الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبيلِ المجازِ. والمجازُ أبلغُ من التَّصريح. وتصديرُ أُولى الزَّهراوين (1) وهُما سورتا البقرةِ وآلِ عمران بذكرِ الأولياءِ المتّقين (2).
و
الإطنابُ
كقوله - تعالى -: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (3) بدلًا مِنْ أَنْ يُقَال: إنَّ في (4) وقوع كلِّ ممكنٍ مع تساوي طَرفيه لآياتٍ للعقلاء؛ إذ الخطابُ؛ أي: التخاطُب. مع الكافّةِ؛ أي: كافّة الخلائق. وفيهم الذَّكيُّ والغَيُّ والمُقَصِّرُ في باب النّظرِ والاستدلال، والقويُّ الكاملُ فيه؛ فلا يكون مقام أَدعى إِلى الإِطنابِ منه.
(1) الزّهراوان: المنيرتان. تفسير ابن كثير: (1/ 36)، وقيل:"سمّيتا الزّهراوين: لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما". شرح النّووي على صحيح مسلم: (6/ 91).
وهذه التّسمية وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال (صحيح مسلم: 1/ 553): "اقرأوا القرآن؛ فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه. اقرأوا الزّهراوين؛ البقرة وآل عمران
…
".
(2)
صرح السَّكّاكيُّ بهذين النّوعين في المفتاح: (277). وظاهر أنّه استقاهما من الكشّاف: (1/ 77).
(3)
سورة البقرة، الآية:164. وعند قوله: {الأَرْضِ} توقّف الاسْتشهادُ عند المصنّف في ف، بينما تجاوز إلى قوله: {الْنَّهَارِ} في أ، ب.
(4)
"في" ساقطة من ب.
ومنه؛ أي: [من](1) الإطنابِ بابُ نعم وبئس؛ نحو: (نعم الرّجل زيد) وإلّا لكفى: (نعم زيد).
وفيه؛ أي: في هذَا البابِ. اختصارٌ بحذف المبتدأ على قولِ من يرى أصله: (نعمَ الرّجلُ هو زيدٌ)؛ فيحصل التَّعادُلُ الموجبُ لحُسْنه؛ ولا يخفى حُسنُ موقعه مع ما فيهِ من لطائف أُخرى، ولو لم يكن فيه شيءٌ سوى أنَّه يُبرِزُ الكلامَ في معرض الاعتدالِ؛ نظرًا إلى إطنابهِ من وجه، وإلى اختصاره من وجهٍ آخر - لكفى.
ومنه؛ أي: من [باب](2) الإطنابِ بابُ التَّمييزِ. ولم يتعرّض في "المفتاح" أنَّه من قبيل الإطناب، ولعلَّه (3) لأنّه لا إطناب في بعض أمثلته؛ وعبارته هكذا (4):
"اعلم: أنَّ باب التّمييز كلّه سواء كان (5) عن مُفردٍ أو جملة (6) بابٌ مزالٌ عن أصله لتوخِّي الإجمال والتَّفصيل؛ ألا تراك تجد الأَمثلة الواردةَ من نحو: (عندي منوان سمنًا)، و (عشرون درهمًا)، و (ملء الإناء عسلًا)، و (طابَ زيدٌ نفسًا)(7)، و (طارَ عمرو فرحًا)، و (امتلأ
(1) ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأَصل، ومثبت من: أ، ب.
(2)
ما بين المعقوفين غير موجود في الأَصل، ومثبت من أ، ب.
(3)
أي: ولعل السّكّاكيّ لم يتعرّض للتَّمييز.
(4)
المفتاح: (284 - 285).
(5)
كلمة: "كان" ساقطة من أ، ب.
(6)
في ب: "وجملة" بالعطف بالواو.
(7)
هكذا -أيضًا- في المفتاح. وفي أ: "زيد طاب نفسًا".
الإناءُ ماءً) - مناديةً على أنَّ الأصل:؛ (عندي عن منوان)، و (دراهم عشرون)، و (عسل ملء الإناء)، و (طابت نفسُ زيدٍ)، و (طيّر الفرح عمْرًا)، و (ملأ الإناء ماء) " (1).
وفيهما (2)؛ أي: في بابِ نعمَ وبئسَ وباب التَّمييزِ تفصيلٌ بعد إجمال ألا تراك إذا قلتَ: (نعم الرَّجلُ) مُريدًا باللَّام الجنسَ دون العهدِ كيف تُوجِّه المدحَ إلى زيدٍ أوّلًا على سبيل الإجمال، لكونه من أفرادِ ذلك الجنسِ، ثمَّ إذا قلتَ:(زيدٌ) كيفَ تُوجّهه إليه (3) ثانيًا على سبيل التَّفصيل. وفي التَّمييز كما إذا قلتَ: (طابَ زيدٌ)؛ فإن فيه إجمالًا لطيبه، ثمَّ إذا قلتَ:(نفسًا) صارَ مُفصّلًا.
