الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يمكن تداركه بالسد وهذا لا سبيل إلى تداركه قالَ يعني الخضر أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قيل زاد في هذه الآية قوله لك لأنه نقض العهد مرتين، وقيل إن هذه اللفظة توكيد للتوبيخ فعند هذا قالَ موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قيل إن يوشع كان يقول لموسى يا نبي الله اذكر العهد الذي أنت عليه، قال موسى إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة فلا تصاحبني، أي فارقني لا تصاحبني قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً قال ابن عباس: أي قد أعذرت فيما بيني وبينك، وقيل معناه اتضح لك العذر في مفارقتي والمعنى أنه مدحه بهذه الطريقة من حيث أنه احتمله مرتين أولا وثانيا مع قرب المدة (ق) عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رحمة الله علينا وعلى موسى وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة فقال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فلو صبر لرأى العجب» قوله ذمامة هو بذال معجمة أي حياء وإشفاق من الذم واللوم، يقال ذممته ذمامة يعني لمته ملامة ويشهد له قول الخضر هذا فراق بيني وبينك.
قوله سبحانه وتعالى فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ قال ابن عباس: يعني أنطاكية وقيل الأيلة وهي أبعد الأرض من السماء وقيل هي بلدة بالأندلس اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما قال أبي بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «أتيا أهل قرية لئاما فطافا في المجلس فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما» . وروي أنهما طافا في القرية فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافاهم فلم يضيفوهما. وعن أبي هريرة قال: أطعمتهما امرأة من أهل بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعا لنسائهم ولعن رجالهم. وعن قتادة قال: شر القرى التي لا تضيف الضيف فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أي يسقط وهذا من مجاز الكلام لأن الجدار لا إرادة له، وإنما معناه قرب ودنا من السقوط كما تقول داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت تقابلها، فاستعير لها النظر كما أستعير للجدار الإرادة. فَأَقامَهُ أي سواه، وفي حديث أبي بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الخضر بيده هكذا فأقامه وقال ابن عباس: هدمه وقعد يبنيه. قالَ يعني موسى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً يعني على إصلاح الجدار جعلا والمعنى أنك قد علمت أنا جياع، وأن أهل القرية لم يطعمونا فلو اتخذت على عملك أجرا.
[سورة الكهف (18): الآيات 78 الى 82]
قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82)
قالَ يعني الخضر هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ يعني هذا وقت فراق بيني وبينك وقيل إن هذا الإنكار على ترك أخذ الأجر هو المفرق بيننا سَأُنَبِّئُكَ أي سوف أخبرك بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً وقيل إن موسى أخذ بثوب الخضر وقال أخبرني بمعنى ما عملت قبل أن تفارقني فقال الخضر أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ قيل كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر، أي يؤجرونها ويكتسبون بها، وفيه دليل على أن المسكين وإن كان يملك شيئا لا يزول عنه اسم المسكنة إذا لم يقم ما يملكه بكفايته، وإن حال الفقير في الضر والحاجة أشد من حال المسكين، لأن الله تعالى سماهم مساكين مع أنهم كانوا يملكون تلك السفينة فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها أي أجعلها ذات عيب وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ أي أمامهم وقيل خلفهم وكان رجوعهم في طريقهم عليه والأول أصح. يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً أي كل سفينة صالحة فخرقتها وعبتها حتى لا يأخذها
الملك الغاصب وكان اسمه الجلندي والأزدي وكان كافرا وقيل اسمه هدد بن بدد، روي أن الخضر اعتذر إلى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ولم يكونوا يعلمون بخبره وقال أردت إذا هي تمر به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها وانتفعوا بها. قوله عز وجل وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أي خفنا والخشية خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون عن علم بما يخشى منه، وقيل معناه فعلمنا أَنْ يُرْهِقَهُما أي يغشيهما وقيل يكلفهما طُغْياناً وَكُفْراً قيل معناه فخشينا أن يحملهما حبه على أن يتبعاه على دينه فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما الإبدال رفع الشيء ووضع آخر مكانه خَيْراً مِنْهُ زَكاةً أي صلاحا وتقوى، وقيل هو في مقابلة قوله تعالى «أقتلت نفسا زاكية» فقال الخضر أردنا أن يرزقهما الله خيرا منه زكاة وَأَقْرَبَ رُحْماً أي ويكون المبدل منه أقرب عطفا ورحمة لأبويه، بأن يبرهما ويشفق عليهما قيل أبدلهما جارية فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبيا فهدى الله على يديه أمة من الأمم وقيل ولدت سبعين نبيا، وقيل أبدلهما بغلام مسلم وقيل إن الغلام الذي قتل فرح به أبواه حين ولد وحزن عليه حين قتل ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض العبد بقضاء الله تعالى فإن قضاء الله سبحانه وتعالى للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب.
قوله سبحانه وتعالى وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قيل كان اسمهما أصرم وصريم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «كان الكنز ذهبا وفضة» أخرجه الترمذي. وقيل كان الكنز صحفا فيها علم. وقال ابن عباس: كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالقدر كيف يغضب، عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يغفل عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي الجانب الآخر مكتوب أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه، والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه. وقيل الكنز إذا أطلق يراد به المال ومع التقييد يراد به غيره، يقال عند فلان كنز علم وكان هذا اللوح جامعا لهما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً قيل إن اسمه كاشح وكان من الأتقياء، قال ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما، وقيل كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء، قال محمد بن المنكدر: إن الله سبحانه وتعالى يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعشيرته وأهل دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم وقال سعيد بن المسيب: إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي. فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما أي يدركا ويعقلا قوتهما، وهو البلوغ وقيل ثمان عشرة سنة. فإن قلت كيف قال في الأولى فأردت وفي الثانية فأردنا وفي الثالثة فأراد ربك وما وجه كل واحدة في هذه الألفاظ. قلت إنه لما ذكر العيب أضافه إلى نفسه على سبيل الأدب مع الله تعالى، فقال فأردت أن أعيبها ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيها على أنه من العلماء العظماء في علم الباطن وعلوم الحكمة، وأنه لم يقدم على مثل هذا القتل إلا بحكمة عالية، ولما ذكر رعاية المصالح في مال اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله سبحانه وتعالى لأن حفظ الأبناء وصلاح أحوالهم لرعاية حق الآباء ليس إلا لله سبحانه وتعالى، فلأجل ذلك أضافه إلى الله تعالى وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما يعني إذا بلغا وعقلا وقويا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي نعمة من ربك وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي أي باختياري ورأيي بل فعلته بأمر الله وإلهامه إياي لأن تنقيص أموال الناس وإراقة دمائهم وتغيير أصولهم، لا يكون إلا بالنص وأمر الله تعالى.
واستدل بعضهم بقوله سبحانه وتعالى وما فعلته عن أمري على أنه الخضر كان نبيا لأن هذا يدل على الوحي وذلك للأنبياء، والصحيح أنه ولي لله وليس بنبي. وأجيب عن قوله سبحانه وتعالى وما فعلته عن أمري إنه إلهام من الله سبحانه وتعالى له بذلك، وهذه درجة الأولياء. وقيل معناه إنما فعلت هذه الأفعال لغرض أن تظهر رحمة الله لأنها بأسرها ترجع إلى معنى واحد وهو تحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى.
ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أي لم تطق أن تصبر عليه. روي أن موسى عليه السلام لما أراد أن