ أُمّه.
والبيت في ديوان الشَّاعر: (3/ 151).
واستُشهد به في الأسرار: (123)، ونهاية الإيجاز:(217)، والإيضاح:(4/ 68)، والتّبيان:(353).
وهو في المعاهد: (2/ 53).
فإنّه أرادَ أَنْ يقولَ: فُقْتَ الأنامَ بحيثُ لم يبقَ بينك وبينهم مشابهةٌ؛ بل صِرْتَ أصلًا برأسه؛ وهذا كالممتنع في الظَّاهر، فإِنَّه بَعيدٌ أَنْ يتناهى بعضُ آحادِ النَّوع في الفضائل إلى أَنْ يصيرَ كأَنَّه ليس من ذلك النَّوع (1)؛ فلمَّا قال:(فإِنَّ المسكَ) فقد (2) بيَّن إِمكانَه [و](3) وجودَه، لأنَّ المسكَ قد خرجَ عن صفةِ الدَّم؛ حتَّى لا يُعدُّ من جِنْسه.
أَوْ لزيادةِ تقريرِه؛، أي: المشبَّه، وتقويةِ شأنِه عند السَّامعِ؛ كما إذا كنتَ مع صاحبكَ في تقرير أنّه لا يَحْصُل من سعيه على طايلٍ، ثُمَّ أخذت تَرْقُم على الماءِ؛ وقُلْتَ: هلْ أفاد رقمي على الماء نَقْشًا ما؟ إِنَّكَ في سَعْيك هذا كَرَقمي عَلَى الماءِ؛ فإنّك تَجِدُ لتمثيلكَ هذا زيادةَ تقرير.
أَوْ لتَزْيينِ المُشَبَّهِ؛ كما إذا شَبَّهْتَ وجْهًا أسودَ بمقلةِ الظَّبي؛ إِفراغًا له في قالب الحُسْن؛ طلبًا (4) لتزيينِه.
أَوْ تَشْويةِ المشبَّه؛ كما إذا شبَّهتَ وجْهًا مَجْدورًا بعذرةٍ جامدةٍ قد نقرتها الدِّيكةُ؛ إظهارًا [له](5) في صورةٍ أَشْوه؛ إرادة ازْديادِ (6) القُبْح.
(1) كلمة: "النَّوع" ساقطة من ب. ولا بدّ منها لتمام السِّياق.
(2)
في الأَصل: "قد" والصَّواب من أ، ب.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل، ومثبت من أ، ب.
(4)
في ب: "طالبًا".
(5)
"له" ساقطة من الأَصل. ومثبتة من أ، ب.
(6)
في الأَصل: "زيادة" والمثبت من أ، ب، المفتاح.
أَوْ لاسْتِطرافٍ؛ وهو عدُّ الشَّيء طريفًا؛ أَيْ: حَديثًا، وهو إِمَّا لبُعدِه في الواقع؛ بحيثُ يُتصوّرُ امتناعُه عادةً؛ كقولك في الجمرةِ: بَحْرٌ من المِسْكِ مَوْجُهُ الذَّهبِ. وقال في المفتاح (1): "كما إذا شبَّهتَ الفحمَ فيه جَمْرٌ موقدٌ ببحرٍ من المسكِ موجُه الذَّهب"(2). أَوْ في الذّهن؛ أي: وإمّا لبُعدِه في الذِّهنِ؛ أَيْ: يكونُ المشبّهُ به نادرَ الحضورِ في الذِّهنِ. وهو إِمَّا مُطلَقًا، أَوْ حين التَّشبيهِ.
الأَوَّلُ: كالمثالِ المذكورِ من الجَمرةِ والبحرِ.
والاستطرافُ -كاستطراف النَّوادر عندَ مُشاهدتها- موجِبٌ للاسْتِلْذَاذ؛ لِجِدَّتِها كما قيل: (ولِكُلِّ جديدٍ لذّةٌ (3)؛ كما أنَّ لكلِّ عتيق حُرمة).
