المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وجوه التصرف في اللفظ - تحقيق الفوائد الغياثية - جـ ٢

[الكرماني، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌النوعُ الثَّاني (*): في الإيجاز والإطناب

- ‌ الإيجازُ

- ‌الإطنابُ

- ‌النوعُ الثّالثُ (*): في جعلِ إِحدى الجُملتين حالًا

- ‌القانونُ الثاني (*): في الطّلبِ

- ‌تنبيهٌ:

- ‌ التمنِّي

- ‌الاستفهام

- ‌ الأمرُ

- ‌ النَّهيُ

- ‌ النِّداءُ

- ‌الفصلُ الّثاني: في علمِ البيانِ

- ‌الأصلُ الأَوَّل: في التَّشْبيه

- ‌النَّوعُ الأَوَّل: في طرفيه

- ‌النُّوعُ الثَّاني: في وجهِ التَّشبيه

- ‌النَّوعُ الثالثُ: في غرض التَّشبيه

- ‌النَّوعُ الرَّابعُ: في حالِ التَّشبيهِ

- ‌الأَصلُ الثاني: في المجاز

- ‌ وجوهُ التصرُّفِ في اللّفظِ

- ‌ وجوهُ التَّصرّفِ في المعنى

- ‌الأصلُ الثالثُ: في الاستعارة

- ‌المُقدِّمة:

- ‌التَّقسيماتُ

- ‌تنبيهٌ:

- ‌تَنبيه:

- ‌الخاتمة

- ‌الأَصل الرَّابعُ: في الكناية

- ‌تذنيباتٌ:

- ‌تذييلٌ لِلْعِلْمَيْنِ:

- ‌ المطابَقة

- ‌المقابلةُ:

- ‌المُشاكلةُ:

- ‌مُراعاةُ النَّظير:

- ‌المُزاوجة:

- ‌اللَّفُّ والنَّشْرُ:

- ‌الجَمْعُ:

- ‌الفرقُ

- ‌التَّقْسِيم:

- ‌الجمعُ مع التَّفريقِ:

- ‌الجمعُ مع التَّقسيم:

- ‌التَّقسيمُ مع الجمع:

- ‌الجمعُ مع التَّفريق والتَّقسيم

- ‌الإيهامُ:

- ‌التَّوجيه:

- ‌الاعتراض

- ‌التَّجاهُل

- ‌الاستتباع

- ‌التَّجنيسُ:

- ‌القلبُ:

- ‌السَّجْعُ

- ‌التَّرصِيعُ

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ وجوه التصرف في اللفظ

ثُمَّ اللّفظُ بعد الوضع، وقبل الاستعمالِ ليس حقيقةً، ولا مجازًا (1).

ولا بُدَّ في المجاز من تصَرُّفٍ، إذ ما لم يتصرَّفْ نوع تصرُّفٍ؛ بل يُستعمل كما يقتضيه وضع اللّغةِ والعقل لا يكون مجازًا؛ بل حقيقةً.

وذلك التَّصرف [إمَّا](2) في لفظ أَوْ معنى؛ وكلُّ واحدٍ منهما إِمَّا بزيادةٍ أَوْ نقصانٍ أَوْ نقلٍ؛ والنَّقلُ لمفردٍ (3) أَوْ لتركيب؛ فهذه ثمانيةُ أقسام، الحاصلة من مسطح ضرب الإِثنين؛ أي: التَّصرّف اللفظي، والتصّرُّف المعنويّ؛ في الأربعةِ: الزِّيادة، والنُّقصان، والنَّقلِ الإفراديِّ، والنَّقل التَّركيبيِّ؛ فتكونُ أربعةً في اللفظِ، وأربعةً في المعنى، والمصنِّفُ غَيَّر وضع المفتاح في هذا البابِ تقريبًا إلى الضَّبط (4)؛ ولعمري إنَّه انضبط كما ضبط.

أمّا‌

‌ وجوهُ التصرُّفِ في اللّفظِ

فأربعةٌ:

الأَول: تصرُّفٌ بالنُقصانِ، نحو:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (5)؛ أي: أهلها.

(1) وذلك؛ لأَن الحقيقة إثبات للكلمة في معناها الأَصْليّ، وإطلاق للّفظ وإرادة معناه، والمجاز إخراج للكلمة عن معناها الأَصْليّ إلى معنى آخر، وإطلاق للّفظ وإرادة معنى معناه -كما تقدَّم-، وكلاهما لا يوجدان قبل الاستعمال.

(2)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصْل. ومثبتٌ من أ، ب.

(3)

هكذا -أيضًا- في ب، ف. وفي أ:"بمفرد".

(4)

في الأَصْل، ب:"اللفظ" ولا وجه له. والصَّواب من أ. وينظر وضع المفتاح في هذا الباب الذي غيّره المصنِّفُ ص (362 - 365).

(5)

سورة يوسف، من الآية:82.

ص: 691

الثاني: مجازٌ بالزِّيادة؛ نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (1)؛ فإن الأَصلَ: ليسَ مثْله شيء؛ بزيادة الكاف، ونُقل في لبابِ الإعرابِ القولَ بزيادةِ المثل (2)؛ وعلى القَوْلين يصحُّ (3) مثالًا للمجازِ بالزِّيادة. على أَنَّ الأَشبه بالحقِّ: عدمُ كون الزِّيادة، وجَعْلَه؛ أي: الكلام مَسُوقًا لنفي مَنْ يُشبه أَنْ يكون مثلًا فضلًا عن المثل حقيقةً؛ وهذا مِمَّا زاد [المصنِّف](4) على المفتاح، مخترعًا من تِلقاءِ نَفْسِه.

وقال الزَّمخشريُّ في الكشَّافِ (5): "قالوا: مثْلُك لا يبخل؛ فَنَفوا البُخْلَ عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته؛ قصدوا المبالغةَ في ذلك؛ فسلكوا به طريق الكنايةِ؛ لأنّهم إذا نفوه عمّن يسدُّ مسدَّه، وعمّن هو على أخّصِّ أوصافه؛ فقد نفوه عنه؛

فإذا عُلم أنه من بابِ الكناية لم يَقَعْ فرقٌ بين قوله: (ليس كاللهِ شيءٌ) وبين قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} إلَّا ما تُعطيه الكنايةُ من فَائِدتها؛ وكأنهما عبارتان مُعْتقِبتان (6) على معنى واحد؛ وهو نفي المماثلةِ عن ذاتِه".

قال ابنُ الحاجبِ في المُنْتهى: قولهم: أُتي بالكافِ لنفي التَّشبيه؛ أي:

(1) سورة الشورى، من الآية:11.

