الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللآيةِ المباركةِ توجيهاتٌ أخر؛ كما ذكرها صاحب المفتاح (1) وغيرُه (2).
التَّقسيماتُ
وإذْ لا بدَّ من مستعارٍ منه؛ هو المشبَّه به، ومستعارٍ له؛ هو المشبّهُ، ومستعارٍ؛ هو اللفظُ، ثم قد (3) يتبعُه حُكْم؛ إمَّا مناسبٌ للمُشبَّه. وإِمَّا للمُشبَّه به؛ فهي أربعةُ مباحثٍ:
الأوّل (4): في المشبَّه به. حقيقةُ الاستعارة لَمَّا كانت ذكرُ أحدِ الطّرفينِ وإرادة الآخر.
فالمشبَّهُ (5) به إن ذكر فمُصرَّحٌ بها؛ نحو: تَبسَّمَ بدرٌ. وإِنْ لم
(1) هكذا في الأَصل "المفتاح"، وذكرها السَّكاكي في فصل الاستثناء. ينظر ص:(509). وفي أ، ب:"الكشاف" بدلًا من المفتاح وذكرها الزمخشريّ في معرض تفسيره للآيتين المتقدّمتين: (3/ 325 - 326).
ومن تلك التّوجيهات الّتي وردت عنده:
1 -
حمل المعنى على جعلِ المالِ والغنِيّ في معنى الغنى؛ كأنَّه قيل: يومَ لا ينفع غنى إلا غنى من أتَى الله بقلبٍ سليم.
2 -
وأما على تقدير أن تكون (من) في الآية مَفْعولًا فيكون استثناء مفرّغًا تقديره: لا ينفع مال ولا بنون أحد إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم عن فتنتهما.
(2)
كصاحب المصباح: (126)، ومفتاح المفتاح:(968).
(3)
هكذا -أيضًا- وردت "قد" في ف. وفي أ، ب لم ترد.
(4)
أي: الأول من تقسيمات الاستعارة، ويتحقق بالنظر إلى المشبّه به.
(5)
في أ: "المشبّه" بحذف الفاء.
يُذْكر هو؛ أَيْ: المشبَّه به، بلْ حكمٌ يختص به، بالمشَّبهِ به، مع المشبّهِ فمكنيٌّ عنها، نحو: لسانُ الحالِ أفصحُ من لساني. فذُكر المشَبَّهُ وهو (الحالُ)، وذُكِرَ معه حكمٌ يختصُّ بالمشبَّه به، أي:(اللِّسان) المختصُّ بالمتكلِّم، الذي هو المشبَّه به، كما قال الشّاعرُ (1):
وَلَقَدْ نَطَقْتُ بِشُكْرِ (2) بِرِّكَ مُفْصِحًا
…
وَلِسَانُ حَالِي بالشّكايةِ أَنطَقُ
والاستعارةُ بالكنايةِ -في الحقيقةِ- كنايةٌ عن الاستعارة، فإِنَّك تصوَّرتَ الحال بصورة المتكلِّم، وأثبتَّ له ما هو خاصَّة له لازمة له؛ وهو اللّسان؛ فكأنَّكَ شَبَّهته بالكناية بالمتكلِّم؛ لذكر لازمِه النتقل الذِّهنُ منه إليه؛ كما مرَّ تحقيقها.
الثاني (3): في المُشبّه. والمقصودُ منه بيانُ أقسامِ المصرّحةِ بها.
المشبّهُ؛ [أي المشبّه](4) المتروك في الاستعارة
(1) البيت من الكامل. وقائله: أبو نصر محمّد بن عبد الجبار العُتْبيُّ.
والبيت برواية المتن في الإعجاز والإيجاز للثّعالبيّ: (204)، ويتيمة الدّهر:(4/ 404).
واستُشهد بهذه الرّواية في الإيضاح: (5/ 126) وبرواية: "ولئن نقطت بشكر برّك مرّةً
…
" في التّبيان: (384).
والبيت في المعاهد: (2/ 170)، وقال عنه العبّاسيّ:"لا أعرف قائله".
(2)
في الأَصل: "لشكر". وفي ب: "بذكر". والصواب من أ، ومصادر البيت.
(3)
أي: الثاني من تقسيمات الاستعارة، ويتحقّق بالنظر إلى المشبه.
(4)
ما بين المعقوفين غير موجود في الأَصل. ومثبت من أ. وعلى مثله درج الشَّارح.