(1) ص: (341).
(2)
ويلحظُ عدم وضوح التَّصوير في مثال المصنِّف رحمه الله لكونه جعل المُشبَّه مفردًا؛ وهو: "الجمرة" بخلاف المثالِ عند السَّكّاكيّ فقد جعل المشبَّه مركّبًا من فحم فيه جمر موقد. ولعلَّ الكرمانيّ عندما أورد كلام السَّكّاكيّ - نصًّا - أراد أن يستدرك على المصنّف ما وقع فيه من قصور.
(3)
من أمثال العرب. ينظر: جمهرة الأمثال: (2/ 16)، والمستقصى:(2/ 291). وهو من قول الحطيئة (ديوانه 331):
لكلّ جديد لذَّةٌ غَيْرَ أنّنِي
…
وجَدْتُ جديدَ المَوْتِ غير لَذِيذِ
والثّاني؛ أي: أَوْ حينئذٍ؛ كنُدْرةِ حُضُورِ النَّار والكبريتِ عندَ ذِكْرِ البَنَفْسج وحديثِ الرِّياض؛ كقوله في البَنَفْسَج (1):
(1) البيتان من البسيط. وقد اختلفت المصادر النَّاقلة لهما في تحديد قائلهما؛ كما اختلفت في روايتها.
فمن قائل بأنّهما لابن الرّومي؛ حيث وردا في ديوانه: (1/ 394) برواية: "وسط" مكان "بين". وشطر الثّاني: "كأنّها وضعاف القضب تحملها"؛ وعلى هذه النّسبة صاحب معاهد التَّنصيص: (2/ 56).
وضعّف هـ. ريتر محقّق الأسرار هذا القول بحجّة أَنَّه لم يجدهما في ديوانه. ينظر: أسرار البلاغة؛ تحقيقه: (117).
ومِن قائل بأَنَّهما للزَّاهي: (أي: القاسم عليّ بن إسماعيل البغداديِّ)؛ حيث وردا في وفيّات الأعيان لابن خلّكان: (3/ 326) برواية: "ولا زوردية أوفت بزُرْقتها
…
بين الرِّياض عَلى زرقِ اليَواقِيتِ".
وعلى هذه النِّسبة ابنُ خلّكان.
ونصر محمود شاكر محقّق الأسرار هذا القول، ورجّح -أيضًا- أنهما إغارة على بيتي ابن المعتز في ديوانه:(304):
بِنَفْسجٌ جُمِعَتْ أوْراقُه فَحكتْ
…
كَحْلاءَ تَشْربُ دَمْعًا يَومَ تَشْتيتِ
كأَنَّه، وحقافُ القضبِ تَحْملُه
…
أوائلُ النَّارِ في أَطرافِ كبْريتِ
وقال: "ولا يصحُّ خلط الشِّعرين؛ فالفرق بينهما ظاهر". ينظر: أسرار البلاغة؛ تحقيقه: (130).
ونسبهما أبو هلال في ديوان المعاني (2/ 24) إلى ابن المعتزّ -واختلاف الرّواية بينهما ظاهر- كما تقدّم. =
ولا زَوَرْديَّة (1) تَزْهو (2) بِزُرْقَتِها
…
بَيْنَ الرِّياضِ عَلَى حُمْرِ اليَواقِيتِ (3)
كَأنهَا (4) فَوْقَ قَاماتٍ ضَعُفْنَ بِهَا
…
أَوائلُ النَّارِ في أَطْرافِ كِبْريتِ
لأن صورةَ اتِّصالِ النَّارِ بالكِبْريتِ ليست ممّا يُمْكن أَنْ يُقال: إنَّها نادرةُ الحضورِ في الذِّهنِ؟ نُدْرةَ صورةِ البحرِ من المسكِ مُوْجُه الذّهب، وإنّما النّادرُ حضورُها مع حديثِ البَنَفْسَج.