(2)

ينظر: لباب الإعراب لمحمّد الإسفرائيني: (156).

(3)

في أ: "صحّ".

(4)

ما بين المعقوفين غيرُ موجودٍ في الأَصْل، ب. ومثبت من أ.

(5)

(4/ 217 - 218).

(6)

هكذا -أيضًا- في ب، مصدر القول. وفي أ:"حقيقيّتان" ولا وجه له.

ص: 692

أتى بها لأن الآية مسوقةٌ لنفي التَّشبيه، أي: إثبات التَّتريه لا لنفي الشّريكِ، أي: إثبات التَّوحيد كما هو المتبادرُ إلى الذِّهن -غلطٌ؛ إذْ يصير المعنى: ليس مِثْلَ مثله شيءٌ؛ فَيَتناقض؛ لأنَّه -تعالى- مثل مثله؛ فيلزم نفي ذاتِه مع ظهور إثبات مثله؛ المُسْتلزم لإثبات ذاتِه (1). والمغلّطُ غالطٌ؛ لأن نفي مثل المثل إِنَّما هو بِنَفْي المِثْل؛ لا بنفي مِثل المِثل (2)، لئلّا يلزم التَّناقض؛ فهو تصريحٌ ينفي التَّشبيه؛ مستلزمٌ لنفي الشَّريك. ولا نُسلِّمُ ظهورَه في إثبات مثله، بل قاطعٌ في نفيه لدفع لزوم التَّناقُض -كما ذكرنا.

والأشبهُ بالحقِّ من بين الثلاثِ ما قال الأستاذُ: أنَّه أشبه بالحقِّ؛ وهو أنَّه للتَّوحيد، والتَّوجيهُ التَّوجيهُ:

إِذَا قَالتْ حَذَامِ (3) فَصَدِّقُوهَا

فَإِن القَوْلَ مَا قَالتْ حَذَامِ (4).

(1) منتهى السّؤل والأمل: (23) بتصرّفٍ بالزِّيادة للإيضاح.

(2)

في ب: "المثل مثل" ولا وجه له.

(3)

حذام: هي حذام بنت الرَّيّان؛ جاهليّة يمانيّة يضرب بها المثل في صدق الخبر، وهي زوج قائل البيت.

ينظر: مجمع الأمثال: (2/ 499)، الأعلام:(2/ 171)، أعلام النّساء في عالمى

العرب والإسلام: (1/ 252).

وقيل: إنها حذام بنت العتيك بن أسلم (تاج العروس من جواهر القاموس للزّبيدي: (8/ 239) ط. دار مكتبة الحياة).

والّذي عليه الأدباء أنّها زرقاء اليمامة، وهي امرأة من بنات لقمان بن عاد (ينظر: ما قاله محيي الدّين عبد الحميد في تعليقه على البيت في شرح ابن عقيل (1/ 102).

(4)

البيت من الوافر. =

ص: 693

وقد جَعَلهُما؛ أي: المجاز بالزِّيادة والمجازَ بالنُّقصان، القدماءُ مجازًا في حكمِ الكلمةِ؛ أي: إعرابها (1)؛ وهو فيما يَكْتسي الكلمة حركة لأجل حذفِ كلمةٍ لا بدَّ من معناها، أَوْ لأَجل إثباتِ كلمةٍ مُسْتغنى عنها استغناءً واضحًا، إذ الأصل جَرُّ {الْقَريةَ} (2) بإضافة (الأَهل) إليها،

= وجرى هذا البيت مجرى المثل؛ فصار يضرب لكلِّ من يعتدّ بكلامه ولا يلتفت إلى مقال غيره معه (ينظر: معجم الأمثال: 2/ 499 - 500)، وفي هذا المعنى جاء به الشارح. ومراده: إن كلام المصنّف هو القول السديد الذي ينبغي أن لا يلتفت إلى ما سواه.

ونسب بعضهم هذا الشّاهد لوشيم بن طارق أحد شعراء الجاهليّة. (ينظر: لسان العرب: 2/ 93). والصَّواب: أنه للُجَيم بن صعب والد حنيفة وعجل.

ينظر: مجمع الأمثال: (2/ 499)، والعقد الفريد:(3/ 363)، وشرح التّصريح على التوضيح للأزهريّ:(2/ 225)، وشرح شواهد المغني لعبد الرّحمن بن الكمال السّيوطيّ:(2/ 596)، ولسان العرب (رقش):(6/ 306).

(1)

هكذا في الأَصْل. وفي أ: "أعرابيًّا". وفي ب: "إعرابهما".

ومن أولئك القدماء الذين أشار إليهم المصنف سيبويه في الكتاب: (1/ 212)، ابن جنِّي في الخصائص:(2/ 447)، والفرَّاء في معاني القرآن (86)، والآمدي في الموازنة:(1/ 174).

وعليه فإنّ الكلمة كما توصف بالمجاز لنقلها عن معناها الأَصْليّ إلى غيره -توصف بالمجاز لنقلها عن إعرابها الأَصْلي إلى غيره سواء بالزيادة أوْ النُّقصان.

(2)

في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} .

ص: 694

والنَّصبُ مجازٌ، وإذ الأصل نصبُ (المثل)(1) بحذف (الكاف)، والجرُّ مجازٌ.

وقد جعلَ السَّكاكيُّ هذا النَّوعَ من المُلحق بالمجازِ، لِمَا بَيْنَهما من المُشَابهة، وهو اشتراكها في التَّعدِّي عن الأَصْل إلى غيرِ أَصل، فكما (2) أن الأصلَ في الأسد الحيوانُ المفترس، وقد عُدِّي به عنه إلى غيره، وهو [الشّجاعُ؛ كذلك الأصلُ في {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وقد عُدِّي به عنه إلى غيره، وهو](3) النّصب. لا منه، أي: من [الملحق بالمجاز](4) لا من المجاز (5).

وأنتَ تعلمُ (6) الحال إذا قُلْتَ: (عليك بسؤالِ القَريةِ) فإِنَّه لا يُعتبرُ التَّعدِّي في حكمِ الكَلمةِ وإِعرابها، إذ القريةُ على تقدير ذكرِ الأهل على هذا الوجه -أيضًا- مجرورٌ. أَوْ إذا قلتَ (7):(ما من شيء كمثله)، على أن تكون (كمثله) صفةً لشيءٍ، وخبرُ (ما) محذوفًا (8)، أي:

(1) في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .

(2)

في ب: "وكما".

(3)

ما بين المعقوفين ساقط من الأَصْل، ويبدو أنّه من انتقال النّظر. ومثبتٌ من أ، ب.

(4)

ما بين المعقوفين ساقط من الأَصْل، ويبدو أنّه من انتقال النّظر. ومثبتٌ من أ، ب.