المصرّحةِ (1). إمّا موجودٌ متحققٌ حِسًّا أو عقلًا، فتحقيقيّةٌ؛ أي: فالاستعارة تسمَّى تحقيقيَّة. أَوْ لا موجود، بل وَهْميٌّ مَحْض؛ لا تحقّقَ له إلّا في مُجَرَّدِ الوهم؛ فتخييليَّةٌ.
هذا على ما في المفتاح (2)؛ لكنّ لفظَ المختصرِ شاملٌ للمَتْروكِ والمَذْكورِ (3)، ونِعما هو لو صحّ التَّقسيم (4) في نوعَي الاستعارةِ في المصرّحةِ والمكنيّة.
وفي بعضِ النُّسخ: المُشبَّه موجودٌ يُرادُ بيان حاله، فالمشبّهُ به إمّا موجودٌ، وعُرِضَت على الأستاذ فغَيَّرَها إلى ما ترى.
فالتَّحقيقيَّةُ إطلاقُ اسمِ الأقوى في صفة -كالأسدِ في الشجاعة، للأضعف فيها؛ في تلكَ الصِّفة؛ بادّعاءِ أن الملْزُومَ الأضعفَ للصفة من (5) جنسِ الملزوم الأقوى لها؛ ليدل بتساوي الملزومات؛ كالأسدِ والرّجلِ الشُّجاع -مثلًا- على تساوي اللّوازم؛ كالشَّجاعتين؛ كالأسدِ للشُّجاع. والبدر الأقوى للوجه الأضعفِ؛ في صفة الوضوح، والإشراقِ،
(1) جملة: "المشبّه؛ أي
…
المصرحة" ساقطة من ب، ولعله من انتقال النَّظر.
(2)
ينظر ص: (373).
(3)
وهو ما تقدّم من قول المُصنف: "الثاني: المشبّه؛ إِمّا موجود؛ فتحقيقيَّة. أَوْ لا؛ فتخييليّة" حيث لم يصرِّح بترك المشبه. وإنما صرَّح بالماهيَّة التي يكون عليها من الوجود والعدم.
(4)
في الأَصل: "التَّعميم". والصَّواب من: أ، ب.
(5)
في الأَصل: "في". والصَّواب من: أ، ب.
والاستدارةِ.
ومِنه هذا (1) البابِ الاستعارةُ بالضِّدِّ، وهي استعارةُ اسمِ أحدِ الضِّدَّين أو النَّقيضين للآخر؛ بواسطةِ انتزاع شبه التَّضادِّ؛ أي: اتِّصافِ كُلٍّ بمُضادِّه الآخر، وإلحاقِه بشِبْه التَّناسُب تهكُّمًا، أي: استهزاءً، أو تَمليحًا -كما مرَّ، ثمّ (2) ادِّعاء أحدهما من جنسِ الآخر، والإِفراد بالذِّكْر، نحو:{فَبَشرْهُم بَعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3) مكان أَنْذرهم؛ في الاستعارةِ التَّهكُّميَّة، ونحو:(رأيت حاتمًا) عِنْد رؤية بخيلٍ، في الاستعارةِ التَّمليحيّة.
وإذا كانَ وجهُ الشَّبه أمرًا منتزعًا من عدَّةِ أُمُور، نحو قَوْلك (4):(تُقَدِّمُ رِجْلًا -أي: لإرادة الذّهاب- وتؤخِّر أُخرى لإرادةِ عدمه؛ للمُتردِّدِ في الأَمر (5)؛ كالمفتي المتردِّد في جوابِ الاسْتِفتاء؛ وذلك بإدخالِ صورةِ المشبَّه -أي (6) المفتى المتردِّد- في جنس صُورةِ المشبَّهِ به؛ أي: (الماشي
(1) قوله: "من هذا" ساقط من ب.
(2)
في ب: "وهو" ولا يستقيم به السّياق.
(3)
سورة آل عمران، من الآية:21. والتوبة، من الآية: 34. والانشقاق، من الآية:24.
(4)
هكذا -أيضًا- وردت كلمة: "قولك" في ف. وفي أوردت ضمن كلام الشارح.
(5)
قول المصنف: "تقدّم رجلًا وتؤخّر أخرى" مأخوذ عن قول يزيد بن الوليد لمروان بن محمد لَمّا تأخّر عن بيعته (البيان والتبيين: 1/ 301 - 302): "أما بعد؛ فإني أراك تقدِّم رجلًا وتؤخّر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت".