ومنه، أي: ومن هَذَا البابِ (5)، قولُ عديِّ (6)
= ونسبهما سعد الدّين التّفتازانيّ في المطوّل: (334) إلى أبي العتاهية. وقد وردا في ديوانه: (510) تحقيق شكري فيصل.
وقد استشهد بالبيتين في: أسرار البلاغة: (130)، والمفتاح:(342)، والإيضاح:(4/ 73)، والتِّبيان:(354).
(1)
اللازورديَّة: البنفسج -نسبة إلى اللازرود- وهو حجر نفيس يشبه البنفسج.
(2)
تزهر: تتكبّر. ينظر: اللّسان: (زها): (14/ 360).
(3)
حمر اليواقيت: من إضافة الصّفة إلى الموصوف. والمراد: الأزهار والشقائق الحُمْر.
(4)
في الأَصل، أ:"كأنه". والصَّواب من: ب، مصادر البيت.
(5)
أي: نُدرة حُضُور المُشبّه به حين التّشبيه.
(6)
هو أبو داود؛ عديٌّ بن زيد بن مالك بن الرِّقاع العامليّ. شاعر مجِيدٌ. مقدَّم عند بني أميّة. لُقب بشاعر أهل الشّام، له ديوان شعر مطبوع. مات في دمشق سنة (95 هـ).
ينظر في ترجمته: طبقات ابن سلام: (681)، والشّعر والشّعراء:(2/ 618)، والأغاني:(5/ 210 - 216)، معجم الشّعراء:(78).
ابن الرَّقَاع (1):
تُزْجِي أَغَنَّ كَأَنَّ إِبْرَةَ رَوْقِهِ
…
قَلَمٌ أَصَابَ مِن الدَّواةِ مِدَادَها
يُحْكى أن جريرًا قال: أَنْشَدني عديٌّ هذه القصيدة، فلمَّا بلغَ إلى قوله:(كأنَّ إبرةَ رَوْقهِ) رَحِمتُه، وقلتُ: قد وقع في مُعْضِلةٍ، ما عساهُ يَقُول وهو أَعرابيٌّ جِلْف جافٍ؛! فلمَّا قال:(قلمٌ أَصَابَ من الدَّواةِ مدَادَها) اسْتَحالت الرَّحمةُ حَسَدًا (2).
وذلك لأن جريرًا ما كانَ يحسبُ أنَّ عديًّا يَحضرُ في ذهنه المشبَّه به مع المشبّه؛ لكَونه نادرَ الحضورِ مَعَه، لكونِ عديٍّ جِلْفًا؛ فلَمَّا حضر حَسَدَه بعدما كانَ رحمَه.
تُزْجِي؛ أي: تَسُوق.
وأغنَّ: هو الذي يَتَكلّمُ من قبَل (3) خياشيمه؛ من الغُنّة؛ وهي: صوتٌ في الخيشوم؛ يقالُ: (طَيْرٌ (4) أغَنٌّ). والمرادُ هنا: ولدُ ظَبْي أغنّ
(1) في الأَصل: "رفاع". والصَّواب من: أ، ب. مصادر ترجمته.
والبيت من الكامل. وهو في ديوانه: (49)، والعمدة لابن رشيق (183).
واستشهد به في أسرار البلاغة: (154)، المفتاح:(342)، والإيضاح:(4/ 175)، والتّبيان:(354).
(2)
تنظر القصّة في الأغاني: (5/ 214) والمصادر المتقدّمة.
(3)
كلمة: "قِبَل" ساقطة من ب.
(4)
في ب: "ظبي".
له صوتٌ ضعيفٌ.
وإِبرةُ رَوْقه: طرفُ قَرْنِه وحدَّتُه.
الجِلْفُ: الدنّ الفارغ. وأجلافُ الشّاةِ؛ هي: المَسْلُوخةُ بلا رأسٍ ولا قوائمَ ولا بطنٍ.