(5)

ينظر رأي السَّكاكيّ في هذا النّوع في المفتاح: (392).

(6)

هكذا -أيضًا- في ب، ف. وفي أزيد كلمة "حقيقة" ضمن كلام المصنّف.

(7)

قول الشارح: "أَوْ إذا قلت" ورد ضمن كلام المصنّف في أ.

(8)

في الأصل: "محذوف". والصّواب من: أ، ب.

ص: 695

موجودًا (1)، فإنَّه لا يُعتبر التَّعدّي في إعراب مثله على تقديري (2) وجودِ الكافِ وعدمِه.

ثم النقلُ فِيهما بِيِّنٌ ظاهرٌ، من سؤالِ القَرية إلى سُؤال أَهْلها، فإنَّه أطلق اللَّفظَ الدَّالَّ على سؤالِ القريةِ وأرادَ سؤال أهلِها. ومن نَفْي مِثْل المِثْل إلى نفي المِثْل؛ فَهُما مجازان؛ ولا فرْق بينهما وبين ما غَيَّر الإعرابُ فيهما في المعنى، وأنَّهما من نوع واحدٍ بحسب التَّصرّفِ، فكيف يكون (3) أحدُهما مجازًا في الإعراب، أَوْ مُلْحقًا به دون الآخر؟!.

وهذا ردٌّ أورده المصنِّفُ عليهم (4) وتحكمهم (5) إلزامًا لهم.

الثّالثُ من وجوهِ التَّصرُّفِ، وهو: ما يسمِّيه السَّكاكي بـ: "المجاز (6) اللّغويِّ الرَّاجع إلى المعنى، المفيدِ الخالي عن المبالغةِ فِي التَّشبيه":

التَّصرّفُ بالنَّقل لمفردٍ (7)، وهو: إطلاقُ لفظِ الشّيءِ لمتعلّقه، أي: لما يتعلّقُ بذلك الشّيء بوجهٍ من الوجوه.

(1) في الأصل: "موجود". والصّواب من: أ، ب.

(2)

في الأَصْل: "تقدير". والمثبت من أ، ب.

(3)

هكذا في الأَصْل. وفي أ، ب:"يجعل" والمعنى واحد.

(4)

أي: على القدماء؛ الّذين يرون أنه مجاز في حكم الكلمة. والسّكّاكي الّذي يرى أنه ملحق بالمجاز لا منه.

(5)

في الأَصْل: "وتحكم" والصَّواب من أ، ب.

(6)

المفتاح: (365).

(7)

هكذا -أيضًا- في ب، ف. وفي: أ: "بمفرد".

ص: 696

كاليد، وهي موضوعةٌ للجارحة المخصوصة، تطلقُ: للقدرةِ أَوْ النِّعمةِ، لأنها -أي: اليد- مَظْهَرَهُما (1) -أي: القدرة، والنِّعمة-؛ فإن القُدْرة أكثرُ ما يَظْهرُ سلطانُها في اليدِ، وبها يكونُ (2) البطْش، والضَّرب، والوضع، والرَّفع، وأنَّ النِّعمة (3) تصدر عن اليدِ، ومن اليد تصلُ إلى المُنْعَمِ عليه.

والراوية، وهي: اسمٌ للبعير الذي (4) يحملُ المزادة، أي: الطرف الذي يُجْعَل فيه الزّادُ (5)، للمزادة، لأنها، أي: الرَّاوية، حاملها؛ أي: المزادة، وهو التَّعلُّق الحاصلُ بَيْنهما (6).

(1) مَظهرهما: يحتمل أن تكون بضمِّ الميم على اعتبار أنَّها اسم فاعل؛ فالعلاقة السَّببيَّة. ويحتمل أن تكون بفتح الميم على اعتبار أنَّها اسم مكان فالعلاقة المحليَّة؛ لأَن اليدَ يمكن أن تعتبر بمنْزلة المحل بالنّسبة إليها.

(2)

قوله: "وبها يكون" تكرّر في الأَصْل.

(3)

في ب: "القدرة" ويخطئها السِّياق بعدها.

(4)

في الأَصْل: "التي" والصَّواب من أ، ب.

(5)

الزّاد: هو الطعام الذي يتَّخذ للسَّفر والحضر، والظَّرف الَّذي يوضع فيه هو المِزْوَدُ، وجمعه مزاود (ينظر: اللِّسان (زيد): 3/ 198 - 199).

والّذي يبدو لي أنّ المزادة التي يصحّ إطلاق اسم الرّاوية عليها هي الظّرفُ الذي يحمل فيه الماء خاصّة؛ لِمَا في الراوية من معاني مرتبطة بالماء؛ كالرّواء وهو الكثير، أَوْ الرّي، وهو ضدّ العطش (ينظر: اللِّسان "روي": 14/ 345)، ويؤيّد هذا قول ابن سيده في المخصّص (. . .): والمزادة: الّتي يحمل فيها الماء وهي ما فُئم (وسّع) بجلد ثالث بين الجلدين ليتسع، سمّيت بذلك لمكان الزّيادة.

(6)

ويسمَّى هذا التَّعلُّق بـ"الحامليَّة".

ص: 697

والحَفض -بالحاء المهملة وتحريكِ الفاء-: متاعُ البيتِ إذا هُيِّءَ ليُحمل [يطلَق](1) للبعير لمثله؛ أي: لمِثل المذكورِ، وهو أنها (2) حاملُها (3)؛ فالعلاقَةُ في الصُورتين الحَمْل؛ لكن هذا في الإطلاق بعكس ذلك، لأنَّه إطلاقٌ لاسم المحمولِ على الحاملِ (4). وليْت شعري كيفَ جعله السَّكاكيُّ من المجازِ؛ والحفضُ جاء -أيضًا- حقيقةً للبعير الحاملِ للمتاع (5)؟!، قال [في] الصِّحاح (6):"الحفضُ -بالتَّحريكِ-: البعيرُ الذي يحمل خُرْثِيَّ (7) البيتِ".

والعين للرَّبِيئةِ؛ أي: الطَّلِيعة، وهي الذي يَرْبَأ القومَ؛ أي: يَرْقُبُهم. لأَنَّها؛ أي: العين المقصودُ منه؛ من الرَّبيئة؛ فصارت كأنَّها الشَّخص كُلّه (8).

(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأَصْل. ومثبت من أ، ب.

(2)

أي: الخفض.

(3)

أي: البعير.

(4)

ويسمَّى هذا التَّعلُّق بـ"المحموليَّة".