قال [تعالى](4): {قَال رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (5) مقامَ شِخْتُ، وفيه انتقالاتٌ لطيفةٌ، لأنَّ أصلَ معنى الكلامِ ومرتبته الأُولى:(قدْ شِخْت)، فإنَّ الشَّيخُوخةَ مُشتملةً على ضعف البدنِ وشيبِ الرأسِ المتعرَّض لهما في الآية - تُركتْ لتوخِّي مزيدِ
(1) وبمعرفة الأَصل يتضح أنَّ العدولَ عنه إلى التَّأخير قُصِد ليحصلَ ذكره مرّتين؛ إجمالًا أوّلا، وتفصيلًا ثانيًا؛ ممّا يجعله أوقعَ في نفسِ المخاطب من ذكره مرّة واحدة.
(2)
هكذا -أيضًا- في ف. وفي ب: "وفيه".
(3)
في ب: "عليه".
(4)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأَصل، ومثبت من: أ، ب.
(5)
سورة مريم؛ من الآية: 4.
التَّقريرِ إِلى تَفْصيلها؛ في: ضَعُف بَدَني، وشابَ رأسي، ثم لاشْتماله على التَّصريح تُركتْ إلى ثالثةٍ أبلغ؛ وهي الكناية في:(وهنتْ عظامُ بدني)، ثم لقصدِ مرتبةٍ رابعةٍ أبلغ في التَّقرير بُنيت الكنايةُ على المبتدأ؛ لإِفادتها تقوِّي الحكمِ؛ فحصلَ:(أنا وهنتْ عظامُ بدني)، ثمَّ لقصدِ خامسةٍ أَبْلغ أدخلت (إِنَّ) على المبتدأ؛ فحصلَ:(إِنِّي وهنتْ عظامُ بدني)، ثم لسُلوكِ (1) طريقي الإجْمال والتَّفصيلِ قُصدت سادسةٌ وهي:(إِنِّي وهنت العظامُ من بدني)؛ ثمَّ لمزيدِ اختصاصِ العظامِ به قُصِدتْ سابعةٌ؛ وهي تركُ تَوْسيطِ البدنِ؛ فَحَصَل: (إنِّي وهنتْ العظامُ مني) ثم لشمولِ الوهنِ العظامَ فردًا فردًا قصدتْ ثامنةٌ؛ وهي: تركُ جمع العظم (2) إلى الإفرادِ لصحّةِ حصولِ وهنِ المجموع بالبعضِ دُون كلِّ فرد (3) فرد؛ فحصلَ {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} .
وهكذا تُركت الحقيقةُ في (شابَ رأسي) إلى أبلغ؛ وهي: الاستعارةُ؛ فحصلَ: (اشتعل شيبُ رأسي)، ثم تُركت إلى أبلغ؛ وهي:(اشتعلَ رأسي شيبًا)؛ للإجمالِ والتَّفصيل، ثم تُركت لتوخِّي مزيد التَّقرير؛ إلى:(اشتعلَ الرأسُ مِنِّي شيبًا)، ثم تُركت لفظةُ:(منِّي) بقرينةِ (4)
(1) في الأَصل: "سلوك"، والمثبت من: أ، ب.
(2)
في الأصل: "العظام"، والصواب من: أ، ب.
(3)
في ب: "أفراد".
(4)
في أ: "لقرينة" والمعنى واحد.
عطفِه على {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} لمزيدِ مزيدِ التَّقرير؛ وهي إيهامُ حوالةِ تأديةِ مفهومه على العقل دون اللّفظِ.
وفي اختصارِ (ربِّ) بحذفِ حرف النِّداءِ وياءِ المتكلِّم (1). وهو كالأساسِ للكلامِ ومن حقِّه؛ أي: الأساسِ. أن يُقَدرَ بقدر ما يُنْوَى من البناءِ عليه- تحسينٌ له.
قوله: (تحسينٌ) مبتدأ، وخبرُه الظّرفُ المقدَّمُ عليه؛ وهو قوله:(وفي اخْتصار).
والإيجازُ قد يُعتبرُ بما هو خَليقٌ بمقامِ (2) الإطناب (3)؛ وهذا شأنُ القولِ في انقراضِ الشبابِ وإلمامِ الشَّيبِ المرِّ الأمَرّ المُغَيّبِ؛ لأن مغيبَ المشيبِ الموتُ؛ أي: لبيانِ شأنِ انقطاع الشَّباب، ونزول الشّيبِ مقامٌ خليقٌ إطنابُه.
وعبارةُ المفتاح -في هذا المقامِ- تنقله بعينه؛ لأنه أبسط وأدلُّ على المرادِ؛ قال (4):
(1) لأن أصله: "يا ربِّي".
(2)
في الأصل، ف:"بالمقام"، والصّواب من: أ، ب.