والجافي: الغليظُ.
وإنّما فَصَله ممّا (1) قبلَه بلفظ: (مِنْه)؛ لأن بُعْدَه بالنِّسبةِ إلى القائلِ الخاصِّ بخلافِ غيرِه.
وقدْ يعودُ؛ أي: غرضُ التَّشبيه إلى المشبَّهِ به.
إمَّا لإيهامِ أَنَّه؛ أي: المُشبّه به أتمُّ من المُشَبَّه في ذلك؛ أي: وجه التَّشْبيه؛ إذْ حقُّ المشبّهِ به أن يكونَ كَذَلك؛ أيْ: أعرفُ بجهة (2) التَّشبيهِ من المشبَّهِ، وأَخصُّ وأقوى حالًا معها؛ ليُفيدَ ما ذكرنا من الأَغْراضِ؛ من بيانِ مقدارِ المُشبّه، وإمكانِ وجودِه، وزيادةِ تقريرِه، وإيرادِهِ (3) في مَعْرض (4) التَّزين، والتَّشْويه، والاستطرافِ؛ كقوله (5):
(1) في ب: "عمّا". والمعنى واحد.
(2)
في أ: "لجهه".
(3)
في أ: "وإبرازه".
(4)
في الأَصل: "معوض" والصَّواب من: أ، ب.
(5)
البيت من الكامل، قاله: محمّد بن وهيب الحميريّ. ضمن قصيدةٍ يمدح بها المأمون.
وهو في عيار الشعر: (114)، والأغاني:(10/ 62)، ومعجم الشعراء:(321)، والصّناعتين:(78).
وبَدَا الصَّباحُ كَأن غُرَّتَهُ (1)
…
وَجْهُ الخَلِيفةِ حِينَ يُمْتَدحُ
فإنّه تعمُّدَ (2) إيهامَ أن وجهَ الخليفةِ في الوضوح أتم من الصّباح، ويُسمّى بالتَّشبيهِ المقلوبِ (3).
ومنه؛ أي: ممّا يعودُ الغرضُ إلى المشبّه به: {إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (4)؛ في مقام إنّمَا الرِّبا مثلُ البيع؛ لأنَّ الكلامَ في الرِّبا لا في البَيْع؛ ذهابًا منهم (5) إلى جعل -الرَّبا في بابِ الحلِّ- أَقْوى حالًا، وأعرفَ من البيع.
و {أَفَمَنْ يَخْلُقُ} (6)؛ أي: ومنه: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} ؛ دون أن يقولَ بعَكْسه (7) مع اقْتِضاءِ المقامِ بظَاهره إِيَّاه؛ لأنَّ عَبَدةَ الأصنامِ
= واستُشهد به في أسرار البلاغة: (223)، ونهاية الإيجاز:(220)، والمفتاح:(343)، والإيضاح:(4/ 75).
وهو في المعاهد: (2/ 57).
(1)
الغُرَّةُ -في الأَصل-: البياض في جَبْهَةِ الفرس. ينظر: اللِّسان: (غرر): (5/ 15).
وهنا استعيرت لبياض الصبح.
(2)
قوله: "فإنه تعمّد" مكرّر في الأَصل.
(3)
وذلك "بأن يَجْعل فيه المشبّه مشبّها قصدًا إلى ادِّعاء أنَّه أكمل منه في وجه الشّبه".
بغية الإيضاح: (3813)، ويبدو أنَّ أبا الفتح، عثمان بن جنِّي أوَّلُ من ألمح إليه تحت مسمَّى "غلبة الفروع على الأصول". ينظر: الخصائص: (1/ 300).
(4)
سورة البقرة، من الآية:275.
(5)
أي: من مستحِلّي الرِّبا.
(6)
سورة النحل، من الآية:17.
(7)
أي: أفمن لا يخلق كمن يخلق.