(5)

وهذه التّسمية -في نظري- ليست مسوغًا كافيًا في التُّعجُّب من صنيع السَّكاكيِّ؛ إذ لا يمتنع أن تكون تلك التّسمية من قبيل المجاز؛ لمكان المجاورة. ثم إِن لفظة (الخفض) -على أقلِّ تقدير- من قبيل المشترك اللفظي لورودها مرَّةً للبعير وأخرى للمتاع. واستعمالها في أحد المعنيين يحتاج إلى قرينة معيَّنة للمراد ولم توجد.

(6)

(3/ 901).

(7)

الخُرْثيُّ: متاعُ البيتِ وأثاثُه. اللِّسان (خرث): (2/ 145).

(8)

ويسمَّى هذا التَّعلُق بـ"الجزئيَّة".

ص: 698

ورَعَينا غَيثًا؛ أي: نبْتًا، لأَنَّه؛ أي: النَّبت مُسَبِّبه؛ أي: الغَيث (1).

وأَصابتنا السَّماءُ، أي: الغيث؛ لكونِه؛ أي: الغيث من جِهَتِها؛ أي: السَّمَاء (2).

وأَمْطرت السَّماءُ نباتًا؛ أي: غيثًا، لأنَّه؛ الغيثَ سَببُه، أي: النَّبات؛ إِطْلاقًا لاسم المُسبَّبِ للسَّبب (3)؛ عَكْس الأولى (4).

ومنه؛ أي: من إطلاق المُسبَّب للسَّبب؛ لكن بمرتبتين؛ قولهم (5):

أَسنِمةُ -جمعُ: السَّنام- الآبالِ (6) في سَحَابةٌ.

لأن السَّنام مُسبَّبُ النَّباتِ (7)، والنَّبات مُسبَّبُ الغيث (8).

(1) ويسمّى هذا التَّعلُّق بـ"السّببيّة".

(2)

ويسمّى هذا التَّعلُق بـ"المجاورة".

(3)

في ب: "على السَّبب".

(4)

في أ: "الأَوَّل".

ويسمّى هذا التَّعلق بـ"المسببيّة".

(5)

عجز بيت من الرّجز. وسيأتي صدره قريبًا، أورده المبرّد في الكامل:(3/ 91) برواية: "أسنمة الآمال، لأحد الرجّاز يصف غيمًا. كما ورد في الكشّاف:(3/ 557).

ورواية الشّطر قبله: "كأَنَّما الوابل في مصابه"، وقبله:"أقبل كالمستنّ من ربابه".

واستُشهد به في المفتاح: (365)، والمصباح:(124)، والإيضاح:(5/ 29).

(6)

الآبال: جمع إبل.

(7)

وهذه هي المرتبة الأولى.

(8)

وهي المرتبة الثانية.

ص: 699

وأوله:

أقبلَ في المسْتَنِّ (1) من رَبَابِه (2).

وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} (3)؛ أي: يملأونها (4)؛ يقالُ: أَكل في بطنه؛ إِذا ملأَه نارًا؛ لأنَّ أكلَ أموالِ اليتامى سببٌ للنَّار.

وقوله -تعالى-: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} (5)؛ أي: أردت قراءة القرآن لكون القراءةِ مُسبّبةً عن إرداتها. وحُمِل على المجازِ؛ لأن الفاءَ تدلّ على تعقُّب الاستعاذة عنها؛ لكنّها مُتقدِّمةٌ عليها؛ كما عليه العملُ والسُّنَّةُ المستفيضةُ، وإذا حُمل على الإرادة فتعقّب الاستعاذةِ عنها ظاهرٌ.

وقوله (6): {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَال رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} (7)؛ أي

(1) في أ: "المسنّ" وهو تحريف بالنَّقص.

والمستنُّ: موضعُ جريان الغيثِ المنهمر، من قولهم:"استنّ الفرس" إذا جرى في نشاط على سننه في جهة واحدة. ينظر: اللِّسان (سنن): (13/ 229).

(2)

الرَّباب: السَّحاب. اللِّسان (ربب): (1/ 402).

(3)

سورة النّساء؛ من الآية: 10.

(4)

في ب: يمدّونها، وفيه تحريف وتصحيف.

(5)

سورة النَّحل؛ من الآية: 98. وتمامها: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.

(6)

كلمة: "وقوله" ساقطة من أ، ب.

(7)

سورة هود؛ من الآية: 45.

ص: 700

: أرادَ نداء ربِّه بقرينة: {فَقَال} ، فإن قوله:{رَبِّ} هو النِّداءُ؛ فلو لَمْ يُحمل على (أراد) لزِم تأخُّرُ الشَّيءِ عن نفسه.

وقوله: {وَكَم مِّن قَريةٍ أَهْلَكْنَاها فَجَآَءها بَأْسُنَا} (1)؛ أي: الإهلاك؛ أي: أردنا إهلاكها؛ وإلَّا يلزمُ تأخيرُ الإهلاك (2) عن الإِهْلاك (3).

وقوله -تعالى-: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} (4)؛ أي: ما دعاك إلى أن لا تسجُد؛ لأَن الصَّارفَ عن الشَّيءِ داعٍ إلى تَركهِ، فمشتركان في كونهما من أسبابِ عدمِ الفعل، فتكون (لا) على هذا الوجه غيرَ زائدةٍ؛ كما قال في الكَشَّاف: إِنَّها زائدةٌ (5).

وقال الأُسْتاذُ: الحملُ على أن التَّقديرَ: ما منعك في أن لا تسجد؛

(1) سورة الأعراف؛ من الآية: 4.

(2)

المدلول عليه بقوله: {أهْلَكنَاها} .

(3)

في الأَصل: "الهلاك" والمثبت من أ، ب. وهو الأَولى حتَّى لا يتصوّر التغاير بينهما.

وهذا الإهلاك هو المدلول عليه بقوله: {فَجَآءها بَأسُنَا} .

على أن طاش كبرى زاده أورد للآيتين الأخيرتين توجيهات أخر؛ تخرجهما من باب المجاز؛ قال (شرح الفوائد الغياثية / 227): "ويمكن أن تكون الفاء في الآيتين لمجرد التَّرتيب في الذكر؛ فحينئذ لا مجاز فيهما، ونظائر هذه كتيرة في القرآن، وكذا يصحّ أن يكون الإتيان من ذكر تفصيل الشَّيء بعد إجماله، ومن إطلاق المسيَّب وإرادة السَّبب".

(4)

سورة الأعراف؛ من الآية: 12.

(5)

ينظر: الكشّاف: (2/ 86).

ص: 701

مع إبقاءِ المنع على أَصلِه وعدم زيادتها أَوْلَى؛ لأَن حذفَ حرفِ الجرّ مع (أن) كثيرٌ مستمرٌّ كثرة لا يصلُ المجازُ والزِّيادةُ (1) درجتَها (2).