(6)
في الأَصل: "إلى" وهو تحريف بالزيادة والصواب من: أ، ب.
المتردّد) رَوْمًا للمبالغة في التَّشبيه؛ فتَكْسُوها وصفَ المشبَّه به من غيرِ تغييرِ فيه بوجهٍ من الوجوه على سَبيل الاسْتعارةِ- سُمِّي تمتيلًا على سبيل الاستعارة.
ولكون الأمثالِ كلِّها تمثيلاتٍ على سبيل الاستعارةِ لا يجد التّغيير إليها سبيلًا.
والتَّخييليّةُ إطلاقُ اسم الموجودِ -وهو الأظفارُ المتحقّقةُ للسَّبع- على الموهوم؛ أي: الأظفار المُتَخيّلة للمَنيّة؛ ولهذا سُمِّيت: تخييليّة؛ وذلك بعد تشبيه المنيّة بالسَّبع (1)؛ في اغتيالِ النُّفوسِ، وانتزاع الأَرواح؛ مثل:
وإِذَا الْمَنِيَّةُ أنْشَبتْ أَظْفَارَها
واعلم: أن الاستعارة التَّخييليّة في الأظفار، والقرينةُ المنيّةُ، وأمّا المنيّة فاستعارةٌ بالكناية، وقرينتها الأظفار. فالتَّخيليّة قرينةُ المكنيّة، والمكنيّة قرينةُ التَّخيليّة.
وأمّا إذا قيلَ: أظفارُ المنيَّة الشَّبيهة بالسَّبع تكون تخييليّة ولا مكنيّة، وأما عكسه فلا يجوز. وما يلزم من كلام السَّكاكيّ؛ وهو أنّ الاستعارتين المكنيّة والتخيليّة في لفظ المنيَّة- لا يبعد؛ فإنّها هو أقرب إلى الصّواب دافعًا لاعتراض صاحب الإيضاح حيث التزم لزوم انفكاك الاستعارة بالكناية عن التخيليّة.
(1) كلمة "السّبع" ساقطة من ب.
وإن قلتَ: ما الفرقُ بين التَّخييليَّة والتَّرشيح؛ فإنّ في كُلٍّ منهما يُذكر ما يلائمُ المُشَبَّه به ويُلازمه؟.
قلتُ: لا فرق؛ فإن ما هو القرينةُ هو التَّرشيح بعينه، وما المحذور لو كان التَّرشيح ضربًا من التَّخييليَّة؟!.
سؤالٌ؛ هذا سؤالٌ يردُ على الاستعارة المَكْنيّة، ولمَّا اشتملت التَّخييليّة في المثال عليها؛ فكأنَّها مذكورةٌ (1): أَوجبتَ في الاستعارة إنكار كونه؛ أي: المشبّه، من جنس المُشَبَّه (2)؛ بل أوجبتَ ادّعاء أن المُشَبَّه من جنسِ المُشَبَّه به ادِّعاء إصرارٍ؛ فهذا تصريحٌ بخلافه؛ حيثُ ذكرتَ المُشَبّه باسم جنسه، ولا نرى اعترافًا بحقيقة الشَّيءِ أكمل من التَّصريح باسم جِنسه؛ فلزمكم في الاستعارةِ بالكناية الجمعُ بين إنكار المشبّه من جنسه، وبين الاعترافِ بكونه من جنسه؛ وهل هذا إلّا تناقضٌ؟.
جوابٌ: أليس هُناك؛ أي: في الاستعارةِ المُصرّحة، نقل معنى المشبَّه به ادِّعاءً؛ كما ادّعينا هناك أن الشّجاعَ مُسَمَّى للفظِ الأسدِ بارتكابِ تَأويل أن أفراده قسمان؛ حتَّى يتهيّأ التَّقصي عن التَّناقُضِ في
(1) قوله: "ولما اشتملت
…
مذكورة "تعليلٌ لتعقيب هذا السّؤال بالاستعارة التَّخييليَّة، وكان الأَوْلَى أن يذكر السّؤال وجوابه بعد التّقسيم الأوّل؛ لتعلّقه بالاستعارة المكنية -كما ذكر الشَّارح-.
(2)
هكذا -أيضًا- في ف. وفي أ: "المشبَّه به" ولا وجه له؛ إذ المراد نفي أن يكون جنس المشبَّه الحقيقيّ مرادًا. وادعاء أنّه من جنس المشبّه به -كما وضّحه الشَّارح بعد ذلك-.