لَمَّا جعلوها كالخالق؛ فاقتضى المقامُ أَنْ يُجعلَ الخالقُ مُشَبَّهًا به، وغيرُ الخالقِ مُشَبّهًا؛ لكنّ في عكسِه مزيدَ توبيخٍ؛ إذ المعنى يصيرُ: أن غيرَ الخالِق عندهم في وجه الشَّبهِ أقوى من الخالقِ وأَوْلَى باسمِ الألُوهيَّةِ (1).
(1) تبيّن -من كلام الشّارح- أن مراده "بمن لا يخلق" الأصنام. وهو رأيٌ أورده السَّكاكيُّ -أيضًا- غير أنَّه رجَّح غيره فقال (المفتاح: 344): "وعندي أنّ الّذي تقتضيه البلاغةُ القرآنيّة هو أن يكون المراد بمن لا يخلق: الحيُّ العالم القادر من الخلق لا الأصنام، وأن يكون الإنكار موجّهًا إلى توهّم تشبيه الحيّ العالم القادر من الخلق به تعالى وتقدّس عن ذلك علوًّا كبيرًا؛ تعريضًا به عن أبلغ الإنكار؛ لتشبيه ما ليس بحيٍّ عالم قادر به تعالى، ويكون قوله: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} تنبيه توبيخ على مكان التّعريض".
وعلى هذا الرّأي يلزم إنكار عبوديّة الأوثان بالطريق الأَولى.
هذا، وإنّما قال الصنّف رحمه الله:"ومنه" قبل إيراد المثالين؛ لاحتمالهما أن لا يكونا من التّشبيه المقلوب؛ كما نَقَل ذلك عن المصنِّف أحدُ شرّاح الفوائد الغياثيّة إذ قال: (ل: 180 - 181).
"أمّا الأوّل: فقال المصنّف: يحتمل أن يكون المرادُ منه إثباتَ الحرمة في البيع للإلزام؛ أي: البيع مثل الرّبا. فلو كان الرّبا حرامًا -كما زعمتم- لكان البيع أيضًا حرامًا وليس فليس. وقال الإمام الرازي في تفسيره: المراد إثبات الساواة بينهما في اقتضاء الحل والحرمة فلا فرق بين أن يقال البيع مثل الرِّبا وعكسه.
وأما الثّاني: فقال المُصنِّف يحتمل أن يكون سوقه للتَّنْزيه عن مماثلةِ الخلوقات؛ فكان حقُّ الكلام كما ذكر؛ لا للتوبيخ عن التّشريك في العبادة. =
وإمّا لإِظْهارِ الاهتمامِ؛ عَطْفٌ على قوله: (إِمَّا لإيهامِ)، وذلك كما إذا أُشير لكَ إلى وجهٍ كالقمرِ في الإشْراقِ والاسْتدارةِ؛ وقيلَ: هذا الوجهُ يُشبهُ ماذا؟؛ فقلتَ: الرَّغيفَ!، إظهارًا لاهتمامكَ بشأنِ الرَّغيف؛ وهذا يُسمَّى بإظهارِ المطلوب، ولا يُصارُ إليه إلّا في مقامِ الطَّمع بحصولِ المطلوبِ؛ وذلكَ كما أمرَ الصَّاحبُ (1) ابنُ عبّادٍ نُدَماءَه أن يُجيزُوا قولَه (2): وعَالِمٌ يُعْرَفُ بالسِّجْزِيّ (3)؛
مِمَّا مدحَ (4) به قاضي سجستان (5) حِين دخلَ عليه فوجدَه عالمًا مُتَفنِّنًا؛ فقال شريفٌ بينهم انتهت النَّوبةُ إليه بعدما نَظَمُوا على أُسلُوبِه واحدًا بَعْد واحدٍ:
....................
…
أَشْهَى إلى النّفْسِ من الخُبْزِ؛
ففَهمَ الصّاحبُ اهتمامَه بشأنِ الخُبْزِ؛ فأمرَ أن تُقدَّمَ له مائدة.