والقرآنُ مملوء منه؛ من المجاز؛ كما تشهد بذلك (3) الآياتُ المذكورة؛ فلا تَلْتَفت إلى قول من يَنْفيه؛ أي: المجاز، فيه؛ في القرآن؛ وهم الظاهريَّة، كان مَبْنى وهمه، أي: وهمِ النّافي:

إمَّا عدمُ جوازِ إطلاقِ اسمِ المتجوِّز على الله -تعالى-. ولكن (4) ذلك، أي: عدم الإطلاق لِوَجْهين: لعدم التوقف، فإنّ أسماءَ الله -تعالى-[الحسنى](5) توقيفيّة. أَوْ لإيهامه، أَيْ: إطلاق التَّجوّز عليه -تعالى- التَّوسُّعَ فيما لا ينبغي، يقالُ: فلانٌ متجوِّز، أي: متوسِّع فيما لا ينبغي.

وإمّا؛ قسيمٌ لقوله: (إِمَّا عدم)، كونه -المجاز- يوجبُ الإلباسَ؛ إذ لا يُعلمُ المرادُ عنه بالوضع وبذاتِه؛ ولكن (6) لا التباسَ (7) مع القرينةِ

(1) في ب: "بالزِّيادة" وهو تحريف بالقلب.

(2)

لم أقف على قول الأستاذ -فيما بين يديّ من مؤلّفاته- ولعلّه مما نقله عنه تلميذه.

(3)

في أ، ب:"يشهد به لك" والمعنى متقارب.

(4)

هكذا -أيضًا- في ف. والكلمة ساقطة من أ.

(5)

ما بين المعقوفين غيرُ موجودٍ في الأصل. ومثبت من أ، ب.

(6)

كلمة: "لكن" وردت ضمن كلام المصنّف في أ. وليست في ف.

(7)

هكذا -أيضًا- في ف. وفي أ، ب:"لا إلباس".

ص: 702

الدَّالّةِ على المرادِ.

وهذا من المزيداتِ على الأصلِ (1).

ومنه؛ من المجازِ بالنَّقل لمفردٍ: قولك للحَفَّارِ: (ضيِّق فمَ الركِيَّة)؛ وهي البئرُ، أي: توسعته (2)، المُتَوهم لك (3)؛ لأَنَّه إِنَّما يُقال ذلك للحفارِ ولَم يَشْرع بَعدُ في الحَفْر؛ فكان مُجرَّد مجوّز إرادة الحفّارِ التَّوسعةَ يُنَزله (4) منْزلةَ الواقع؛ فيأمره بتغْييره إلى الضّيق.

وإنّما فُصل عمَّا سبقه بلفظ (منه) لأنّه نوعٌ آخر منه.

وعشرةٌ إلّا ثلاثة؛ فإنها تُطلق للباقي من العشرةِ بعدَ الثلاثة، أي: للسَّبعة.

قال السَّكاكيُّ في [باب](5) الاستدلالِ (6): "ولْنتكلم في فصلٍ كنّا أَخَّرناه لهذا الموضع، وهو بيان [حال](7) المستثى منه؛ في كونه حقيقةً أَوْ مجازًا، فنقول: إِن أصحابنا في علم النَّحو حيث يصلّون الاستثناءَ بأنه: إخراجُ الشَّيءِ عن حُكْم دخل فيه غيرُه، ويعنون أنّ ذلك الإخراجَ يكونُ

(1) أي: على ما ورد في المفتاح.

(2)

في ب: "توسيعه". وزيد بعد هذا في الأَصْل: "من" والسِّياقُ تام بدونها.

(3)

هكذا -أيضًا- وردت: "لك" في ف. وفي أ: لم ترد.

(4)

في أ: "ينزل".

(5)

ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل. ومثبت من أ، ب.

(6)

المفتاح: (507 - 508).

(7)

ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل. ومثبت من أ، ب، مصدر القول.

ص: 703

بكلماتٍ مخصوصة يُعَيِّنونها، وأنك لتَعلم (1) أَن إخراج ما ليس بداخلٍ غيرُ صحيح؛ فيظهر لك من هذا (2) أنّ حقَّ المستثنى عندهم كونه داخلًا في حكم المستثنى منه، وأن قولهم:(لفلانٍ عليَّ عشرة دراهم إلّا واحدًا) يستدعي دخولَ الواحدِ في حكمِ العشرة قبل (إلّا)؛ لكن دخُول الواحدِ في حكم العشرة متى قُدِّر من قبَل المتكَلِّم ناقضَ آخرُ الكلامِ أوّله؛ كما يشهد له (3) الحالُ، وقد سبق الكلامُ في التَّناقض؛ فيلزمُ تقدرُه من قبل السّامِع، وأَنْ يكونَ استعمالُ المُتكلم للعشرةِ مجازًا في التِّسْعةِ، وأن يكونَ قوله:(إلا واحدًا) قرينة المجازِ".

وفي هذه المسألةِ مذاهبُ، ولها حُجَجٌ ومعارضاتٌ، نقَّحَها الأستاذُ في شرح مختصر المنتهى (4).

الرّابع (5): بالنَّقل؛ أي: التَّصرّف بالنّقل لتركيبٍ نحو: (أنبتَ الرّبيعُ البقلَ)؛ أي: أنبت الله البقلَ في الرَّبيع، و (ليصنَع الدهرُ بي ما شاء مُجْتهدًا)؛ أي: ليصنَع الله بي (6) في الدَّهْر؛ إذا صدَر الكلامُ ممن لا

(1) في الأصل: "تعلم" والمثبت من أ، ب، مصدر القول.

(2)

الأصل: "ذلك "والمثبت من: أ، ب، مصدر القول.

(3)

الأَصل: "به". وفي ب: "لك"، والصَّواب من أ، مصدر القول.

(4)

ينظر: شرح العضد على المختصر (ضمن عدّة حواشي على شرح العضد): (2/ 132 - 144).

(5)

أي: من وجوه التّصرف في اللفظ.

(6)

"بي" ساقطة من ب.

ص: 704

يعتقده (1)؛ أي: ذلك القول كما قال؛ أي: حقيقةً واقعًا في نفس الأمر؛ حسبما أسند إلى ما أسند؛ أي: لا يعتقد أنَّ المنبتَ هو الرَّبيعُ، والصَّانع هو الدَّهرُ، وإِلَّا كان حقيقةً لا مَجَازًا. ولا يَدَّعِيه مبالغةً في التَّشبيه (2)، وإلّا صارَ حينئذٍ من الاستعارة بالكناية.

