الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنا عذبنا الذين كذبوهم كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
أي مع إنجائهم من العذاب ففيه تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بالظفر في العاقبة والنصر على الأعداء عن أبي الدرداء قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يرد عن عرض أخيه إلا من كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا هذه الآية: وكان حقا علينا نصر المؤمنين» .
أخرجه الترمذي ولفظه: «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» . وقال حديث حسن. قوله عز وجل اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً يعني تنشره فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ يعني مسيرة يوم أو يومين أو أكثر على ما يشاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً أي قطعا متفرقة فَتَرَى الْوَدْقَ أي المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ أي من وسطه فَإِذا أَصابَ بِهِ يعني بالودق مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ يعني يفرحون بالمطر وَإِنْ كانُوا أي وقد كانوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ يعني آيسين فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ يعني المطر والمعنى انظر حسن تأثيره في الأرض وهو قوله تعالى كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى يعني إن الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا أي الزرع بعد الخضرة لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد اصفرار الزرع يَكْفُرُونَ أي يجحدون ما سلف من النعمة والمعنى أنهم يفرحون عند الخصب ولو أرسلت عذابا على زرعهم لجحدوا سالف نعمتي فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ تقدم تفسيره. قوله تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ أي بدأكم وأنشأكم على ضعف وقيل من ماء ذي ضعف وقيل هو إشارة إلى أحوال الإنسان كان جنينا ثم طفلا مولودا ومفطوما فهذه أحوال الضعف ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً يعني من بعد ضعف الصغر شبابا وهو وقت القوة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً يعني هرما وَشَيْبَةً وهو تمام النقصان يَخْلُقُ ما يَشاءُ أي من الضعف والقوة والشباب والشيبة وليس ذلك من أفعال الطبيعة بل بمشيئة الله وقدرته وَهُوَ الْعَلِيمُ بتدبير خلقه الْقَدِيرُ على ما يشاء.
قوله تعالى:
[سورة الروم (30): الآيات 55 الى 60]
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ مُبْطِلُونَ (58) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (59)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ أي يحلف المشركون ما لَبِثُوا أي في الدنيا غَيْرَ ساعَةٍ معناه أنهم استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة وقيل معناه ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ يعني يصرفون عن الحق في الدنيا وذلك أنهم كذبوا في قولهم ما لبثوا غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا يبعثوا.
والمعنى أن الله أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء تبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه وكان ذلك بقضاء الله وقدره ثم ذكر إنكار المؤمن عليهم كذبتهم فقال تعالى وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ أي فيما كتب الله لكم في سابق علمه من اللبث في القبور وقيل معنى الآية وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان يعني الذين يقيمون كتاب الله قالوا للمنكرين قد لبثتم إلى يوم البعث أي في قبوركم فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ أي الذي كنتم تنكرونه في الدنيا وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي وقوعه في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل قوله تعالى فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي لا تطلب منهم العتبى
والرجوع في الآخرة وقيل لا تطلب منهم التوبة التي تزيل الجريمة لأنها لا تقبل منهم. قوله تعالى وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فيه إشارة إلى إزالة الأعذار والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ يعني ما أنتم إلا على باطل وذلك على سبيل العناد. فإن قلت ما معنى توحيد الخطاب في قوله: ولئن جئتهم والجمع في قوله: إن أنتم إلا مبطلون. قلت فيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال ولئن جئتهم بكل آية جاءت بها الرسل ويمكن أن يقال معناه أنكم كلكم أيها الرسل مبطلون كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي توحيد الله فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي في نصرك وإظهارك على عدوك وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ يعني لا يحملنك على الجهل وقيل لا يستخفن رأيك الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ يعني بالبعث والحساب والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.