= وقال صاحب الكشّاف المراد به إنكار تسويتهم الخالق بغير الخالق في العبادة والتّسمية".
(1)
تقدّمت ترجمته ص (609) قسم التحقيق.
(2)
شطر البيت من السّريع. وهو في المفتاح: (346)، الإيضاح:(4/ 77)، والتّبيان:(356). وسيرد شطره المجاز عمَّا قريب.
(3)
السِّجزيّ: نسبةٌ سماعيّة إلى سجستان. وهو: أبو الحسن، عمر بن أبي عمر السِّجزيّ النّوقاني. أديب شاعر فقيه. له غير رحلة واحدة إلى خراسان والعراق في طلب الأدب والعلم. وكان قد أقام في حضرة الضاحب بن عبَّاد برهة يستفيد من مجالسها ويقتبس من محاسنها. يتيمة الدّهر:(4/ 342).
(4)
في ب: "يمدح".
(5)
تقدّم التّعريف بها ص (379) قسم التّحقيق.
والإجازةُ [تتميمُ](1) مصراع الغيرِ.
وإذا تساوى الطرفانِ؛ أي (2): المُشبَّه والمشبَّه به في جهةِ التَّشبيه، ولَمْ يَخْتلفا بكون أَحدِهما ناقصًا والآخر كاملًا. فتشابه؛ ليكونَ كلُّ واحدٍ من الطرفين مُشبَّهًا ومشبَّهًا به، لا تَشْبيه؛ حتَّى يكونَ أحدُهما مشبّهًا، والآخر مشبَّهًا به؛ احْتِرازًا عن تَرجِيع أحدِ المتساويين (3)؛ قال الشّاعرُ (4):
رَقَّ الزُّجُاجُ ورقَّت الخمْرُ
…
فَتَشابَهَا فَتَشاكَلَ الأَمْرُ
فَكَأنَّهُ خَمْرٌ ولا قَدَحٌ
…
وَكَأنَّهُ قَدَحٌ ولا خَمْرُ
(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل. ومثبت من أ، ب.
(2)
"أي" ساقطة من أ، ب. وعلى مثلها درج الشَّارحُ.
(3)
يوضح طاش كبرى زاده الفرق بين التَّشبيه والتَّشابه بقوله (شرح الفوائد: 205): "والفرق بين التَّشبيه والتَّشابه هو: أن ما يقع فيه التَّشابه يصحُّ فيه اسْتعمال التَّشبيه مع صحَّة عكسه؛ إذ ما وقع فيه التّشابه من الطرفين متساويان، ويمكن ترجيح أحد المتساويين باعتبار، ولا يخفى أنّ هذا الاعتبار كما يمكن في طرف يمكن في آخر من غير اعتبار القلب، وأمّا ما وقع فيه التشبيه لا يمكن فيه التَّشابه؛ لأن تسوية الرّاجح والمرجوح باعتبار غير ممكن؛ فلا يمكن فيه العكس -أيضًا-؛ لأنه إذا يمكن تسويتهما فلأن لا يمكن ترجيح المرجوح أوْلَى الفهم إلّا بطريق القلب".
(4)
البيتان من الكامل. وقائلهما: الصَّاحبُ بن عبّادٍ. وهما في ديوانه: (176)، وفي يتيمة الدّهر:(3/ 259)، ونهاية الأرب:(7/ 44).
واستشهد به في الإيضاح: (4/ 78)، وأوردهما صاحب معاهد التّنصيص:(2/ 60).