وهذا يُسَمّى: مجازًا في التَّركيب لأن مُفْرداتِه (3)؛ كلها مُبْقَاةٌ على حقيقتها، ومجازًا حُكميًّا؛ لتَعَلّقه بالحكمِ والإسنادِ.

وتَحقيقُه: إِن دلالةَ هيْئةِ التَّركيباتِ بالوضعِ؛ لا بالعقلِ؛ لاختلافها باللُّغاتِ؛ أي: بحسبِ اختلافِ اللُّغاتِ في تقدُّمِ الفاعل في بعض دون بعضٍ؛ كرامي الحجارة (وسنك اذراز)(4). وهذه الهيئة (5) وضعت لملابسةِ الفاعلِ؛ وإذا أُفيدَ بها ملابسةً غيرها (6)؛ أي: غير مُلابسةِ الفاعل كان مَجَازًا لُغَة؛ كما قاله الإمامُ عبد القاهرِ (7)؛ وأنه قال

(1) هكذا -أيضًا- في ف. وفي ب: "ممن لا يعتقد".

(2)

كأن يجعل تعلقهما بالدَّهر مشابه لتعلقهما بالفاعل الحقيقيّ؛ فيطلق التَّركيب الموضوع للمشبَّه به ويريدُ المشبّه.

(3)

في الأَصل: "لا في مفرداته" والمثبت من أ، ب.

(4)

جملة: "وسفك اذرار" ترجمة بالفارسيّة لقوله قبلها "رامي الحجارة".

(5)

أي: هيئة التَّركيب في قوله: "أنبتَ الرَّبيع البقل" و"ليصنع الدَّهر بي ما شاء مجتهدًا".

(6)

هكذا -أيضًا- في ف؛ على أنَّ الضمير عائدٌ إلى الملابسة. وفي أ: "غيره" على أنّ الضّمير عائد إلى الفاعل مباشرة.

(7)

والحقُّ أن المتأمِّل في كلام الإمام عبد القاهر لا يفهم ما فهمَه المصنِّف هنا؛ بل كلام=

ص: 705

في موضع من دلائل الإعجازِ بكونه عقليًّا (1).

وملابسةُ غير الفاعلِ في الفعول؛ كقولهم: عيشةٌ راضيةٌ (2)؛ لأنها مرضيّة، وفي المصدر؛ نحو:(شِعرٌ شَاعرٍ)، وفي الزّمان، نحو:(نهارُهُ صائمٌ)، وفي المكان؛ نحو:(نهر جارٍ)، وفي السَّبب؛ نحو:(بن الأميرُ المدينة).

ومَن ظنَّ أن مثل: أنبتَ، وخَلَقَ، وأَحيَا، وأشاب، موضوعٌ للصُّدور عن القادر، واستعماله فيما له اختيارٌ وقدرةٌ؛ حتَّى إذا استعمل في غير القادرِ؛ هو:(أنبتَ الرَّبيعُ) يكون مجازًا- كذبة غيرُ وجه واحد؛ بل وجوهٌ كثيرةٌ (3)؛ كلزومِ النَّقلِ عن أحدٍ من رُواة اللّغة تقييده بأن وضعه لاستعماله في القادر له؛ لكن اللّازمَ مُنْتفٍ؛ وذلك دليلٌ في العُرفِ على الإطلاق. ولُزومِ كون المصادر- كقولنا: (فعلُ النَّارِ في كذا وكذا) - مجازًا؛ لأن التَّفاوُت بين الفعلِ والمصدَرِ ليس إلا بمجرّدِ الاقتران بالزَّمان (4). ولُزُوم كونِ (شغل الحيّز)؛ و (قبل العرض) موضوعًا

= الشّيخ ظاهر في أنه من قبيل المجاز العقليِّ. ولعلّ المصنِّف رحمه الله أراد بقوله: "مجازًا لغة" مطلق التَّجوّز. ينظر: دلائل الإعجاز (408).

(1)

ينظر: ص (408).

(2)

في أ، وردت الجملة هكذا:"كقوله تعالى: {فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} ".

(3)

في ب: "كثر".

والعبارة ردّ على ابن الحاجب. ينظر رأيه في منتهى السّؤل: (21).

(4)

وقد نقل هذا الدّليل أحدُ شرّاح الفوائد ثمّ اعترض عليه قائلًا (شرح الفوائد؛ خ. =

ص: 706

لاستعماله في غير القادر، لأنَّه ليس بالاختيار؛ كما أن نحو:(أنبت) ليس إلَّا بالاختيار، لكن ادِّعاء وجودِ اللازمين بمعزلٍ عن الإنصافِ.

وقيل (1)، والقائلُ الإمام الرّازيُّ (2): إنَّه (3) مجازٌ عَقْليٌّ لا لغويٌّ، إذْ أَثْبَتَ المتكلِّمُ حُكْمًا غير ما عنده، ليتصوّرَ فيُفهم عنه، عن غير ما عنده. ما عنده، أي: ينتقل الذِّهنُ من غير ما عنده (4) -أي: المجاز- إلى ما

- ل / 200): "وفي هذا الوجه -وقد ذكره صاحب المفتاح- نظر؛ لأنّ الفرق بين مدلوليهما لا ينحصر فيما ذكر، بل نسبة الحدث إلى شيءٍ ما داخل أيضًا في مدلول الفعل دون مدلول المصدر على ما سيجيء في مباحث الاستعارة؛ لأَنَّه لو لم تكن النّسبة داخلة في مدلول الفعل لم يكن بين عَلِم وبين عِلْم في الماضي فرق معنى لكن بينهما فرق".

غير أنه -أي: الشّارح العترض- أعاد توجيه الدّليل مستدلا به على المراد من زاوية أخرى؛ فقال:

"فالأَوْلَى أن يقال: لا نسلم أنّ الفعل لو كان موضوعًا لصدوره عن القادر يلزم من إسناده إلى غير القادر أن يكون مجازًا، لأَن المسند إليه هو المحل المقوِّم للمصدر، لا الموجد له، وهو ظاهر. والفعل له ملابسات شتّى، تعَلُّقٌ بالموجد، وتعلّق بالقابل، وتعلُّق بكل ما هو معمول له، واستعمال الفعل فيه على وجهه حقيقة. وإنما يلزم كونه مجازًا لو أقيم المسند إليه مقام موجده وليس كذلك".

(1)

هكذا -أيضًا- في ف بالعطف بالواو. وفي ب: "قيل".

(2)

ينظر: نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز: (173 - 174).

(3)

أي: نحو: "أنبت الرّبيع البقل". الصّادر عمن لا يعتقده ولا يدّعيه مبالغة.