(3)
علّق طاش كبرى زاده في شرحه للفوائد ص (160) مبيِّنًا وجه الرّبط بين هذه الجملة والعبارة قبلَها بقوله: "ولما استشعر المصنف ها هنا (بعد العبارة المتقدِّمة ابتداء من: وفي اختصاره
…
تحسين له) سؤالًا؛ بأن اعتبار الإطناب في الآية ينافي اعتبار الاختصار فيها أشار إلى جوابه بقوله: (والإيجاز
…
) ".
(4)
ص: (287).
"اعلم: أنَّ الّذي فَتَّقَ أكمامَ هذِه الجهاتِ عن (1) أزاهير القبولِ في القلوبِ؛ هو أن مقدِّمة هاتين الجملتين وهي: (ربِّ) اختُصرت ذلك الاختصارُ؛ بأن حُذِفت كلمةُ النِّداءِ وهي: (يا) وحُذفت كلمةُ المضافِ إليه، وهي: ياءُ المتكلِّم، واقتُصر من مجموع الكلماتِ على كلمةٍ واحدةٍ [فحسب] (2) وهي: المنادى. والمقدِّمةُ للكلامِ -كما لا يخفى على من له قدمُ صدقٍ في نهج البلاغةِ- نازلةٌ منْزلة الأساسِ للبناءِ؛ فكما أن البنّاءَ الحاذقَ لا يرى الأساسَ إلّا بقدر ما يُقدِّرُ من البناء عليه، كذلكَ البليغ يَصنعُ بمبدأ كلامه، فمتى رأيته اختصر المبدأ فقد آذنك باختصارِ ما يُورد (3).
ثُمَّ إنّ الاختصار -لكونه من الأمور النِّسبيّة- يُرجَعُ في بيانِ دعواه إلى ما سبق تارةً (4)، وإلى كونِ المقامِ خليقًا (5) بأبسطِ ممّا ذُكر أُخرى. والذي نحنُ بصددِه من القَبِيل الثاني؛ إذْ هُو كلامٌ في معنى انقراضِ الشّبابِ و (6) إلمامِ المشيبِ، وهلْ معنى أحقُّ بأن يَمتري (7) القائلُ
(1) في الأَصل، بقية النسخ:"من"، والصَّواب من مصدر القول.
(2)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأَصل، ومثبت من أ، ب، مصدر القول.
(3)
هكذا -أيضًا- في المفتاح. وفي أ: "ما سيورد".
(4)
أي: من كون العبارة أقل من عبارة ما تعارف عليه أوساط الناس.
(5)
خليقًا: أي جديرًا. ينظر: اللّسان: (خلق): (10/ 91).
(6)
في الأَصل: "في" والصَّواب من: أ، مصدر القول.
(7)
يمتري: أي: يستدرّ ويستخرج. ومنه: مرى النّاقةَ: إذا مسح ضَرعها لتدرَّ اللبن. =
فيه (1) أفاويقَ (2) المجهودِ، ويستغرقَ في الإنباءِ عنه كل حدٍّ معهود؛ من انقراضِ أيامٍ ما أَصدق مَنْ يَقُول فِيها (3):
وقد تَعَوَّضْتُ من (4) كُلٍّ بِمُشبهه
…
فما وَجدتُ لأيامِ الصِّبا عِوضًا!
ومن إلمامِ المشيبِ المعيبِ المرِّ الطّلوع الأمرِّ المَغيب؟!.
[تَعِيبُ الغَانِيَاتُ عليَّ شَيْي
…
ومَن لِي (5) أَنْ أمتِّعَ بالمعِيبِ!!] (6) ".
= ينظر: اللّسان: (مري): (15/ 276).
(1)
"فيه" ساقطة من ب.
(2)
في الأَصل: "أفاريق"، والصَّواب من أ، ب. مصدر القول.
والأفاويق: جمع فواق. والفواق: ما بين الحلبتين من الوقت. اللسان: (فوق): (10/ 316). والمراد: استنفاذ غاية الوسع.
(3)
البيتُ من البسيط، وقائله أبو العلاء المعرّيِّ؛ قاله ضمن قصيدة يتحدّث فيها عن صِباه. والبيت في سقط الزّند:(208)، وشرحه:(2/ 655)، واستشهد به في المفتاح:(287)، والمصباح:(79).
(4)
هكذا في الأَصل وبقيّة النّسخ، وسقط الزّند. وفي شروح سقط الزِّند والمصادر المستشهدة به:"عن".
(5)
أي: ومن يكفل لي.
(6)
ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل. وأثبت من أ، ب، مصدر القول. وجاء في نهاية عبارة السَّكاكيِّ فناسب المقام إثباته؛ إتمامًا للفائدة.
والبيتُ من الوافر، وقائله البحتريّ؛ ماله ضمن أبيات يمدح بها أبا المعمّر الهيثم بن عبد الله. =