تنبيهان:
الأَوَّلُ: إذا كان وجْهُ التَّشبيه وصْفًا غيرَ حقيقيّ؛ أي: اعتباريًّا مُنْتزعًا من أمورٍ متعدِّدَةٍ -سُمِّي [أي](1) التَّشبيه: تَمْثيلًا، وخُصَّ بذلك الاسم (2)، قال -تعالى-:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} (3)، فإن وجهَ تَشبيهِ المنافقين بالذين شُبِّهوا بهم فِي الآيَة، هو: تَوَجُّه الطلبِ إلى تَيْسِير مطلوبِ بسبب مُباشرةِ أسبابِه القريبةِ مع تعقُّبِ الحِرْمانِ والخَيْبَةِ لانقلابِ الأَسبَابِ، وأَنَّه أمرٌ اعتباريٌّ لا وصفٌ حقيقيٌّ منتزعٌ من أمورٍ كثيرةٍ.
ومنه وإنما فصل بلفظ (4): (منْه) عمَّا قبلَه؛ لأن كُل واحدٍ من الشبَّه والمشبَّه به مذكورٌ صريحًا في الآية الأُولَى؛ دون هذه: قوله -تعالى-: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (5)، شَبَّه كون المؤمنين أنصار الله بقولِ عيسى لهم:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه} من حيثُ الظاهرِ، لكنّ المراد: كونُوا أنصار الله مثل كون الحواريِّين أَنصاره وقْت قول عيسى -عليه
(1)"أي" ساقطة من الأَصل ومثبتة من أ، ب. وعلى مثلها درج الشَّارحُ.
(2)
أي: تسميته: تمثيلًا.
(3)
سورة البقرة؛ من الآية: 17.
(4)
في أ، ب:"بلفظه".
(5)
سورة الصّف؛ من الآية: 14.
السَّلام (1) -: {مَنْ أَنْصَارِي} ؛ لعدم صِحَّةِ تشبيه الكون بالقولِ، ولجوازِ حذفِ المضافاتِ. وإِنَّما جاز ذكرُ مستلزمِ المُشَبَّه به مَكانه (2)؛ كما جازَ ذكرُ مستلزمِ وجهِ الشَّبه مكانه؛ إذْ كما أنَّه ليس بمستلزم التَّصريح بوجهِ الشّبهِ؛ بل قد يُذْكرَ ما إذا أَمْعَنْتَ فِيه النَّظر لَمْ تجده إلّا شيئًا مُسْتتبعًا لما يكون وجهُ الشّبه (3) في المآل؛ كذلك ليس (4). بمستلزم التَّصريح بالمشبَّه به؛ بلْ قد يُذْكر ما إذا أمعنت في النَّظر لم تجده إِلَّا شيئًا مُسْتتبعًا (5) لما يكونُ المشبّهُ به في المآلِ ثم التّقريب ظاهر.
الثاني: لا تَغلَطْ في مثلِ قَوْلِ الشَّاعرِ (6):
(1) قوله: " عليه السلام " ساقط من أ، ب.
(2)
في ب: "فكأنه" وهو تحريف بالقلب.
(3)
في الأَصل: تكرّر بعد هذا قوله السّابق: "مكانه
…
إذا أمعنت" وظاهرٌ أنَّه من انتقال النَّظر.
(4)
قوله: "كذلك ليس" ساقطة من ب.
(5)
عبارة: "بل قد يذكر
…
مستتبعًا" ساقطة من ب.
(6)
البيت من الطويل. ويُنسب لكثير عزَّة في سبعة أبيات أخر ضمن ديوانه: (107) برواية: "يوما" مكان "قومًا"، ونسبه إليه أيضًا النَّويريُّ في نهاية الأَرب:(1/ 76).
والبيتُ مرويٌّ في حسن التَّوسّل: (121)، وزهر الآداب:(2/ 71، 166) برواية: "رجوها" مكان: "رأوها"؛ وهذه الرِّواية -في نظري- هي الأصحّ. ومستشهدٌ به في: أسرار البلاغة: (110)، والمفتاح:(349)، والإيضاح:(4/ 65)، والتِّبيان:(350).
وهو في المعاهد: (2/ 51) بدون نسبة. وقال عنه: "لا أعرف قائله".