(4)

قوله: "ليتصوّر

ما عنده" ساقط من ب. وهو من انتقال النّظر.

ص: 707

عنده -أي: الحقيقة-. ويتميّزُ هذا المجازُ عن الكذبِ بالقرينةِ؛ إذ الكاذبُ لا ينصبُ قرينةً على أنه ليس كذلك عنده.

[و](1) قال، أي: السَّكاكيُّ، إنه استعارة بالكناية؛ كأنَّه، أي؛ المُتكلم، ادَّعى الرَّبيعَ فاعلًا حقيقيًّا، وتصوَّره بصورته، والقرينةُ إسنادُ ما هو من لوازم الفاعل الحقيقيِّ؛ أي: الإِنْبات إليه؛ وذلك للمبالغةِ في التَّشبيه (2).

(1) ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأَصل. ومثبت من أ، ب، ف.

(2)

بالرغم من أن السَّكاكي فصّل القول في المجاز وتقسيماته. مما قرره الإمام عبد القاهر الجرجاني، والفخر الرازيّ، والزمخشري، ممّن سبقه إلا أنه جاء في نهاية المطاف وختم حديثَه في هذا المبحث بقوله (مفتاح العلوم: 400):

"هذا كله تقرير للكلام في هذا الفصل بحسب رأي الأصحاب، من تقسيم المجاز إلى لغوي وعقليٍّ، وإلا فالّذي عندي هو نظم هذا القول في سلك الاستعارة بالكناية؛ بجعل الرَّبيع استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقيّ بوساطة المبالغة في التَّشبيه، على ما عليه مبني الاستعارة -كما عرفت- وجعل نسبة الإنبات إليه قرينة للاستعارة .. وإنني بناء على قولي ها هنا وقولي

وقولي

على ما سبق أجعل المجاز كلَّه لغويًّا".

ثم شرع في بيان تقسيمات جديدة تتفق ورأيه الَّذي ابتكره.

ومع أن بعض الدَّارسين المتأَخّرين اعتذر عن السَّكاكي في سلوكه هذا المنهج بأنَّه يهدف منه إلى تقليل الأقسام تسهيلًا على الدّارسين (ينظر: شرح الفوائد لطاش كبرى زاده: 355) إلا أنّ هذا لا يشفع له؛ لعدم جريه عليه في المباحث البلاغيَّة الأخرى؛ لما عرف به كتابه من التقسيمات والتّعريفات من ناحية، ولعدم صدق إجماله في هذا البحث بالذات من ناحية أخرى؛ حيث يؤخذ عليه أنه بناه على=

ص: 708

وابنُ الحاجبِ جعلَ المجازَ في (أَنْبت)، وقال: معناه: تَسبّب الرَّبيع عادة لإنبات البَقْل.

والمصنِّفُ ضَبَطَ المذاهبَ في شرح المختصر بقوله (1): "واعلم (2): أنَّهم قد اختلفوا في نحو: (أنبتَ الرَّبيعُ البقلَ)؛ لعدمِ كونِ الرَّبيع هُو الفاعلُ حقيقةً، فلا بُدَّ (3) من تأويلٍ في اللَّفظِ، أَوْ في المعنى؛ وإِلَّا لكانَ كذبًا. والتَّأويلُ في اللفظ إِمَّا في الإنباتِ، أَوْ في الرّبيع، أَوْ فِي التَّركيبِ؛ فهذه احتمالات أَرْبعة:

الأَوَّل: التَّأَويلُ في المعنى؛ وهو أنَّه أورده ليتصوّرَ فينتقل الذِّهنُ منه إلى إنبات الله -تعالى- فيه؛ فيصدق به، وهو قولُ الإمام الرَّازيِّ: إِن

= مطلق المشابهة -أي: مشابهة- دون ملاحظة ما تختصّ به الاستعارة المكنية من وجوب تحقّق التَّشبيه فيها بين أمرين يلتقيان في أخصّ صفات المشبّه به. على خلاف ما عليه المجاز العقلي الذي يُكتفى فيه بعلاقات أخرى غير التّشبيه كالسّببيَّة والزمانية.

ينظر ما قاله أ. د. عبد الستَّار زَمُّوط، ردًّا على ترجيح الطّيبيّ رأي السَّكاكي المتقدّم في تحقيقه كتاب التّبيان:(404). وما قاله أ. د. محمد محمد أبو موسى في كتابه خصائص التّراكيب: (143)، حيث استمدّا ردّهما على السَّكاكيّ مِمَّا رَدَّ به الخطيب القزويني عليه في الإيضاح:(1/ 102).

(1)

بتصرّف يسير: (1/ 155).

(2)

هكذا -أيضًا- في مصدر القول. وفي ب: "وإذا علم".

(3)

في الأَصل: "ولا بدّ"، والمثبت من: أ، ب، مصدر القول.

ص: 709

المجازَ عقليٌّ لا لغويّ.

الثاني: أن التَّأويلَ في (أَنْبت)، وهو للتسبّب (1) العادي؛ وإنْ كان وضعه للتَّسبّب (4) الحقيقي، وهو قول ابنُ الحاجب؛ صرَّح به في المنتهى.

الثّالثُ: أن التَّأويل في (الرَّبيع)، فإنَّه تُصُوِّر بصورة فاعل حقيقي؛ فأسند إليه ما يُسند إلى الفاعل الحقيقيّ، مثل فِعْلهم في قوله (2):

صبحنا الخَزْرَجيَّة مُرهفَاتٍ

أَباد ذَوي أَرُومَتِها ذَوُوها.

حيثُ جعلوا (3)(المُرْهَفَات) شَرَابًا، وهو قولُ السَّكاكيِّ: إِنَّه من الاستعارة بالكنايةِ (4).

الرّابعُ: أن التأويلَ في التَّركيب، وهو أنَّ (5) كل هيئة تركيبيّةٍ وُضِعت بإزاءِ تأليفٍ معنويٍّ؛ وهذه وُضعت لملابسة (6) الفاعليّة، فإذا

(1) الأَصل، أ:"التَّسبّب"، وفي ب:"السبب"، والصَّواب من مصدر القول.

(2)

البيتُ من الوافر. وقائله كعب بن زهير. قاله ضمن قصيدة قالها بعد قتال دار بين مزينة والخزرج. ويُروى -أيضًا-: "أبان" مكان: "أباد".

ينظر البيت في شرح ديوان الشّاعر للسّكري: (112)، وشرح الحماسة للتّبريزيّ:(3/ 19). ط. عالم الكتب.

واستشهد به كاملًا في المفتاح في قسم النّحو: (132). وبشطره الأَوَّل في قسمي المعاني والبيان: (383).

(3)

في ب: "جعل".

(4)

ينظر ص: (384).

(5)

"أن" ساقطة من ب.

(6)

في أ: "بملابسة".

ص: 710

استُعملت لملابسةِ (1) الظَّرفيَّة أَوْ نحوها كان مجازًا؛ وذلك نحو: (صامَ نهارُه)(2) و (قامَ ليلُه)؛ وهذا مختارُ عبد القاهر".

وتوهّمَ صاحب الإيضاح ذهابَ السَّكاكيِّ إلى أنّ المراد بـ (الرّبيع) الفاعلُ الحقيقيُّ حقيقةً؛ لا أنه متصوّرٌ بصورة فاعل حقيقيّ؛ فأوردَ عليه اعتراضات؛ حاصلُها:

أنَّه يَسْتلزم أن يكونَ المرادُ (بعيشةٍ) في قوله: {فَهُو فِي عِيشَةٍ رَّاضيَة} (3): صاحبَها -كما سيأتي- (4).

وأن لا تصحّ الإضافةُ في نحو: (نهارُه صائمٌ)؛ لبُطلانِ إضافةِ الشيءِ إلى نفسه (5).

وأن لا يكونَ الأمرُ بالبناءِ لهامان (6).

(1) في أ: "بملابسة".

(2)

في الأَصل: "نهاره صائم"، والصَّواب من أ، ب.

(3)

سورة الحاقة؛ الآية: 21. وسورة القارعة؛ الآية: 7.

(4)

مرادُه بـ"كما سيأتي" ما سوف يرد من تفسير السَّكاكيِّ للاستعارة بالكناية؛ حيث فسرها بأن تذكر المشبّه، وتريد به المشبّه به. وعلى هذا التفسير يلزم أن تكون لفظة {عِيشَةٍ} في الآية الكريمة مشبّهًا أريد به المشبّه به؛ وهو (صاحب العيشة)؛ المدلول عليه بالسّياق. وهذا اللّازم ظاهر البطلان؛ لما يترتّب عليه من ظرفية الشّيء في نفسه.

(5)

لأنّ المراد بالنّهار -على التّفسير المتقدّم-: فلان نفسه.

(6)

أي: لا يكون الأمر الوارد في قوله تعالى حكاية عن فرعون لهامان: {يَاهامَانُ ابْنِ لِيْ صَرحًا} [غافر: 136] أمرًا موجهًا لهامان؛ بل لمأمور هامان مع أنّ =

ص: 711

وأن يتوقّفَ؛ نحو: (أنبتَ الرّبيعُ البقل) على السَّمع (1).

واللّوازمُ كلّها مُنْتَفية.

ولأنَّه يَنْتَقِضُ بنحو: (نهارُه صائم)، لاشتماله على ذكر طرفيَ التَّشبيه (2).

لكن لا ترِد (3) بعد تصوُّر كلامه (4): أنّ المراد بالرَّبيع: المُتَخيَّلُ بصورةِ فاعلٍ حقيقي حتَّى كأَنه فرد من جنس الفاعلين؛ لا أنه هو الفاعلُ

= النّداء له، وهذا اللّازم ظاهر البطلان -أيضًا-؛ لئلا يلزم منه تعدّد المخاطب في كلام واحد.

(1)

مراده: أنّ أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفيّة؛ معلقٌ إطلاقها على الإذن الشرعيّ.

وعلى ما فهمه الخطيبُ من تفسير السّكاكيِّ يلزم إطلاق (الرّبيع) في قوله: (أنبت الرّبيع البقل) على الله تعالى. ولم يرد الشّرع به.

ولم يصرح الشّارح رحمه الله بإطلاق ذلك على الله سبحانه وتعالى، بانيًا عبارتَه على الإلماح- تأدّبًا، وترفعًا.

على أن حجَّة الخطيب هذه لا تلزمُ السَّكاكيَّ؛ لكونه معتزليًّا، والمعتزلة لا يعتقدون التّوقّف في أسماء الله تعالى.

(2)

فإن (النّهار) لا يجوز استعارة بالكناية عن فلان؛ المدلول على وجوده بالضّمير المتّصل في (نهاره)؛ لأنّ الاستعارة لا تتحقق مع وجود طرفي التشبيه.

(3)

أي: اعتراضات الخطيب.

وفي ب: "لكن يراد" وهو خطأ ظاهر.

(4)

أي: السَّكاكيّ.

ص: 712

الحقيقيُّ بعينه؛ أي: الله -تعالى-. ولفظه -حيثُ قال (1): "المنيَّة تدخل في جنس السِّباع لأجل المبالغة في التَّشبيه"- صريحٌ به.

والحاصلُ منه: الفرقُ بين المفهومِ وما صدقَ عليه؛ فتقول: المرادُ (بعيشة): أمر متخيّل (2) بصورة من يصحّ له الرِّضا وعدمه؛ لا صاحبها؛ حتَّى لا يصحّ. و (النَّهار) مُتخيّل بصورة صوّامٍ، مبالغةً في التَّشبيه، وهو المراد منه، لا زيدٌ بعينه، حتَّى يكون إضافة الشَّيءِ إلى نفسه. و (هامان) متصوّرٌ بصورة فردٍ من جنس البُناةِ، فيكون الأمرُ له لا لغيره. والمراد بـ (الرّبيع) مُتصوّر (3) بفاعل حقيقيّ لا الفاعلِ الحقيقيّ الذي هو الله- تعالى، وإن لم يكن في الواقع إلّا هو، حتَّى يُتوقّف على السّمع. والمرادُ بـ (النّهار) إذا كان أمرًا يُتخيّل بصورة صَوَّام؛ فلا يكونُ المشبَّه مذكورًا [و](4) لا ينتقض به.

(1) المفتاح: (379).

وقوله هذا في قسم الاستعارة بالكناية. وقد صرَّح بما يقوّي مراده ويؤكِّده في قسم الاستعارة التّخييليّة -أيضًا-؛ إذ قال (المفتاح: 376): "وذلك مثل أن يشبّه المنيّة بالسّبع في اغتيال النّفوس

تشبيهًا بليغًا حتّى كأنها سبع من السِّباع؛ فيأخذ الوهم في تصويرها في صورة السَّبع، واختراع ما يلازم صورته، ويتمّ به شكله من ضروب الهيئات".

(2)

في الأَصل: "يتخيّل". والمثبت من: أ، ب. ويقوِّيه ورود الكلمة كذلك في المثال المشابه بعده.

(3)

في الأَصل، ب:"مصوّر"، والمثبت من أ، وهو الموافق لما قبلَه.

(4)

ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل، ب. ومثبتٌ من أ.

ص: 713